يعمل الذكاء الاصطناعي -في نواحٍ عديدة- على تغيير التسويق الرقمي بصورة عامة، وتسويق المحتوى بصورة خاصة. ولكن الحقيقة هي أن هناك الكثير مما هو قادم في المستقبل، فهناك الكثير من التغييرات والتحسينات التي سيضفيها الذكاء الاصطناعي بشكل مؤكد على تسويق المحتوى.
سأستعرض في هذه المقالة بعضاً من هذه التغييرات في محاولة لفهم ما يخبئه المستقبل، فتابع القراءة لتكتشف الطرق الثلاث التي سيغير الذكاء الاصطناعي تسويق المحتوى من خلالها.
ما هو الذكاء الاصطناعي بالضبط؟
قبل أن أتمكن من مناقشة تأثيرات الذكاء الاصطناعي -الذي يعرف أيضاً بالاختصار "إيه آي AI"، والذكاء الآلي، والتعلم الآلي في بعض الحالات- على تسويق المحتوى، من المهم أن نفهم أولاً ما هو المعنى الدقيق للذكاء للاصطناعي.
إذن فما هو الذكاء الاصطناعي بالضبط؟
يعرِّف الموقع التثقيفي تكوبيديا (Techopedia) هذا المصطلح على أنه "أحد مجالات علم الحاسوب، وهو يركز على ابتكار الآلات الذكية التي تعمل وتتفاعل مثل البشر. وبعض الوظائف التي صُممت لأجلها الحواسيب المزودة بالذكاء الاصطناعي تشمل ما يلي:
- التعرف على الكلام
- والتعلم
- والتخطيط
- وحل المشكلات"
وعلى سبيل المثال فإن آلة من هذا النوع قد تكون سيارةً ذاتية القيادة (وهي سيارة لا تحتاج إلى أي إنسان يشغلها حتى تقود نفسها بأمان)، أو جهازاً حاسوبياً يمكنه أن يلعب معك الشطرنج ويتخذ القرارات الفورية عند الحاجة، أو قد تكون مثالاً بسيطاً من حياتنا اليومية وشيئاً يمكن للكثيرين أن يميزوه، وهو المحتوى الذي تقترح عليك نتفليكس أن تشاهده (يعتمد المحتوى الذي يتم اقتراحه بالكامل على التعلم الآلي).
بعبارة أخرى، يسمح الذكاء الاصطناعي للآلات بأن تتعلم من البيانات، وأن تستخدم تلك المعرفة لإنجاز أعمال بشرية.
وكما هو متوقع، فقد بدأ الذكاء الاصطناعي بالفعل في إحداث تأثير على مجال التسويق، ابتداءً بإدارة المحتوى عن طريق تقنيات الذكاء الاصطناعي، وانتهاءً بروبوتات الدردشة. ولكن كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي بالضبط على تسويق المحتوى (وهل سيفعل ذلك)؟
المزيد من المحتوى الموافق للاحتياجات الشخصية
تتمثل إحدى الوظائف الأساسية للذكاء الاصطناعي في قدرته على تحليل كميات هائلة من البيانات وتفسيرها، وهي ميزة مذهلة، وأمرٌ قد يكون له تأثيرات كبيرة على تسويق المحتوى وحتى مجال التسويق بشكل عام.
ويتمثل أحد هذه التأثيرات في أنه سيساعد مسوِّقي المحتوى على الفهم الدقيق لفئات المستهلكين التي يستهدفونها، وليس بطريقة مثيرة للخوف، وإنما بطريقة يتوقعها العديد من المستهلكين؛ فعلى سبيل المثال وجدت دراسةٌ -قامت بها شركة البرمجيات السحابية سليزفورس- أن 76% من المستهلكين يتوقعون من الشركات أن تتفهم احتياجاتهم وتطلُّعاتهم.
على أية حال، فإن العديد من المنتجات والخدمات الأكثر رواجاً اليوم تقدم تجارب موائمة للاحتياجات الشخصية إلى حد بعيد، ويُعد أمازون بالطبع واحداً من أبرز الأمثلة على هذا الأمر.
