هل يمكن للحواسيب الكمومية مساعدتنا في محاربة فيروس كورونا المستجد؟

5 دقائق
الصورو الأصلية: سام ألبوري عبر أنسبلاش | تعديل: إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية

تُعتبر شركة دي ويف من أوائل الشركات التي كشفت عن تطويرها لنمطٍ غير مألوف من الحواسيب، والمقصد هنا هو الحواسيب الكمومية التي تختلف عن الحواسيب التقليدية من ناحية اعتمادها على طريقةٍ مختلفة في تمثيل البيانات؛ فبدلاً من الأرقام الثنائية القائمة فقط على الصفر والواحد -والتي تُسمى في الحواسيب التقليدية "البتات Bits"- تعتمد الحواسيب الكمومية على وحداتٍ تُدعى الكيوبتات Qubits يمكن لقيمتها أن تكون صفراً أو واحداً أو كليهما. السبب في ذلك يعود لتبنّي الحواسيب الكمومية مبادئ في الفيزياء الكمومية مثل مبدأ التراكب الكمي (Superposition) ومبدأ التشابك الكمومي، التي تشير تفسيراتها إلى إمكانية تواجد جسيمٍ ما في موضعين مختلفين بنفس الوقت. أراد علماء الحواسيب استثمار هذه المفاهيم في مجال معالجة المعطيات والبيانات لإنتاج تمثيلٍ جديدٍ للبيانات، وهو ما يُعرف اليوم باسم: الكيوبت.

لا يزال عدد الشركات النشطة في مجال الحوسبة الكمومية قليل، فإلى جانب دي ويف، يبرز اسم جوجل كواحدة من الشركات التي تستثمر بشكلٍ كبير في هذا القطاع، وكذلك شركة آي بي إم IBM التي تمتلك منصةً كبيرة للحوسبة الكمومية. وبالرّغم من ذلك فإن استخدام الحواسيب الكمومية لا يزال محدوداً ويكاد لا يخرج المجال البحثيّ، كما أن هنالك نقاشاً كبيراً حتى الآن فيما إذا كانت التقنيات المتوافرة حالياً تمثل بالفعل حاسوباً كمومياً من ناحية قدرات المعالجة التي تمتلكها أم لا؛ إذ من المفترض أن تستطيع الحواسيب الكمومية أن تُنجز مهامَّ بالغة التعقيد في زمنٍ قصيرٍ جداً، قياساً بتقنيات الحوسبة المتوافرة اليوم والمعتمدة على الترميز الثنائي للبيانات.

وعلى الرّغم من الجدل العلميّ المرتبط بالحواسيب الكمومية، فإن الشركات المصنعة لها قد بدأت بالكشف عن قدرتها في حل مسائل ترتبط بالمشاكل اليومية المختلفة التي نمر بها. وفي حالة شركة دي ويف، فإن الشركة الأميركية التي تأسست سنة 1999 تسوّق لنفسها على أنها أول من تمكن من إنتاج حاسوبٍ كمومي يمكن استخدامه على الصعيد التجاري، وهي تعتمد على استخدام الدوائر الكهربائية المبنية على المواد فائقة الناقلية Superconducting Circuits من أجل بناء حواسيبها الكمومية القادرة على إظهار الخصائص الكمومية عند الأبعاد المجهرية (الميكروسكوبية).

تأتي خطوة شركة دي ويف الجديدة كإضافة قد يكون من شأنها تعزيز الجهود المبذولة في مكافحة فيروس كورونا المستجد؛ حيث كشفت الشركة أنها أتاحت للباحثين العاملين في مجال التصدي للفيروس وصولاً مجانياً لخدماتها السحابية المعتمدة على تقنيات الحوسبة الكمومية الخاصة بها، وبشيءٍ من التفصيل، فإن الشريحة المستهدفة من الباحثين تشمل العاملين في مجال تطوير الأدوية واللقاحات وعلماء الأوبئة، وكذلك العاملين في مجال توزيع المؤونات وإدارة المستشفيات والتشخيص الطبي.

