سؤال المستقبل: هل يمكن أن نمنح الآلة براءة اختراع؟

4 دقائق
هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون مخترعاً؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/Phonlamai Photo

في شهر يوليو 2021، أصدرت المحكمة الفيدرالية الأسترالية حكماً تاريخياً ينص على إمكانية إدراج نظام ذكاء اصطناعي باعتباره "المخترع" في طلب براءة اختراع، وفقاً لقانون البراءات الأسترالي لعام 1990. بدا آنذاك أن هذا الحكم سيخلف تداعيات واسعة على قوانين الملكية الفكرية في مختلف أنحاء العالم، وسيمثل سابقة تتيح للآلات "المفكرة" أن تحصل على براءات اختراع مماثلة. لكن لم تكد تمضي عدة أشهر حتى عكست هيئة من خمسة قضاة هذا القرار بالإجماع، وقررت أن المخترع يجب أن يكون شخصاً طبيعياً.

اقرأ أيضاً: الربح من الاختراعات: أحدث أساليب وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية لاجتذاب الكوادر

قضايا ثالر المتعددة

لا يمثل هذان الحُكمان المتعارضان سوى قمة جبل الجليد لمشكلة قانونية شائكة بدأت العديد من المحاكم والهيئات القضائية في مختلف أنحاء العالم تواجهها خلال الأعوام الأخيرة.

هذه القضية هي واحدة من سلسلة طويلة من القضايا المماثلة التي رفعها ستيفن ثالر. ثالر هو الرئيس التنفيذي لشركة إيماجنيشن إنجنز (Imagination Engines) ومبتكر دابوس (DABUS)، وهو نظام ذكاء اصطناعي يستخدم سلسلة من الشبكات العصبونية "للتفكير" وابتكار اختراعات جديدة. توصل النظام -الذي يُطلق عليه ثالر اسم "آلة الإبداع" (Creativity Machine)- حتى الآن إلى اختراعين: حاوية طعام معتمدة على "هندسة الكسريات" (fractal geometry) مصممة للسماح للروبوتات بالإمساك بها بسهولة، و"لهب عصبوني" (Neural Flame)، وهو ضوء يومض بنمط خاص مصمم بطريقة فريدة لجذب الانتباه في حالات الطوارئ.

قدّم ثالر طلبات براءات اختراع في 17 دولة مختلفة. وفي كل مرة، كان يتم إدراج نظام "دابوس" بدلاً من ثالر على أنه المخترع. ونظراً لأن براءات الاختراع مسألة قانونية، ولأن لكل بلد قوانين براءات اختراع مختلفة، كان على كل سلطة قضائية أن تعالج المسألة بشكل فردي.

اقرأ أيضاً: شاهد: كتف روبوتية تدرب أنسجة الأوتار المستزرعة بالفتل والشد

بشكل عام، رفضت مكاتب تسجيل البراءات في مختلف أنحاء العالم طلبات منح براءة اختراع لـ "آلة الإبداع"، بما في ذلك مكاتب المملكة المتحدة والولايات المتحدة ومكتب البراءات الأوروبي وألمانيا وكوريا الجنوبية وتايوان ونيوزيلندا وأستراليا. الاستثناء الوحيد كان دولة جنوب إفريقيا التي منحته البراءة لكن دون إجراء فحص فني للاختراع حتى الآن.

أحدث قضية رفعها ثالر هي تلك المنظورة حالياً أمام الدائرة الفيدرالية لمحكمة الاستئناف الأميركية، والتي اختصم فيها مكتب حقوق الطبع والنشر بالولايات المتحدة، بعدما رفض طلب تسجيل حقوق الطبع والنشر لشركة ثالر على أساس أن العمل الذي قامت به آلة الإبداع "يفتقر إلى عنصر التأليف البشري"، وهو أمر ضروري للموافقة على منحه حقوق الطبع والنشر. ويقترح ثالر في دعواه أن تطبق المحاكم اختبار تورنج (Turing Test) الذي طوره عالم الحاسوب والرياضيات الإنجليزي آلان تورنج عام 1950.

قضايا ثالر المتعددة
رفض مكتب حقوق الطبع والنشر بالولايات المتحدة (USCO) طلباً لمنح "آلة الإبداع" الخاصة بثالر حقوق هذا العمل الفني، الذي أطلق عليه اسم "مدخل معاصر إلى الجنة". مصدر الصورة: ستيفن ثالر

عواقب وخيمة

المأزق الفريد الذي يواجه منح براءات لاختراعات الذكاء الاصطناعي هو أن القضية تتمحور في الأساس حول "من الذي اخترع، وليس ما الذي تم اختراعه". إذا لم يكن المخترع بشرياً، فإن أحد المخاوف هو أن تصبح أنظمة الذكاء الاصطناعي غزيرة الإنتاج لدرجة أن اختراعاتها قد تغمر نظام براءات الاختراع بالطلبات قريباً.

