هل ستصبح واجهات الدماغ الحاسوبية الأداة الرئيسية للمدراء لمعرفة مستوى تركيز الموظفين؟

8 دقيقة
هل ستصبح واجهات الدماغ الحاسوبية الأداة الرئيسية للمدراء لمعرفة مستوى تركيز الموظفين؟
حقوق الصورة: envato.com/DC_Studio
  • تمثل واجهات الدماغ الحاسوبية الحدود الجديدة للتفاعل البشري الحاسوبي، بتقليصها الفجوة بين التفكير والفعل عبر ترجمة النوايا مباشرة إلى أوامر رقمية.
  • تنقسم هذه الواجهات إلى تدخلية وغير تدخلية، وتستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي لفك تشفير الإشارات العصبية للتركيز والحركة.
  • ت…

يعمل الدماغ البشري بسرعات فائقة في أثناء التفكير والإبداع واتخاذ القرارات. ومع ذلك، عندما نحاول ترجمة هذه الأفكار إلى أفعال نواجه عائقاً تقنياً كبيراً، إذ نضطر للاعتماد على النقر على لوحات المفاتيح أو استخدام الماوس أو الأوامر الصوتية، وهي أساليب لا تجسد إلا جزءاً ضئيلاً من نوايانا الإدراكية.

ولكن تخيل لو كان بإمكان مديرك معرفة ما إذا كنت قد ركزت حقاً في اجتماعك الأخير عبر تطبيق زووم، أو لو كان بإمكانك إعداد عرضك التقديمي التالي بالاعتماد على أفكارك فقط. قد تبدو هذه السيناريوهات ضرباً من الخيال العلمي، لكن التطورات الأخيرة في واجهات الدماغ والحاسوب بدأت تجعلها ممكنة.

يبشر هذا التقارب بين تفاعل الإنسان مع الكمبيوتر وتقنية الأعصاب التي تسمى "الواجهة الدماغية الحاسوبية" والمعروفة أيضاً بواجهات الدماغ والآلة بتحويل الإنتاجية، فمن خلال تقليص الفجوة بين النية والفعل يمكن ترجمة الأفكار مباشرة إلى أوامر رقمية متجاوزة الجهاز العصبي المحيطي تماماً، ما يتيح سير عمل أسرع وأسلس.

فهم آلية عمل واجهات الدماغ الحاسوبية

لتقدير هذا التحول، من الضروري فهم أن واجهات الدماغ الحاسوبية تنقسم إلى فئتين رئيسيتين:

  1.  غير تدخلية: وتعتمد بشكل أساسي على تخطيط كهربية الدماغ، من خلال أجهزة ترتدى على الرأس. وهي الأكثر شيوعاً للاستخدام في أماكن العمل وتوفير التغذية الراجعة المعرفية.
  2. التدخلية: وتتطلب زراعة أقطاب كهربائية جراحياً في القشرة الدماغية (مثل تلك التي تستخدمها شركة نيورالينك). وعلى الرغم من أنها تقدم دقة أعلى في فك التشفير، فإن استخدامها يقتصر حالياً على المجالات الطبية المتقدمة.

كيف تعمل؟

لا تقرأ واجهات الدماغ الحاسوبية بالمعنى السردي، بل تستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي لفك تشفير الإشارات العصبية المرتبطة بنوايا حركية محددة مثل: نية تحريك المؤشر أو حالات معرفية محددة مثل إيقاع ألفا المتعلق بالتركيز) وتحويلها إلى أوامر رقمية.

اقرأ أيضاً: هل ستنتشر واجهات التخاطب بين الدماغ والحاسوب على نطاق واسع؟

كيف تعزز واجهات الدماغ والحاسوب إنتاجية الأفراد والفرق وتركيزهم وأداءهم المعرفي؟

يأتي التقارب بين تقنيات التفاعل بين الإنسان والكمبيوتر وواجهات الدماغ والحاسوب في لحظة حاسمة من حيث إنتاجية الإنسان، إذ تعاني المؤسسات اليوم مشكلة إرهاق العاملين في مجال المعرفة، إذ تشير الأبحاث إلى أن ما يقرب من 46% من العاملين يعانون الإرهاق في وظائفهم.

ولكن ظهور الواجهة الدماغية الحاسوبية من شأنه تعزيز الإنتاجية من خلال آليتين رئيسيتين: أولاً تقليل الاحتكاك بين التفكير والفعل بشكل كبير، ثانياً عبر توفير رؤى آنية حول الحالة المعرفية، ما يمكن العاملين من تحسين أدائهم الذهني.

