نشرة خاصة
يتردد مصطلح "الذكاء الاصطناعي" على لسان الجميع، ويكاد يصعب أن تتصفح موقعاً إلكترونياً أو تقرأ مجلة من دون أن تصادف هذا المصطلح، حتى أنه أصبح يمثل مادة لجلسات الدردشة العامة.
الذكاء الاصطناعي هو المصطلح الشائع الجديد الذي يحاول الجميع فهمه واستخدامه على نحو جيد. وفي قطاعات مثل التعليم، والصناعة الفضائية الجوية، والقطاع المالي، والدفاع، أو أياً ما كان القطاع الذي نتحدث عنه، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دوراً فيه.
وقطاع الرعاية الصحية ليس حالة استثنائية؛ فقد شهدت السنوات القليلة الماضية انتشاراً هائلاً لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجال الطبي. ولكن، ما الذكاء الاصطناعي بالضبط؟ ومنذ متى ونحن نفكر فيه؟ الإجابة على السؤال الأخير: منذ وقت طويل؛ حيث بدأت الأمثلة بالظهور في أدب الخيال العلمي، والأفلام التي قدمت لنا مفهوم الروبوتات القادرة على التصرف مثل البشر مع مسحة من العواطف، وهي سمة تقليدية عند الإنسان.
لقد تغير معنى المفهوم الذي يمثله الذكاء الاصطناعي مع تطور العلوم والتكنولوجيا. وفي أبسط تصوراته، يمكننا القول إن ماهية الذكاء الاصطناعي تتجلى "عندما تتصرف آلة معينة مثل البشر، وذلك عندما تتمكن من حل مشكلة معينة، وعندما تتعلم".
سجَّل الذكاء الاصطناعي حضوره في مجال الرعاية الصحية منذ عقود؛ ففي ستينيات القرن الماضي، بُذلت محاولات لاستخدام الأجهزة الحاسوبية لتحديد أفضل المضادات الحيوية للإصابات البكتيرية، وفي الكيمياء العضوية أيضاً. ومع ذلك، فإن مقدار الجهود التي كانت تلزمها هذه المحاولات في المراحل الأولى جعل الأمر عديم الجدوى وغير عملي. فلم يكن يستحق الوقت الذي خُصص له، وكان يفتقر للاستجابة السريعة اللازمة عند علاج المرضى.
وقد تسبب التطور التكنولوجي الذي بدأ في ثمانينيات القرن الماضي بتغيير شكل الفرص؛ حيث إن الحواسيب التي كانت تملأ غرفة بأكملها، أصبح بإمكانها الآن التواجد على مكتبك، كما بدأنا أيضاً باستخدام الإنترنت، إلى جانب مشروع الجينوم البشري. وإن السجلات الطبية الإلكترونية مثل إبيك EPIC، وسيرنر CERNER جعلت عملية استخراج البيانات ودراسة أنواع العلاج أسهل بكثير، مما جعل المخططات الورقية التي تحتوي على ملاحظات مكتوبة بخط اليد شيئاً من الماضي. وهذا ما جعل بيانات الرعاية الصحية المتاحة تتزايد بشكل هائل.
وفي الوقت الحاضر، ينجح الذكاء الاصطناعي في تحقيق أشياء مذهلة في قطاع الرعاية الصحية. وتعود العديد من هذه المبادرات إلى المشاريع المشتركة التي تُقام بين القطاع الطبي وشركات التكنولوجيا الكبرى مثل آي بي إم وجوجل. على سبيل المثال، يشتهر واتسون من آي بي إم بالظهور في برنامج المسابقات الأميركي جيوباردي! (المحك) وهزيمة الأبطال من البشر، ولكنه يُستخدم أيضاً في مستشفى كليفلاند كلينك بولاية أوهايو للمساعدة في تعليم طلاب الطب عن الفيزيولوجيا المرضية والتشخيص.