يقول آلان باراتز المدير التنفيذي شركة دي ويف: "لقد قمنا بتوفير خدماتنا بشكلٍ مجانيّ وعبر عرض استخدامٍ غير محدود للحكومات والباحثين الذين يعملون بشكلٍ متواصلٍ من أجل حل المشاكل المرتبطة بمرض كوفيد-19. نعلم أن العديد من الجهات التي قد تستفيد من خدماتنا لا تمتلك أي خبراتٍ سابقة في مجال الحوسبة الكمومية، ولذلك قمنا بالتواصل مع زبائننا وشركائنا الذين يمتلكون خبراتٍ بهذا المجال لمعرفة إن كان لديهم النية على المساعدة". تتضمن الخدمات الاستشارية المجانية التي تتيحها شركة دي ويف مهارات برمجة الحواسيب الكمومية، وكذلك استخدامها في مجال التخطيط والإدارة.

قامت شركة دي ويف حتى الآن بالكشف عن أربعة أنظمة حاسوبية كمومية، تم إطلاقها ما بين عامي 2011 و2017، وهي تمتلك سعة تبدأ من 128 كيوبت وحتى 2048 كيوبت، كما كشفت الشركة عن نظامٍ خامسٍ جديد في شهر سبتمبر الماضي، ومن المنتظر أن يمتلك 5640 كيوبت، وبحسب الإعلان الرسميّ من الشركة، فإن من المنتظر أن يدخل نظامها الخامس إلى الأسواق خلال سنة 2020. 

وفيما يتعلق بالخدمات السحابية الكمومية، فقد أتاحت شركة دي ويف -بدءاً من سنة 2018- إمكانية الوصول لسحابتها عن بعد عن طريق خدمة "ليب Leap". وبحسب المدير التنفيذيّ للشركة، يعمل حوالي 1000 مطور من أجل استثمار البنية التحتية التي توفرها خدمة ليب في العديد من المجالات، التي تتضمن العمليات الحسابية الخاصة بطي البروتينات (Protein Folding)، والنمذجة المالية، وتحسين شبكة الطرق العامة في مدينة لشبونة عاصمة البرتغال. بعد ذلك، وفي شهر فبراير الماضي، كشفت دي ويف عن نسخةٍ محسنة من خدماتها السحابية التي تم تسميتها "ليب-2"، والتي تدمج ما بين كيوبت تمت نمذجتها على الحواسيب التقليدية مع الكيوبت الحقيقية التي تمتلكها أنظمة دي ويف.

تستطيع النسخة الأولى من خدمة ليب دعم القدرات الموجهة لحل مسائل تمتلك 100 متحول مختلف على الأكثر ويجب ألا تمتلك هذه المتحولات ترابطاً كبيراً مع بعضها البعض Sparsely Connected، بينما تستطيع نسخة ليب-2 دعم القدرات الموجهة لحل مسائل تشتمل على حوالي 10000 متحول مختلف يمكن لأي منها أن يكون مرتبطاً بشكلٍ كامل مع أي متحولٍ آخر (Fully Connected).

ولتوضيح هذا الأمر، قام المدير التنفيذي لشركة دي ويف بعرض مثالٍ حول شركة طيران افتراضية، ولنقل مثلاً إنها تمتلك 100 طائرة تعمل في 25 مطار، مع طاقمٍ يبلغ عدد أفراده 500 شخص يقومون إما بالعمل ضمن الطائرات نفسها لتخديم المسافرين أو بالعمل على تخديم الطائرات وصيانتها على الأرض. الآن، ومن أجل جدولة عمل هذه الشركة على أفضل نحوٍ ممكن، يجب أخذ العوامل المذكورة أعلاه بعين الاعتبار، بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل جداول الصيانة، وحالة الطقس، وكذلك أمور تتعلق بتوفر الطاقم وجهوزيته مثل الإجازات. يتم التعامل مع هذه العوامل على أنها "متحولات"، وما تقوم به حواسيب دي ويف الكمومية هو العمل ضمن خوارزمية تكشف عن مدى ارتباط هذه المتحولات مع بعضها البعض، ومن ثم تولّد خطة العمل الأمثل لشركة الطيران.

