يبدو أن كشف شركة جوجل مؤخراً عما تسميه "فئة جديدة من تجارب الوكلاء" يمثل نقطة تحول. ففي مؤتمرها للمطورين المعروف باسم "آي/أو" لعام 2025 في مايو/أيار على سبيل المثال، عرضت الشركة مساعداً رقمياً لم يكتف بالإجابة عن الأسئلة فحسب، بل ساعد في إصلاح دراجة هوائية من خلال العثور على دليل المستخدم المطابق، والعثور على فيديو تعليمي على منصة يوتيوب، وحتى الاتصال بمتجر محلي للاستفسار عن قطعة غيار، وفعل ذلك كله بأقل قدر من التدخل البشري. يمكن أن تمتد هذه القدرات قريباً خارج نطاق منظومة العمل المتكاملة التي تخص جوجل. وقد طرحت الشركة معياراً مفتوحاً للتخاطب بين وكلاء الذكاء الاصطناعي يسمى "وكيل إلى وكيل" أو "أيه تو أيه" (A2A)، والذي يهدف إلى تمكين الوكلاء من شركات مختلفة من التواصل فيما بينها والعمل معاً.
تبدو الرؤية المطروحة مثيرة للحماسة، فهي تتحدث عن وكلاء برمجيين أذكياء يتعاونون في العمل وكأنهم زملاء عمل رقميون، حيث يحجزون رحلاتك، ويعيدون جدولة اجتماعاتك، ويسجلون النفقات، ويتواصلون فيما بينهم خلف الكواليس لإنجاز المهام. ولكن إذا لم نتوخ الحذر، فسنفسد الفكرة برمتها قبل أن تتاح لها الفرصة لتحقيق فوائد حقيقية. فكما هي الحال مع العديد من التوجهات التكنولوجية الرائجة، ثمة مخاطر تتمثل بأن يتفوق الضجيج المثار حول هذه الفكرة على الواقع. وعندما تخرج التوقعات عن نطاق السيطرة، فإن رد الفعل العنيف لن يكون بعيداً عن الواقع.
سقف توقعات مرتفع يصطدم بالاختلاف على التعريف
لنبدأ بمصطلح "الوكيل" نفسه. هذا المصطلح مستخدم حالياً في كل شيء، بدءاً من البرامج النصية البسيطة إلى مهام سير العمل المعقدة المنفذة بالذكاء الاصطناعي. لا يوجد تعريف مشترك، ما يترك مجالاً واسعاً للشركات لتسويق عمليات الأتمتة الأساسية المبسطة على أنها أكثر تطوراً بكثير مما هي عليه. هذا النوع من "غسل الوكلاء" لا يربك العملاء فحسب، بل يثير خيبة أملهم. نحن لا نحتاج بالضرورة إلى معيار صارم، لكننا نحتاج بالفعل إلى توقعات أوضح حول ما يفترض بهذه الأنظمة أن تفعله، ومدى استقلالية عملها، ومدى موثوقية أدائها.
وتعد الموثوقية التحدي الكبير خلال المرحلة المقبلة. فمعظم الوكلاء اليوم مدعومون بنماذج لغوية كبيرة، تولد إجابات احتمالية. هذه الأنظمة قوية، ولكن لا يمكن التنبؤ بها أيضاً. فقد تختلق الأشياء، أو تخرج عن مسارها، أو تخفق بطرق تصعب ملاحظتها، خاصة عندما يطلب منها إنجاز مهام متعددة الخطوات، مع الاستعانة بأدوات خارجية وربط المخرجات التي تقدمها النماذج اللغوية الكبيرة معاً. لنتناول مثالاً حدث مؤخراً، إذ أبلغ وكلاء الدعم الآلي مستخدمي مساعد البرمجة الشهير "كيرسور" (Cursor) الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي، أنهم لن يتمكنوا من استخدام البرنامج على أكثر من جهاز واحد. انتشرت شكاوى وتقارير واسعة النطاق عن إلغاء المستخدمين لاشتراكاتهم. ولكن اتضح أن هذه السياسة لم تكن موجودة، والذكاء الاصطناعي هو من ابتدعها.
