إذا افترضنا وجود تمويل جماهيري، ولكن للعمل على دواء واعد للسرطان، وبحملة مثل حملات كيك ستارتر، ولكن مع الحصول على حصة فعلية من المبيعات المحتملة للدواء بدلاً من الحصول على تذكار أو على وصول خاص إلى المنتج، فهل تشارك؟ ترغب شركة التكنولوجيا الحيوية أجينوس بمنحك هذه الفرصة، وهو ما تقول إنه أصبح ممكناً بفضل تكنولوجيا البلوك تشين.
أجل. هذا صحيح. إذا سار كل شيء وفقاً للمخطط، ستصبح أجينوس قريباً أول شركة تكنولوجيا حيوية تصدر أصولاً مشفرة مبنية على البلوك تشين باسم "سندات الضمان الرقمية". ووفقاً لإعلان الشركة في يناير، سيمثل هذا الأصل الرقمي "سهماً من المبيعات المحتملة في المستقبل ضمن الولايات المتحدة" لعقار يسمى مثبط بي دي 1، والذي أصبح الآن في مرحلة التجارب السريرية. في البداية، سيكون الاستثمار مقتصراً على المستثمرين الأثرياء والمؤسسات المالية بسبب القيود القانونية، ولكن الهدف بعيد المدى يقوم على إتاحة هذا الاستثمار لأوسع شريحة ممكنة من الناس.
على الرغم من أن هذه الشركة هي أول شركة تكنولوجيا حيوية تنضم إلى هذه "الحفلة"، إلا أنها ليست على الإطلاق الشركة الأولى عموماً. فقد حلم الكثيرون من قبل باستخدام البلوك تشين لمنح عمليات جمع التمويل طابعاً أكثر ديمقراطية عن طريق إصدار وإدارة جميع أنواع الأصول بشكل أسرع وأرخص وأكثر شفافية، بالمقارنة مع ما تستطيع المؤسسات المالية التقليدية تقديمه. ومن الناحية النظرية، يمكن بهذه الطريقة تحقيق الوصل بين نطاق أكبر من الشركات والاستثمارات من جهة، ومجموعة أكبر من المستثمرين من جهة ثانية. وفي المستقبل المثالي للاستثمار الجماهيري الذي يعتمد على البلوك تشين، من المفترض أن يربح الجانبان.
قامت عدة شركات لرؤوس الأموال الاستثمارية بإصدار أسهم تعتمد على البلوك تشين. ويبدو أن المطورين العقاريين بدؤوا يلحقون بالركب أيضاً. ففي أغسطس المنصرم، اشترى بعض المستثمرين عملات "أسبينكوين" بقيمة 18 مليون دولار تمثل أسهماً عقارية من فنادق فاخرة في كولورادو، وذلك خلال عملية مبيع قام موقع التمويل الجماهيري إنديجوجو بالترويج لها. وفي نوفمبر، باعت منصة إصدار العملات هاربور ما قيمته 20 مليون دولار من الأسهم الرقمية في منازل طلابية تابعة لجامعة ساوث كارولينا خارج الحرم الجامعي. بل إن بعض الشركات تحاول حتى أن تنشئ سوقاً للعملات التي تمثل أسهماً في الأعمال الفنية الراقية.
أما بالنسبة لأجينوس، فإن المشكلة التي تحاول حلها هي أن شركات التكنولوجيا الحيوية غالباً ما تعاني من صعوبة في جمع الأموال لتطوير عقاقير جديدة وطرحها في الأسواق، وذلك لأن العملية مكلفة وتنطوي على مخاطرة كبيرة. وتراهن أجينوس على أن عملتها المشفرة الجديدة، والتي تطلق عليها اسم عملة سند الضمان الإلكتروني للتكنولوجيا الحيوية (اختصاراً: بيست BEST) ستكون أكثر جذباً للمستثمرين من أدوات التمويل التقليدية المستخدمة عادة في التكنولوجيا الحيوية. وعلى وجه الخصوص، يكمن جزء من جاذبيتها في إمكانية التداول بها في أسواق الإنترنت المنظمة، والتي بدأ بعض منها بالعمل مؤخراً. ويزعم جارو أرمين، المدير التنفيذي لأجينوس، أن هذه الطريقة يمكن أن "تحدث ثورة في تمويل تطوير العقاقير".
بالنسبة للكثيرين من أنصار البلوك تشين، فإن الهدف الحقيقي أكبر بكثير، وهو إحداث ثورة في جميع الأسواق الاستثمارية، وحتى خلق أسواق جديدة تماماً. وقبل أن تبدأ باستنكار هذه الطموحات بوصفها ترهات لا أساس لها، فكر بالتالي: فقد أثبتت أنظمة البلوك تشين، بالحد الأدنى، أنها أدوات رائعة لجمع الأموال، وهي نتيجة لا يمكن إنكارها من ازدهار عمليات الطرح الأولي للعملات (ICO) في العام 2017 وبدايات العام 2018، عندما كانت المشاريع تجمع مئات الملايين من الدولارات بين ليلة وضحاها كما كان يبدو، وذلك بإصدار أصول مبنية على البلوك تشين. أما المشكلة الأساسية فهي أن أغلب عمليات الطرح الأولي هذه كانت على الأغلب مخالفة للقانون، على الأقل في بلدان مثل الولايات المتحدة، حيث كانت تتعارض مع قوانين تعود إلى عدة عقود وتهدف إلى حماية المستثمرين من الاحتيال. ولكن هناك أساليب بديلة لإصدار الأصول المبنية على البلوك تشين بشكل قانوني.
