لماذا أنفقت شركة أوبن أيه آي أكثر من 10 ملايين دولار لشراء اسم النطاق Chat.com؟

5 دقيقة
حقوق الصورة: إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية. تصميم: إيناس غانم.

بتاريخ 6 نوفمبر من العام الجاري، نشر الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة أوبن أيه آي منشوراً مثيراً للاهتمام على منصة إكس، يتضمن عنوان موقع يُسمَّى chat.com دون ذكر أي تفاصيل أخرى. ولكن بالضغط على رابط الموقع سيتحول المستخدم تلقائياً إلى الموقع الرسمي لبوت الدردشة تشات جي بي تي على الويب، ما أثار فضول الكثير من المتابعين والمراقبين.

وبينما قد يبدو الأمر عادياً للبعض، فإنه بالبحث يتبين أن استحواذ شركة أوبن أيه آي على اسم النطاق الجديد رافقته دراما مثيرة للاهتمام، كشفت عن عملية شراء أجرتها الشركة للحصول على اسم النطاق كلفتها مبلغاً يتكون من ثمانية أرقام، فلماذا أنفقت الشركة هذه الملايين كلّها على شراء اسم النطاق القصير؟ وما هي دوافعها للقيام بذلك؟ وماذا يمثّل الأمر بالنسبة لمستقبل الشركة؟

تعريف أسواق أسماء النطاقات وأغلى الصفقات التي تمت فيها

تُعدّ سوق النطاقات (Domain Marketplace) التي تتضمن العديد من الأسواق أشهرها غو دادي (godaddy)، إحدى أقدم الأسواق التي ظهرت مع انتشار الإنترنت، حيث يتسابق الكثير من المستثمرين لشراء أسماء النطاقات أو حجزها (من خلال إنشائها والاحتفاظ بها)، باعتبارها استثماراً طويل الأجل قد يأتي أُكله في يوم الأيام.

وتأتي أهمية السوق في أن معظم الشركات أو الأعمال الناشئة تُدرك أهمية وجود موقع إلكتروني لها باسم قريب أو يتطابق مع اسم الشركة على شبكة الإنترنت، لذا في حالة استنفادها حلول إنشاء اسم نطاق لها أو أن الاسم الذي تريده كان محجوزاً مسبقاً، فإنها لاختصار الوقت والجهد تلجأ إلى التفاوض مع مالك اسم النطاق عبر مسؤولي السوق لشرائه.

وهنا يتوقف الأمر على شهرة الشركة أو مجال عملها، ومن ثَمَّ سيكون المستثمر أو من يمتلك اسم النطاق محظوظاً للغاية إذا كانت شهرة الشركة قد تخطت الآفاق، مثل شركة أوبن أيه آي، التي كانت مرغمة وفقاً لأهدافها الجديدة على التفاوض مع مالك اسم النطاق على شرائه بمبلغ لم يُعلن رسمياً عنه. ولكن وفق العديد من التقارير قد تنضم عملية الشراء إلى قائمة طويلة من أغلى الصفقات المعلنة التي شهدتها سوق أسماء النطاقات حتى الآن.

اقرأ أيضاً: ما هي الدروس التي يجب أن تتعلمها شركات التكنولوجيا من الدعوى التي رفعتها نيويورك تايمز على أوبن أيه آي؟

على سبيل المثال، يُعدّ الرقم القياسي لأغلى اسم نطاق حتى الآن هو (cars.com) والذي تم شراؤه بمبلغ وصل إلى نحو 872 مليون دولار عام 2014. ويرجع السعر العالي لاسم النطاق في المقام الأول إلى القيمة الهائلة لاسم العلامة التجارية ودورها الحاسم في توليد حركة المرور، حيث يُعدّ الآن هذا الموقع الأكثر استخداماً لشراء السيارات وبيعها عبر الإنترنت في الولايات المتحدة مع معدل زيارات يصل إلى نحو 28 مليون زيارة شهرياً، ما يخبرنا بأهمية اسم النطاق لأي شركة تتطلع إلى بناء علامة تجارية قوية وراسخة في أذهان مستخدمي الإنترنت.

جدير بالذكر أنه من الصعب تحديد أسماء النطاقات الأكثر تكلفة لأن الأطراف المعنية (البائع والمشترى) غالباً ما يحاولون الحفاظ على خصوصية المعلومات. لذا، في بعض الأحيان لا تُكشف المبالغ المالية المصاحبة لعمليات شراء العديد من أسماء النطاقات ذات القيمة العالية علناً بسبب اتفاقيات عدم الإفصاح.

نظرة مستقبلية جلبت لصاحبها أسهماً في شركة أوبن أيه آي

وفقاً لموقع Who.is، فإن اسم النطاق (chat.com) تم تسجليه أول مرة في شهر سبتمبر من عام 1996 وانتقلت ملكيتها عدة مرات حتى استقرت أخيراً لدى المؤسس والرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في شركة هوب سبوت (HubSpot) دارميش شاه (Dharmesh Shah)، الذي اشتراه في شهر أبريل من عام 2024 بمبلغ يصل إلى 15.5 مليون دولار.

