وراء الكواليس: كيف تدير التكنولوجيا تدفق 92 مليون مسافر عبر مطار دبي؟

5 دقيقة
وراء الكواليس: كيف تدير التكنولوجيا تدفق 92 مليون مسافر عبر مطار دبي؟
حقوق الصورة: إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية. تصميم: عبدالله بليد.

في عام 2024، حقق مطار دبي إنجازاً استثنائياً باستقباله أكثر من 92 مليون مسافر، ليعزّز مكانته أحد أكثر المطارات ازدحاماً وكفاءة في العالم. لكن هذا النجاح لم يكن مجرد نتيجة موقعه الاستراتيجي أو بنيته التحتية الضخمة، بل كان ثمرة استثمار مكثف في التكنولوجيا الذكية والابتكار الرقمي.

تخيّل أنك تسافر دون الحاجة إلى الوقوف في طوابير طويلة، أو إبراز جواز سفرك مراراً وتكراراً، من لحظة حجز تذكرة السفر إلى الوصول لوجهتك النهائية، تؤدي التكنولوجيا في مطار دبي دوراً حاسماً في جعل تجربة السفر أكثر سرعة وسلاسة.

في هذا المقال، سنأخذك في رحلة افتراضية عبر مطار دبي، لنستكشف كيف غيّر الذكاء الاصطناعي والبوابات الذكية والروبوتات وإنترنت الأشياء مفهوم السفر الجوي.

اقرأ أيضاً: كيف تمنع أبراج المراقبة الطائرات من التصادم؟

تجربة رقمية قبل الوصول للمطار

يوفّر مطار دبي الدولي وشركات الطيران المرتبطة به للمسافرين إمكانية حجز رحلاتهم وإدارة تفاصيل السفر بكل سهولة عن طريق تطبيقات الهواتف المحمولة أو مواقع الويب المخصصة لحجز تذاكر الطيران.

من خلال هذه التطبيقات والمواقع، يستطيع المسافرون البحث عن الرحلات ومقارنة الأسعار وحجز التذاكر، كما يمكنهم تخصيص تجربة السفر، مثل اختيار المقاعد وطلب وجبات خاصة.

بعد إتمام الحجز، يمكن استخدام تطبيق "دبي الآن" لمتابعة معلومات رحلتهم. يُتيح التطبيق معرفة مواعيد الرحلة وأوقات الوصول والمغادرة وبوابات الصعود والنزول. يسهم ذلك في إعطاء المسافرين معلومات شاملة عن رحلتهم قبل وصولهم إلى المطار، وقد أثبت ذلك أنه يسهم في تقليل التأخير والازدحام بشكلٍ كبير.

اقرأ أيضاً: كيف يُعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل مستقبل السفر في المطارات؟

أجهزة الخدمة الذاتية وأكشاك تسليم الحقائب

عند الدخول للمطار، أول نقطة يمر بها المسافر هي أجهزة الخدمة الذاتية وأكشاك تسليم الحقائب، التي توجد في صالات المغادرة.

في هذه المحطات، يمسح المسافر جواز السفر أو التذكرة الإلكترونية، وفي حال كانت لديه أمتعة، يسلمها، ليحصل على بطاقة الصعود للطائرة. هذه الأجهزة تُتيح إتمام التسجيل في المطار وتسليم الحقائب بشكلٍ ذاتي دون الحاجة للتفاعل مع موظفي المطار.

يُعدّ استخدام أجهزة الخدمة الذاتية وأكشاك تسليم الحقائب سهلاً وسريعاً، فقط يحتاج المسافر إلى اتباع الخطوات المذكورة على الشاشة التي تعمل باللمس من أجل إتمام العملية.

وإذا كان المسافر لا يعرف كيف يستخدم أجهزة الخدمة الذاتية وأكشاك تسليم الحقائب، يمكنه طلب المساعدة من الموظفين، حيث تتوفر فِرق دعم فني بالقرب من هذه الأجهزة. وإذا واجه المسافر أي مشكلة في أثناء استخدام الجهاز، يمكنه بسهولة طلب المساعدة من أحد الموظفين الموجودين في المكان. عندها سيساعده الموظف على إتمام عملية التسجيل وتسليم أمتعته.

