لماذا تتعثر آبل بتلبية وعودها حول ميزات آبل إنتليجنس؟

5 دقيقة
بماذا يختلف نهج آبل في الإنفاق على الذكاء الاصطناعي عن الشركات الأخرى؟
حقوق الصورة: أنسبلاش

في شهر سبتمبر من عام 2024، بثت شركة آبل سلسلة من ثلاثة إعلانات قبل بدء استلام طلبات شراء هاتف آيفون 16، إذ سلّطت الإعلانات بشكلٍ صريح على قدرات نظامها للذكاء الاصطناعي ذكاء آبل (Apple Intelligence) عموماً والقدرات المحسّنة لمساعدها الصوتي سيري (Siri) خصوصاً. وقد أثار الإعلان حماساً كبيراً بين مستخدمي أجهزة الشركة، ولكن بعد ما يقارب ثمانية أشهر من إطلاق الهاتف لم تظهر القدرات التي وعدت بها الشركة. وبدلاً من ذلك، حذفت الإعلان المتعلق بالمساعد الصوتي من منصاتها في شهر مارس الماضي.

وحتى الآن لم تظهر معظم ميزات نظام ذكاء آبل الجديدة، وبالتحديد ميزات المساعد الصوتي سيري الأكثر تخصيصاً التي تتضمن وعياً أعمق بالسياق الشخصي والقدرة على التكامل واتخاذ إجراءات داخل التطبيقات وعبرها. ولم يقتصر الأمر على ذلك فقط، بل واجهت الشركة الكثير من الانتقادات من الجهات التنظيمية وعدة دعاوى قضائية في مواجهتها بدعوى تضليلها للمستهلكين، خاصة مع وضع الشركة إطاراً زمنياً لوصول الميزات الجديدة بنهاية عام 2024.

إذ ذكرت الشركة أن الميزات المتعلقة بالمساعد سيري ستُطلق في العام المقبل 2026، وربما حتى عام 2027، ما يشير إلى إطار زمني يمتد إلى دورة إصدار نظام التشغيل الرئيسي التالي آي أو إس 19 (iOS 19) وإلى التعقيدات الكبيرة التي تواجهها في إطلاق نظام ذكاء اصطناعي شامل لقاعدة مستخدمين واسعة ومتنوعة. فما هي أسباب هذه التأخيرات المتتالية؟ وكيف يبدو وضع نظام ذكاء آبل الآن وأبرز ميزاتها الجديدة؟

اقرأ أيضاً: كيف ستربح آبل من ثورة الذكاء الاصطناعي التوليدي؟

الوضع الحالي لنظام ذكاء آبل Apple Intelligence وأبرز الميزات فيه

منذ إعلانه أول مرة بمؤتمر آبل للمطورين في شهر يونيو من عام 2024، بدأت الشركة بإطلاق نظام ذكاء آبل وتوفير ميزاته في أوقات مختلفة ووفق قيود إقليمية ولغوية محددة، إذ أصدرت المجموعة الأولى من الميزات في 28 أكتوبر 2024 مع إطلاق إصدار نظام التشغيل آي أو إس 18.1 (iOS 18.1) لأجهزة آيفون وآيباد وسيكويا 15.1 (Sequoia 15.1) لأجهزة حواسيب ماك.

وقد تضمن الإصدار الأولي العديد من الميزات الرئيسية مثل إمكانات تحسين الكتابة، كما حُدِّث المساعد الصوتي سيري بواجهة استخدام مرئية جديدة وإمكانية الرد على الطلبات المكتوبة وتحسين فهم السياق وميزات أخرى مثل إمكانية الوصول إلى الردود الذكية في البريد الإلكتروني والرسائل وملخصات الإشعارات وأداة التنظيف وإنشاء أفلام الذاكرة في تطبيق الصور ووضع التركيز لتقليل الانقطاعات.

ثم واصلت توسيع نطاق دعم اللغات من خلال تحديثات أنظمة التشغيل والإصدارات التجريبية اللاحقة. على سبيل المثال، قدّم الإصدار التجريبي الأخير 18.4 الذي صدر في شهر أبريل من العام الحالي ميزات أخرى مثل القدرة على كتابة النص ووصف التغيرات باستخدام تشات جي بي تي داخل التطبيقات، كما أعلنت خططاً لإضافة دعم لمزيد من اللغات مع إطلاق الإصدار الرسمي.