سواء أكان الهدف إصدار "سندات ضمان رقمية" أو "سندات ضمان بعملات مشفرة" أو "عملات مشفرة للضمان" (اختر التعبير الذي تشاء) فإن ما تحاول أجينوس وغيرها من المشاريع أن تفعله هو ببساطة إطلاق طرح أولي للعملات بشكل موافق للقانون.
الطرح الأولي للعملات: الإصدار الثاني
لربما لاحظت أننا نستخدم مصطلحاً معيناً بكثرة: سند الضمان. يُعرف سند الضمان على أنه أداة مالية يمكن لأي شخص أن يستثمر فيها. وتوجد فئتان رئيسيتان من سندات الضمان: العامة والخاصة. تمثل الأسهم المباعة في بورصة نيويورك سندات ضمان عامة. ويتطلب بيع الأسهم للمستثمرين في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، التسجيل لدى هيئة الأوراق المالية والبورصات، والتصريح عن الكثير من المعلومات للعامة. وعلى الرغم من أن الامتثال لهذه القوانين يكلف الكثير من الأموال، فإنه أيضاً يفتح المجال للوصول إلى سوق ضخمة تتضمن الكثير من عمليات التداول، ما يجعلها سوقاً "سائلة" وفق مصطلحات المستثمرين.
عندما بدأ ازدهار عمليات الطرح الأولي في 2017، بدأ المنظمون ببيع أصول رقمية مباشرة إلى العامة، ولم يتكلف أغلبيتهم مشقة التواصل مع هيئة الأوراق المالية والبورصات أولاً، وهو خطأ كبير. ففي فبراير 2018، قال عضو مجلس إدارة الهيئة جاي كلايتون للكونجرس أنه لم ير عملية طرح أولي لم تحمل الصفات المميزة لسندات الضمان كما يبدو، ولهذا يجب أن تكون هذه العمليات خاضعة لقوانين الهيئة. وفي السنة التالية، قامت وكالة كلايتون بملاحقة عدد من هذه المشاريع قانونياً بسبب بيع سندات ضمان غير مسجلة، ما أوقف حركة السوق فورياً.
ولكن هناك قواعد أخرى تتيح للشركات أن تجري عمليات أصغر لطرح سندات ضمان خاصة، وبالنسبة لمناصري البلوك تشين، تمثل هذه القواعد فرصة في المستقبل القريب لإجراء م يمكن أن نسميها عموماً عمليات قانونية للطرح الأولي للعملات المشفرة.
توجد عدة قيود على سندات الضمان الخاصة، وتتضمن أهلية الشراء والتداول، وعدد المساهمين، ومقدار الأموال الذي يُسمح للشركات بجمعه. ولهذا يجب على أي تعامل نموذجي أن يمر بسلسلة طويلة من الوسطاء للتحقق من قانونيته، وبسبب هذا النظام المتقادم، تصبح عمليات التداول بطيئة وغير فعالة، كما يقول أرابي باتش، مدير التسويق في شركة سيكيوريتايز، والتي تساعد الشركات على إصدار سندات الضمان الرقمية. ولكن بوجود البلوك تشين، وعلى وجه التحديد باستخدام العقود الذكية المبنية على البلوك تشين، يمكن القيام بعمليات التدقيق هذه بشكل آلي، ما يسمح بالتداول بشكل أسرع.
يمكن على سبيل المثال تصميم العملة المشفرة بحيث تتحقق من أهلية الشاري قبل السماح بإجراء التداول. وهو ما قد يزيل الكثير من الوسطاء، ويجعل تداول سندات الضمان أقل تكلفة وأكثر سرعة. إضافة إلى هذا، فإن أنظمة البلوك تشين تنشئ أثراً مقاوماً للعبث والتغيير ويمكن تدقيقه لكل عملية تداول، بحيث يصبح بإمكان الجهات المصدرة أن تتتبع حملة الأسهم وتتحقق منهم.
غير أن التطبيق الأهم، وفقاً لباتش وغيره ممن يعملون على هذه المشاريع، سيكون الطابع السائل الذي ستضفيه شركات تداول الأصول الرقمية المنظمة على أسواق سندات الضمان الخاصة، والتي لطالما كانت "عديمة السيلان" من قبل. لقد تبين أن إمكانية شراء وبيع الأصول المشفرة عبر منصات التداول على الإنترنت -والتي كان الكثير منها يعمل خارج إطار القانون- تتمتع بجاذبية كبيرة بالنسبة للملايين ممن استثمروا في أول جولة من عمليات الطرح الأولي للعملات.