وإذا لم يكن المسافر مرتاحاً لاستخدام الأجهزة الذاتية، بإمكانه التوجه إلى محطات التسجيل التقليدية، حيث يوجد موظفون يُجرون عملية التسجيل وتسليم الحقائب بالطريقة المعتادة.

اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي يساعد على تغيير قواعد التفتيش الأمني في المطارات

البوابات الذكية

بعد تسجيل الوصول وتسليم الحقائب، ينتقل المسافر إلى منطقة الجوازات. هنا يكون أمامه خياران، إمّا المرور عبر البوابات التقليدية التي تتطلب فحصاً يدوياً من قِبل موظفي الجوازات، وإما التوجه إلى البوابات الذكية التي تعتمد على التقنيات البيومترية لتسريع الإجراءات.

إذا اختار المسافر المرور عبر البوابة التقليدية، سيكون عليه إبراز جواز سفره والتفاعل مع موظفي الجوازات لإجراء فحص يدوي. هذه العملية قد تستغرق وقتاً نظراً للازدحام في ساعات الذروة أو إذا كانت الإجراءات تتطلب فحصاً دقيقاً من قِبل الموظف.

على الجانب الآخر، البوابات الذكية هي الحل الأمثل للمسافرين الذين يريدون المرور بسرعة. جُهِزت هذه البوابات للمسافرين المسجلين مسبقاً الذين يملكون جواز سفر بيومترياً ويتجاوز طولهم 1.2 متر. يكفي أن يقف المسافر على الملصق الأرضي المخصص وينظر إلى الضوء الأخضر على شاشة البوابة مدة 5 ثوانٍ فقط، ليتم التعرف عليه ومنحه الإذن بالمرور.

البوابات الذكية لا تعمل على تسهيل الدخول والخروج وتسريعهما فحسب، بل تعزّز مستوى الأمان، حيث تضمن دقة التعرف إلى هوية المسافرين وتقلّل احتمالية الأخطاء البشرية.

اقرأ أيضاً: المراقبة في المطارات تكاد تصل إلى مستوى جديد كلياً من السخافة

نظام إكسوفيس (Xovis)

هو نظام مدعوم بالذكاء الاصطناعي لتحليل تدفق الركاب داخل المطار وتحسين انسيابية الحركة في المناطق الأكثر ازدحاماً مثل نقاط التفتيش الأمني ومنطقة الجوازات وبوابات الصعود. يجمع النظام البيانات في الوقت الفعلي لقياس عدد الأشخاص وتقدير أوقات الانتظار، ثم يحللها لتحديد الاختناقات المحتملة واقتراح حلول فورية، مثل تغيير المسارات أو فتح ممرات إضافية. بفضل دقته العالية وسرعته في الاستجابة، يسهم إكسوفيس في تقليل فترات الانتظار وتحسين تجربة المسافرين، كما يساعد إدارة المطار على التخطيط بكفاءة لمواسم الذروة وضمان تشغيل أكثر سلاسة للعمليات كلّها.

الفحص السريع لأمتعة المسافرين

أحد الجوانب الرئيسية التي تجعل تجربة السفر عبر مطار دبي أكثر سلاسة هي تقنيات فحص الأمتعة المتطورة. بعد تسليم الحقائب، تُرسل مباشرة إلى نظام فحص الأمتعة الذكي. يعتمد هذا النظام على الأشعة السينية المتقدمة والذكاء الاصطناعي لتحليل محتويات الحقائب بشكلٍ دقيق وسريع، ويقلّل الحاجة للتفتيش اليدوي ويضمن مرور الحقائب في وقتٍ قياسي.

