هل يمكن للتنقيب في البيانات أن يساعد تجار التجزئة على تقييم أعمالهم وتحسينها؟

6 دقائق
مصدر الصورة: ماكنزي

نشرة خاصة من ماكنزي آند كومباني:

يمكن لتجار التجزئة الآن -باستخدام التحليلات الجغرافية المكانية- تكميم القيمة الاقتصادية الحقيقية لكل متجر من متاجرهم عبر جميع القنوات، وقد بدؤوا يكتشفون معلومات مفاجئة بالفعل.

فما زالت موجة إغلاق المتاجر عبر قطاع البيع بالتجزئة في الولايات المتحدة متواصلة. ففي 2017 فقط، تم إغلاق أكثر من 7,000 متجر؛ حيث لم تستطع تحمل انتقال المستهلكين السريع إلى التجارة الإلكترونية، والتنامي المفاجئ للعلامات التجارية التي تتواصل مع المستهلكين بشكل مباشر، وإغراق السوق الأميركية بمساحات هائلة من متاجر التجزئة0 حيث تبلغ مساحة متاجر التجزئة مقارنة بعدد السكان في الولايات المتحدة 15 إلى 20 ضعفاً مقارنة بالأسواق الكبيرة الأخرى.

وقد كانت حركة الزبائن في المجمعات التجارية تتناقص بشكل متواصل، كما أن هوامش الربح بدأت تتضاءل في جميع فئات التجارة بالتجزئة تقريباً. ونظراً لهذه التوجهات، فقد أصبح من الصعب تبرير الاستمرار في فتح متاجر ضمن منشآت فعلية مكلفة إذا لم تحقق المبيعات المتوقعة. ففي الأشهر الأولى من العام 2018، أعلن تجار التجزئة أنهم يخططون لإغلاق أكثر من 3,800 متجر إضافي في الولايات المتحدة.

ولكن من سوء الحظ، فإن تجار التجزئة غالباً ما يتخذون قرارات خاطئة في اختيار المتاجر التي يجب إغلاقها، مما يؤدي إلى إصابتهم بمزيد من الأضرار المادية، كما أنهم يتجاهلون فرصاً هامة لتوسيع وجودهم في السوق وفتح المجال أمام النمو؛ ويعود هذا بشكل رئيسي إلى استخدامهم لمعايير قديمة، حيث إن الكثيرين منهم ما زالوا يستخدمون طريقة هجينة تجمع ما بين تحليل الاتجاهات و"اقتصاديات الجدران الأربعة" لتقييم أداء المتجر، أي أنهم ما زالوا يأخذون بعين الاعتبار بشكل أساسي المبيعات والأرباح التي يولدها المتجر داخله، ضمن جدرانه الأربعة، من دون الاهتمام بأثره على القنوات الأخرى.

ويؤثر هذا التقييم على قرارات أخرى، بما فيها رواتب العاملين، وتغطية العمالة، وفي بعض الأحيان اختيار البضائع. غير أن المستهلكين حالياً يتسوقون عبر عدة قنوات، فقد يزورون المتاجر لرؤية المنتجات ومن ثم يشترونها في نهاية المطاف عبر الإنترنت، وقد يجرون بحثاً عن أحد المنتجات على الإنترنت ومن ثم يشترونه من متجر. وفي هذه البيئة، فإن قياسات الجدران الأربعة تُعتبر في أفضل الأحيان مؤشرات ناقصة عن إمكانات المتجر الكامنة.

وقد بدأ أرقى تجار التجزئة بدراسة التأثير المتبادل بين رحلات قرار المستهلك على الإنترنت وخارجه. وهم ينظرون إلى أداء المتجر من وجهة نظر متعددة القنوات، بحيث يسمحون لكل متجر بالحصول على "علامات" لجميع المبيعات التي ساهم فيها بشكل أو بآخر، سواءً حدثت على الإنترنت أو خارجها. وبهذا، يمكن أن يحصلوا على صورة أكثر دقة للقيمة الاقتصادية الشاملة لكل متجر، ويتخذوا قرارات أفضل حول حضورها وتأثيرها على جميع القنوات. أما السلاح السري المستخدم في هذه العملية، فهو التحليلات الجغرافية المكانية المتقدمة.

