أنا أكره الإبر. ومع أنني امرأة ناضجة، فأنا أمتلك جهاز بازي (Buzzy)، وهو جهاز يهتز على شكل نحلة، ويُضغط على الذراع لإرباك الأعصاب، والتخفيف من الألم خلال سحب الدم. وقد وصل بي الخوف في إحدى المرات إلى درجة دفعت بالممرضة إلى إعطائي جهاز آي باد لمشاهدة مقطع من فيلم موانا (Moana) في أثناء سحب الدم.
ولهذا، شعرت بحماسة شديدة عندما قرأت مادة عن سمايلي سكوب (Smileyscope)، وهو جهاز للواقع الافتراضي مخصص للأطفال، وقد حاز مؤخراً موافقة الإدارة الأميركية للغذاء والدواء. يساعد هذا الجهاز على تقليل الألم في أثناء سحب الدم أو إدخال القُنية الوريدية (IV)، وذلك من خلال إرسال المستخدم إلى مغامرة تحت الماء تبدأ بترحيب من شخصية كرتونية باسم البطريق بوغلز. وفي هذا العالم المائي ضمن أعماق البحار، يتحول الملمس البارد لمسحة الكحول إلى أمواج باردة تغطي الذراع. أما وخزة الإبرة فتتحول إلى عضة لطيفة من سمكة.
تشير الدراسات إلى أن هذا الجهاز ناجح في عمله. ففي تجربتين سريريتين شملتا أكثر من 200 طفل بعمر 4 إلى 10 سنوات، أدى سمايلي سكوب، وفقاً لتوصيفات الأطفال، إلى تخفيض مستويات الألم بنسبة تصل إلى 60%، وتخفيض مستويات الخوف بنسبة تصل إلى 40%.
لكن طريقة عمل سمايلي سكوب ليست واضحة تماماً. فهي أكثر تعقيداً من مجرد أثر بسيط لتشتيت الانتباه. ففي الستينيات من القرن المنصرم، وضع رونالد ميلزاك وباتريك وول فرضية تقول إن إشارات الألم تنتقل عبر مجموعة من "البوابات" في النخاع الشوكي، بحيث تسمح لبعضها بالوصول إلى الدماغ، وتمنع البعض الآخر. وعندما ينشغل الدماغ بمحفزات أخرى، تغلق البوابات، ويقل عدد إشارات الألم العابرة. "وهذه الآلية التي يعتمد عليها أثر الواقع الافتراضي"، وفقاً للرئيس التنفيذي للشؤون الطبية في شركة سمايلي سكوب وأحد مؤسسيها، بول ليونغ.
الواقع الافتراضي يحسن الرعاية الصحية
لكن المحفزات ليست متماثلة في فعاليتها. يقول ليونغ: "عند استخدام الواقع الافتراضي التقليدي، يرتدي المستخدم النظارة ويذهب افتراضياً إلى مكان ما مثل الشاطئ". لكن هذا النوع من التجارب الاندماجية مستقل تماماً عما يحدث في العالم الحقيقي. غير أن سمايلي سكوب يهدف إلى تأطير هذه المحفزات في إطار إيجابي. يمكن للمزاج والقلق أيضاً أن يؤثرا في كيفية معالجتنا للألم. يأخذ البطريق بوغلز الأطفال في جولة لتوضيح الإجراء الطبي قبل الشروع به، ما قد يساعد على تخفيف الخوف. كما أن الاستمتاع بمغامرة تحت الماء مع "زوار مفاجئين" سيؤدي بالتأكيد إلى تحسين المزاج أكثر بكثير من مجرد التحديق بجدران العيادة في انتظار وخزة الإبرة.
تقول عالمة النفس ومديرة مختبر ابتكارات تخفيف الألم في جامعة ستانفورد (Stanford Pain Relief Innovations Lab)، بيث دارنال: "ثمة الكثير من الوسائل التي يمكن استخدامها لتشتيت انتباه الأشخاص". لكن الطريقة المعتمدة في سمايلي سكوب، وفقاً لدارنيل، "فعالة جداً".
كان الباحثون يعملون على تقنيات مماثلة منذ سنوات. فقد عمل هانتر هوفمان وديفيد باترسون في جامعة واشنطن على تطوير لعبة واقع افتراضي تحمل اسم "سنو وورلد" (SnowWorld) منذ عقدين من الزمن لمساعدة المصابين بحروق شديدة على تحمل عملية تغيير ضمادات الجروح وغيرها من الإجراءات المؤلمة. وقد قال هوفمان في مقابلة مع الإذاعة الوطنية العامة (NPR) في 2012: "لقد بنينا عالماً يمثل نقيض النار، إنه مكان بارد مليء برجال الثلج والمناظر اللطيفة، وكل ما يمكن أن يمنع المرضى من التفكير في النار". تدرس مجموعات أخرى استخدام الواقع الافتراضي للتخفيف من ألم ما بعد العمليات الجراحية، والولادة، والآلام المتعلقة بعمليات طب الأسنان، وغير ذلك.
