حل شتاء العملات المشفرة على عالم البلوك تشين بعد أن تراجعت أسعارها، وبدأ البرد القارس يلسع الجميع، باستثناء واحدة من أكثر شركات تحويل العملات شعبية في العالم، والتي يبدو أنها تنعم بطقس خاص بها. فعلى الرغم من التراجع العام للسوق، تواصل باينانس صعودها الصاروخي، والذي بدأ خلال ازدهار السوق في 2017. يعود جزء كبير من هذا النعيم إلى أن الشركة ما زالت تعمل وكأن ازدهار السوق لم ينته حتى الآن، خصوصاً من ناحية الاندفاع الجنوني نحو الطرح الأولي للعملات المشفرة (ICO اختصاراً). فقد خصصت منصة جديدة لهذه المبيعات، واستخدمتها في ثلاثة عمليات طرح أولي لهذه السنة. ومنذ فترة قريبة، تمكنت الشركة الناشئة سيلر نيتوورك التي تعمل في مجال توسيع أنظمة البلوك تشين من جمع 4 مليون دولار في أقل من 20 دقيقة عبر هذه المنصة، والتي تحمل اسم باينانس لانشباد.
ولكن الاستراتيجية العامة لشركة باينانس، والتي يبدو أنها تعتمد على تفادي المسؤولية القانونية بالتهرب المستمر من صانعي السياسة حول العالم، تحمل مخاطرة واضحة بالوقوع في الفخ في نهاية المطاف.
تشتهر باينانس بسياساتها المتراخية نسبياً فيما يتعلق بالتحقق من هويات مستخدميها، وهو ما يتضارب مع قوانين مكافحة غسيل الأموال في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية وغيرها من الاقتصادات الكبيرة. كما أنها تتعامل مع أكثر من مائة عملة مشفرة، بما فيها الكثير من العملات الغامضة ومجهولة المصدر، والتي تم توزيعها عبر عمليات طرح أولي مماثلة لما أدى بالحكومة الأميركية إلى الملاحقة القانونية لمبيعات سندات الضمان غير المسجلة. (لم تكن عمليات الطرح الأولي للعملات المشفرة على لانشباد متاحة للمستثمرين في الولايات المتحدة).
لم تكن مبيعات العملات مقتصرة على الأثرياء والمؤسسات المالية، بل كانت متاحة أيضاً للمستثمرين العاديين، ولكن هذا النوع من المبيعات توقف في الكثير من البلدان وسط تدقيق شديد من المسؤولين الحكوميين الذين فرضوا قوانين حماية المستثمرين في أسواق سندات الضمان. ولكن باينانس لا تكترث لكل هذا. فإضافة إلى عملية الطرح الأولي الأخيرة، قامت أيضاً مؤخراً باستضافة عمليات عرض ناجحة للعملات من بيت تورنت والشركة الناشئة فيتش إيه آي التي تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي.
قد ينظر المسؤولون الحكوميون أيضاً إلى عملة باينانس (والتي ارتفعت قيمتها بنسبة 100% خلال الأشهر الماضية، وأصبحت السابعة من حيث القيمة) على أنها سند ضمان أيضاً. كما أنه من المؤكد أن مؤسسة التحويل اللامركزي للعملات المشفرة، والتي تعمل باينانس على اختبارها حالياً، ستثير تحفظهم.
على ما يبدو، يعتقد المدير التنفيذي الشرس لهذه المؤسسة، تشانجبينج زاو (الذي يحمل في أوساط العملات المشفرة لقب سي زد)، أن باينانس تستطيع تجاوز المتطلبات القانونية عن طريق حصر تعاملها بالحكومات الصديقة للعملات المشفرة. ففي البداية، قام بنقل المقر الرئيسي للشركة من الصين إلى اليابان. وبعد أن بدأ المسؤولون اليابانيون بالتدقيق في عمل شركات تحويل العملات في العام الماضي، هرعت باينانس إلى مالطا، وهي إحدى البلدان التي فرشت السجاد الأحمر ترحيباً بشركات العملات المشفرة. وبدأت باينانس بعد ذلك بعقد سلسلة من صفقات الأعمال مع حكومات أخرى صديقة للعملات المشفرة، بما فيها حكومات برمودا، وأوغندا، وسنغافورة، والأرجنتين.
ولكن هل تستطيع هذه الاستراتيجية التي تتطلب التنقل في جميع أنحاء العالم، والمسماة "المضاربة القانونية"، أن تحافظ على استمرارها على المدى الطويل؟ أقيمت ندوة استثمارية في مهرجان ساوث باي ساوث ويست، وفي هذه الندوة، قال كايل ساماني المؤسس المشارك لشركة المحفظة الوقائية للعملات المشفرة مالتيكوين كابيتال (والتي استثمرت في باينانس) أنه من المرجح أنه لم يعد بإمكان المسؤولين الحكوميين كبح جماح هذه الشركة: "يمكنك أن تقول أن هذه الشركة مخالفة للقانون، ويمكنك أن تحاول حظر عناوينها الإلكترونية، ولكن ليس من المؤكد أن هذا الأمر سينفع حقاً. يمكنك أيضاً أن تفرض عليهم غرامات مالية، ولكنهم يجنون الكثير من الأرباح لدرجة أن هذه الغرامات لن تغير شيئاً. من غير المرجح أن أعضاء الإدارة الأساسية سيدخلون السجن، فمن شبه المؤكد أنهم في بلد لا يمكن اعتقالهم فيه". ويعتبر ساماني أن باينانس "أهم شركة في مجال العملات الرقمية".
لا يمكن أن ننكر أن باينانس أصبحت من الشركات المؤثرة على مستوى العالم، ولكن هل أنت مستعد للمراهنة على قدرتها على مواصلة التهرب من القانون؟