أمّا سبب شرائه اسم النطاق، فهو أنه كان مؤمناً بصعود واجهات المحادثة القائمة على الدردشة (Conversational User Interface، اختصاراً سي يو آي CUI)، حيث ذكر في منشور له على منصة لينكدإن أن هذه الأدوات تُعدّ الشيء الكبير التالي في مشهد الذكاء الاصطناعي، حيث ذكر أن التواصل مع أجهزة الكمبيوتر من خلال واجهة لغة طبيعية يُعدّ أكثر سهولة، وأن شخصاً ما أو شركة ناجحة سوف يأتي ليبني منتجاً يتطابق مع رؤيته.

بالإضافة إلى ذلك ووفقاً لتصريح أدلى به لموقع أكسيوس (axios) الإخباري، فإنه عند شرائه اسم النطاق في بداية عام 2024 لم يكن ينوي بيعه بل كان يُخطط في الأصل لإنشاء تطبيق مشابه لبوت الدردشة تشات جي بي تي، لأنه في ذلك الوقت لم يكن يعتقد أن شركة أوبن أيه آي لديها الرغبة في إنشاء تطبيق يحمل الاسم نفسه أو مقارباً لفكرته

وأضاف أنه بمجرد أن أدرك أن الشركة جادة في الالتزام بتطوير بوت الدردشة تشات جي بي تي، وهو ما حدث بالفعل، اكتشف أنه دخل في منافسة عن طريق الخطأ مع شركة أوبن أيه آي، لذلك قرر بيع اسم النطاق لها، لأنه -بحسب تعبيره- ليس ذكياً بما يكفي للتنافس ضد شركة بحجم شركة أوبن أيه آي.

وقد راجت بالفعل أخبار منذ العام الماضي بشراء شخص أو شركة مجهولة الهوية اسم النطاق chat.com بعد شهرين فقط من استحواذه عليه، حتى جاء المدير التنفيذي لشركة أوبن أيه آي سام ألتمان ليؤكد عبر تغريدته الأخيرة أن اسم النطاق المكون من 4 أحرف فقط أصبح مملوكاً للشركة بعد عملية شراء لم يُفصح عن قيمتها من قِبل الشركة، ولكن قُيمت في نطاق 8 أرقام مدفوعة من خلال الأسهم وليست نقداً بحسب تأكيد المالك نفسه.

اقرأ أيضاً: كيف جعل تشات جي بي تي شركة أوبن أيه آي لاعباً مهماً في مجال الذكاء الاصطناعي

لماذا أنفقت شركة أوبن أيه آي ملايين الدولارات لشراء اسم النطاق chat.com؟

يمثّل استحواذ شركة أوبن أيه آي على اسم النطاق Chat.com حدثاً بارزاً في سوق أسماء النطاقات، نظراً إلى تميز اسم النطاق نفسه وارتباطه بصورة مباشرة بنموذج عمل الشركة. ووفقاً للخبراء، فإن أحد الدوافع الأساسية وراء استحواذ الشركة على اسم النطاق هو بناء علامة تجارية أكثر توحيداً وتميزاً، حيث إن اسم النطاق (Chat.com) ليس قصيراً وسهل التذكر فحسب، بل يتوافق أيضاً بشكلٍ مباشر مع منتج الشركة الرئيسي بوت الدردشة تشات جي بي تي.

ومن ثَمَّ من خلال امتلاك اسم النطاق هذا يمكن للشركة الآن تبسيط جهود العلامة التجارية الخاصة بها، ما يسهّل على المستخدمين ربط اسم النطاق بمنتج الشركة الرئيسي بوت الدردشة تشات جي بي تي وغيره من المنتجات الأخرى التي تعمل عليها الشركة حالياً ومستقبلياً.

وبعبارة أخرى، كما ارتبط اسم النطاق (google.com) على مرّ السنين بشركة جوجل ومنتجها الرئيسي محرك البحث، فإن شركة أوبن أيه آي تريد العمل على الأمر نفسه، حيث تريد ترسيخ فكرة أنه كلما ذُكرت كلمة محادثة (chat)، قفز للأذهان مباشرة بوت الدردشة تشات جي بي تي.

اقرأ أيضاً: كيف جعل تشات جي بي تي شركة أوبن أيه آي لاعباً مهماً في مجال الذكاء الاصطناعي

علاوة على ذلك في صناعة الذكاء الاصطناعي شديدة التنافسية، يُعدّ امتلاك مكانة قوية في السوق أمراً بالغ الأهمية، ومن ثَمَّ من خلال الاستحواذ على اسم النطاق Chat.com فإن شركة أوبن أيه آي لا تُعزّز هويتها التجارية فحسب، بل يبدو أنها تتخذ خطوة محسوبة للتأكد من أن تجربة استخدام بوت الدردشة تشات جي بي تي ستكون مرتبطة بعلامتها التجارية الآن وعند إطلاق منتجاتها الجديدة.

بالإضافة إلى ذلك، مع هذا الاستحواذ تريد الشركة أن تكتسب ميزة تنافسية على المنافسين، حيث إن بساطة اسم النطاق وصلته بمنتجها الرئيسي تشات جي بي تي يجعلان اسم النطاق جاذباً للمستخدمين ويسهمان في الاحتفاظ به، كما يضع الشركة في مكانة رائدة في صناعة الاصطناعي، ما يعزّز التزامها بالابتكار والتميز.

  

المحتوى محمي