يُعدُّ الموت المفاجئ مصدر قلق كبيراً للصحة العامة في المنطقة العربية. وبحسب الاتحاد العالمي للقلب (World Heart Federation)، فإن النوبات القلبية هي السبب الأول للوفاة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي مسؤولة عن أكثر من ثُلث إجمالي الوفيات أو نحو 1.4 مليون شخص كل عام، كما وجدت دراسة أُجريت في المملكة العربية السعودية أن أمراض القلب والأوعية الدموية هي السبب الرئيسي للوفاة المفاجئة في البلاد.
والآن مع التطور التكنولوجي، أُجري العديد من الدراسات التي تحاول التقليل من خطر الموت المفاجئ، فهل ستتمكن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي من القيام بهذه المهمة الحساسة؟ وما أبرز الدراسات والتجارب التي يمكن الاستناد إليها؟
ما آخر الدراسات والأبحاث التي استخدمت الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالموت المفاجئ؟
حتى الآن، ووفقاً للعديد من الدراسات والأبحاث يبدو الذكاء الاصطناعي واعداً في التنبؤ بالموت المفاجئ المرتبط بأمراض القلب، أو ما يُسمَّى الموت القلبي المفاجئ (Sudden Cardiac Death، اختصاراً إس سي دي SCD) الذي يعتبر السبب الأول للوفاة المفاجئة في أنحاء العالم كافة.
حيث بدأ الباحثون بتطوير نماذج الذكاء الاصطناعي التي تحلل مجموعة متنوعة من بيانات المرضى، بما في ذلك التركيبة السكانية والتاريخ الطبي وقراءات تخطيط القلب وعوامل نمط الحياة، لتحديد الأفراد المعرضين لخطر الإصابة بأمراض القلب الشائعة، حيث أظهرت الدراسات المبكرة أن نماذج الذكاء الاصطناعي يمكنها التنبؤ بدقة بالموت القلبي المفاجئ بدرجة عالية.
اقرأ أيضاً: أداة ذكاء اصطناعي للتنبؤ بالأوبئة الفيروسية قبل انتشارها
على سبيل المثال في دراسة نُشرت في ندوة علوم الإنعاش 2023 التي نظّمتها جمعية القلب الأميركية، وُجد أن الذكاء الاصطناعي يمكنه التنبؤ بالموت القلبي المفاجئ وحتى معالجة خطر الوفاة المفاجئة في المستقبل، حيث حلل فريق البحث السجلات الصحية الإلكترونية لـ 25 ألف شخص توفوا فجأة و70 ألف شخص دخلوا المستشفى بسبب نوبة قلبية ولم يتوفوا، مع مطابقة بيانات المجموعتين حسب العمر والجنس والمنطقة السكنية.
ثم أُضيفت بيانات أكثر من مليون ملف تشخيصي و10 ملايين وصفة طبية من السجلات الطبية لمدة تصل إلى عشر سنوات قبل كل حالة وفاة، وباستخدام الذكاء الاصطناعي أنشأ الباحثون ما يقرب من 25 ألف معادلة مع عوامل صحية شخصية تُستخدم لتحديد هؤلاء الأشخاص الذين كانوا معرضين بشدة لخطر الموت القلبي المفاجئ، بالإضافة إلى ذلك طوّر الباحثون ملف تعريف مخصصاً للمخاطر لكل فرد من الأفراد المشاركين في الدراسة.
وتضمنت معادلات المخاطر الشخصية التفاصيل الطبية للشخص، مثل استخدامه علاج ارتفاع ضغط الدم وتاريخه مع أمراض القلب، بالإضافة إلى الاضطرابات العقلية والسلوكية -بما في ذلك التدخين- التي من المرجّح أن تقلل من خطر الوفاة القلبية المفاجئة أو تزيده، ثم دُرِبت خوارزميات الذكاء الاصطناعي على البيانات التي أُعطيت لها، بعد ذلك طُلِب منها التنبؤ بحالات الوفاة لكل شخص.