اقرأ أيضاً: هل يحتاج المرضى المنغمسون في الواقع الافتراضي في أثناء الجراحة إلى تخدير أقل؟
التعامل مع الألم المزمن
كما أن الشركات تعمل أيضاً على تصميم أجهزة واقع افتراضي لمعالجة مشكلة أكثر صعوبة، وهي الآلام المزمنة. ففي 2021، أصبح نظام "ريلي في آر إكس" (RelieVRx) أول علاج يحوز موافقة إدارة الغذاء والدواء للتخفيف من الألم بالواقع الافتراضي. (تحتفظ إدارة الغذاء والدواء بقائمة تتضمن أجهزة الواقع الافتراضي والمعزز التي حازت موافقتها كافة). تهدف هذه الأداة إلى تعليم الناس كيفية التعامل مع الألم المزمن، وهو أمر مختلف تماماً عن الألم المؤقت لوخزة إبرة. تقول دارنال: "إنها عملية أعقد بكثير على جميع الأصعدة"، وقد ساعدت في تطوير ريلي في آر إكس، وتشغل حالياً منصبكبيرة المستشارين العلميين في شركة أبلايد في آر (AppliedVR) التي تسوّق الجهاز.
يمتد الألم المزمن على مدى فترة زمنية طويلة، وغالباً ما يكون سبباً في تغيير حياة المصاب به. تقول دارنال: "ستحدث تغيرات حقيقة في نظامك العصبي بسبب شعورك بالألم فترة طويلة. سيكون لديك توتر مختزن على الدوام، ومن المحتمل أن تصاب بالقلق الدائم، وستتغير مستويات نشاطك، وستواجه مشاكل في النوم". وستبقى الأعراض السلبية منذرة بالخطر، حتى بعد مرور الخطر بأشهر أو سنوات أو حتى عقود كاملة.
لكن ريلي في آر إكس لا يهدف إلى تشتيت الانتباه، بل إلى تعليم استراتيجيات تخفيف الألم التي يعرفها الأطباء مسبّقاً، مثل اليقظة الذهنية، والعلاج الإدراكي-السلوكي، والاسترخاء. تقول دارنال: "نحن نساعد الأشخاص على نسيان بعض عمليات الألم المتأصلة على نحو عضوي، التي تصبح غير مفيدة بمرور الوقت. إنها عملية تعتمد على المهارات بصورة أساسية". يستخدم المرضى هذا الجهاز ست دقائق يومياً مدة ثمانية أسابيع، وتبدو هذه الفترة كافية بالنسبة للكثيرين منهم لتعلم المهارات اللازمة للتعامل مع آلامهم. وبعد 3 أشهر، كان 30% منهم ما زالوا يشعرون بانخفاض في شدة الألم.
لكن ريلي في آر إكس يتميز بفائدة أخرى أيضاً، فهو صالح للاستخدام المنزلي. وهذا يعني أن المستخدم غير مضطر بالضرورة إلى حجز مواعيد مع طبيب نفسي لتلقي علاج الألم السلوكي، ما يجعل العلاج متاحاً لشريحة أكبر من الأشخاص.
اقرأ أيضاً: كيف غير الواقع الافتراضي شكل جلسات العلاج النفسي؟
تقول دارنال: "يتيح هذا الجهاز إزالة العوائق أمام تلقي هذا النوع من العلاج الفعال غير الدوائي". هذا خبر رائع بالنسبة لخمسين مليون شخص في الولايات المتحدة ممن يعانون الألم المزمن الذي لا يمكن تخفيفه عن طريق الأدوية. كما أنه خيار علاجي إضافي لحالة معروفة بصعوبة علاجها.
تحديات وعقبات
غير أن الواقع الافتراضي لن يكون علاجاً مثالياً ومطلقاً للأشخاص المصابين بآلام مزمنة، أو الصغار الذين يحتاجون إلى استخدام الحقنة، كما أنه ليس خالياً من المخاطر. فمن الممكن أن يتسبب بالغثيان، والصداع، ودوار الحركة. لكن هذه التكنولوجيا قد تثبت أنها مفيدة جداً بالنسبة لبعض الأشخاص. مفيدة لأشخاص مثلي.
قد لا يبدو توفير ملاذ للمرضى من آلام الإجراءات الطبية ضرورة طبية. ففي معظم الحالات، يمكن تنفيذ الإجراء بنجاح على أي حال. لكن الألم شعور قوي، ويمكن لتجربة المريض أن تؤثر في التفاعلات اللاحقة مع النظام الطبي بصورة مباشرة. يقول ليونغ: "هذه التجارب في مرحلة الطفولة أساسية جداً في تطوير السلوكيات لوقت لاحق من الحياة. فكل مرة تتعرض فيها لوخزة إبرة تمثل فرصة لحدوث شيء ما بصورة جيدة أو بصورة سيئة جداً. وإذا اتخذت الأمور منحى سلبياً، فستشعر بالخوف الشديد في المرة المقبلة التي ستتعرض فيها لهذه الوخزة".
يمكن أن يؤدي هذا الخوف إلى عواقب جدية. فمن المحتمل أن يمنعك من الذهاب إلى العيادة، أو يدفعك إلى تجنب تلقي العلاج. في الواقع، أسس ليونغ سمايلي سكوب لأن أحد مرضاه المصابين بالتليف الكيسي أصيب بصدمة شديدة بسبب تعرضه لإجراء طبي في الطفولة، إلى درجة أنه "ابتعد عن الرعاية الطبية"، كما يقول.
اقرأ أيضاً: ما فوائد استخدام الواقع الافتراضي في تدريب طلاب الطب ومتخصصي الرعاية الصحية؟
لقد كان هذا الرجل يطلب من ليونغ وضعه تحت التخدير العام لإجراء عملية سحب دم روتينية فحسب. يقول ليونغ: "لقد كنت أفكر في أنه لا بد من وجود طريقة أفضل". والآن، قد يكون هذا صحيحاً.