خارج الجدران الأربعة

لن تزول المتاجر الحقيقية، ووفقاً لتقديرات ماكنزي، فسوف تشكل المبيعات ضمن المتاجر 75% إلى 85% من مبيعات التجزئة بحلول العام 2025. ولكن من ناحية أخرى، فإن المتجر الحقيقي لم يعد مجرد مكان لشراء المنتجات، فقد أصبح يلعب عدة أدوار ممكنة أخرى، مثل غرفة عرض واختبار للمنتجات، أو مركز توزيع للطلبات على الإنترنت (أو مركز تعامل لإعادة أو تبديل مشتريات الإنترنت)، أو مكان لإمضاء الوقت (حيث يمكن لمجموعة من الأصدقاء تجربة بعض المنتجات والتقاط صور السيلفي ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي)، أو وجهة لمن يبحثون عن الأفكار الجديدة والإلهام. ومن الممكن بسهولة أن تكون مبيعات المتجر وأرباحه ضمن جدرانه ضعيفة، ويكون في نفس الوقت مساهماً قوياً في الأداء الكلي لشركة التجارة بالتجزئة.

الشكل 1:

ويمكن لتاجر التجزئة أن يستفيد من التطور الذي يتم تحقيقه في البيانات وأساليب التحليل لتكميم أثر الهالة للمتجر (وهو أثر إيجابي) وأثر الامتصاص (وهو أثر سلبي)، أي تأثير وجود المتجر على أداء قنوات المبيعات الأخرى لتاجر التجزئة (الشكل 1). وقد عرف تجار التجزئة بوجود أثر هالة للمتجر منذ زمن، ولكنهم كانوا تقليدياً ينظرون إليه من وجهة نظر تسويقية، أي أن المتجر يمكن أن يزيد من انتشار العلامة التجارية لتاجر التجزئة والوعي بها، تماماً مثل لوحة إعلانية أو إعلان تلفزيوني، ولهذا لم يكن من السهل قياسه. ولكن في عالم متعدد القنوات، يمكن للمتجر أن يفعل أكثر من مجرد زيادة الوعي حول العلامة التجارية، فقد يؤدي إلى زيادة المبيعات عبر القنوات الأخرى وبالعكس. ويشير بحث ماكنزي إلى أن هالة التجارة الإلكترونية للمتجر يمكن أن تشكل 20% إلى 40% من قيمته الاقتصادية الكلية.

حقبة جديدة في البيانات والتحليل

على مدى عقود كاملة، كان تجار التجزئة ينقبون في مجموعات متنوعة من البيانات -مثل معلومات نقاط البيع، والبيانات الديمغرافية، واتجاهات السوق، وغير ذلك- بهدف اكتساب المزيد من المعلومات حول الزبائن وخدمتهم بشكل أفضل. أما اليوم، وبفضل توافر أنواع ومصادر جديدة للبيانات، أصبح من الممكن لتجار التجزئة أن يكتسبوا فهماً أكثر عمقاً للمستهلكين والأسواق؛ فقد أصبح بإمكانهم الوصول إلى بيانات سلوك المستهلكين أكثر من ذي قبل، وذلك على شكل برامج إيصالات المشاركة الإلكترونية ومعلومات الموضع الخليوية منزوعة الهوية.