اقرأ أيضاً: هل يمكننا التنبؤ بالزمان والمكان الذي ستحدث فيه جريمة ما؟
والنتيجة كانت أن الذكاء الاصطناعي تمكن من التنبؤ بوفاة الأشخاص قبل ثلاثة أشهر بدقة تجاوزت 90% فاجأت حتى فريق البحث الذي لم يتوقع أن تصل خوارزميات الذكاء الاصطناعي إلى هذا المستوى العالي من الدقة، حيث قال عضو فريق البحث ومؤسس مركز باريس لخبرات الموت المفاجئ، إكزافييه جوفان (Xavier Jouven): "في حين أن الأطباء لديهم علاجات فعّالة مثل تصحيح عوامل الخطر، وأدوية محددة وأجهزة تنظيم ضربات القلب القابلة للزرع، فإن استخدام الذكاء الاصطناعي ضروري لاكتشاف سلسلة من المعلومات الطبية المسجلة على مرّ السنين في موضوع معين، والتي ستشكّل مساراً مرتبطاً بزيادة المخاطر من الموت القلبي المفاجئ".
ويُضيف: "نأمل من خلال قائمة مخصصة لعوامل الخطر، في أن يتمكن المرضى من العمل مع أطبائهم لتقليل عوامل الخطر هذه وتقليل احتمالية الوفاة القلبية المفاجئة في النهاية".
اقرأ أيضاً: هل يمكن أن نسمح للذكاء الاصطناعي باتخاذ قرارات الحياة أو الموت؟
ما الطرق الأخرى التي يمكن بها استخدام الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالموت المفاجئ؟
مع استمرار تطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، فمن المرجّح أن تؤدي دوراً متزايد الأهمية في التنبؤ بأمراض القلب والأوعية الدموية والوقاية منها، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى انخفاضٍ كبيرٍ في عدد الوفيات المفاجئة المرتبطة بالأمراض القلبية الوعائية في أنحاء العالم كافة.
فيما يلي بعض الطرق التي يُستخدم من خلالها الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالموت القلبي المفاجئ:
تحليل بيانات تخطيط كهربية القلب
يمكن تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي لتحديد الأنماط الدقيقة في قراءات تخطيط كهربية القلب (ECG) التي قد تشير إلى زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب، وذلك للمساعدة على تحديد الأفراد الذين قد يحتاجون إلى مراقبة متكررة أو تدابير وقائية أخرى.
ففي دراسة حديثة أُجريت على 43 ألف مريض في أحد مستشفيات تايوان، أدّى إقران نموذج الذكاء الاصطناعي بأجهزة تخطيط كهربية القلب إلى تقليل الوقت اللازم لتشخيص الأشخاص الذين يعانون احتشاء عضلة القلب النصفي (STEMI) ونقلهم إلى المستشفى بمقدار 10 دقائق كاملة.
وقد لاحظ الباحثون أن تخطيط القلب المدعم بالذكاء الاصطناعي يشخِّص بدقة مرضى احتشاء عضلة القلب النصفي بقيمة تنبؤية إيجابية بنسبة 88%، وقيمة تنبؤية سلبية بنسبة 99.9%.
اقرأ أيضاً: خوارزمية ذكاء اصطناعي تتنبأ باحتمال التعرض لسكتة قلبية
استخدام الأجهزة القابلة للارتداء
يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات من الأجهزة القابلة للارتداء، مثل الساعات الذكية وأجهزة تتبع اللياقة البدنية وشاشات تخطيط القلب القابلة للارتداء لمراقبة معدل ضربات القلب وتقلب معدل ضربات القلب والمعلمات الفسيولوجية الأخرى، والتي من شأنها توفير بيانات مستمرة عن صحة الفرد وتحديد عوامل الخطر المحتملة للإصابة بأمراض القلب.
