تُعدّ السيارات التي تعمل بالوقود الأحفوري مساهماً رئيسياً في حالة تغيّر المناخ العالمية، من خلال تسببها في انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري، حيث يُعزى ما يقرب من 15% من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون العالمية إلى قطاع النقل البري الذي يضم سيارات الركاب والشاحنات. ومع اتجاه العالم للبحث عن بدائل مستدامة للسيارات التي تعمل بالوقود، برزت السيارات الكهربائية حلاً واعداً، حيث إن استخدامها محركاً كهربائياً واحداً أو أكثر يعمل بالبطاريات القابلة لإعادة الشحن سوف يؤدي إلى انبعاثات صفرية وتكاليف صيانة أقل بكثير مقارنة بالسيارات التقليدية التي تعمل بالوقود الأحفوري.
5 معلومات غير صحيحة عن السيارات الكهربائية ينبغي لك معرفتها
تأتي أهمية قطاع السيارات الكهربائية من أن شركات صناعة سيارات كبرى قد تعهدت تقريباً بجعلها منتجها الرئيسي في المستقبل القريب، وأنها ستتخلى عن إنتاج السيارات التي تعمل بالوقود الأحفوري. ومع ذلك نجد أن بعض المستهلكين خاصة في منطقتنا العربية لا يزالون متشككين في مدى جودتها مدفوعين ببعض المفاهيم الخاطئة حولها والتي نتناول في هذا المقال أبرزها وبيان مدى خطئها.
1- بطاريات السيارات الكهربائية لا تدوم طويلاً
إحدى المعلومات المنتشرة بكثرة حول السيارات الكهربائية نجدها متعلقة بأغلى مكوناتها، وهي حزم البطاريات الموجودة على متنها التي يعتقد الكثيرون أنها لا تدوم طويلاً، ولكن بالنظر إلى قصة صاحب سيارة تسلا إس (Tesla Model S) الذي استبدل البطارية بعد قطعه نحو 77 ألف كيلومتر، أي ما يعادل 10 أعوام من القيادة، نجد أن هذه المعلومة غير صحيحة، حيث يُسلّط هذا الإنجاز الضوء ليس فقط على متانة تقنية بطارية سيارات تسلا، لكن أيضاً على إمكانية تحمل السيارات الكهربائية الاستخدام المكثّف مع الحفاظ على الأداء.
أمّا عن صحة البطارية والتي تعنى بمستويات التدهور في كفاءة الشحن والتخزين، وجدت دراسة أُجريت عام 2019 شملت 21 طرازاً من السيارات الكهربائية على مدار 5 سنوات من القيادة، أن بطارياتها فقدت في المتوسط 2.3% فقط من السعة سنوياً، وعند تحديث الدراسة مرة أخرى عام 2024، أشارت النتائج إلى أن بطاريات السيارات الكهربائية قد تحسنت بشكلٍ كبير، حيث تدهورت بنسبة 1.8% سنوياً في المتوسط، وهو ما يعني أن البطارية يمكنها العمل مدة 20 عاماً أو أكثر إذا واصلت التدهور بالمستوى نفسه.
اقرأ أيضاً: السعودية تبتكر حلولاً لمواجهة تحديات صناعة السيارات الكهربائية
2- السيارات الكهربائية باهظة الثمن
وفقاً لاستطلاع حديث أجراه معهد سياسة الطاقة في جامعة شيكاغو (EPIC) ومركز أسوشيتد برس-نورك لأبحاث الشؤون العامة في أميركا، التي تُعدّ إحدى أكبر أسواق السيارات الكهربائية في العالم، وشمل أكثر من 6 آلاف شخص، أن نحو 6 من كل 10 أميركيين ينظرون إلى توفير المال المنفق على الصيانة سبباً لشراء سيارة كهربائية إلى جانب اهتمامهم الشخصي بالتغيّر المناخي، ما ينبئ بأن السعر قد يكون عاملاً غير حاسم عند التفكير في شراء سيارة كهربائية، والذي بالفعل يُعدّ مرتفعاً بالنسبة للكثيرين، خاصة في قطاع السيارات الكهربائية الفاخرة، إلّا أنه مقارنة بالفوائد المستقبلية قد تكون التكلفة العالية لها أسباب منطقية.
على سبيل المثال، مقارنة بالسيارات التي تعمل بالوقود، يمكن أن تكون تكلفة القيادة مسافة طويلة أقل بكثير، وتؤدي إلى توفير المبالغ التي تُنفق على الوقود، بالإضافة إلى ذلك تحتوي السيارات الكهربائية على أجزاء متحركة أقل ولا تتطلب العديد من مهام الصيانة الروتينية المرتبطة بسيارات الوقود، ما قد يؤدي إلى توفير الكثير من الأموال على مدار عمر السيارة.