ويمكن لهذه المجموعة من المعلومات أن تلقي الضوء على مقدار حركة الزبائن ونوعيتها أيضاً، كما تسمح لتجار التجزئة بالحصول على صورة مفصلة حول حركة الناس وتفاعلهم في السوق، إضافة إلى سلوكهم عبر مختلف أنواع القنوات. ولا تقتصر التطورات على زيادة البيانات وحسب، بل أصبحت الشركات قادرة على الاستفادة من أدوات تحليلية أكثر فعالية عن طريق نماذج التعلم الآلي، ويمكن لهذه النماذج أن تنقب في مجموعات البيانات الكبيرة وتساعد على توليد معلومات دقيقة ويمكن الاعتماد عليها لاتخاذ إجراءات عملية على المستوى الميكروي للسوق.

وبالنسبة لأرقى مؤسسات التجارة بالتجزئة، فإن البيانات والتحليلات الجغرافية المكانية غالباً ما تكون تابعة لمجموعة إستراتيجية للتحليلات المتقدمة. ويمكن لهذه المجموعة أن تكون مركزية أو ضمن قسم معين، وتقود استخدام التحليلات المتقدمة عبر الأقسام المختلفة. وتقوم هذه المجموعة بتقديم معلومات شاملة حول أولويات الأقسام المختلفة، بما فيها التسويق والمبيعات والتمويل والعقارات.

وإن الجمع ما بين الأساليب الجغرافية المكانية المتقدمة والتعلم الآلي، والتطبيق على أدق بيانات سلوك المستهلك، سيقدم معلومات كبيرة الأثر لتجار التجزئة. وسيساعدهم بشكل خاص على اتخاذ قرارات أفضل حول توسيع شبكات المتاجر أو تضييقها، وتطوير خطط عمل على مستوى المتجر لتحسين الأداء. إضافة إلى ذلك، يستخدم بعض تجار التجزئة هذه المعلومات لتحريك المبيعات وتحديد أولويات الاستثمار.

تحليل المعلومات الجغرافية المكانية في الميدان: دراسة حالة

لندرس حالة مؤسسة عالمية للتجارة بالتجزئة تبيع منتجاتها عبر متاجرها الحقيقية، ومتجر على الإنترنت، وحسابات للبيع بالجملة، وكانت مبيعات المؤسسة تنحدر بسبب المنافسة القوية. وللحصول على معلومات حول كيفية عكس هذا التناقص في المبيعات عبر الشبكة، قررت الشركة اللجوء إلى التعلم الآلي الجغرافي المكاني.

فقام فريق من علماء البيانات ببناء نموذج تحليلي خاص لهذه العلامة التجارية، والاعتماد على بيانات داخلية وخارجية. وبعد اختبار مئات المتحولات، استخدم الفريقُ التعلمَ الآلي الجغرافي المكاني لتحديد العوامل السلبية والإيجابية الأقوى تأثيراً على إجمالي المبيعات في كل منطقة (الشكل 2).

الشكل 2:

وبناء على هذه العوامل، تمكن الفريق من توقع المبيعات المحتملة للمؤسسة في كل منطقة وكل متجر، ومقارنة المبيعات المحتملة مع المبيعات الفعلية. وبعد ذلك -وباستخدام المحاكاة الجغرافية المكانية- قام الفريق بتقدير أثر كل متجر على المبيعات بالجملة والمبيعات على الإنترنت.

وتمكن الفريق أيضاً من عزل العوامل الفريدة التي ساهمت في تقوية هالة التجارة الإلكترونية، وقد وجدوا أن هالة التجارة الإلكترونية للمتجر تكون قوية بشكل عام إذا كان متجراً كبيراً في منطقة غنية بالمحترفين الشباب من المناطق الحضرية. ومن العوامل الأخرى والمفاجئة التي تساهم في تقوية هالة التجارة الإلكترونية: البعد عن المتاجر من نفس العلامة التجارية، والتواجد ضمن بيئة تجارة بالتجزئة ذات حركة نشطة، مثل مجمع تجاري رفيع المستوى أو مركز للتسوق السريع، وانخفاض إنفاق السياح، أي أن أغلب زبائن المتجر يعيشون أو يعملون بالقرب منه.

