هل يمكن للروبوت تأليف قصة؟ جرب بنفسك

هل سمعت من قبل عن القصة الشهيرة التي ألفها الكاتب الأميركي فريدريك براون ونشرها عام 1948 تحت عنوان "الطرقة" (Knock)؟ تعد هذه القصة أقصر قصة رعب في التاريخ، إذ تتكون من جملتين فقط: "آخر رجل على الأرض جلس وحيداً في غرفة. ثم سمع طرقات على الباب".

قد لا تأخذ هذا النوع من القصص على محمل الجد، لكنها في الحقيقة تُعد نوعاً مهماً من الأدب، يُطلق عليه أدب القصة متناهية الصغر (Micro Story). وقد برع فيه بعض الأدباء الكبار، مثل إرنست همنغواي الذي كتب القصة القصيرة الأكثر شهرة ذات الكلمات الست: "للبيع: حذاء طفل، لم يُلبس قط".

عادة ما يتراوح عدد كلمات القصة متناهية الصغر بين 300 و400 كلمة، وأحياناً أقل كما رأينا في المثالين السابقين. ويبدو أن هذا النوع من القصص سيكون المجال الرئيسي الذي سينافس فيهالذكاء الاصطناعي الأدباء والروائيين، على الأقل في المدى القريب.

في هذه المقالة، حاولت إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية تجربة عدد كبير من منصات وتطبيقات توليد النصوص باستخدام الذكاء الاصطناعي، لدراسة مدى التقدم الذي وصلت إليه الروبوتات في الكتابة الأدبية، ومدى قدرتها على توليد نصوص أدبية مفهومة ومتماسكة على شكل قصص متناهية الصغر. وقد جربنا افتتاحيات مختلفة وأنواعاً قصصية متباينة بين الجريمة والرومانسية والرعب، وأحياناً خليط بين هذا وذاك.

1. قتلت شخصاً آخر

"كنت أسير في الشارع وتحول الهواء إلى اللون الأسود. شعرت بالاختناق وأغمضت عيني. وعندما فتحتهما، كنت في عالم جديد. عالم يشبه حياتي لكنه مختلف تماماً".

كنت داخلاً فصلاً دراسياً وكانت هناك فتاتان، إحداهما كانت تدعوني بـ "الصديق". بدا الأمر ودوداً للغاية بالنسبة لي، لكني هربت من الفتاة التي نادتني. طاردتني ودخلنا في قتال. فجأة، أصبحت قبضتي جامحة، ولم أفكر في أي شيء آخر سوى أن أؤذيها. واصلت اللكم حتى توقفت تماماً عن الحركة. كانت ميتة أمامي.

استيقظت من النوم تلك الليلة وأنا أتصبب عرقاً. يبدو أنني قتلت شخصاً آخر، ولكن هذه المرة عن قصد".

هذه القصة الكابوسية من تأليف بوت الكتابة المساعد الذي تستخدمه منصة رايتر (Rytr). والذي يمكنه الكتابة بأكثر من 30 لغة مختلفة، وباستخدام "صيغ كتابة علمية" لتوفير أفضل جودة للمخرجات، بحسب وصف المنصة. كل ما احتاجه روبوت الكتابة هو الجملة الأولى، ثم أكمل باقي القصة بنفسه.

2. والآن، يجب أن أفكر

هناك العشرات من برامج وروبوتات الكتابة ذات الأغراض العامة، مثل كوبي ماتيك (Copymatic) ورايتر (Writer)، لكنها لا تتضمن أقساماً مخصصة لكتابة القصص. تتميز هذه المنصات في كتابة المقالات للمدونات، وإعادة صياغة المقالات، وكتابة أوصاف المنتجات. لذلك، فقد فشلت محاولات كتابة القصص من خلالها وبدت النتائج كمقالات علمية تتحدث عن أساليب كتابة القصة القصيرة، وشروحات لمفهوم المقدمة والفقرات والخاتمة.

بعد عدة تجارب فاشلة، بدأت الآمال تعود مرة أخرى مع منصة (Sassbook AI Story Generator)، والتي اخترت لها نفس الافتتاحية السابقة "تحول الهواء إلى اللون الأسود"، فكتبت نصاً يصلح -بشكل غريب- كتكملة للقصة الأولى التي أنتجها "رايتر":

"تحول الهواء إلى اللون الأسود من حولي. لم أقصد قتلها. لقد دفعتني للقيام بذلك. الآن، يجب أن أفكر.