علاوة على ذلك، من المقرر أن تصبح بعض ميزات نظام ذكاء آبل مثل أدوات الكتابة وتطبيق إيميدج بلاي غراوند للصور وتطبيق إنشاء الرموز التعبيرية متاحة على نظارة آبل فيجن برو. ومع ذلك وُجِدت ميزات الذكاء الاصطناعي الجديدة متواضعة للغاية، كما يُعدُّ عدم دقة الملخصات ومحدودية التحكم في الصور المنشأة بالذكاء الاصطناعي نقطة خلاف بين المستخدمين.

اقرأ أيضاً: كيف سيُغيِّر الذكاء الاصطناعي تصميم هواتف آيفون وطريقة استخدامها؟

لماذا فشلت شركة آبل حتى الآن في إطلاق الميزات الكاملة لنظام ذكاء آبل؟

رغم إصدار بعض الميزات الأصغر حجماً لنظام ذكاء آبل، فإن تجربة الذكاء الاصطناعي الشاملة للنظام عبر أجهزة آبل لم تكتمل بعد للعديد من الأسباب، منها:

1. التحديات التقنية والأخطاء البرمجية

واجهت آبل عقبات تقنية كبيرة في أثناء تطوير نظام ذكاء آبل، إذ كان المهندسون يعملون بجهد كبير لحل سلسلة من الأخطاء في الفترة التي سبقت الإصدار الأولي. علاوة على ذلك، أعرب مسؤولون تنفيذيون داخليون بمن فيهم رئيس قسم البرمجيات كريج فيديريغي (Craig Federighi) عن مخاوفهم من أن بعض الميزات لم تكن تعمل بشكلٍ موثوق أو متسق مع قدراتها المعلنة في أثناء الاختبار الداخلي وفقاً لتقرير موقع بلومبرغ.

وفيما يخصُّ سيري، فإن تقرير بلومبرغ أيضاً ذكر أن البنية التحتية الأساسية له بالتحديد تُمثّل مجالاً معقداً، إذ أُفيد أن إصدار سيري الحالي يعمل بنظامين منفصلين: أحدهما للتعامل مع الأوامر القديمة والآخر للاستعلامات الأكثر تقدماً التي يدعمها ذكاء آبل، كما تُمثّل المهمة المعقدة المتمثلة في دمج نماذج الذكاء الاصطناعي مع بيانات المستخدم الشخصية عبر العديد من التطبيقات تحدياً تقنياً كبيراً، ما يتطلب إدارة دقيقة للوصول إلى البيانات ومعالجتها.

اقرأ أيضاً: آبل تدرس إمكانية التخلي عن عبارة «مرحباً سيري» واستبدالها بقدرات الذكاء الاصطناعي

2. تعقيد التخصيص والفهم السياقي

من القدرات الرئيسية لنظام ذكاء آبل هي الفهم والتصرف بناءً على السياق الشخصي للمستخدم واستخلاص المعلومات من رسائل البريد الإلكتروني والرسائل والبيانات الأخرى، ومن ثَمَّ أصبح تطوير سيري الجديد للاستفادة الفعّالة من هذه المعلومات الشخصية بطريقة موثوقة ودقيقة مهمة معقدة، ما أدّى إلى تأخير ميزاته الأكثر تخصيصاً، إذ إن تحقيق هذا المستوى من الفهم السياقي المتطور والتكامل السلس بين التطبيقات قد أثبت أنه أكثر صعوبة مما كان متوقعاً في البداية.

3. مخاوف الأمن والخصوصية

على الرغم من التزام شركة آبل بمعالجة أكبر قدر ممكن من بيانات المستخدم على جهازه من خلال مبادرة الحوسبة السحابية الخاصة بها التي تُركّز على خصوصية المستخدم وأمان بياناته، فإن المعالجة على الجهاز تتطلب عملية تطوير واختبار أكثر حذراً ودقة نظراً لتفاعل ميزات نظامها مع البيانات الشخصية الحساسة، ما أدّى بدوره إلى إطالة الجدول الزمني للإصدار النهائي.

4. التحديات التنظيمية خاصة في الاتحاد الأوروبي

أدّت العقبات التنظيمية وخاصة في الاتحاد الأوروبي دوراً مهماً في تأخير إطلاق الميزات الكاملة لنظام ذكاء آبل، حيث أعلنت آبل مخاوفها من بعض المتطلبات التنظيمية الموجودة في هيئات الاتحاد الأوروبي، التي من شأنها أن تعرض خصوصية المستخدم وأمن بياناته للخطر، كما تُقدّم لائحة حماية البيانات العامة (GDPR) اعتبارات مهمة لنشر آبل لميزات الذكاء الاصطناعي التي تُعالج البيانات الشخصية.