اقرأ أيضاً: ما هي أبرز تحديات نشر السيارات الكهربائية في المنطقة العربية؟
3- السيارات الكهربائية أبطأ من سيارات الوقود
تُتيح معظم السيارات الكهربائية تسارعاً فائقاً مقارنة بنظيراتها التي تعمل بالوقود، بسبب كفاءة عزم الدوران الفوري والذي يُعدّ ضرورياً لتسارع السيارة والأداء العام، ما يسمح لها بالتسارع بشكلٍ أسرع مقارنة بالسيارات التي تعمل بالوقود الأحفوري، والتي تتطلب وقتاً للتحضير. وهذا يعني أن العديد من السيارات الكهربائية يمكنها الانتقال من 0 إلى 60 ميلاً في الساعة (96.5 كم/ساعة) في وقتٍ أقل بكثير من نظيراتها العاملة بالوقود الأحفوري. على سبيل المثال، حققت بعض سيارات تسلا تسارعاً في أقل من ثانيتين فقط.
بالإضافة إلى ذلك، بسبب هذه الميزة فإن السيارات الكهربائية عملية للغاية في حالات اختناق المرور الثابتة أو المتحركة، حيث لا تستخدم مجموعة نقل الحركة في السيارة أي طاقة في حالة الوقوف التمهيدي مقارنة بالسيارات التي تعمل بالوقود الأحفوري، التي تحتاج في المتوسط إلى حرق 1 – 0.5 غالون (كل 1 غالون يساوي 3.7 لترات) من الوقود الأحفوري في الساعة أثناء تباطؤ محركها.
اقرأ أيضاً: ما سر هيمنة الصين على سوق السيارات الكهربائية؟
4- بطاريات المركبات الكهربائية غير قابلة لإعادة التدوير
إذا قررت شراء سيارة كهربائية من منطلق المساهمة في الحد من انبعاثات الكربون فقد تكون مسألة إعادة التدوير أحد اهتماماتك، لهذا السبب تعمل العديد من شركات التصنيع على التغلب على التحديات لتحسين معدلات إعادة التدوير. على سبيل المثال، أطلقت شركة نيسان مبادرة تهدف إلى إعادة استخدام بطاريات الليثيوم أيون مرة أخرى، كما بنت شركة فولكس فاغن مصنعاً مخصصاً لإعادة التدوير في ألمانيا، بالإضافة إلى الشركات الناشئة التي تستخدم أحدث التكنولوجيات لتفكيك البطاريات وإعادة تدويرها مرة أخرى.
علاوة على ذلك، يمكن إعادة استخدام العديد من البطاريات عند نهاية عمرها الافتراضي لتخزين الطاقة بغرض الاستخدام قبل الوصول إلى مرحلة إعادة التدوير النهائية، كما أن التشريعات والقوانين في العديد من دول الاتحاد الأوروبي ألزمت الشركات المصنّعة باستعادة المعادن الثمينة من البطاريات المستعملة بهدف تعزيز الاقتصاد الدائري.
اقرأ أيضاً: كيف تتم إعادة تدوير بطاريات السيارات الكهربائية؟
5- عدم وجود محطات شحن كافية
في حين كانت المخاوف المبكرة بشأن توفر البنية التحتية للشحن صحيحة في بدايات انتشار السيارات الكهربائية، إلّا أن هذه المخاوف بدأت بالانحسار مع تركيز الشركات المصنّعة والشركات الخاصة على توفير منافذ الشحن في معظم الأماكن العامة مثل محطات الوقود والمطارات والطرق السريعة ومراكز التسوق وأماكن العمل، وحتى في المنازل، مدفوعة بزيادة الحوافز الحكومية واستثمارات البنية التحتية وتطوير حلول شحن مبتكرة مثل تقنيات الشحن السريع واللاسلكي.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن حل أزمة شواحن السيارات الكهربائية؟
كيف يبدو مشهد تبنّي السيارات الكهربائية في المنطقة العربية؟
وفقاً لتقرير شركة الأبحاث (6Wresearch)، فإن دول المنطقة العربية بدأت الاتجاه بقوة نحو الاستثمار في مجال السيارات الكهربائية وتعزيز استخدامها وسط مواطنيها، حيث من المتوقع أن تنمو سوق السيارات الكهربائية في المنطقة بنسبة 28.9% بحلول عام 2028، ويعود ذلك بصورة أساسية إلى الجهود المبذولة للحد من الاعتماد على النفط وتعزيز مصادر الطاقة المتجددة خاصة في دول منطقة الخليج.