لم أكن أعرف. هذا ما اعتقدته. كان عقلي فارغاً. في البداية، جاءت الكلمة. كنت أجلس هناك في زنزانتي، يوماً بعد يوم، أتساءل عن والديّ، وأخي، وحتى كلبي، لم تشعل الأضواء. كنا في ظلام دامس. كيف يمكن لأي شخص أن يعيش بهذه الطريقة"؟

3. عندما يكتب الروبوت مسرحية

في الواقع، كانت هناك بعض النتائج غير المتوقعة، فمثلاً واجهة برمجة تطبيقات توليد النصوص (Text Generation API) التي يوفرها موقع ديب أيه آي (DeepAI)، لم تكن جيدة على الإطلاق ولم تنتج شيئاً ذا جدوى، على الرغم من أنها تعتمد على أحد أكبر النماذج اللغوية جي بي تي-2 (GPT-2)، الذي ابتكرته شركة أوبن أيه آي (OpenAI).

مشكلة التجربة التي توفرها الشركة من خلال هذه الواجهة أنها غير مخصصة؛ أي أن الكاتب لا يمكنه تحديد نوع النص الذي يرغب في كتابته. لا تتيح لك الشركة سوى إمكانية كتابة جملة أو جملتين، ليبدأ النموذج اللغوي غير الموجه التنبؤ بالجزء الباقي من النص.

على العكس، تمكن نفس النموذج "جي بي تي-2" العام الماضي -وبمناسبة مرور 100 عام على اختراع الأخوين التشيكيين كاريل وجوزيف تشابيك كلمة روبوت- من تأليف مسرحية كاملة يبلغ طولها 60 دقيقة، بعنوان: "الذكاء الاصطناعي: عندما يكتب الروبوت مسرحية".

تروي الأحداث رحلة الروبوت (الشخصية الرئيسية)، الذي يخرج إلى العالم للتعرف على المجتمع والعواطف البشرية، بل وحتى التعرف على الموت.

يجد الروبوت بطل المسرحية نفسه وحيداً بعد وفاة سيده فيكتور -تماماً كما في قصة فرانكنشتاين للكاتبة الإنجليزية ماري شيلي- وأن عليه أن يتعامل مع الجنس البشري وحده، فيتنقل عبر المشاهد السريالية، ليلتقي بالكثير من "النساء اللاتي يرمين أنفسهن تحت قدميه"، ويطرح أحياناً أسئلة عن الحياة والرفقة والفناء، كما لو كان في حلم سيئ.

هذه هي الفكرة العامة للقصة التي كتبها النموذج بعدما أمده باحثون من جامعة تشارلز في التشيك بافتتاحية مكونة من جملتين فقط من الحوار، لينتج بعدها ما يصل إلى ألف كلمة، ثم كرروا العملية حتى إنتاج المسرحية كاملة.

4. رومانسية شريرة

إحدى تجارب التأليف المميزة هي تلك التي يوفرها مولد النصوص المجاني الموجود على منصة سمودين (Smodin). يتميز هذا الروبوت بقدرته الدائمة على زيادة حجم النص، واستخدام نهاية الفقرات كافتتاحيات جديدة لاستكمال القصة. لذلك، كانت القصة التالية مختلفة مقارنة بالتجارب السابقة:

نظرت من خلال الستائر. كانت هناك سيارة ليموزين متوقفة بالخارج، وبجانبها حارسان شخصيان. سمعت طرقات على الباب واتسعت عيناي من الخوف وأدركت من هو.

- لم أكن أعتقد أنك ستأتي!

شهقت عندما فتحت الباب على مصراعيه للسماح له بالدخول إلى غرفتي، لكنه لم يقل أي شيء، قبل أن يدخل كما لو أنه منزله وليس منزلي!

- أنتِ جميلة جداً.

حاولت دفعه بعيداً، لكنه أمسك بي ونظر إليَّ بعينيه الخضراء الزمردية الرائعة.

- ماذا تفعل؟ سألت، وصوتي يرتجف بشدة. ابتسم، فظهرت لي مجموعة خبيثة من الأسنان البيضاء المستقيمة. كان قلبي ينبض بقوة لدرجة أنني اعتقدت أنني سأموت من شدة الفرح بسبب الطريقة التي تحدث بها معي. لم أصدق حينها أنني كنت عمياء للغاية".

الملاحظة المهمة التي يمكن استخلاصها حتى الآن هي أن الكثير من روبوتات الذكاء الاصطناعي تميل إلى إنتاج قصص سوداوية للغاية -لا تصلح للنشر هنا- تدور حول موضوعات الجنس والسجن والعنف. السبب في هذا يعود في الغالب إلى نوعية الروايات والمواد الأدبية الموجودة على الإنترنت والتي تم تدريب النماذج عليها، والتي تدور حبكتها الدرامية حول هذه الموضوعات.

5. عرين التنين الكريستالي

الآن لدينا قصة أخيرة تنتمي لعالم المغامرات الخيالية، تستلهم على ما يبدو النمط الأسطوري الذي تتميز به سلسلة روايات سيد الخواتم (The Lord of the Rings) للكاتب الإنجليزي جون تولكين، لكن بشكل مختصر بالطبع. وهذه القصة من تأليف منصة نوفل أيه آي (NovelAI)، التي تقول إن خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي تستخدمها يمكنها محاكاة أساليب الأدباء الكبار مثل آرثر كونان دويل وإدغار آلان بو، كما أنها تمكّن المستخدم من بناء عالمه الخاص والتحكم فيه.