لنأخذ مثالاً على أكثر معوقات الإنتاجية شيوعاً وهو التواصل. فعند كتابة بريد إلكتروني تحد سرعة الكتابة من إنتاجنا إلى ما يقارب 40-70 كلمة في الدقيقة لمعظم المهنيين. في التجارب الأولية، يمكن لهذه التكنولوجيا المصممة لإدخال النصوص أن تعمل بسرعات مماثلة، ولكن دون إجهاد بدني. والأهم من ذلك، أنها تعمل بسرعة الكلام والتفكير.

بالنسبة للأفراد أصحاب الإعاقات الحركية -سواء كانت ناتجة عن إصابات في النخاع الشوكي أو التصلب الجانبي الضموري أو السكتة الدماغية- يمثل هذا استعادة للقدرة على التحكم. أما بالنسبة للمهنيين أصحاب القدرات الإدراكية السليمة، فيمثل هذا تسريعاً لأداء مهامهم الأكثر تطلباً للقدرات الإدراكية.

حيث أظهرت دراسة نشرت عام 2024 في مجلة نيتشر أن نظام واجهة الدماغ الحاسوبية منخفض التكلفة أحادي القناة القائم على تخطيط كهربية الدماغ قد حسن بشكل ملحوظ نتائج تعلم الرياضيات لدى طلاب الجامعات، من خلال التغذية الراجعة العصبية لإيقاع ألفا.

اقرأ أيضاً: نظام حاسوبي يتنبأ بنوايانا وأفكارنا ويوّلد صوراً تعبيرية لتمثيلها

بالنسبة للعاملين في مجال المعرفة، فإن الآثار المترتبة على ذلك لافتة للنظر. فالعمل العميق -حالة التركيز التام- على المهام التي تتطلب جهداً معرفياً كبيراً، والتي يحددها عالم الأعصاب كال نيوبورت باعتبارها ضرورية لإنتاج مخرجات مهنية قيمة، أصبح نادراً وهشاً بشكل متزايد بفعل المشتتات الخارجية التي تجعل التركيز المعرفي المستمر شبه مستحيل.

ومن ثم يمكن لتكنولوجيا واجهة الدماغ الحاسوبية أن تكون بمثابة حراس للعمل العميق، تراقب قلة التركيز وتوفر تدخلات فورية. وهذا يعني بالنسبة للمهنيين المبدعين إضافة تأثير كبير محتمل لمضاعفة الإنتاجية والتأثير المهني التراكمي.

علاوة على ذلك، من المتوقع أن تتحسن إنتاجية الفريق بشكل مماثل إذا تمكنت  التكنولوجيا من تطبيق ما يطلق عليه الباحثون "التزامن المعرفي"، بحيث يمكن لأعضاء فرق العمل الذين يرتدون واجهات متزامنة المشاركة في حل المشكلات بشكل تعاوني وتحقيق مستوى من التنسيق المعرفي يستحيل تحقيقه من خلال التواصل التقليدي.

بالإضافة إلى ذلك، تظهر التكنولوجيا ما كان خفياً دائماً: التباين في القدرة المعرفية على مدار اليوم بين الأفراد، حيث يعاني بعض الأشخاص استنزافاً معرفياً مزمناً بسبب اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط أو القلق أو حالات مرضية مزمنة، ومن ثم يمكن للتكنولوجيا أن توفر مقاييس موضوعية لقدراتهم المعرفية المتاحة في أي لحظة، ما يسمح لهم بجدولة المهام الصعبة عندما يكون دماغهم في أوج نشاطه، أو بتلقي تدخلات مخصصة عندما تكون مواردهم المعرفية مستنفدة.

اقرأ أيضاً: هل نحن بحاجة إلى رفع سرعة نقل البيانات بين الدماغ والحاسوب كما يرى إيلون ماسك؟

ما هي الاعتبارات التي ينبغي مراعاتها عند استخدام تكنولوجيا واجهة الدماغ الحاسوبية؟

يأتي وعد واجهات الدماغ الحاسوبية مصحوباً باعتبارات أخلاقية وثغرات أمنية غير مسبوقة، أهمها تعريض الفكر البشري نفسه للمراقبة والتلاعب والاستغلال، إذ تمثل البيانات العصبية أحد أكثر أشكال المعلومات الشخصية حساسية وخصوصية التي يمكن الوصول إليها تقنياً حتى الآن.