ولا يختلف المحتوى عن الأشكال الأخرى من التسويق عندما يتعلق الأمر بالحاجة إلى إضفاء الطابع الشخصي، فالمستهلكون يرغبون في تجربة توافق حاجاتهم الشخصية، بما في ذلك اقتصار المشاهدة على المحتوى الملائم لهم بشكل مباشر فقط.
إذن سيقوم الذكاء الاصطناعي بمساعدتنا في إنشاء هذا النوع من المحتوى، فكيف سيتم ذلك بالضبط؟
يتعلق الأمر كله بالبيانات وتجزئتها؛ حيث يمكن للذكاء الاصطناعي أن يستوعب كميات هائلة من البيانات، ويساعدك في تجزئتها إلى شرائح بسهولة.
وعندما يتعلق الأمر بالجمهور، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعدك على فهم هوية الأشخاص الذين يشكلون جمهورك بشكل دقيق، ومعرفة النوع السائد من المنصات التي يستخدمونها، وماهية المحتويات الأخرى التي يتابعونها، وأنواع المحتوى التي يفضلونها... وهلمّ جرّا.
بناء إستراتيجيات أفضل لتسويق المحتوى مع مساعد للتسويق يعمل بالذكاء الاصطناعي
إحدى الطرق التي بدأ الذكاء الاصطناعي يؤثر بها على تسويق المحتوى بشكل كبير تتمثل في استخدام مُساعِدات التسويق الذكية، مثل لوسي من آي بي إم واتسون.
ولوسي هذه عبارة عن أداة تتمتع بقدرات مذهلة يمكن للمسوِّقين استخدامها لأغراض البحث، والتجزئة إلى شرائح والتخطيط، ولديها قدرات هائلة بحيث يمكنها في دقيقة واحدة أن تتفوق على ما يمكن لفريق كامل من المسوِّقين أن يحققه في غضون أشهر.
إذن فكيف يعمل مساعد تسويق لديه ذكاء اصطناعي مثل لوسي بالضبط؟
بادئ ذي بدء، نجد أن لوسي قادرة على استيعاب وتحليل كافة البيانات التي تملكها شركتك، أو التي كُلِّفت بإعدادها، أو التي مُنحت ترخيصاً باستخدامها، والأكثر من ذلك هو أنها عندما تستوعب كل هذه البيانات، يمكنك عندئذ أن تطرح عليها أي سؤال قد يخطر ببالك -مهما كان معقداً- وستجد الإجابة في انتظارك:
- ما المناطق التي ينبغي أن أستهدفها أولاً؟
- ما توليفة المحتويات التي ينبغي لي إنشاؤها لجمهوري لتحقيق أفضل النتائج؟
- ما الذي يخطط منافسيَّ لفعله؟
- ما السمات الشخصية الأساسية التي يتمتع بها جمهوري؟
هذه هي الأسئلة التي تحتاج الشركات إلى الإجابة عنها لوضع إستراتيجية ناجحة، ولكن العثور على هذه الإجابات ليس بالأمر السهل عندما لا تكون في حوزتك أداةٌ مثل لوسي؛ حيث إن جمع هذه الكميات الهائلة من البيانات وتفسيرها سيكون مهمة صعبة -إن لم تكن شبه مستحيلة- من دون مساعدة.
كما أن إمكانيات مساعدات التسويق مثل لوسي لا تقف عند هذا الحد، بل يمكنك أيضاً:
- إنشاء شرائح واضحة ومعقدة من جمهورك المستهدف، بحيث يمكنك إنشاء محتوى يتمتع بدرجة عالية من التخصيص.
- تخطيط إستراتيجيات تسويق المحتوى الخاصة بك (وغيره من أنواع التسويق) من خلال استكشاف فرص النجاح لعدد من الإستراتيجيات المختلفة، وتحديد النتائج التي يمكنك توقعها.
وسيكون للأنظمة التي على شاكلة لوسي تأثيرٌ كبيرٌ على تسويق المحتوى، وذلك عندما تنخفض كلفتها وتزداد شعبيتها. كما أن هذه الأنظمة سوف تساعد الشركات على فهم جمهورها واستيعاب بياناتهم بشكل أفضل على وجه العموم، والأكثر من ذلك هو أنها ستساعد المسوقين على وضع إستراتيجيات أكثر فائدة ونجاحاً، بالإضافة إلى مساعدتهم على فهم أنواع النتائج التي يمكنهم توقعها.
