لماذا فاز رائد النزعة التشاؤمية تجاه الذكاء الاصطناعي جيفري هينتون بجائزة نوبل في الفيزياء؟

3 دقيقة
لماذا فاز رائد النزعة التشاؤمية تجاه الذكاء الاصطناعي جيفري هينتون بجائزة نوبل في الفيزياء؟
مصدر الصورة: كريستين أولسون/وكالة تي تي الإخبارية عبر أسوشيتد برس

ملخص: نال جيفري هينتون جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2024، وهو عالم كمبيوتر يمثّل عمله الرائد في التعلم العميق خلال الثمانينيات والتسعينيات أساساً لمعظم نماذج الذكاء الاصطناعي الجبارة الحالية. لكن هينتون بدأ يشعر بالخوف من التكنولوجيا التي ساعد على ظهورها، وأصبح معروفاً بوصفه من كبار نزعة التشاؤم بهلاك البشرية، وهي الفكرة التي تقول إننا معرضون لعواقب وخيمة ناجمة عن الذكاء الاصطناعي في المستقبل القريب، بما فيها انقراض البشر. نشأت هذه النزعة لدى هينتون بعد رؤيته للقدرات الهائلة التي تتمتع بها نماذج الذكاء الاصطناعي الجديدة، فأثارت آراؤه هذه ضجيجاً إعلامياً دام عدة أشهر، وحولت المخاطر الوجودية التي كان يتخيلها هو وغيره إلى مخاوف سائدة بين العامة، وانضم إليه في موقفه المئات من كبار العلماء والقادة في مجال التكنولوجيا، واقترح بعضهم فرض وقف اختياري على تطوير الذكاء الاصطناعي.

منحت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2024 إلى عالم الكمبيوتر جيفري هينتون الذي يمثّل عمله الرائد في التعلم العميق خلال فترة الثمانينيات والتسعينيات أساساً لجميع نماذج الذكاء الاصطناعي الأقوى من نوعها في العالم في الوقت الحالي.

علّق هينتون في حديثه عبر الهاتف مع الأكاديمية بعد الإعلان ببضع دقائق بالقول إنه مذهول، وأضاف: "لم يكن لدي أدنى فكرة أن هذا قد يحدث. أنا مندهش للغاية".

يتقاسم هينتون الجائزة مع زميله عالم الكمبيوتر جون هوبفيلد، الذي اخترع نوعاً من الشبكات العصبونية التي تعمل على مطابقة الأنماط وتستطيع تخزين البيانات وإعادة تشكيلها. اعتمد هينتون على هذه التكنولوجيا، المعروفة باسم شبكة هوبفيلد، لتطوير خوارزمية الانتشار الخلفي (أو الانتشار المرتد) التي تسمح للشبكات العصبونية بأن تتعلم.

اقرأ أيضاً: الأب الروحي للذكاء الاصطناعي يحصل على جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2024

ما علاقة الفيزياء باكتشافات الباحثَين؟

استغل هوبفيلد وهينتون بعض الطرق من الفيزياء لتطوير أساليبهما، خصوصاً التقنيات الإحصائية. ووفقاً للجنة جائزة نوبل، فإن هذين الباحثين فازا بالجائزة "بسبب اكتشافاتهما واختراعاتهما الأساسية التي أتاحت تطبيق مفاهيم التعلم الآلي باستخدام الشبكات العصبونية الاصطناعية".

لكن منذ مايو/أيار عام 2023، عندما ساعدت مجلة إم آي تي تكنولوجي ريفيو في نشر الأخبار الجديدة التي تفيد بأن هينتون، البالغ من العمر 76 عاماً، خائف من التكنولوجيا التي ساعد على ظهورها، أصبح رمزاً لنزعة التشاؤم بشأن هلاك البشرية، التي ترى أن الذكاء الاصطناعي يشكّل خطراً حقيقياً يمكن أن يتسبب بعواقب كارثية وخيمة في المستقبل القريب، بما في ذلك انقراض البشرية.

لم تكن نزعة التشاؤم بهلاك البشرية أمراً جديد، لكن هينتون -الذي فاز بجائزة تورينغ، وهي أرفع جائزة في مجال علم الحوسبة، في 2018- أضفى مسحة جديدة من المصداقية على موقف كان الكثير من أقرانه يعتبرونه ضرباً من الجنون.

هينتون: رائد النزعة التشاؤمية تجاه الذكاء الاصطناعي

ما الذي دفع هينتون إلى التعبير عن هذا الموقف؟ عندما التقيتُ هينتون في منزله بلندن العام الماضي، قال لي إنه مذهول بقدرات النماذج اللغوية الكبيرة الجديدة. كانت شركة أوبن أيه آي (OpenAI) قد أطلقت أحدث نموذج رائد لديها وهو "جي بي تي 4" (GPT-4) قبل بضعة أسابيع. وكان هينتون مقتنعاً، نتيجة لما رآه، بأن هذه التكنولوجيا المبنية على التعلم العميق سوف تصبح قريباً أذكى من البشر. وكان قلقاً بشأن الدوافع التي قد تنشأ لدى هذه التكنولوجيا عندما تصل إلى هذه المرحلة.

وقال لي في ذلك الوقت: "لقد غيّرت وجهة نظري فجأة إزاء إمكانية وصول هذه التكنولوجيا إلى مستوى من الذكاء يفوق ذكاءنا. أعتقد أنها اقتربت للغاية من تحقيق هذا الأمر، وسوف تكون أذكى منا بكثير في المستقبل، ولن ننجو من هذه المصيبة".

أثارت وجهات نظر هينتون ضجيجاً إعلامياً دام عدة أشهر، وساعدت على تحويل المخاطر الوجودية التي كان يتخيلها هو وغيره (بدءاً من الانهيار الاقتصادي وصولاً إلى الروبوتات القاتلة) إلى مخاوف سائدة. ووقّع المئات من كبار العلماء والقادة في مجال التكنولوجيا على رسائل مفتوحة تحذر من الجوانب السلبية الكارثية المحتملة للذكاء الاصطناعي. واقترح البعض الوقف الاختياري لتطوير الذكاء الاصطناعي. وأكد السياسيون للناخبين أنهم سيفعلون كل ما في وسعهم لمنع وقوع الأسوأ.

اقرأ أيضاً: عراب الذكاء الاصطناعي يتوقع خروجه عن السيطرة من خلال إعادة برمجة نفسه

وعلى الرغم من كل الضجيج الإعلامي الذي أثارته آراء هينتون، يرى كثيرون أنها آراء خيالية. فقد وصف كبير علماء شركة ميتا أيه آي (Meta AI) وشريك هينتون في جائزة تورينغ لعام 2018، يان ليكون، نزعة التشاؤم بهلاك البشرية بأنها "سخيفة إلى درجة لا يمكن تصورها".

تمثّل الجائزة التي نالها هينتون الآن مكافأة على عمله التأسيسي في تطوير تكنولوجيا أصبحت جزءاً من حياتنا اليومية. ومن المؤكد أيضاً أنها ستزيد من شهرة آراء هينتون الأخرى المثيرة للخوف.

المحتوى محمي