التنبؤ بأمراض القلب في مجموعات سكانية محددة
يمكن تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي لاستهداف المجموعات السكانية المعرضة للخطر بشكلٍ خاص، مثل الأفراد الذين لديهم تاريخ مع أمراض القلب أو أولئك الذين أصيبوا بنوبات سابقة من أمراض القلب، ما يساعد على تحديد الأفراد الذين قد يستفيدون من التدخلات الوقائية بشكلٍ مستهدف ودقيق.
اقرأ أيضاً: أطباء يجرون عمل جراحي لجمجمة طفل بمساعدة الواقع الافتراضي
التحديات المحتملة المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالموت المفاجئ
- الدقة: تتسم خوارزميات الذكاء الاصطناعي بدقة البيانات التي دُرِبت عليها، ولكن إذا كانت البيانات غير كاملة أو غير دقيقة يمكن أن تنتج بيانات غير حقيقية.
- التحيز: يمكن أن تكون خوارزميات الذكاء الاصطناعي متحيزة إذا دُرِبت على بيانات لفئة معينة من السكان، وهذا يمكن أن يؤدي إلى توقعات غير دقيقة.
- الشفافية: قد يكون من الصعب فهم كيفية اتخاذ خوارزميات الذكاء الاصطناعي قراراتها، وهذا قد يجعل من الصعب الوثوق بتنبؤات خوارزميات الذكاء الاصطناعي.
- المسؤولية الأخلاقية: على سبيل المثال إذا وقع خطأ طبي في تقدير وقت وفاة مريضٍ ما، مَن سيتحمل المسؤولية؟ ومَن ينبغي على أهل المتوفى مقاضاته؟ وهل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يخضع للمسؤولية الجنائية؟
اقرأ أيضاً: 6 أدوار يؤديها الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالنوبات القلبية
ما أبرز عوامل الموت المفاجئ في المنطقة العربية وكيفية التقليل منها؟
تعتبر أمراض القلب والأوعية الدموية مثل النوبات القلبية والسكتات الدماغية السبب الرئيسي للوفاة المفاجئة في المنطقة العربية، وهي تمثّل نحو 70% من الوفيات المفاجئة جميعها، وذلك يرجع إلى عاملين رئيسيين هما:
- اتباع عادات غير صحية كالتدخين الذي يؤدي إلى الإصابة بأمراض مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري والسمنة.
- بعض العوامل الثقافية، على سبيل المثال، تشتهر المنطقة العربية بعادة ثقافية تقليدية تركّز على الضيافة ما يمكن أن يؤدي إلى الإفراط في تناول الطعام والشراب.
ومع ذلك يمكن تنفيذ عدة تدخلات للحد من عبء الموت المفاجئ في المنطقة العربية، بما في ذلك:
- تعزيز أنماط الحياة الصحية، ويشمل ذلك تشجيع الناس على الإقلاع عن التدخين، والالتزام بنظام غذائي صحي، وممارسة الرياضة بانتظام.
- توسيع نطاق الوصول إلى الرعاية الصحية، ويشمل ذلك تحسين الوصول إلى الرعاية الصحية الأولية ورعاية القلب والخدمات الطبية الطارئة.
- رفع مستوى الوعي حول أمراض القلب والأوعية الدموية، ويشمل ذلك تثقيف المواطنين حول عوامل خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وأهمية التشخيص والعلاج المبكر، والتدريب على كيفية طلب المساعدة الطبية الطارئة عندما يعاني شخصٌ ما نوبة قلبية أو سكتة دماغية.
اقرأ أيضاً: 6 أدوار يؤديها الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالنوبات القلبية
على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي أظهر فائدته لأغراض التشخيص، يبقى التنبؤ بالوفاة مجالاً فريداً وصعباً ويمكن أن يكون محاطاً بالتحيزات نفسها التي تؤثّر في التفاعلات التناظرية بين الطبيب والمريض. وفي يومٍ من الأيام سواء كنا مستعدين أمْ لا، فقد نواجه اللغز العلمي والفلسفي المتمثل في وجود آلة تشارك في تحديد وقت وفاتنا.