ففي حين أن تركيز آبل على المعالجة على الجهاز يتماشى مع مبادئ اللائحة الأوروبية لتقليل عمليات نقل البيانات، فإن اللائحة تُلزم بالشفافية وموافقة المستخدم والمساءلة في عمليات معالجة البيانات الشخصية كافة، لا سيما فيما يتعلق بكيفية الوصول إلى البيانات وتحليلها ومشاركتها مع الجهات الخارجية.

اقرأ أيضاً: هل ستتفوق حواسيب ويندوز على ماك من آبل بفضل الذكاء الاصطناعي؟

5. التوقعات العالية بناءً على الإعلانات المميزة

عندما أصدرت آبل سلسلة إعلاناتها الخاصة بميزات نظام ذكاء آبل في هاتف آيفون 16، كان لها وقع صاخب، ما أدّى إلى رفع سقف التوقعات بصورة مبالغة فيها من قِبل المستهلكين، وهي نقطة فشلت شركة آبل في الإيفاء بها، خاصة مع تضمينها الميزات ببطء واضح وعبر إصدارات تجريبية متعددة، بعكس ما كانت تقوم به سابقاً من إصدار معظم الميزات أو كلّها في إصدار واحد نهائي، بعد تجربتها في إصدار أولي واحد فقط على الأكثر.

شركة آبل تجد نفسها في موقف معقد وتأخير قد يكلفها الكثير

على الرغم من أن اندفاع الشركات إلى دمج الذكاء الاصطناعي التوليدي في أجهزتها يشبه السباق، فإن شركة آبل بدأت بالمراقبة بصمت، ما جعلها وسط عاصفة من الانتقادات لتخلفها عن الركب في سباق الذكاء الاصطناعي، ولكن دخولها المتأخر نوعاً ما عبر نظام ذكاء آبل الذي كان من المفترض أن يكون نقطة تحول لها، تحول إلى مصدر للإحباط وكابوس لوجستي مع تأخيرات وعمليات طرح مجزأة وميزات مخيبة للآمال زعزعت سمعة الشركة المتعلقة بتنفيذها السلس للميزات.

وقد كان أمل الشركة الوحيد في تغيير السرد هو إصدار سيري الجديد، الذي كان من المفترض أن يصبح مساعداً افتراضياً قادراً على الاندماج بسلاسة في حياة المستخدم اليومية والمساعدة في أي شيء وكل شيء باستخدام الهاتف فقط، بفضل قدراته الثورية مثل الفهم السياقي والوعي على الشاشة والإجراءات داخل التطبيق، ولكن يبدو أن الأمر أصبح أصعب مما كانت تعتقد.

بالإضافة إلى ذلك مع التأخير الأخير وجدت الشركة نفسها في أزمة لم يسبق لها مثيل على صعيد الأسواق العالمية، خاصة السوق الصينية التي تُعدُّ إحدى أهم أسواقها، ويُعدُّ الذكاء الاصطناعي نقطة بيع رئيسية لمتسوقي الهواتف الذكية فيها، حيث تملأ الشركات المحلية مثل شاوومي وهونور وحتى هواوي الفراغ بسرعة وفقاً لشركة أبحاث السوق كاناليس (canalys).

 علاوة على ذلك، من المتوقع أن تنخفض أرباح الشركة فيما يخصُّ مبيعات هواتف آيفون في السوق الأميركية طوال عامي 2025 و2026، إذ وجد استطلاع أجرته شركة الاستشارات المالية مورغان ستانلي (Morgan Stanley)، أن نحو 50% من مالكي هواتف آيفون في أميركا احتفظوا بهواتفهم الحالية بسبب عدم الدمج الكامل لنظام ذكاء آبل في هواتف آيفون 16، ما من شأنه أن يُكلفها بعض الإيرادات بنهاية السنة المالية الحالية من واقع أن هواتف آيفون تُعدُّ حجر الزاوية في تحقيق أرباحها السنوية.

يمكن أن تؤثّر هذه التعقيدات كلّها وكرة الثلج التي بدأت بالتدحرج أمام مسؤولي شركة آبل فيها بشكلٍ كبير، خاصة في تحقيقها الأرباح. ومع ذلك وفقاً للمتابعين، فإن قاعدة مستخدمي أجهزة آبل الكبيرة والولاء الذي يظهرونه تجاه العلامة التجارية يُمكن أن يُخفف نوعاً ما التأثير المحتمل، وربما ينعكس إلى نجاح قد يجذب المزيد من المستخدمين إذا تمكنت الشركة من التغلب على العقبات والتحديات التي تواجهها في إطلاق نظامها الجديد. فهل تكون الشركة على قدر التحدي؟

المحتوى محمي