إلى أي درجة قد يسوء الوضع؟
تحدَّث حاكم واشنطن جاي إنسلي بصراحةٍ في 10 مارس عندما قال إن ما يصل إلى 64,000 شخص يمكن أن يصابوا بفيروس كورونا المستجد في ولايته وحدها خلال شهرين. وسيقارب هذا عدد الإصابات الحالي في الصين بأكملها، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 200 ضعفاً من عدد سكان ولاية واشنطن.
ربما بدت المقارنة رهيبة وغير واقعية بالنسبة لولايةٍ سجلت 162 حالة معروفة فقط حين أدلى إنسلي بتصريحاته. ولكن بحلول 14 مارس، كان عدد الإصابات في الولاية قد بلغ 642 حالة على الأقل، مما يكشف كيف يمكن لعدد حالات الإصابة المؤكدة أن يتضاعف باستمرار وبشكل سريع.
وحتى نفهم ما يمكن أن يحدث في الولايات المتحدة مستقبلاً، فلنتأمَّل الأحداث في إيطاليا، وهي دولة سجلت 21,000 حالة إصابة وما زال العدد مستمراً في التزايد، وهو ثاني أكبر عدد إصابات بعد الصين.
في 8 مارس، روى طبيبٌ إيطالي، اسمه دانييل ماتشيني، في منشور مدونة إحساسًا بالهدوء المبكر، حيث أصبحت المستشفيات جاهزة وتم إفراغها ببطء من المرضى الذين لا يحتاجون لرعاية عاجلة، مما خلق "مناخاً من الصمت السريالي والفراغ الذي لم نفهمه بعد". لقد كانوا يتأهبون لحربٍ لم يكن ماتشيني متأكدًا من وقوعها.
ولكن بعد ذلك، بدأ المرضى في الوصول، واحدًا تلو الآخر، وجميعهم بنفس التشخيص: الالتهاب الرئوي الخلالي الثنائي، وهو مرضٌ يهاجم الرئة مسبباً صعوبة في التنفس، وسرعان ما غصَّت وحدة العناية المركزة بالمرضى. كتب ماتشيني: "لقد نشبت الحرب حرفياً والمعارك مستمرة بلا انقطاع ليلاً ونهاراً، لم يعد هناك أطباء اختصاصهم جراحة أو أطباء اختصاصهم مسالك بولية أو تقويم عظام، نحن فقط أطباء وجدوا أنفسهم فجأة جزءاً من فريقٍ واحد لمواجهة هذا التسونامي الذي أغرقنا. أعداد المصابين في تضاعف، ونصل إلى معدل 15-20 حالة دخول إلى المستشفى يوميًا وكلها للسبب ذاته. تأتي نتائج المسحات تباعاً: إيجابية، إيجابية، إيجابية. وفجأة تنهار غرفة الطوارئ".
وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يبلغ معدل الوفيات الكلي لكوفيد-19 (الاسم العلمي لفيروس كورونا) حوالي 3.5%، على الرغم من أن الرقم الحقيقي غير مؤكد؛ لأن بعض حالات الإصابة يمكن أن تكون من دون أعراض. ولكن في إيطاليا قد يكون معدل الوفيات أعلى من 6%؛ ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن هناك عدداً أكبر من السكان المسنين في إيطاليا؛ إذ إن العدوى أكثر فتكاً بحوالي 1000 مرة عند إصابة شخص يتجاوز عمره 80 عاماً مقارنةً بشخص يقل عمره عن 20 عاماً.
ووفقًا لتقرير صيني، فإن احتمال وفاة أولئك الذين تزيد أعمارهم عن 80 عامًا هو 18%.
ويختم ماتشيني منشور المدونة متوسلاً الناس أن يبقوا بعيدين عن بعضهم البعض، والتوقف عن التجمع من أجل إبطاء انتشار المرض، حيث يقول: "يُرجى مشاركة الرسالة؛ يجب علينا نشر هذه الرسالة لمنع ما يحدث هنا في إيطاليا أن يتكرر في مكان آخر".
تلك هي قصة إيطاليا خلال الأسابيع القليلة الماضية، فهل ستعيش أميركا قصةً مشابهة خلال الأسابيع القليلة القادمة؟
يتوقع عالم الأوبئة مارك ليبسيتش من جامعة هارفارد إمكانية إصابة حوالي نصف سكان العالم بفيروس كورونا في غضون عام. وتشير أسوأ السيناريوهات من مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها إلى أنه قد يكون هناك 1.7 مليون حالة وفاة في الولايات المتحدة، معظمها من بين كبار السن.
وحتى الآن، يعرف الأطباء أن المرض ينتشر بفعالية أكبر بين أفراد الأسرة وغيرهم من "الأشخاص المقربين" من المصابين. وأن تكون مقرباً يعني أنك تتعرض للشخص المصاب، الذي يمكنه أن يسعل قطراتٍ محملة بالفيروس، التي تصل إلى الفم أو الأنف أو عيون الآخرين، أو تستقر على الأسطح التي يلمسها الناس. كما يوجد الفيروس في البراز، ويمكن أن يشكل ذلك طريقةً أخرى لانتشاره.
