هل حصل اختراق علمي حقاً في مجال التوصيل الفائق وماذا يعني ذلك للبشرية؟

3 دقائق
هل حصل اختراق علمي حقاً في مجال التوصيل الفائق وماذا يعني ذلك للبشرية؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/Rokas Tenys

الموصلات الفائقة (Superconductors) هي مواد يمكنها نقل الكهرباء دون أي مقاومة، أي أنها تحقق كفاءة نقل طاقة كهربائية تبلغ 100%. تعمل الموصلات الفائقة جميعها التي تمكن العلماء من تطويرها حتى الآن في درجات حرارة منخفضة للغاية تبلغ مئات الدرجات تحت الصفر، ما يجعل استخدامها على نطاقٍ واسع أمراً غير ممكن، لذلك، هناك سعي منذ عقود لتطوير موصل فائق يعمل في درجة حرارة الغرفة. وفي حال نجاح ذلك، سنكون قادرين على إنتاج أسلاك تنقل الكهرباء بكفاءة دون ضياع أي جزء من الطاقة، وتطوير حواسيب ذات قدرات خارقة تستهلك كميات أقل من الطاقة.

في هذا المقال، سنلقي نظرة عامة على أحدث جهود العلماء والمؤسسات العلمية والشركات لإنتاج موصلات فائقة تعمل في درجة حرارة الغرفة ويمكن استخدامها تجارياً.

اقرأ أيضاً: إليكم ما يعنيه وما لا يعنيه مفهوم "التفوق الكمومي" في عالم الحوسبة

مادة LK-99

هناك الكثير من الإثارة والجدل حول مادة جديدة تُسمّى LK-99، التي يقول باحثون كوريون جنوبيون إنها أول موصل فائق يعمل في درجة حرارة الغرفة. نشر هؤلاء الباحثون ورقة علمية في 22 يوليو/ تموز 2023، تصف كيف قاموا بتصنيع مادة LK-99 وكيف تم قياس خصائصها الكهربائية والمغناطيسية، وأفادوا بأنها أظهرت مقاومة كهربائية مقدارها صفر ومغناطيسية قوية في درجة حرارة تصل إلى 288 كلفن (15 درجة مئوية)، وهي درجة أعلى بكثير من تلك التي يعمل عندها أي موصل فائق معروف.

ومع ذلك، لم تتم مراجعة ورقتهم أو قبولها من قِبل أي مجلة علمية حتى الآن، ومنذ نشرها، أعرب العديد من العلماء والخبراء عن شكوكهم وانتقاداتهم حول ما ورد فيها. تتعلق هذه الشكوك بنقص البيانات المتعلقة بالتركيب البلوري وتكوين مادة LK-99، واستخدام تقنيات ومعدات غير تقليدية لقياس خصائصها، وعدم التوافق بين الحسابات النظرية والملاحظات التجريبية، كما شكك البعض في احتمال وجود أخطاء عند تحليل البيانات أو احتيال.

للتحقق من النتائج، حاولت 11 مجموعة من الباحثين حول العالم تكرار تجارب الباحثين الكوريين الجنوبيين واختبار مادة LK-99 بأنفسهم. لكن النتائج لم تكن حاسمة. تقول 7 مجموعات إن تجاربهم أكدت أن مادة LK-99 تمتلك بعض جوانب الموصلية الفائقة، في حين أفادت 4 مجموعات بأن مادة LK-99 ليست موصلاً فائقاً على الإطلاق.

لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت LK-99 تعتبر اختراقاً حقيقياً أو أملاً كاذباً في البحث عن موصل فائق يعمل بدرجة حرارة الغرفة، إذ ثمة حاجة إلى إجراء دراسات أكثر دقة واستقلالية للتحقق من ذلك.

اقرأ أيضاً: تعرف إلى العظماء الذين وقفوا وراء صناعة الرقاقات الإلكترونية

مركب الهيدروجين والكربون والكبريت

في تجربة أجريت عام 2020، أعلن فيزيائيون أميركيون أنهم اكتشفوا مادة توصّل الكهرباء بكفاءة مثالية في درجة حرارة الغرفة. نشر الفريق ورقته البحثية في دورية نيتشر (Nature)، وأكدوا أن مركب الهيدروجين والكربون والكبريت عند الضغط الكبير عليه بين زوج من قطع الماس يعمل كموصل فائق في درجة حرارة تصل إلى 59 درجة فهرنهايت (15 درجة مئوية).

