على غرار ألعاب الفيديو، قام منفّذ مجزرة نيوزيلندا المروّعة برينتون تارانت (28 عاماً) بتصوير جريمته وبثّها على موقع فيسبوك قبل أن يتم في وقت لاحق حذف المقاطع التي انتشرت بشكل كبير. ظهر بريتنتون في المقطع متسلّحاً ببندقيته بطريقة مشابهة لألعاب الفيديو الشهيرة، وبدأ بإمطار الرصاص بشكل مروّع على الأشخاص في الهجوم الذي استهدف مسجديْن في مدينة كرايست تشيرتش بنيوزيلندا، وأودى بحياة 49 شخصاً وخلّف عشرات الجرحى.
وعلى الرغم من أن أسباب تارانت وأمثاله من المتطرّفين ترتبط بكل وضوح بالكراهية والعنصرية ورفض الآخر، إلا أنه البعض يقول بوجود تأثير لألعاب الفيديو على هذه الجريمة، وخصوصاً أن تارانت صرخ في المقطع داعياً المشاهدين إلى الاشتراك بقناة بيو داي باي (PewDiePie) المتخصّصة بألعاب الفيديو، والتي يتابعها أكثر من 89 مليون مشترك على يوتيوب.
وصرّح السويدي فيليكس أرفيد أولف شالبرج صاحب القناة بأنه لا تربطه أي علاقة بالمذبحة، وذكر في تغريدة له على تويتر بأنه يشعر بالغثيان من ذكر اسمه في المقطع. لكن فيديواته السابقة تحتوي على تصريحات عنصرية، وربما تكون قد حرّضت على العنف.
ومن الجدير بالذكر أن منصة ستيم (Steam) التابعة لشركة فالف (Valve) الأميركية لتطوير ألعاب الفيديو والتوزيع الرقمي قامت بحذف أكثر من 100 ملف شخصي قام أصحابها بتأييد منفّذ المجزرة وتمجيد أفعاله المشينة، من خلال وضعهم لصورته ووصفه بألقاب مثل البطل والقديس. ولكن الأمر نفسه حدث في يوتيوب وفيسبوك وتويتر، وبالتالي فإن منصات ألعاب الفيديو لا تختلف عن أي منصة أخرى تُغذّي الكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي. ويقول أحد الباحثين: "إن الألعاب ووسائل التواصل الاجتماعي هي عبارة عن أدوات غير منظّمة نسبياً وتُستخدم لنشر الرسائل بسهولة وعلى نطاق واسع".
وتعدّ الفكرة التي تقول بأن ألعاب الفيديو العنيفة تؤدي إلى العنف في العالم الحقيقي هي فكرة شائعة، ولكن لم يتم إثباتها بعد. إذ قام مؤخراً باحثون في معهد أكسفورد للإنترنت بجامعة أكسفورد بإجراء إحدى أكثر الدراسات الحاسمة حتى الآن في هذا المجال، وذلك باستخدام مجموعة من البيانات الشخصية والموضوعية من 2008 مشارك لقياس العلاقة بين عنف المراهقين والألعاب العنيفة. وعلى عكس الأبحاث السابقة حول هذا الموضوع، والتي اعتمدت بشكل كبير على بيانات يذكرها المراهقون أنفسهم، فإن هذه الدراسة اعتمدت على معلومات قدّمها الآباء والأمهات وأولياء الأمور للحكم على مستوى السلوك العدواني عند أولادهم. بالإضافة إلى ذلك، تم تصنيف محتوى ألعاب الفيديو اعتماداً على النظامين الرسميين الأميركي والبريطاني، بدلاً من تقدير اللاعب لمقدار العنف في اللعبة.
ورغم توصّل الباحثين إلى عدم وجود علاقة بين ممارسة ألعاب الفيديو والسلوك العدواني لدى المراهقين، إلا أنهم يؤكدون أن هذا لا يعني أن بعض التقنيات والمواقف الموجودة في الألعاب لا تثير مشاعر الغضب أو ردود الأفعال لدى اللاعبين، الأمر الذي يستدعي إجراء المزيد من الأبحاث.
وفي حين أنه لا يوجد إجماع بين الباحثين حول العلاقة المتبادلة بين العنف وألعاب الفيديو، إلا أن سلوك تارانت لا يمكن أن يُعزى إلى مجرّد تأثّره بالعنف الموجود في الألعاب، فهجومه الشنيع الذي استهدف فيه عدداً كبيراً من الأشخاص بتخطيط متقن وإصراره على فعله حتى بعد اعتقاله وعدم إظهاره الندم، يؤكّد استحالة ذلك. أما هذا الإخراج الفني لمقطع المذبحة على طريقة ألعاب الفيديو، فما هو إلا وسيلة لزيادة انتشاره وتداوله، ممّا يخدم قضيته التي صرّح عنها بشكل لا لبس فيه.