وقد استخدمت الشركة هذه المعلومات لتحديد المتاجر التي لم تحقق مبيعاتها وأرباحها الكامنة (الشكل 3) والأسواق الميكروية التي تحتوي على فرص غير مستغلة للنمو. وكشف تحليل إضافي أنه يمكن للشركة أمثَلَة القيمة متعددة القنوات لشبكة متاجرها وتحقيق زيادة 20% في الأرباح قبل الفوائد والضريبة والاستهلاك وإيفاء الدين (اختصاراً EBITDA) عن طريق إغلاق المتاجر أو نقلها أو تعديل طريقة عملها، مثل تحويل متجر يبيع بالسعر الكامل إلى غرفة عرض رقمية.

الشكل 3:

قامت الشركة بعد ذلك بوضع "خطة معركة" لشبكة المتاجر على مستوى السوق، وحددت فيها المتاجر التي يجب تعديل طريقة عملها أو إغلاقها، والأماكن التي يجب أن تعزز من حضورها فيها، إما بمتاجر جديدة أو تعميق المبيعات بالجملة، وتسلسل ومجال استثماراتها.

البدء

عند البدء بعملية تحليل جغرافي مكاني، ينطلق كل تاجر تجزئة من نقطة مختلفة، وننصح بأن تُجري الشركات أولاً جردة داخلية للبيانات المتوافرة وإمكانيات إجراء التحليلات المتقدمة.

ويوجد لدى بعض تجار التجزئة بيانات محدودة (على سبيل المثال، ضعف في متابعة حسابات مبيعات الجملة)، وأقسام معزولة، وعدد قليل من علماء ومحللي البيانات، إن كانوا موجودين أصلاً. ويجب على هؤلاء التجار تأمين الحد الأدنى من متطلبات البيانات ودراسة إمكانية عقد شراكات مع مزودين خارجيين أو الاستحواذ على قدرات التحليل بشكل مباشر.

وفي الناحية الأخرى من الطيف، يوجد لدى بعض تجار التجزئة شراكات خارجية عديدة في البيانات، وعمليات دقيقة وموثوقة لمشاركة البيانات مع حساباتهم للتجارة بالجملة، وإدارة عليا تهتم بالنجاح على جميع القنوات. يمكن لهؤلاء التجار اختيار بناء فريق فعال من علماء البيانات مع خبرة في التحليل الجغرافي المكاني، ويمكن ألا يقتصر عمل هذا الفريق على تنفيذ التحليلات وحسب، بل أيضاً توليد معلومات مفيدة يمكن بسهولة استخدامها بشكل متكامل ضمن عمليات الأعمال واتخاذ القرار في الزمن الحقيقي.

وبغض النظر عن قرار "البناء أو الشراء أو الشراكة"، يجب على تجار التجزئة السعي باستمرار إلى كسر حواجز الأقسام؛ فإذا كان رؤساء أقسام البيع بالتجزئة والتجارة الإلكترونية والبيع بالجملة والتسويق والعقارات والتمويل يعملون بشكل مستقل عن بعضهم البعض، دون وجود أية أهداف أو مبادرات شاملة، فلن تتمكن الشركة ككل من اتخاذ أفضل القرارات متعددة القنوات.

ووفقاً لخبرتنا، يمكن لتجار التجزئة تكميم فجوات الأداء، واكتشاف فرص النمو في إستراتيجية التعامل مع السوق، وتحقيق إنجازات مبكرة من التحليلات الجغرافية المكانية خلال 6 أشهر إلى 12 شهراً، خصوصاً بوجود فريق شامل لكل الأقسام يمتلك صلاحية قيادة العمل. ويمكن أن تؤدي التجارب الناجحة في سوق أو اثنتين إلى تسارع في عملية الاستثمار على مستوى العالم. وباستخدام إمكانات التحليل الجغرافي المكاني، يمكن لتجار التجزئة الاستحواذ على الزبائن متعددي القنوات، الذين قد يصبحون النوع الوحيد من الزبائن في المستقبل.

المحتوى محمي