ويمكن لنظام ديب مايند أن يهزمك في لعبة الشطرنج، ولكنه يستخدم في الوقت الحالي أيضاً في المساعدة على تحسين التصوير الشعاعي للثدي والكشف المبكر عن سرطان الثدي. ولا يقتصر استخدام ساعة آبل الذكية "آبل ووتش" على إرسال الرسائل النصية فحسب، بل تستخدم أيضاً في مراقبة نبضات القلب عند المرضى الذين يعانون من عدم انتظام ضربات القلب، وأيضاً في إرسال هذه البيانات إلى أطبائهم لكي يتمكنوا من إجراء تعديلات على العلاج.
وعلى الرغم من التطورات الرائعة التي يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُحدثها في مجال الطب، إلا أن هناك عيوباً محتملة، وعلينا أن نكون على بينة من هذه العيوب قبل الاندفاع قدماً بشكل متهور ومن دون تبصر. وهناك تساؤلات ينبغي طرحها، وإمعان التفكير فيها على الأقل، إن لم تتم الإجابة عنها، من ضمنها:
كيف سيؤثر الذكاء الاصطناعي على القوى العاملة في مجال الرعاية الصحية؟ وهل يمكن الاستعاضة عن الأطباء ضمن التخصصات القائمة على الأنماط -مثل علم الأمراض التشريحي والطب الإشعاعي- بالحواسيب؟ هناك دراسات تم إنجازها من قبل جامعة ستانفورد وشركة ديب مايند التابعة لجوجل تتعلق بمقارنة النتائج. وولا يعني هذا أن تغييرات القوى العاملة تمثل نهاية العالم، ولكن يجب أخذها بعين الاعتبار.
وماذا عن المسائل الأخلاقية؟ هل يمكن للحواسيب فهم المناطق الرمادية الكامنة في زراعة الأعضاء وقرارات سحب الرعاية؟ وهل سيتم نقل أشكال التحيز البشري المتواجدة عند مبرمجي الحاسوب إلى الآلات التي يبتكرونها؟
كما يجب إعادة تعريف السرية؛ فإذا أخبرني مريض ما عن جزء حساس من تاريخه الصحي، وطلب مني ألا أضعه في سجله الطبي، فقد أحترم هذا الطلب، ولكن سأبقى أعالج ذلك المريض بالشكل الملائم نتيجة المعرفة الذاتية التي تشكلت لدي. في حين لا يمكن للحاسوب أن يقوم بذلك.
أيضاً ماذا عن المساءلة؟ إذا ارتكب الحاسوب خطأً تسبب في إلحاق الضرر بأحد المرضى، فمن المسؤول؟ هل هي الشركة التي قامت بتصنيعه؟ أم هو الفني الذي قام بتشغيله؟ أم الطبيب الذي اقترح استخدامه؟ أم أنه كان حرياً بالمريض نفسه أن يمتلك مستوى أفضل من المعرفة بدلاً من أن يأتمن روبوتاً معيناً على صحته؟
وكيف سيتم وضع لوائح ناظمة لعمل الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية؟ حالياً لا أحد لديه مثل هذه اللوائح. وهل سيتم استخدامه لصالح المرضى حقاً؟ أم سيستخدم لتلبية المعايير المستندة إلى السرعة على حساب الجودة؟
من الطبيعي أن تكون هناك أسئلة أكثر من الإجابات في الوقت الحالي، وقد لا يتم الإجابة عن بعض منها بشكل كامل. ولكن الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على إحداث ثورة في مجال الرعاية الصحية، وإحداث تحسين كبير على الطريقة التي نقدم بها الرعاية للمرضى باتباع أساليب فعالة وآمنة.
وسيتمكن الذكاء الاصطناعي من إطالة العمر، وتحسين العلاج، وربما يحد من التكاليف أيضاً. وفي الوقت نفسه، علينا أن نتحلى بالبصيرة قبل أن نُقدم على اتخاذ خطوات كبيرة إلى الأمام.