هل متصفحك يحميك أم يتتبعك؟ التغيرات الخفية في الخصوصية

5 دقيقة
5 من أفضل متصفحات الويب من حيث السرعة والأمان وحماية الخصوصية
حقوق الصورة: shutterstock.com/chayanuphol

في الفترة الأخيرة ظهرت سلسلة من الأخبار المتعلقة بمتصفحات الإنترنت الشائعة، باستثناء متصفح سفاري التابع لشركة آبل، إذ بدأت كلٌّ من مايكروسوفت وجوجل بالتقليل من فاعلية إضافات حظر الإعلانات في متصفحي جوجل كروم وإيدج، كما بدأت شركة موزيلا تشغيل تقنية خاصة بها للتتبع ومراجعة بعض بنود الاستخدام لمتصفح فايرفوكس وتغييره، ما يُظهر اهتماماً أكبر من قِبلها ببيانات المستخدم. فماذا تعني هذه التطورات الجديدة كلّها؟

اقرأ أيضاً: ما هو وضع الحماية المحسنة في متصفح جوجل كروم؟ ولماذا ينبغي لك تفعيله؟

جوجل كروم تلغي محاولات استبدال ملفات تعريف الارتباط 

استجابة لضغوط الجهات المنظمة والمستخدمين المهتمين بالخصوصية، أمضت شركة جوجل سنوات في تطوير العديد من أدوات التتبع لتتبع أداء الإعلانات وتقديم الإعلانات ذات الصلة دون استخدام طرق التتبع القديمة مثل ملفات تعريف الارتباط وبصمات المتصفح (Browser Fingerprints)، حيث اقترحت بدائل مثل تقنية التعلم الموحد للأفواج (Federated Learning of Cohorts، اختصاراً إف إل أو سي FLoC)، ثم استبدلتها بتقنية مواضيع الإعلانات (Ad Topics).

لكن هذه البدائل كلّها لم تحقق لها الهدف المنشود، لذلك أعلنت مؤخراً تراجعها عن إيقاف تقنية ملفات تعريف الارتباط في متصفح جوجل كروم، بعد أن وعدت بالتخلص منه قبل أربع سنوات مضت. وفي الوقت نفسه سمحت شبكة إعلانات جوجل، وهي الأكبر في العالم، بجمع بيانات المتصفح عند عرض الإعلانات بدءاً من شهر فبراير الماضي.

هذا يعني أن المعلنين ومواقع الويب ستصبح قادرة على تحديد بصمة التصفح الخاص بك، بغض النظر عما إذا قمت بضبط إعدادات ملفات تعريف الارتباط أو استخدمت وضع التصفح المتخفي، أو انتقلت إلى الإصدار التالي Manifest V3. وتنبع أهمية القرار في أن إصدار Manifest V2 يوفّر العديد من المزايا لمطوري إضافات منع الإعلانات والتتبع مقارنة بالإصدار الجديد أهمها:

  • حظر آني محدود: يسمح إصدار Manifest V2 لإضافات حظر الإعلانات باعتراض طلبات الشبكة وتعديلها آنياً، ما يوفّر مرونة أكبر في حظر التهديدات الجديدة والمتطورة. بينما يطلب إصدار Manifest V3 من مطوري الإضافات تحديد قواعد الحظر مسبقاً، ما من شأنه أن يُنشئ تحديات للمطورين في مسألة التفاعل الفوري مع الإعلانات وأدوات التتبع الجديدة.
  • حدود القواعد: تفرض واجهة برمجة إصدار Manifest V3 الجديد قيوداً على عدد القواعد التي يمكن للإضافة استخدامها، ما قد يحدُّ من شمولية قوائم الحظر ويسمح بدوره لبعض الإعلانات وأدوات التتبع بالتسلل للمتصفح.
  • التحديثات المتأخرة: بما أن الإضافات لم تعد قادرة على جلب التعليمات البرمجية وتنفيذها عن بُعد، فإن تحديثات قوائم الحظر والتصفية تتطلب إرسال إصدار جديد من الإضافة إلى متجر كروم الإلكتروني للمراجعة، ما قد يؤدي إلى تأخير في توفير أحدث إمكانات الحظر للمستخدمين.
  • تحديات تقنيات الحجب المتقدمة: بعض تقنيات الحجب المتقدمة المستخدمة في إصدار Manifest V2 مثل تعديل محتوى الموقع ديناميكياً بعد تحميله قد تواجه قيوداً في الإصدار الجديد.
  • قيود التكيُّف: على الرغم من أن إصدار Manifest V3 الجديد يقدّم تحسينات حقيقية مثل تبسيط أداء الإضافات من خلال تحديد كيفية وتوقيت تفاعلها مع طلبات الويب ما يقلل احتمالية حدوث تباطؤ أو استخدام مفرط للموارد، فإنه يفرض قيوداً تحدُّ من قدرات إضافات حظر الإعلانات وأدوات التتبع، وخاصة في قدرتها على التكيُّف مع تنسيقات الإعلانات الجديدة والمعقدة. 
  • خدمات الخوادم: يُحوّل إصدار Manifest V3 سياق الخلفية للإضافات من صفحات خلفية ثابتة إلى خدمات خوادم، إذ تعمل خدمات الخوادم بناءً على الأحداث ولا تعمل إلّا عند الحاجة، ما يجعلها أقل استهلاكاً للموارد. ومع ذلك قد يحدُّ التغيير أيضاً من قدرة الإضافات على إجراء مراقبة ومعالجة مستمرة في الخلفية، وهو ما تتطلبه بعض ميزات الخصوصية.

هذا يعني للمطورين أنه يتعين عليهم التوقف عن تطوير إضافات تعتمد على إصدار Manifest V2 والانتقال إلى الإصدار الجديد أو ستتوقف إضافاتهم عن العمل، بينما يعني للمستخدم أنه أصبح أكثر تعرضاً للتتبع، وبالنسبة لجوجل فإن تقييد فاعلية الإضافات وخاصة التي تحظر الإعلانات (وهي مصدر دخل مهم لها) قد يُعزّز سيطرتها على بيانات المستخدمين ومنظومة الإعلانات، ومن ثَمَّ قد تستفيد بشكل غير مباشر من خدماتها الإعلانية.

بالإضافة إلى ذلك، يعرب العديد من المدافعين عن الخصوصية ومطوري الإضافات التي تُركّز على الخصوصية عن مخاوفهم بشأن أن يؤدي الإصدار الجديد إلى جمع المزيد من بيانات المستخدمين من قِبل مواقع الويب والمعلنين، ويجادلون بأن التغييرات تُعطي الأولوية لمصالح جوجل خصوصاً وبقية المتصفحات مثل إيدج وفايرفوكس عموماً على خصوصية المستخدم، ما يعوق تطوير أدوات خصوصية فعّالة.

اقرأ أيضاً: مَن يمكنه رؤية سجل التصفح الخاص بك؟ وكيف يمكنك حماية خصوصيتك؟

على سبيل المثال، أعرب مطور إضافة حظر الإعلانات uBlock Origin بأن الإصدار الأساسي من الإضافة لن يدعم إطار عمل إصدار Manifest V3 نظراً لقيوده، ما جعله يطوّر إصداراً أخف بوظائف أقل فاعلية. بينما عبّر مطور إضافة   Ghostery عن مخاوفه من أن يؤثّر Manifest V3 سلباً في قدرة الإضافة على حظر أدوات التتبع بفاعلية، والذي سيؤدي إلى مواجهة المستخدمين المزيد من الإعلانات وأدوات التتبع عبر الإنترنت.  

اقرأ أيضاً: 5 إضافات لمتصفح كروم مفيدة لحماية الخصوصية وتعزيز الأمن السيبراني

موزيلا فايرفوكس تُغيّر سياساتها للتركيز على سوق الإعلانات

عُرِفت شركة موزيلا المطورة لمتصفح الإنترنت فايرفوكس بأنها شركة غير ربحية تعتبر خصوصية مستخدمي متصفحها وأمانهم أولوية كبيرة، لكنها في الآونة الأخيرة بدأت بالانحراف قليلاً عن رؤيتها ومبادئها، حيث أثارت التحديثات الأخيرة في ميزات الخصوصية الخاصة بمتصفح فايرفوكس الكثير من الجدل.