هذا واحد من الأسباب الذي يجعل من العقارات إحدى التطبيقات الجذابة لهذه التكنولوجيا. تخيل، على سبيل المثال، أنك استثمرت في بناء مجمع للشقق السكنية. إذا احتجت في أية لحظة لبيع أسهمك، فقد يكون العثور على الشاري أمراً صعباً للغاية، ما يعني أنك قد تضطر لتخفيض السعر. من الناحية النظرية، سيكون العثور على الشاري أسهل في سوق تعتمد على البلوك تشين، ولهذا سيكون أمامك فرصة أفضل لبيع أسهمك بالسعر الكامل.
أمور لم تحدَّد بعد
ولكن الحقيقة هي أن فكرة سندات الضمان الرقمية ما زالت افتراضية إلى حد كبير. حيث أن عدد شركات التداول العاملة قليل، كما أن حجم التداول ما زال منخفضاً، وقد يعود هذا جزئياً إلى القواعد التي تفرض على سندات الضمان الخاصة أن تكون "مقفولة" لفترة تتراوح ما بين عدة أشهر وسنة قبل إمكانية تداولها، ويبدو المستقبل الآن غامضاً بسبب المسائل القانونية.
على سبيل المثال، لا توجد قواعد واضحة حول كيفية تخزين الأصول المشفرة حتى الآن. ففي العالم التقليدي لسندات الضمان، فإن تلك الجهات الوسيطة البطيئة والمتعبة موجودة لسبب وجيه. وعلى سبيل المثال، فإن أحد هؤلاء الوسطاء، والمسمى بالوصي، مسؤول عن حماية أصول المستثمرين، والتي عادة ما تكون سندات ضمان تم شراؤها عن طريق وسيط آخر يسمى السمسار أو المتعامل. يجب أن يكون الأوصياء قادرين على إثبات حيازتهم لهذه الأصول وسيطرتهم عليها (أي "الوصاية" في المصطلحات القانونية) للمدققين الحكوميين. وعلى سبيل المثال، يعتمد سمسار الأسهم على الوصي للحفاظ على أصول زبائنه.
ولكن إثبات الحيازة والسيطرة "قد يكون صعباً بالنسبة للأصول الرقمية" كما قالت فاليري سيبانيك -وهي مستشارة أساسية للهيئة- في مؤتمر عُقد مؤخراً في واشنطن العاصمة. ويعود هذا إلى أن التحكم بها يتطلب التحكم بمفتاح تشفير خاص يتعلق بها، كما قالت سيبانيك: "من الصعب أن تثبت أنك تمتلك النسخة الوحيدة من المفتاح، أو أنك لم تتعرض للاختراق بطريقة أتاحت سرقة أو نسخ هذا المفتاح"، وأضافت أن هذه المسألة هي موضوع "تفكير جاد" لوكالتها.
غير أن التحديات التقنية ليست المشكلة الوحيدة التي تتطلب التفكير. حيث أن هدف مناصري البلوك تشين هو تسهيل الاستثمار الجماهيري السريع، ولكن هذه الإمكانية لم تكن متاحة لجمهور كبير حتى الآن. تأمل أجينوس بجمع ما يصل إلى 100 مليون دولار ببيع عملتها المشفرة للتكنولوجيا الحيوية. ولكن، وكما حدث مع جميع عملات سندات الضمان التي تم إصدارها حتى الآن، فإن القوانين ستجعلها متاحة فقط لعدد محدود من الأفراد الأثرياء والمؤسسات المالية.
من ناحية أخرى، توجد قاعدة جديدة تسمح للشركات بجمع ما يصل إلى 50 مليون دولار من عدد غير محدود من المستثمرين الذين لا يتوجب أن يكونوا من الأثرياء، تماماً كما في حالة طرح الأسهم العامة، أو ما يمكن أن يتحول إلى عملية طرح أولي للعملات بشكل موافق للقانون. ولكن الهيئة ما زالت مترددة في الموافقة على طرح العملات المشفرة بهذه الطريقة. ليس السبب واضحاً بالضبط، ولكن بعد حمى عمليات الطرح السابقة، ليس من المستغرب أن تشعر الوكالة بالقلق من فتح المجال مرة أخرى أمام طوفان العملات المشفرة.
يقول كريس كورتيس، المسؤول الاستراتيجي الأساسي ومدير التمويل لشركة أجينوس، أن الشركة تفكر على المدى البعيد، حيث أصدرت العملة الرقمية بهذه الطريقة حتى تضع "أساساً أولياً" نحو "تحويل هذه الأشياء إلى شكل أقرب إلى الأسهم العامة المتداولة".
إذا ظهرت هذه الأسواق حقاً، فسوف تمثل تحولاً كاملاً للاستثمار الجماهيري القائم على البلوك تشين من الشكل المريب، والذي يمكن أن يكون مخالفاً للقانون، إلى مجرد أسلوب آخر للأعمال.