غيّرت وسائل التواصل الاجتماعي المجتمع الحديث بشكلٍ لا رجعة فيه، وقد أصبحت أداة لا غنى عنها للتواصل وتبادل المعلومات. وعلى الرغم من أنها أحدثت ثورة في كيفية تفاعلنا واستهلاكنا للمحتوى، فإن تأثيرها يمتد إلى ما هو أبعد من الاستخدامات الشخصية. ففي مجال إنفاذ القانون، برزت وسائل التواصل الاجتماعي كأداة فعّالة تقدّم كنزاً من البيانات التي يمكن تسخيرها لمكافحة الجريمة.
اقرأ أيضاً: لماذا استخدمت شرطة نيويورك أداة مثيرة للجدل للتعرف على الوجوه؟
3 طرق لجمع بيانات مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي
إذا كانت وكالات إنفاذ القانون بحاجة إلى الوصول لبيانات مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، فإن لديها 3 طرق للقيام بذلك:
- تتضمن الطريقة الأولى إقناع القضاء بوجود أدلة دامغة على نشاط إجرامي، وأن بيانات وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تساعد على التحقيق وجمع الأدلة وإثباتها وتعقب المشتبه بهم. بهذه الطريقة، تستطيع وكالات إنفاذ القانون الحصول على أوامر قضائية تجبر شركات التواصل الاجتماعي على تسليم البيانات التي تحتاج إليها.
- تتضمن الطريقة الثانية -التي تعتبر مثيرة للجدل- شراء البيانات من الشركات التي تبيع هذه البيانات، وهي شركات تجمع كميات هائلة من البيانات من مصادر مختلفة، بما في ذلك منصات التواصل الاجتماعي، وتبيعها للمعلنين. وعلى الرغم من أن هذه الطريقة توفّر وصولاً سريعاً إلى البيانات، فإنها تُثير مخاوف كبيرة تتعلق بالخصوصية.
- الطريقة الثالثة تتم عن طريق قرصنة حسابات التواصل الاجتماعي الخاصة بالمشتبه بهم. على الرغم من أنها طريقة غير قانونية، قد تلجأ وكالات إنفاذ القانون إليها في بعض الحالات التي تكون فيها البيانات ضرورية للغاية ولا يمكن الحصول عليها بطرقٍ أخرى.
اقرأ أيضاً: هل يمكننا التنبؤ بالزمان والمكان الذي ستحدث فيه جريمة ما؟
قيود جمع البيانات واستخدامها
توفّر بيانات منصات التواصل الاجتماعي فوائد كثيرة لجهات إنفاذ القانون، لكن استخدامها في التحقيقات الجنائية يواجه العديد من التحديات، على سبيل المثال:
- يعرب المدافعون عن الخصوصية والحريات المدنية عن مخاوف بشأن تجاوز وكالات إنفاذ القانون لصلاحياتها واستخدام البيانات لتقويض الحريات الفردية.
- يكون حجم البيانات الموجودة على منصات التواصل الاجتماعي هائل للغاية، ما يجعل تحديد البيانات المطلوبة وجمعها وتحليلها أمراً صعباً.
- يتعلق أحد التعقيدات بقبول بيانات منصات التواصل الاجتماعي كأدلة في المحاكم، إذ تختلف قواعد الأدلة باختلاف الدول والولايات القضائية، وقد لا يكون من الممكن إثبات صحة المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي وموثوقيته وأهميته.
- يُثير عدم بقاء البيانات على وسائل التواصل الاجتماعي مثل المنشورات والتعليقات جدلاً يتعلق بالحفاظ على الأدلة.
كيف تستفيد جهات إنفاذ القانون من بيانات مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي؟
استفادت وكالات إنفاذ القانون من بيانات وسائل التواصل الاجتماعي بطرق مختلفة لتعزيز قدراتها، ومن أبرز الاستخدامات نذكر:
1. تحديد هوية المشتبه بهم وتعقبهم والقبض عليهم
من خلال تحليل الصفحات الشخصية ومنشورات مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي ونشاطهم على هذه المنصات، يستطيع المحققون جمع معلومات بالغة الأهمية حول أماكن وجود الأفراد المشتبه بهم وشركائهم والأنشطة التي يقومون بها.