نظام التنبؤ بالمخزون

يعتمد نظام التنبؤ بالمخزون في مطار دبي على الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة لضمان توفر الموارد في الوقت المناسب، ما يعزّز الكفاءة التشغيلية ويقلّل الهدر. يحلل النظام البيانات التاريخية للمشتريات وأنماط الاستهلاك والتغيرات الموسمية، ويسمح بالتنبؤ بالاحتياجات المستقبلية بدقة. وبفضل التعلم الآلي، يمكنه التكيُّف مع التغيرات المفاجئة في الطلب والاستجابة الفورية لها، كما يُتيح التواصل مع الموردين وإجراء طلبات الشراء تلقائياً وفقاً للتنبؤات، هذا يقلّل التأخير ويحسّن إدارة الإمدادات.

يسهم نظام التنبؤ بالمخزون في خفض التكاليف التشغيلية وضمان توفر المستلزمات الأساسية، وتحسين سرعة الاستجابة خلال فترات الذروة. على سبيل المثال، إذا أظهرت البيانات التاريخية أن الطلب على العطور الفاخرة يزداد بنسبة 30% خلال موسم العطلات، يحلل النظام هذه المعلومات ويربطها بعوامل أخرى مثل عدد الرحلات القادمة من الأسواق الرئيسية لهذه المنتجات. وبناءً على ذلك، تُرسل طلبات شراء تلقائية للموردين لضمان وصول الكميات المناسبة قبل وصول تلك الرحلات. وفي حال حدوث تغيير مفاجئ، مثل زيادة غير متوقعة في عدد المسافرين، يعدّل النظام التوقعات ويطلب المزيد من المنتجات بشكلٍ فوري. يضمن ذلك استمرار توفرها دون تأخير أو تراكم غير ضروري في المخزون. هذا النهج الذكي يساعد على تحسين الإيرادات وتقليل الهدر، مع ضمان تجربة تسوق متميزة للمسافرين.

مراقبة الجميع في الوقت الفعلي

في كل منطقة وزاوية من مطار دبي، تعمل 15 ألف كاميرا مراقبة مدعومة بالذكاء الاصطناعي على مراقبة تحركات كل شخص وتتبعه داخل المطار بغرض حمايته وضمان الأمن في المطار.

يُستخدم الذكاء الاصطناعي لمراقبة حركة القادمين والمغادرين في الوقت الفعلي وتحليل سلوكهم للكشف عن أي سلوك أو تصرفات غير طبيعية قد تشير إلى تهديدات محتملة. وفي حال رصد أي تهديد محتمل لأمن المطار، يُرسل النظام تلقائياً تنبيهاً فورياً إلى عناصر الأمن القريبين من موقع التهديد للتعامل معه.

تنظيم دقيق لآلاف الرحلات اليومية

مطار دبي ليس مجرد نقطة عبور للمسافرين، بل هو محور رئيسي لآلاف الطائرات، حيث يتعامل مع أكثر من 1000 طائرة يومياً، ما يجعله واحداً من أكثر المطارات ازدحاماً في العالم. هذا العدد الكبير من الطائرات يتطلب تقنيات مراقبة متطورة لضمان تنظيم هبوطها وإقلاعها.

يستخدم مطار دبي أنظمة آلية لمراقبة حركة الطائرات على أرضية المطار وتنظيم هبوطها وإقلاعها، هذه الأنظمة تدمج تقنيات الرادار والذكاء الاصطناعي لتنظيم تدفق الرحلات الجوية وتزويد فِرق المراقبة الجوية بمعلومات دقيقة وتفصيلية حول موقع كل طائرة في الوقت الفعلي، سواء كانت على أرض المطار أو في الأجواء المحيطة به.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن تستفيد صناعة الطيران من أساليب التحليل المتطورة للبيانات؟

لا شك في أن التقنيات المتطورة التي يعتمدها مطار دبي الدولي أدّت الدور المحوري في تحقيق إنجازه باستقبال أكثر من 92 مليون مسافر عام 2024. بفضل التكنولوجيا، استطاع هذا المطار تعزيز كفاءته التشغيلية وتقديم تجربة سفر سلسة وآمنة للمسافرين كافة. ومع الاستمرار في الاستثمار والابتكار في البنية التحتية التكنولوجية، يبدو المستقبل أكثر إشراقاً، ومن المؤكد أن مطار دبي سيواصل ترسيخ مكانته أحد أكثر المطارات تطوراً وكفاءة في العالم.

المحتوى محمي