وتقود دولة الإمارات تبنّي السيارات الكهربائية في المنطقة بمبيعات وصلت إلى 35 ألف سيارة عام 2023، بينما جاءت المملكة العربية السعودية ثانياً بمبيعات وصلت إلى نحو 1500 سيارة عام 2023، كما تُعدّ المبادرات الحكومية واحدة من أهم الاستراتيجيات التي تتبعها دول المنطقة لتشجيع المواطنين إلى الانتقال إلى السيارات الكهربائية.
اقرأ أيضاً: لماذا يعتبر توفر محطات الشحن الكافي ضرورياً لانتشار السيارات الكهربائية؟
على سبيل المثال، تهدف الإمارات العربية المتحدة إلى أن تكون 50% من السيارات على طرقاتها كهربائية بحلول عام 2050، كما يستثمر صندوق الاستثمار العام في المملكة العربية السعودية بكثافة في القطاع وتطوير بنيته التحتية، وتهدف دولة عمان إلى تحويل نحو 10% من سياراتها إلى كهربائية بحلول عام 2030.
بينما تعمل دول أخرى مثل مصر وتونس والبحرين على تقديم حوافز، مثل الإعفاءات الضريبية وحوافز الشراء ومرافق الشحن المجانية، من أجل تشجيع المستثمرين والمواطنين على شراء السيارات الكهربائية، كما خفّض الأردن مؤخراً الرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية بنسبة 50% لتشجيع شراء السيارات الكهربائية داخل البلاد.
اقرأ أيضاً: منشآت ومصانع واتفاقيات يشهدها قطاع السيارات الكهربائية في السعودية
أبرز التحديات التي تواجه انتشار السيارات الكهربائية في المنطقة العربية
على الرغم من الجهود الكبيرة المبذولة في دول المنطقة العربية لتشجيع مواطنيها على شراء السيارات الكهربائية، فإنها تواجه الكثير من التحديات الخاصة المتعلقة بها دوناً عن بقية الدول التي تخطو خطواتها الأولى في هذا القطاع، ومن ضمن هذه التحديات ما يلي:
القبول الاجتماعي وإدراك المستهلك
التصورات السلبية: هناك نقص كبير في القبول الاجتماعي فيما يتعلق بالسيارات الكهربائية في بعض الدول العربية مدفوعاً بالتصورات السلبية بين المواطنين، حيث لا يزال العديد من المستهلكين متشككين في جدواها وموثوقيتها، ما يعوق رغبتهم في التحول من السيارات التقليدية التي تعمل بالوقود الأحفوري إلى السيارات الكهربائية.
الارتباط الثقافي بالنفط: يسهم اعتماد دول المنطقة العربية، وخاصة دول الخليج، على النفط محركاً اقتصادياً أساسياً في تباطؤ التبنّي بشكلٍ كبير، حيث يستمر النفط في توليد عائدات كبيرة للعديد من البلدان في المنطقة، ما يجعل التحول إلى التنقل الكهربائي أقل إلحاحاً.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن تحويل صناعة السيارات إلى صناعة صديقة للبيئة؟
العوامل الاقتصادية
تكاليف الشراء: تشكّل التكاليف الأولية لشراء السيارات الكهربائية عائقاً كبيراً لدى مواطني دول المنطقة العربية، حيث لا يزال العديد من المستهلكين يجدون أن السيارات الكهربائية باهظة الثمن مقارنة بالسيارات التقليدية.
توفر محدود للطرز: لا تتوافق العروض الحالية في سوق السيارات الكهربائية بشكلٍ جيد مع تفضيلات المستهلكين. على سبيل المثال، يُفضّل العديد من المستهلكين في دول الخليج سيارات الدفع الرباعي التي لا تتوفر منها طرز كهربائية متنوعة في السوق.
قيود البنية التحتية
البنية التحتية للشحن: تفتقر العديد من البلدان في المنطقة العربية إلى محطات شحن كافية. على سبيل المثال، يوجد أقل من 0.1 محطة شحن لكل ألف نسمة في بعض الدول مقارنة بـ 1.6 في الصين، هذا النقص الكبير يشكّل مصدرَ قلقٍ بشأن المدى بين مستخدمي السيارات الكهربائية المحتملين.
التحديات الجغرافية: تعقد البيئة الجبلية الممتدة على مساحات شاسعة في بعض البلدان من إنشاء بنية تحتية شاملة للشحن، خاصة في الطرق الطويلة، كما أن درجات الحرارة المرتفعة التي تتميز بها بعض الدول تُشكّل عائقاً في إنتاج سيارات مخصصة لهذه البيئة.