هل سيتولى الذكاء الاصطناعي مهمة كتابة المحتوى بالكامل؟
لا عجب في أنه عندما يتعلق الأمر بتكنولوجيا تتمتع بهذا القدر من الإمكانيات، فمن السهل أن تشعر بشيء من الخوف: هل ستأخذ وظيفتي مني؟ هل ستتم كتابة كافة المحتوى بواسطة الآلات خلال بضع سنوات؟
إن كان الذكاء الاصطناعي قادراً على تحليل هذا القدر من البيانات، وتقليد البشر في اتخاذ قرارات بناء على هذه البيانات -وحتى اتخاذ قرارات يمكن القول بأنها أفضل؛ نظراً لأن الآلة ذات القدرات العالية يمكنها أن تمتلك قدراً هائلاً من المعرفة يعجز عن امتلاكه أي إنسان في الواقع- أوليس بإمكانه أيضاً أن يكتب المحتوى، ربما بنفس المستوى الذي يكتب به الإنسان أو حتى أفضل منه؟
حدث هذ الأمر بالفعل في عالم الصحافة عام 2015؛ حيث نشرت وكالة أسوشييتد بريس في ذلك الوقت خبراً اقتصادياً قصيراً يقول: "آبل تتصدر توقعات وول ستريت للربع الأول من العام". وثمة احتمال كبير بأن هذه الفقرة قد كتبها إنسان حقيقي، إلا أنك إذا قرأتها حتى النهاية، فستدرك أنها أُنشئت في الواقع باستخدام تحليلات مؤتمتة. أي أنها -بعبارة أخرى- كُتبت (أو تم توليدها إذا صحَّ التعبير) على يد ما يسمى بالصِّحافي الآلي.
وليست أسوشييد بريس هي الجهة الوحيدة التي خاضت تجربة الصحافي الآلي (أو الصحافة الآلية)، فهناك الكثير من المؤسسات الإعلامية البارزة التي تستخدمه، مثل واشنطن بوست التي نشرت ما يصل إلى 850 مقالة تم إنشاؤها على يد صحافيها الآلي على مدار عام واحد.
قد يبدو ذلك كئيباً بالنسبة للكثيرين، ولكنه لا يعني بالضرورة أن الذكاء الاصطناعي في طريقه للاستيلاء على وظائف كتابة المحتوى كافة، وإنما يعني أن هذا النوع من تقنيات الذكاء الاصطناعي يمكن استخدامه لتوفير الوقت بالنسبة لك، كما أنه يقدم لك كافة البيانات التي تحتاجها بحيث يمكنك التركيز على إنشاء محتوى أفضل؛ حيث يمكن استخدامه لأتمتة المهام الصغيرة -مثل الخبر الذي نشرته أسوشييتد بريس عن الأرباح الفصلية لشركة آبل- في الوقت الذي يمكن للبشر فيه أن يصبوا تركيزهم على كتابة المحتوى الأكثر تعقيداً وحساسية.
الخلاصة: هل سيستولي الذكاء الاصطناعي على وظائف تسويق المحتوى؟
من الواضح أن الذكاء الاصطناعي اليوم يلعب دوراً أكبر من ذي قبل في تسويق المحتوى، وقد بدأ يحتل بالفعل العديد من الجوانب في حياتنا اليومية، بل إنه يهدد بعض الوظائف أيضاً، ولكن ما مدى التأثير الحقيقي الذي سيحدثه في تسويق المحتوى فعلاً؟
على الرغم من أنه لا يمكن لأحد التنبؤ بالمستقبل، إلا أن الحاضر يُنبئنا بأن الذكاء الاصطناعي سيكون له تأثير كبير على تسويق المحتوى -بدءاً من وضع إستراتيجيات تسويقية في غاية التفصيل استناداً إلى كميات هائلة من البيانات، وانتهاءً بتوليد المحتوى بشكل تلقائي- حيث سيبدأ المسوّقون باستخدام الذكاء الاصطناعي أكثر فأكثر ليساعدهم في كل خطوة يقدمون عليها.
نُشرت هذه المقالة سابقاً على الموقع www.forbes.com