ويعتمد معدل انتشار العدوى الفيروسية على الخصائص الذاتية للجراثيم، وكذلك على نوع الفرص التي تمنحها إياها المجتمعات للانتشار. يمتلك كل فيروس ما يسمى برقم التناسخ الأساسي (R0) وهو مقياس لعدد الأشخاص الإضافيين الذين سيتم نقل العدوى إليهم من شخص مصاب واحد.
معدلات الإصابة النسبية
كيف يؤثر رقم التكاثر الأساسي (R0) على قدرة المرض على الانتشار*
رقم التكاثر الأساسي (R0) | مصاب منذ البداية | بعد 4 دورات | بعد 7 دورات | بعد 10 دورات |
---|---|---|---|---|
1.3 (المتوسط في الأنفلونزا الموسمية) | 5 | 45 | 119 | 282 |
2.0 (فيروس كورونا: وفق أدنى تقديرات منظمة الصحة العالمية) | 5 | 155 | 1,275 | 10,235 |
2.3 | 5 | 244 | 3,008 | 36,643 |
2.5 (فيروس كورونا: وفق أعلى تقديرات منظمة الصحة العالمية) | 5 | 322 | 5,083 | 79,470 |
3.0 | 5 | 605 | 16,400 | 442,865 |
*التوقعات نظرية، على افتراض انتشار غير مُقيَّد.
مصدر الجدول: إم آي تي تكنولوجي ريفيو
تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن هذا الرقم لفيروس كورونا يتراوح بين 2.0 و2.5 (ملف pdf). لكن هذا ليس إلا أفضل التقديرات المتاحة. ففي المقابل، يبلغ متوسط رقم التكاثر الأساسي R0 في الأنفلونزا الشائعة قيمة 1.3، بينما معظم الأمراض المعدية (مثل الحصبة) لديها رقم تكاثر أساسي R0 يبلغ أكثر من 10. ومع ذلك، فإن الاختلافات الصغيرة في قيمة R0 تُحدث فرقاً كبيراً. ويوضح هذا الجدول مدى سرعة انتشار الفيروس نظرياً انطلاقاً من مجموعة أولية مؤلفة من 5 أشخاص مصابين، رغم أن الانتشار سيبدأ في التباطؤ بعد عددٍ معين من الدورات.
لكن رقم التكاثر الأساسي R0 ليس ثابتاً؛ حيث يمكن تغيير المعدل الفعال للانتشار عن طريق عزل المرضى والأشخاص الذين احتكوا بهم. ففي حالة السارس -مرض الجهاز التنفسي الذي تفشى عام 2003- تم تقييد انتشار الجراثيم في النهاية من خلال تدابير الصحة العامة.
وبالتالي فإن رقم التكاثر هو أداة مفيدة لاستيعاب الإجراءات الأكثر فعالية في الحدّ من انتشار الفيروس. وعلى سبيل المثال، يمكن دراسته لحساب مدى التباعد الاجتماعي الشامل والصارم الذي يجب فرضه. فإذا تمكنا من خفض معدل انتقال العدوى بأكثر من النصف، سنكون قد أوقفنا الانتشار فعلياً.
في المناطق التي ينتشر فيها فيروس كورونا دون أي إجراءات ولا يزال اختبار حالات الإصابة في مراحله الأولى، يتضاعف عدد الحالات المؤكدة بشكل أسي، وقد يحدث التضاعف بمعدل زمني سريع يبلغ يومين فقط، كما حدث في واشنطن خلال الأسبوع الماضي. ولكن بمجرد اتخاذ تدابير الحد من التفشي، يمكن أن يتباطأ زمن المضاعفة بشكل جذري. ففي اليابان، على سبيل المثال، كان عدد الحالات يتضاعف كل 10 أيام وليس كل يومين.
ولتجنُّب حدوث أزمة في المستشفيات المكتظة، تقول السلطات الصحية إنه من الضروري إبطاء الانتشار، وهو ما أصبح يعرف باسم "تسطيح المنحنى". وفي حين أن معظم الناس قد يصابون في نهاية المطاف، فإن تمديد المشكلة على مجال زمني أكبر سينقذ الأرواح، لأنه سيسمح للناس بالحصول على أفضل رعاية؛ حيث إن معدل الوفيات أعلى بكثير في البلدان التي تواجه ارتفاعاً كبيراً في عدد الإصابات، مثل إيطاليا، حيث تقوم المستشفيات بملء وحدات العناية المركزة لديها بالمرضى، وبالتالي تعاني نقصاً في المعدات، مثل أجهزة التهوية اللازمة لعلاج الحالات الحرجة.
يتم إبطاء انتشار فيروس كورونا من خلال اكتشاف الأشخاص المصابين وإرسالهم مع الأشخاص المقربين منهم إلى الحجر الصحي الذاتي. ويمكن للجمهور بشكل عام المساعدة من خلال الالتزام بالابتعاد الاجتماعي، وتجنب التجمعات والبقاء في المنزل.