إذ أدمجت تلقائياً في منتصف شهر يوليو من العام الماضي نظاماً جديداً يُسمَّى إسناد الحفاظ على الخصوصية (Privacy Preserving Attribution ، اختصاراً بي بي أيه PPA) مصمماً لتتبع مدى فاعلية الإعلان عبر الإنترنت، بدءاً من الإصدار رقم 128، حيث يمثّل النظام الجديد وسيلتها الخاصة لاستبدال ملفات تعريف الارتباط التابعة لجهات خارجية.

وفي نهاية شهر فبراير من العام الحالي ظهر تحديث في سياسة الاستخدام ينصُّ على: "عندما تحمّل معلومات من خلال فايرفوكس أو تُدخلها، فإنك تمنحنا بموجب هذا ترخيصاً عالمياً غير حصري وخالٍ من حقوق الملكية لاستخدام هذه المعلومات لمساعدتك على التنقل وتجربة المحتوى عبر الإنترنت والتفاعل معه، كما تشير إلى استخدامك متصفح فايرفوكس".

وقد أثار التعديل الجديد غضب المستخدمين وفُسِّر على أنه إذن صريح لإعادة بيع بياناتهم وإدخال أشكال أخرى من التتبع. ونتيجة لذلك، فقد عدلتها لتُقرأ: "أنت تمنح شركة موزيلا الحقوق اللازمة لتشغيل فايرفوكس"، كما أحدثت تغييرات طفيفة في أجزاء أخرى من قسم الأسئلة الشائعة. على سبيل المثال، إزالة البند الذي وعدت فيه بعدم بيع بيانات المستخدمين للمعلنين.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن تحديد هويتك عن طريق حجم شاشة جهازك؟ وكيف تتجنب ذلك؟

ماذا تعني هذه التغييرات كلّها بالنسبة لك كمستخدم؟

باختصار، بدءاً من شهر يونيو القادم ستصبح متصفحات الإنترنت الأكثر شعبية مثل جوجل كروم وإيدج غير فعّالة إلى حد كبير إذا كان موضوع الخصوصية مهماً لك، بغض النظر عن الإضافات أو الإعدادات التي تُطبقها، وينطبق الأمر نفسه على معظم المتصفحات الأخرى المستندة إلى مشروع كروميوم.

أمّا بالنسبة لمتصفح فايرفوكس، فعلى الرغم من تصريحات شركة موزيلا المشكوك فيها، فإن المتصفح لا يزال يدعم إضافات Manifest V2، وهذا يعني أن الإضافات التي تعمل على حجب الإعلانات وأدوات التتبع ستظل تعمل بكامل إمكاناتها في المتصفح، مع وعد الشركة بأنها ستحافظ على دعمها على الأقل في المستقبل القريب.

ومع ذلك ينبغي أن تضع في اعتبارك أنه لا يوجد متصفح إنترنت مثالي، فجميع المتصفحات بطريقة أو أخرى ستعمل على الاستفادة قدر الإمكان من بياناتك، لذا إذا كنت تهتم بشكلٍ خاص بخصوصيتك، فإن خيار التبديل إلى أحد المتصفحات التي تتضمن ميزات حظر إعلانات وأدوات تتبع قوية قد يكون جيداً.

اقرأ أيضاً: كيف تتتبع الشركات بيانات المستخدمين؟ وبماذا تستخدمها؟

على سبيل المثال، يُعدُّ متصفح بريف (Brave) خياراً شائعاً على الرغم من بنائه على مشروع كروميوم، فإنه يحتوي على أدوات خصوصية مضمنة حتى قبل إضافة أي إضافات خارجية، مع تعهد مطوريه بدعم إضافات حظر الإعلانات وأدوات التتبع الشائعة، وإذا كانت الخصوصية أكثر أهمية لك، يمكنك التبديل إلى متصفح تور (Tor) الذي يستخدم مصدر شيفرة متصفح فايرفوكس نفسه، ولكنه يُركّز بشكلٍ أكبر على الحفاظ على الخصوصية.

المحتوى محمي