فعلى عكس رسائل البريد الإلكتروني المشفرة أو الملفات المحمية بكلمة مرور، لا يمكن إخفاء الأفكار بوعي، إذ قد تحتوي البيانات العصبية على أدلة تحوى أفكارنا ومشاعرنا ونوايانا وذكريات حقيقية، وحتى تحيزات لا شعورية مثل: معلومات لم تقصد مشاركتها مع أي شخص.

لهذا بدأ علماء الأعصاب وعلماء الأخلاق في استخدام مصطلح "الخصوصية العقلية" لوصف الحق الأساسي في الحفاظ على خصوصية أفكار الفرد وحمايتها من التطفل أو التلاعب غير المصرح به. ولا يعد هذا المفهوم مجرد امتداد لحقوق الخصوصية التقليدية، بل يمثل شيئاً أكثر جوهرية لكرامة الإنسان وحريته. إذ يؤكد فقهاء القانون بشكل متزايد على ضرورة اعتبار الحرية المعرفية من ضمن الحقوق الدستورية للفرد.

على سبيل المثال في الولايات المتحدة، يقترح الباحثون اعتبار الخصوصية الذهنية من صميم التعديل الأول للدستور -الذي يحمي حرية الفكر كشرط أساسي لحرية التعبير- كما يثار التعديل الرابع الذي يحمي من التفتيش والمصادرة غير المبررين، إذا أمكن "قراءة" البيانات العصبية للفرد دون موافقته أو إذن قضائي.

يجب التأكيد على أن التحدي الأخلاقي يتعدى حماية البيانات المخزنة إلى حماية الحرية المعرفية من التلاعب في الوقت الفعلي. قد تؤدي التدخلات المقدمة من التكنولوجيا إلى تحسين الأداء، لكنها قد تفتح الباب أمام استدامة حالات التركيز القسري التي تؤدي إلى زيادة التعب المعرفي المُحفز أو الإرهاق طويل الأمد إذا أصبحت معياراً إجبارياً للإنتاجية.

أما فيما يتعلق بالإطار التنظيمي والأخلاقي اللازم للتبني الآمن، فحالياً تمتلك معظم الدول أطراً تنظيمية غير كافية تماماً لمعالجة المخاطر الخاصة بواجهات الدماغ والحاسوب. حيث توفر قوانين حماية البيانات، مثل اللائحة العامة لحماية البيانات الأوروبية بعض الضمانات، لكنها صممت لحماية البيانات الشخصية التقليدية، لا لحماية المعلومات العصبية ذات الخصوصية غير المسبوقة.

استجابةً لذلك، بدأت عدة دول ومنظمات تطوير أطر حوكمة متخصصة للبيانات العصبية، مثل دولة تشيلي التي أدرجت فقرة "الحقوق العصبية" في قانونها لحماية الخصوصية العقلية والحرية المعرفية. كما أصدرت الصين "المبادئ التوجيهية الأخلاقية لأبحاث واجهة الدماغ والحاسوب"، وهو أول إطار محلي يتناول تحديات الخصوصية والأخلاقيات الخاصة بهذه التكنولوجيا.

اقرأ أيضاً: ما مخاطر غرس شريحة نيورالينك في الدماغ وما أبرز تطبيقاتها؟

ما هي العوائق التي تعوق تبني واجهات الدماغ والحاسوب على نطاق واسع في بيئة العمل؟

على المستوى المؤسسي، تواجه التكنولوجيا في البيئات المهنية عقبات عديدة في تبنيها. على سبيل المثال، يتطلب دمج أي تقنية جديدة في مكان العمل إدارة التغيير والتدريب، وغالباً إعادة تنظيم سير العمل.

علاوة على ذلك، قد يخشى الموظفون من أن يؤدي القياس المعرفي إلى استخدامه ضدهم، كأن تستخدم مقاييس التركيز المنخفضة لتبرير الفصل، أو أن يحاول أصحاب العمل فرض معايير أداء معرفي محددة تضر بصحتهم على المدى الطويل.

