هل يمكن لجسيمات المادة المظلمة أن تصيبنا بجروح شبيهة بجروح الطلق الناري؟

3 دقائق
مصدر الصورة: ناسا، إيسا، م. ج. جي، ه. فورد، وآخرون (جامعة جونز هوبكنز)

يعكف الفلكيون منذ فترة على حل أحجية صعبة؛ حيث إن الكون مليء -على ما يبدو- بجسيمات ذات قوة ثقالية، ولكن تستحيل رؤيتها. ولا بد من وجود ما تسمى بالمادة المظلمة، فمن دونها ستتفكك المجرات أثناء دورانها إلى أجزاء متطايرة في جميع الاتجاهات.

ولهذا يبدو حالياً أن نظامنا الشمسي يسبح في بحر هائل من المادة المظلمة التي ما زال الفيزيائيون يبحثون عنها جاهدين. ولكن إذا كانت رؤيتها مستحيلة، فكيف يمكن العثور عليها؟

يكمن الجواب في أن المادة المظلمة لا بد من أن تصطدم بالمادة العادية من حين لآخر، وهنا تكمن الحيلة في البحث عن أدلة لهذه التصادمات.

ما زالت ماهية هذه الأدلة بالضبط موضع جدل حاد، ولكننا سنحصل على نتائج أول بحث عن دليل يشير إلى أن جسيمات المادة المظلمة الكبيرة -التي يسمى الواحد منها "ماكرو"- يمكن أن تصطدم بالبشر وتؤدي إلى مقتلهم. يقول جاغجيت سيدهو وزملاؤه في جامعة كيس ويسترن ريزيرف: "إن أقرب تشبيه لاصطدام الماكرو مع الجسم البشري هو الجرح الناجم عن طلق ناري".

استوحى الباحثون من هذا التشبيه فكرة مثيرة للاهتمام، حيث يقولون إن البشر يمثلون كاشفاً للمادة المظلمة، أي أن الجروح التي لا يمكن تفسيرها ولكنها شبيهة بإصابات الأسلحة تمثل دليلاً على وجود الجسيمات الماكروية للمادة المظلمة. وبالفعل، فإن معدل الوفيات الناتج عن إصابات كهذه يمكن أن يعطينا تصوراً جيداً حول مدى انتشار هذا النوع من المادة المظلمة.

لنبدأ ببعض المعلومات الأولية؛ حيث يدور نظامنا الشمسي حالياً في المجرة بسرعة 250 كيلومتر في الثانية تقريباً. وإذا وجدت المادة المظلمة، فهذا يعني أن الأرض تخترقها بسرعة عالية، ولا بد من حدوث التصادمات.

إذا كانت المادة المظلمة مؤلفة من جسيمات صغيرة، فسوف تكون التصادمات خفيفة، إلى درجة تؤدي مثلاً إلى رفع حرارة بلورة، وتُجرَى حالياً العديد من التجارب بحثاً عن دليل على هذا النوع من التسخين، ولكنها لم تُحقِّق النجاح حتى الآن.

أما الجسيمات الأكبر -الماكروات- فسوف تترك أثراً مختلفاً، وقد بحث الفيزيائيون عن أدلة على تصادمات مع جسيمات ماكروية ذات كتلة مميزة تصل إلى بضع عشرات من الجرامات.

ولتحقيق هذا، قام الباحثون بدراسة مادة سيليكونية تسمى الميكا، وهي تتمتع ببنية حبيبية دقيقة شبه مثالية؛ ولهذا فإن مرور الماكرو ضمن هذه البنية سيترك أثراً يمكن تمييزه بسهولة تحت المجهر.

ومن المؤكد أنه مر ما يكفي من الوقت لحدوث تصادمات لجسيمات الماكرو مع أية تجمعات للميكا قرب سطح الأرض، ولكن الفيزيائيين لم يعثروا على تلك الآثار أو أية أدلة أخرى على التصادمات، ولهذا يمكن استبعاد فئة الماكرو من هذا الحجم.

تصل الكتلة المميزة لجسيمات الماكرو الأكثر ضخامة إلى 50 كيلوجراماً، ولهذا ستتمتع بقوة تدميرية كبيرة. يقول سيدهو وزملاؤه إن أحد التشبيهات الممكنة هي الرصاصات من بندقية عيار 22.، وهي الأصغر بين الأسلحة المستخدمة حالياً: "تُؤذِي الرصاصاتُ الجسمَ البشري بعدة طرق، وهي التجويف الدائم والتجويف المؤقت وموجات الضغط".

غير أن جسيمات الماكرو تختلف جذرياً عن الرصاص، خصوصاً من حيث السرعة والحجم؛ فمن المرجح أنها تتحرك بسرعات تفوق سرعة الصوت، كما أنها أصغر من الرصاص بكثير من حيث المقطع العرضي، الذي لا يتجاوز بضعة ميكرومترات فقط.

إذن سيكون التأثير التدميري للماكرو مختلفاً؛ يقول الباحثون: "من المرجح أن تؤدي صدمة الماكرو إلى تسخين الفجوة الأسطوانية الناجمة عن اختراق الجسيم لنسيج الجسم البشري إلى حرارة 10 مليون درجة مئوية تقريباً، مما يؤدي إلى ظهور كتلة أسطوانية من البلازما المتمددة داخل الجسم".

وقد استنتج الفريق معادلة لحساب عدد التصادمات بالاعتماد على عدد جسيمات الماكرو في هذه المنطقة من المجرة وعدد البشر الذين يمكن أن تصطدم بهم خلال فترة معينة من الزمن.

وفي هذه الدراسة، ركز الباحثون على التجمعات السكانية الخاضعة لمراقبة دقيقة في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا الغربية على مدى السنوات العشرة المنصرمة، وتقول النتيجة الرئيسية التي توصلوا إليها إنه ليس هناك دليل على تصادمات جسيمات الماكرو مع البشر.

هذه النتيجة تضع حداً هاماً لأحجام الماكرو، حيث يقول الباحثون: "تقول نتائجنا إن الحجم الفيزيائي للماكرو لا يتجاوز بضعة ميكرونات، كما أن كتلة الماكرو أقل من 50 كيلوجرام". وعند جمع هذه النتيجة مع عمليات البحث في الميكا، فهذا يؤدي إلى استبعاد نطاق هام من أحجام وكتل جسيمات الماكرو.

ويبين هذا العمل المثير للاهتمام إمكانية استخدام معلومات قد تبدو قليلة الأهمية لإلقاء الضوء على أحد أهم الألغاز الغامضة في عصرنا، وعلينا أن نكون جميعاً شاكرين وممتنين لعدم وجود وفيات ناجمة عن إصابات غامضة شبيهة بإصابات العيارات النارية، خصوصاً علماء الكونيات والفيزياء.

المرجع: arxiv.org/abs/1907.06674:
الموت بسبب المادة المظلمة

المحتوى محمي