في العام نفسه، أجريت تجربة أخرى على المركب نفسها وفي الظروف ذاتها، وكانت درجة حرارة الموصلية الفائقة تصل إلى 70 فهرنهايت (21 درجة مئوية).

لكن بعد تجارب أجراها علماء آخرون، تم سحب الورقة واتهام الفريق الذي يقف وراء التجربتين بالتلاعب بالبيانات والاحتيال.

اقرأ أيضاً: العلماء يسابقون الزمن لتطوير خوارزميات تشفير ما بعد الكم

متعددات هيدريدات اليورانيوم 

في عام 2018، قام فريق من الباحثين الأميركيين والروس والصينيين بتطبيق ضغط يعادل 5 ملايين ضغط جوي على خليط من اليورانيوم والهيدروجين، وأدّى ذلك إلى إنتاج 14 مركباً جديداً من متعددات هيدريدات اليورانيوم.

يعتقد الباحثون أن هذه الهيدريدات يمكن إنتاجها بكميات كبيرة بسهولة ويمكن أن تتمتع بمزايا التوصيل الفائق في الضغوط المنخفضة للغاية، وربما القريبة جداً من الضغط الجوي الطبيعي. إذا تم إثبات ذلك، وهو أمر لم يحدث حتى الآن، ستكون هذه المركبات قابلة للاستخدام التجاري على نطاقٍ واسع.

اقرأ أيضاً: كيف سينعكس الدعم الألماني لصناعة الرقائق الإلكترونية على مستقبلها؟

لماذا نحتاج إلى موصلات فائقة تعمل في درجة حرارة الغرفة؟

الموصلات الفائقة التي تعمل في درجة حرارة الغرفة هي مواد يمكنها نقل التيار الكهربائي دون أي مقاومة عند درجات حرارة أعلى من 0 درجة مئوية (32 درجة فهرنهايت). هذا يعني أنها تستطيع نقل كمية كبيرة من الطاقة دون فقدان أي جزء من هذه الطاقة على شكل حرارة، كما أنها تتميز بخصائص أخرى مفيدة، مثل تجنب تأثير المجالات المغناطيسية.

ستكون للموصلات الفائقة التي تعمل في درجة حرارة الغرفة أهمية تكنولوجية كبيرة، إذ يمكن أن تمكننا من تطوير أجهزة كهربائية أكثر كفاءة وقوة وأقل استهلاكاً للطاقة، مثل المحركات والمولدات والكابلات وأجهزة الاستشعار والحواسيب. يمكنها أيضاً تقليل فقدان الطاقة والتكاليف المرتبطة بتبريد الأجهزة المستخدمة اليوم.

هل الموصلية الفائقة في درجة حرارة الغرفة تتعارض مع الفيزياء؟

لا تتعارض الموصلية الفائقة في درجة حرارة الغرفة مع قوانين الفيزياء، فهي ظاهرة تنبأت بها عمليات المحاكاة الحاسوبية ولوحظت في بعض الدراسات التجريبية. لكن تحقيقها لا يزال هدفاً صعباً وبعيد المنال، لأنه يتطلب شروطاً معقدة للغاية.

البحث عن الموصلات الفائقة التي تعمل في درجات حرارة الغرفة (نحو 20 درجة مئوية أو 68 درجة فهرنهايت)، مستمر منذ عقود. تم إحراز بعض التقدم مع بعض المركبات، لكنها لا تزال بعيدة عن أن تكون قابلة للاستخدام في درجة حرارة الغرفة، كما أن آلية الموصلية الفائقة ليست مفهومة حتى الآن.

اقرأ أيضاً: ما المتوقع في مجال الحوسبة إن نجحت آي بي إم ببناء حاسوب كمومي بسعة 100 ألف كيوبت؟

لذلك، في حين أن الموصلية الفائقة في درجة حرارة الغرفة ليست مستحيلة وفقاً للفيزياء، إلّا أنها لا تزال ظاهرة غير محققة وغير مفهومة، وهناك حاجة للمزيد من البحث والتطوير لتحقيقها. إنها ليست تناقضاً مع علم الفيزياء، بل هي تحدٍّ فيزيائي ينبغي استكشافه.

المحتوى محمي