ويرى أستاذ الذكاء الاصطناعي في جامعة نيو ساوث ويلز الأسترالية توبي والش، وأستاذة القانون في الجامعة نفسها ألكسندرا جورج، أنه "إذا قررت المحاكم والحكومات أن الاختراعات التي يتوصل إليها الذكاء الاصطناعي لا يمكن تسجيلها كبراءات اختراع، فقد تكون العواقب وخيمة. سيكون المموّلون والشركات أقل رغبة في إجراء أبحاث مفيدة باستخدام أدوات الاختراع القائمة على الذكاء الاصطناعي عندما يكون العائد على استثماراتهم محدوداً. وقد يفوت المجتمع فرصة تطوير اختراعات جديرة بالاهتمام ومنقذة للحياة".

اقرأ أيضاً: كيف أصبح الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته جزءاً من حياتنا اليومية؟

بدلاً من دفع قوانين البراءات القديمة لاستيعاب التكنولوجيا الجديدة، يقترح الأستاذان -في مقالتين مهمتين نشراهما الشهر الماضي في دورية نيتشر وشبكة ذا كونفرزيشن (the conversation) الأسترالية- أن تقوم الحكومات الوطنية بسن نوع جديد من قوانين الملكية الفكرية مصمم خصيصاً للتعامل مع اختراعات الذكاء الاصطناعي. وقد أطلقا عليه اسم قانون الملكية الفكرية للذكاء الاصطناعي (AI-IP)، وأضافا أنه ينبغي على الدول أيضاً إنشاء معاهدة دولية لضمان أن تتبع هذه القوانين مبادئ موحدة، وللتأكد من أن أي نزاعات يمكن حلها بطريقة فعالة.

بريطانيا تغير قوانينها

أطلقت العديد من المؤسسات والحكومات حول العالم مشاورات عامة حول الكيفية التي يجب أن تتعامل بها قوانين الملكية الفكرية وبراءات الاختراع مع الذكاء الاصطناعي. إحدى أبرز النتائج في هذا الصدد جاءت من المملكة المتحدة، التي أعلنت حكومتها هذا الأسبوع أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي تتوصل إلى تكنولوجيات جديدة لن تكون قادرة على تسجيل براءات اختراع بصفتها "مخترعة". ومع ذلك، فقد أعلن مكتب الملكية الفكرية في البلاد أنه يخطط لتعديل قوانين حقوق التأليف والنشر الحالية لتحقيق هذا التوازن بين حماية الأعمال البشرية وأعمال الذكاء الاصطناعي.

قد تعني التغييرات المقترحة على القانون أن أي شخص لديه وصول مشروع إلى المواد المحمية بموجب حقوق الطبع والنشر سيكون قادراً على إجراء عمليات "تنقيب بيانات" (Data Mining) دون الحصول على إذن إضافي من مالك حقوق الطبع والنشر. وتنقيب البيانات هي عملية تحليل واكتشاف واستخراج الأنماط المفيدة الموجودة في مجموعات البيانات الضخمة لاستخدامها في حل المشكلات وتطوير نماذج قادرة على التنبؤ بالنتائج والتوجهات المستقبلية. ويمكن أن يؤدي تنقيب البيانات إلى تحسين دقة نماذج البيانات المستخدمة في التعلم الآلي.

وتقول الحكومة البريطانية إن أصحاب الحقوق سيظلون قادرين على التحكم في الوصول إلى أعمالهم وفرض رسوم عليها والتحكم في استخدامها على نطاق أوسع، لكن التغيير الوحيد هو أنهم لن يعودوا قادرين على فرض رسوم إضافية مقابل إمكانية التنقيب فيها.

اقرأ أيضاً: جامعة الملك سعود توقع مذكرة تفاهم لتعزيز تعليم الذكاء الاصطناعي في المملكة

قرار مؤثر على العالم

في نهاية المطاف، من المتوقع أن تؤثر مثل هذه التغييرات، بالإضافة إلى القرار الذي ستصدره محكمة الاستئناف الأميركية، على وتيرة تطوير الذكاء الاصطناعي، لا سيما في مجالات تطوير الأدوية وعلوم الحياة.

ويعتقد أستاذ القانون في جامعة سري البريطانية رايان أبوت -والذي يمثل ثالر في قضاياه أمام المحاكم- أن إصدار حكم مؤيد لاعتبار الذكاء الاصطناعي مخترعاً سيجعل المزيد من تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي متاحة أمام شركات الأدوية وسيسرع من وقت الموافقة على الأدوية وطرحها في السوق.

بدوره، يرى الشريك في مكتب بروسكاور روز للمحاماة في نيويورك، بالدو فينتي، أن الاختراعات في حد ذاتها لا تمثل قيمة كبيرة، لكن نتيجة القضية ستكون هامة، معتبراً أن "هذا القرار سيؤثر على العالم بأسره خلال السنوات القادمة".

المحتوى محمي