يشغل مازايوكي أوزيكي (Masayuki Ohzeki) منصبَ المؤسس المساعد لشركة سيغما-آي (Sigma-i) في العاصمة اليابانية طوكيو، حيث قامت شركته باستخدام تقنيات الحوسبة الكمومية التي قامت دي ويف بتطويرها من أجل تطوير خططٍ مرتبطة بالتوصل لأفضل طرق إخلاء السكان في حال حصول عاصفةٍ من نوع تسونامي، وكذلك من أجل تحسين وزيادة كفاءة الروبوتات الآلية التي تقوم بنقل المواد بين الأماكن المختلفة ضمن المصانع. بعد اكتسابهم خبرة في هذا المجال، يعمل الآن أوزيكي وفريقه من أجل تطوير خطط ترتبط بكيفية نقل عدد كبير من المرضى المصابين بمرض كوفيد-19 من وإلى المنشآت الطبية.

تتطلب عملية نقل المرضى والمصابين أخذ العديد من العوامل بعين الاعتبار، مثل حالة المريض نفسه ومدى خطورة إصابته، أو توافر الموارد في المنشأة الطبية المعنية بدءاً من قدرة الطاقم الطبي وتوافرهم بالنسبة لأوقات العمل المختلفة وصولاً لعدد الأسرّة والأجهزة المتوفرة ضمن المنشأة. وتلعب هذه العوامل وغيرها دوراً هاماً في تحديد قرار نقل مريضٍ ما من المركز الصحيّ أو إليه. ويقول أوزيكي إنه في مثل هذه الحالات سيكون من الأفضل الانتباه إلى العوامل والأنشطة والتفاعلات المختلفة التي تحدث بدلاً من اتباع كتيبات الإرشادات التقليدية التي قد تكون قاصرة عن تقديم القرار المناسب في ظل ظروفٍ شديدة واستثنائية، مثل الانتشار الواسع لفيروس كورونا المستجد.

هنالك مثالٌ آخر حول القدرات التي يمكن أن تتيحها الخدمات السحابية الكمومية من دي ويف، وهذه المرة من ألمانيا، وذلك ضمن مركز يوليش للحوسبة الفائقة (Jülich Supercomputing Center)، الذي تعمل ضمنه الباحثة كريستل ميشيلزين (Kristel Michielsen) بصفتها قائدة لمجموعةٍ بحثية متخصصة في مجال معالجة المعلومات الكمومية، كما أنها تمتلك عضوية فريق من المطورين التابعين لشركة دي ويف، الذين يقدمون خدماتٍ استشارية للباحثين المختصين في مكافحة مرض كوفيد-19، وذلك عبر ترجمة المشاكل والمسائل المختلفة للغة التي يمكن عبرها أن تعمل تقنيات المعالجة الكمومية.

تكشف الأمثلة السابقة عن الإمكانات التي يمكن أن توفرها الحواسيب الكمومية في الجهود الحالية المبذولة لمكافحة فيروس كورونا المستجد، وذلك عبر ما أتاحته شركة واحدة فقط وهي دي ويف، ويقول المدير التنفيذي للشركة بهذا الصدد إن الاستجابة الأوّلية على العرض الذي قاموا بتقديمه تمثل بردودٍ من فرقٍ مختلفة حول العالم، كل منها يعمل على قضايا مختلفة، وبشكلٍ عام، فإن المجالات الأساسية التي تم التركيز عليها هي نمذجة ومحاكاة انتشار الفيروس، إدارة وتخطيط موارد المستشفيات بما فيها الموارد البشرية، وتقييم المعدل الذي يقوم الفيروس عبره بإنتاج طفراتٍ جديدة وتقييم الأدوية المتوفرة حالياً كعلاجاتٍ محتملة للمرض الناتج عن الإصابة بالفيروس.

لا يزال من المبكر الحكم على الدور الذي يمكن للحواسيب الكمومية أن تلعبه في أزمة فيروس كورونا المستجد، فالتقنية بحد ذاتها لا تزال فتية ولا يزال انتشارها محدوداً. من ناحيةٍ أخرى، قد تكون الأزمة الصحية الحالية فرصةً ممتازة لإظهار ما تستطيع الحواسيب الكمومية أن تنجزه إن ثبتت قدرتها على استنباط حلولٍ للعديد من المشاكل على نحوٍ أسرع وأفضل وأكثر كفاءة من الحواسيب التقليدية.

المحتوى محمي