ضرورة النظر بواقعية إلى وكلاء الذكاء الاصطناعي
في بيئة المؤسسات، يمكن أن يسبب هذا النوع من الأخطاء أضراراً جسيمة. علينا التوقف عن التعامل مع النماذج اللغوية الكبيرة على أنها منتجات قائمة بذاتها، والبدء ببناء أنظمة متكاملة حولها؛ أنظمة تأخذ في الحسبان انعدام اليقين، وتراقب المخرجات، وتدير التكاليف، وتعتمد مستويات حماية مدمجة لتوخي السلامة والدقة. يمكن أن تساعد هذه التدابير على ضمان التزام المخرجات بالمتطلبات التي يعبر عنها المستخدم، والالتزام بسياسات الشركة فيما يتعلق بالوصول إلى المعلومات، واحترام قضايا الخصوصية، وما إلى ذلك. وتتحرك بعض الشركات، بما فيها شركة أيه آي 21 (التي شاركت في تأسيسها والتي تلقت تمويلاً من جوجل)، بالفعل في هذا الاتجاه، إذ تغلف النماذج اللغوية في بنى أكثر تنظيماً ومراعاة للدقة. يتميز أحدث إصداراتنا، ويسمى "مايسترو" (Maestro)، بأنه مصمم لضمان موثوقية المؤسسة، حيث يجمع بين النماذج اللغوية الكبيرة وبيانات الشركة والمعلومات العامة وغيرها من الأدوات لضمان مخرجات يمكن الاعتماد عليها.
اقرأ أيضاً: كيف نجح وكيل الذكاء الاصطناعي مانوس في إحداث طفرة في هذا المجال؟
بوتوكول وكيل إلى وكيل (أيه تو أيه)
ومع ذلك، حتى أذكى وكيل لن يكون مفيداً بمفرده. فلكي ينجح أي نموذج يعتمد على الوكيل في عمله، يجب أن تتعاون مجموعة مختلفة من الوكلاء (حجز رحلتك، والتحقق من حالة الطقس، وتقديم تقرير النفقات) دون إشراف بشري مستمر. وهنا يأتي دور بروتوكول أيه تو أيه من جوجل. فقد صممته الشركة ليكون لغة عالمية تتيح للوكلاء الإفصاح عن قدراتهم وتقسيم المهام فيما بينهم. إنها فكرة رائعة من حيث المبدأ.
من الناحية العملية، لا يزال البروتوكول أيه تو أيه قاصراً. فهو يحدد كيفية تواصل الوكلاء فيما بينهم، ولكنه لا يحدد مقاصدهم فعلياً. إذا قال أحد الوكلاء إنه يمكنه توفير معلومات عن "أحوال الرياح"، فعلى وكيل آخر أن يخمن إن كان ذلك مفيداً لتقييم حالة الطقس على مسار رحلة جوية. من دون مفردات أو سياق مشترك، يصبح التنسيق هشاً. لقد رأينا هذه المشكلة من قبل في الحوسبة الموزعة، وحلها على نطاق واسع ليس بالأمر الهين.
ثمة أيضاً افتراض بأن الوكلاء متعاونون بطبيعتهم. قد ينطبق ذلك على منظومة العمل داخل جوجل أو أي شركة أخرى، لكن في العالم الحقيقي، سيمثل الوكلاء موردين أو عملاء أو حتى منافسين مختلفين. على سبيل المثال، إذا كان وكيلي الذي يخطط رحلاتي يطلب عروض أسعار من وكيلك الذي يتولى حجز تذاكر الطيران نيابة عنك، وكان وكيلك لديه عوامل محفزة لتفضيل شركات طيران معينة، فقد لا يتمكن وكيلي من الحصول على المسار الأفضل للرحلة أو الأقل تكلفة. ومن دون وجود طريقة ما للمواءمة بين العوامل المحفزة من خلال العقود أو المدفوعات أو آليات نظرية الألعاب، فقد يكون ضرباً من الخيال أن نتوقع التعاون السلس بينهما.
لا شيء من هذه المشاكل يستعصي على الحل. إذ يمكن تطوير دلالات مشتركة، ويمكن أن تتطور البروتوكولات. ويمكن تعليم الوكلاء التفاوض والتعاون بطرق أكثر تطوراً. لكن هذه المشاكل لن يكون حلها تلقائياً، وإذا تجاهلناها، فإن مصطلح "الوكيل" سيصبح مثل غيره من المصطلحات الطنانة التقنية الأخرى المبالغ فيها. وبالفعل، بدأ بعض الرؤساء التنفيذيين لتكنولوجيا المعلومات يبدون استياءهم عند سماعه.
اقرأ أيضاً: ما أبرز ما كشفت عنه جوجل في مؤتمرها السنوي Google I/O 2025؟
حماسة تخفي المعضلات
هذا يمثل جرس إنذار، فنحن لا نريد للحماسة أن تخفي المعضلات، فنترك المطورين والمستخدمين يكتشفونها بعد تجربة مريرة ويتكون لديهم منظور سلبي عن المسعى بأكمله. سيكون ذلك مؤسفاً للغاية، فالإمكانات التي يحملها هذا المجال حقيقية. لكننا في حاجة إلى أن نرتقي إلى مستوى الطموح من خلال التصميم المدروس والتعريفات الواضحة والتوقعات الواقعية. إذا تمكنا من فعل ذلك، فلن يكون وكلاء الذكاء الاصطناعي مجرد توجه عابر آخر، بل قد يصبحون ركيزة أساسية لكيفية إنجاز المهام في العالم الرقمي.