فيما يلي بعض الأمثلة على استخدام بيانات مواقع التواصل الاجتماعي في تحديد المشتبه بهم والقبض عليهم:
- قُبِض على رجل من ولاية ميسوري الأميركية بعد أن نشر صورة على مواقع التواصل الاجتماعي يعرض فيها إحدى قطع غيار السيارات للبيع، لكن ما ظهر في خلفية الصورة لفت انتباه الشرطة، حيث لاحظوا كيساً كبيراً من المخدرات وحقنة على الطاولة. وعلى الفور، ذهبت الشرطة إلى منزل الرجل بأمر تفتيش وألقوا القبض عليه.
- قُبِض على رجل أميركي وأُدين بتهمة الاحتيال بعد حصوله على تعويض بسبب إصابة في الظهر، حيث وجدت الشرطة أنه نشر صوراً على وسائل التواصل الاجتماعي يظهر بها وهو يركب دراجة ويرفع الأثقال، وحُكِم عليه بالسجن مدة 30 شهراً وإعادة التعويضات التي حصل عليها.
اقرأ أيضاً: 8 فوائد تقدّمها بوتات الدردشة في التحقيقات الجنائية
2. التحقيق في الجرائم
أثبتت بيانات وسائل التواصل الاجتماعي قيمتها بالتحقيق في الجرائم. فمن خلال التدقيق في المنشورات والتعليقات والمحتوى والسلوك، يستطيع المحققون جمع أدلة قيمة وتحديد الشهود وفهم خيوط وملابسات الجرائم.
على سبيل المثال، في أعقاب إطلاق النار في مكان عام، تلجأ الشرطة غالباً إلى وسائل التواصل الاجتماعي لجمع المعلومات من شهود العيان ومقاطع الفيديو والصور التي قد يظهر فيها مَن يُطلقون النار، عندها يمكن استخدام هذه الفيديوهات والصور لإدانة المتورطين.
3. التنبؤ بالجرائم قبل وقوعها
تأثرت عمليات الشرطة الاستباقية ببيانات وسائل التواصل الاجتماعي، إذ تستطيع الخوارزميات المتقدمة تحليل البيانات الضخمة للتنبؤ ببؤر الجريمة المحتملة أو تحديد الأفراد الذين يحتمل أن ينخرطوا في سلوك إجرامي. لكن هذا الاستخدام يُثير مخاوف أخلاقية بشأن التحيزات المحتملة ضد بعض البشر.
4. رفع مستوى الوعي بالقانون وطلب المساعدة من الجمهور
تستخدم الشرطة ووكالات إنفاذ القانون منصات التواصل الاجتماعي كأداة قوية لإشراك المجتمع في مكافحة الجريمة، إذ يمكن استخدام هذه المنصات لنشر معلومات السلامة العامة، وبناء الثقة مع المجتمع، وطلب المساعدة من الجمهور.
ففي عدة دول، تنشر الشرطة صوراً للمجرمين، إلى جانب أوصاف الجرائم التي ارتكبوها، وتطلب المساعدة من المجتمع في التعرف عليهم وتحديد مكانهم. على سبيل المثال، عندما شاركت الشرطة في ولاية ماساتشوستس الأميركية صوراً ومعلومات عن رجل متهم بالاعتداء على الأطفال وطلبت المساعدة من الجمهور لتحديد مكانه واعتقاله، تمت مشاركة المنشور من قِبل 36 ألف شخص. نتيجة لذلك، سلم الرجل نفسه للشرطة.
أيضاً، قد تتلقى الشرطة في بعض الحالات رسائل على وسائل التواصل الاجتماعي تتعلق بجرائم محددة أو أشخاص ارتكبوا جرائم.
اقرأ أيضاً: برنامج مراقبة مدعوم بالذكاء الاصطناعي يحدد هوية الأشخاص الذين يقابلهم
نستنتج من ذلك كلّه أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت مورداً لا غنى عنه لإنفاذ القانون ومكافحة الجريمة. لكن من الضروري دائماً الموازنة بين الفوائد والمخاوف المرتبطة بخصوصية وحرية الأفراد.