أنا أحد الفرسان مصاصي الدماء. لقد كنت أساعد رفيقتي جالينا في شق طريقها خلال هذه المعركة، بينما نبحث عن عرين التنين الكريستالي. جالينا امرأة ترتدي فستاناً أسود، ولها شعر طويل يصل إلى قدميها. بشرتها تبدو شاحبة للغاية. لديها أنف صغير وعينان كبيرتان لوزيتي الشكل تغطيها رموش طويلة. كان فريقنا يشق طريقه إلى أعلى الجبل، حتى وصلنا أخيراً إلى عرين التنين الكريستالي.

كانت جالينا سجينة طائفة سيمجا الدينية معظم حياتها. عندما تزوجت من الأمير آرفن، نالت حريتها وأصبحت ملكة. في البداية، لم تكن لدى جالينا أي فكرة عن كيفية استخدام سحرها أو حتى التحكم فيه. غالباً ما كانت تصرخ بغضب خلال محاولاتها لتدريب قواها. تطلب الأمر حب ودعم الملك آرفن لمساعدتها على تعلم ضبط النفس. أصبحت الملكة منذ ذلك الحين ساحرة قوية.

تتزايد أعداد التنانين الكريستالية لأنها يمكن أن تتكاثر عن طريق الانقسام إلى نصفين. كما لا يمكنك قتلها ما لم تدمر قلوبها أو تستخدم قوة سحرية كافية لتحويلها إلى غبار. هناك العديد من القصص حول أناس هزموا التنانين الكريستالية لكن معظمها مجرد إشاعات.

كانت المعركة الحالية بين جالينا وهذا التنين بالتحديد تسير بشكل سيئ بالنسبة لها. تمكنت من منع رأسه من الدوران، ما تسبب في إعاقة حركته، لكنها لم تستطع الاقتراب من جسده لأنه محمي بسحر دفاعي.

بينما ركزت جالينا على قتل التنين، اقترب منافس آخر من الخلف. لم تتعرف عليه، لذا لم تكن متأكدة مما إذا كان ينبغي السماح له بالانضمام إلى هذه المعركة. التفت جالينا للنظر إلى المنافس الجديد وأدركت أنه هالدورن، أحد السحرة القلائل الذين يمكنهم أن ينافسوها.

- قف!" صاحت جالينا. "ليس من المفترض أن تكون هنا.

تنهد هالدورن قائلاً: أنا أعلم هذا. ومع ذلك، فهذه هي المرة الأولى التي أتحداك فيها.

وابتسم هالدرون وهو يواصل السير نحوها.

- سمعت أنك أصبحت بطلة المسابقة الأخيرة. هذا يعني أنني يجب أن أهزمك حتى أصبح الأعظم. إنها مسألة فخر وشرف بالنسبة لي".

ثم وقف أمام جالينا وأشار بيديه. كان الهواء بينهما قد بدأ يتوهج. ضوء أحمر خافت تشكل في صورة سلسلة جبال. كانت هذه الجبال تشبه تلك الموجودة في بلادنا. ثم تغيرت الصورة وتحولت إلى قلعة مهيبة متوهجة بلهب أزرق. تعرفت جالينا على هذا الصرح على الفور. كانت نفس القلعة التي تزوجت فيها هي والملك".

في النهاية، وبعد تجربة عدد كبير من برامج الذكاء الاصطناعي، سيصلك شعور قوي بأن هذه التكنولوجيا لم تتطور بعد إلى ما نتوقعه منها، وأن الذكاء الاصطناعي ليس لديه فعلاً حتى الآن ما يعبر عنه. ببساطة لأنه غير واعٍ ولا يفهم حرفاً مما يكتب. على الرغم من كل البيانات المستخدمة لتدريبه، لا يمكن للروبوت استحضار روح الفكاهة أو الإحساس بالمشاعر. إذاً، ما الذي يمكن أن تفعله الخوارزميات؟ يمكنها إجراء الحسابات جيداً وإنتاج نصوص طبيعية من الناحية الإحصائية. على سبيل المثال، من المرجح أن تتبع كلمة "أنا" في النص بكلمة "يؤمن"، وهو ما يمكن المرء ملاحظته بسهولة في وظائف النصوص التنبؤية على الهواتف.

هذه المنصات التي تتزايد أعدادها باطراد تمثل فرصة عظيمة للكتاب الجدد والمؤلفين الذين يبحثون عن أفكار جديدة لرواياتهم. ومع ذلك، لكي تصبح كاتباً أو مؤلفاً جيداً، فستحتاج إلى قدرات ومهارات تتجاوز تلك التي تتمتع بها روبوتات الذكاء الاصطناعي الحالية.