ويزيد الغموض التنظيمي هذه المخاوف. فمع وجود أطر قانونية محدودة تنظم استخدام واجهات الدماغ والحاسوب في السياقات المهنية، يواجه كل من أصحاب العمل والموظفين مسؤولية غير واضحة، مثل:

إذا تعطل نظام واجهة الدماغ والحاسوب وتسبب في حادث في مكان العمل، فمن المسؤول؟ وإذا ادعى موظف أنه أجبر على استخدام التكنولوجيا، فما هي سبل الانتصاف القانونية المتاحة؟ وإذا باع صاحب العمل البيانات العصبية أو أساء استخدامها، فما هي العقوبات المطبقة؟

إضافة إلى ذلك، يتطلب التبني وجود عدد كافٍ من المستخدمين، إذ تكون التكنولوجيا أكثر قيمة عند استخدامها من قبل فرق تعمل بشكل تعاوني، ومن ثم قد تنشأ مشكلات في التنسيق. على سبيل المثال، قد تطور إحدى المؤسسات سير عمل معتمداً على التكنولوجيا لتصميم المنتجات، ولكن إذا كان جزءٌ فقط من الفريق يستخدم هذه الواجهات بينما يعتمد الآخرون على الواجهات التقليدية، فقد لا يؤدي ذلك إلى سير عمل كفؤ أو تعاوني.

أخيراً، توجد فجوة كبيرة في المهارات في مجال تطوير التكنولوجيا، إذ يتطلب تطبيقها عملياً في بيئة العمل وجود أشخاص مُلمين بعلم الأعصاب والهندسة معاً، وهو مزيج نادر للغاية، لذا بدأت الشركات المطورة للتكنولوجيا مؤخراً في توظيف ما يطلق عليهم: "مهندسين عصبيين"، وهم متخصصون مدربون على لغة الدماغ والآلة متعددة التخصصات، لكن الكفاءات المتاحة غير كافية لتلبية الطلب.

اقرأ أيضاً: علماء يجدون طريقة لتحويل إشارات الدماغ إلى كلام

نظرة مستقبلية: كيف سيبدو مسار مهني يعتمد على واجهات الدماغ والحاسوب؟

في المستقبل، قد يصل الموظف إلى عمله مرتدياً جهاز استشعار عصبياً بالكاد يُرى على فروة رأسه، يراقب باستمرار حالته الإدراكية كالانتباه والإرهاق والانخراط الإبداعي. سيعمل النظام على تعزيز الإنتاجية على النحو التالي:

  • عندما يبدأ جلسة عمل متعمقة يكتشف النظام إشارات التركيز المرتفعة ويتحكم في الإشعارات والمقاطعات، كما سيتعلم المساعد الذكي الأنماط العصبية للموظف لعرض المعلومات بتنسيقات تتوافق مع حالته الإدراكية الحالية.
  • في سياق التعاون، ستصبح أنماط الانتباه العصبية مرئية للزملاء في الوقت الفعلي لتحقيق تزامن إدراكي غير مسبوق، وعند مواجهة المشكلات المعقدة، سيتعرف النظام على الجهد الإبداعي ليقدم تدخلات دقيقة، مثل اقتراح فترات راحة أو لفت الانتباه إلى معلومات مهمة.

يجرى تتبع الأداء بناءً على التفاعل العصبي والإنتاجية الإبداعية، ويتعلم النظام الظروف المثلى لأداء الموظف ليعدل بيئة العمل تلقائياً. والأهم، في هذا السيناريو، يحتفظ الموظف بالسيطرة الكاملة على بياناته العصبية وخصوصيتها، ويفهم تماماً المعلومات التي تجمع وكيفية استخدامها، مع القدرة على رفض قياسات معينة أو حذف البيانات متى شاء.

هذه الرؤية المستقبلية لتبني واجهات الدماغ والحاسوب بشكل منظم وأخلاقي قابلة للتحقيق، ولكنها تتطلب اتخاذ إجراءات فورية لوضع أطر أخلاقية وحماية للخصوصية، لتجنب البديل غير المرغوب فيه وهو تبنيها بشكل غير منظم ما يحول البيانات العصبية إلى سلعة.

اقرأ أيضاً: هل تتحقق وعود إيلون ماسك في زرع شريحة في دماغ البشر هذه المرة؟

الطريق إلى الأمام: إعادة تعريف الإنتاجية في التفاعل بين الآلة والدماغ البشري

يشير مسار تكنولوجيا واجهات الدماغ والحاسوب إلى عدة سيناريوهات محتملة لكيفية دمجها في الحياة المهنية مستقبلاً، في أحد هذه السيناريوهات قد يطبق مسار التكامل التدريجي حيث تدخل التكنولوجيا بيئة العمل تدريجياً من خلال استخدامات عالية القيمة ومنخفضة المخاطر.

في سيناريو ثانٍ قد نرى مسار التسارع السريع من خلال حدوث اختراق في فك تشفير الإشارات العصبية بفضل التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية، في هذا السيناريو قد تتحول التكنولوجيا من كونها أجهزة طبية متخصصة إلى إلكترونيات استهلاكية ويتسارع تبنيها في أماكن العمل بشكل كبير.

بينما قد يظهر سيناريو ثالث، وهو مسار التبني المتشعب، فقد نرى انتشاراً واسعاً للتكنولوجيا في بعض السياقات، بينما تبقى نادرة أو محظورة في سياقات أخرى. على سبيل المثال، قد يصبح الوصول إلى التكنولوجيا لتعزيز القدرات المعرفية امتيازاً مرتبطاً بالموقع الجغرافي، فقد يتمتع المهنيون في المناطق ذات قوانين الخصوصية والبنية التنظيمية القوية باستقلالية معرفية أكبر، ولكن قد تكون إنتاجيتهم أقل مقارنة بزملائهم في المناطق الأقل صرامة.

في هذه السيناريوهات جميعها، يبرز خيط مشترك لافت للنظر: من المتوقع أن تعيد واجهات الدماغ والحاسوب تعريف مفهوم الإنتاجية، ففي المجالات التي يكون فيها الطلب المعرفي في أعلى مستوياته وتكون عواقب الأخطاء وخيمة مثل قطاع تطوير البرمجيات، يمكن للتكنولوجيا أن تحقق مضاعفات إنتاجية استثنائية.

في المجالات الإبداعية التي تشكل فيها الملكية الفكرية والأفكار الجديدة أساس القيمة، يمكن للتكنولوجيا أن تطيل فترات الانغماس العميق في حل المشكلات المعقدة، ما قد يزيد الإنتاج الإبداعي وهو ما يمكن أن يترجم إلى أثر اقتصادي كبير.

في بيئات العمل الحساسة كالجراحة والطيران والاستجابة للطوارئ والعمليات العسكرية، يمكن للتكنولوجيا مراقبة الحالة الإدراكية والتدخل في الوقت الفعلي عندما يهدد الإرهاق أو التوتر جودة اتخاذ القرار، ما يسهم في خفض معدلات الخطأ والإخفاقات الكارثية بنسب ملموسة مع تحسينات محتملة في السلامة.

في التعاون عن بعد بين فرق العمل، قد تتيح التكنولوجيا مزامنة الحالات الإدراكية بين أعضاء الفريق الموزعين جغرافياً. على سبيل المثال، تخيل تعاون فريق لتصميم المنتجات باستخدام التكنولوجيا، حيث يكون تركيز كل عضو وأفكاره الإبداعية مرئياً باستمرار للآخرين، ما يتيح مستوىً من التنسيق لا تستطيع أدوات التعاون الحالية تحقيقه.

اقرأ أيضاً: إلى أين وصل العلماء في جهودهم لرسم خريطة مفصلة للدماغ؟ وماذا نستفيد من ذلك؟

سؤال الهوية: ماذا يعني تعزيز الإنتاجية مع سلب الحرية المعرفية؟

مع ذلك، تأتي هذه المكاسب الإنتاجية مصحوبة بتداعيات فلسفية ووجودية لم يبدأ المجتمع بعد استيعابها. فإذا سمحت لنا واجهات الدماغ والحاسوب بتعزيز تركيزنا، وتوسيع ذاكرتنا العاملة، وتسريع تعلمنا، والاندماج مع الذكاء الاصطناعي، أي باختصار تجاوز قيود أدمغتنا البيولوجية، فماذا يعني هذا بالنسبة لهوية الإنسان وكرامته؟ هل نبقى أنفسنا إذا جرى تعزيز عملياتنا المعرفية بشكل كبير من خلال مؤثرات خارجية؟ هل نفقد شيئاً جوهرياً من إنسانيتنا إذا أوكلنا الإدراك إلى الآلات؟

وإذا أصبح التطوير المعرفي ممكناً وذا قيمة، فهل سيصبح شرطاً أساسياً للنجاح المهني؟ وهل سنخلق فئة جديدة من الأفراد غير المطورين معرفياً الذين لا يستطيعون المنافسة في بيئات عمل يهيمن عليها زملاء مزودون بتقنيات واجهات الدماغ والحاسوب؟

المحتوى محمي