هل تصدق أن فواتير البقالة يمكنها أن تتنبأ بمعدلات مرض السكري لدى سكان الحي؟

3 دقائق
مصدر الصورة: ستيف بيويسيني/ بيكساباي

في العام 1826، نشر خبير الطعام الفرنسي جون أنتيلمي بريلات سافارين كتاباً باسم فيزيولوجيا التذوق. ويُشتهر هذا العمل بالجملة ذائعة الصيت: "قل لي ماذا تأكل أقل لك من أنت"، أو كما يقال حالياً: "المرء نتاج ما يأكله".

لا شك في أن بريلات سافارين سيقول الكثير حول مواطني الدول المتطورة المصابين بالسمنة المفرطة وارتفاع ضغط الدم والسكري؛ ففي الولايات المتحدة، وصل 36% من الراشدين و17% من الأولاد إلى حد السمنة المفرطة. وفي أوروبا، سيصاب نصف السكان بالسمنة المفرطة بحلول العام 2050 كما تشير بعض التقديرات.

ويعتبر الطعام أحد أهم العوامل في هذه المسألة، ولهذا يحاول الباحثون جهدَهم معرفة المزيد حول العادات الغذائية وعلاقتها بالصحة.

غير أن استخلاص تفاصيل العادات الغذائية للناس أمر صعب على نحو مذهل، حيث إن أغلب الجهود في هذا المجال مبنية على دراسات صغيرة. كما حاول الباحثون أيضاً استنتاج العادات الغذائية لمستخدمي الويب، ولكن المنتقدين يقولون إن هذه الطريقة معرضة للتحيزات ولا يمكن استخدامها لدراسة العادات الغذائية بشكل موثوق.

إذن هناك حاجة ماسَّة إلى طريقة أفضل لدراسة الأنماط الغذائية وتأثيراتها الصحية، وهنا يأتي دور لوكا ماريا أيلو في مختبرات نوكيا بيل في كامبريدج بالمملكة المتحدة، ومجموعة من زملائه، الذين درسوا الأنظمة الغذائية عن طريق تنقيب البيانات من فواتير البقالة ومقارنتها مع الوضع الصحي للسكان اعتماداً على الوصفات الطبية التي تم إصدارها في المنطقة.

تكمن فعالية هذه الطريقة في مدى اتساع العمل، حيث إن هذه الفواتير تأتي من تيسكو، وهي أكبر سلسلة لمتاجر البقالة في بريطانيا. وتحتوي قاعدة البيانات لهذه الشركة على جميع مشتريات الطعام في متاجرها في لندن خلال 2015. أما البيانات الطبية فهي متاحة للعموم، وتتضمن كل وصفة طبية لممارسي الطب العام في لندن خلال 2016. يقول أيلو وزملاؤه: "لقد أجرينا تحليلاً بمستوى ودقة غير مسبوقين".

وتمتلك تيسكو 411 متجراً في لندن، ويتبضع فيها 1.6 مليون زبون يحملون بطاقات ميزات التبضع الدائم، وقد اشتروا 1.6 مليار غرض غذائي في 2015. وتتضمن قاعدة البيانات كل غرض مع وزنه وتاريخ شرائه والرمز البريدي للزبون.

وقد قام أيلو وزملاؤه باستخلاص المحتوى الغذائي لكل غرض، بما في ذلك إجمالي الطاقة، والدهون، والدهون المشبعة، والكربوهيدرات، وغير ذلك. واستخدموا هذه المعلومات للحصول على متوسط الغذاء لما يصل إلى 937 حياً في لندن.

ويمكن الحصول على بيانات الوصفات الطبية أيضاً على مستوى الأحياء، فقد حصل سكان لندن على وصفات طبية تحوي 1.1 مليار دواء في 2016، واستخدمها الفريق لاستنتاج المشاكل الصحية التي يعانون منها. وقد اهتم الباحثون على وجه الخصوص بالانتشار الواسع لأمراض "الأعراض الاستقلابية"، التي تؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم ومستويات الكولسترول والسكر (أي السكري). وقد كشفت هذه البيانات كيفية توزع هذه الأمراض في المدينة.

وأخيراً، قام الفريق بمقارنة مجموعات البيانات لرؤية الترابط بين التغذية ومشاكل الأعراض الاستقلابية، ومن ثم قاموا بإسقاط النتائج على المدينة.

وتمثل الخرائط شكلاً مثيراً للاهتمام، فهي تظهر -كما توقع الباحثون- أن تزايد استهلاك الكربوهيدرات والدهون والسكر مرتبط إيجاباً بالأعراض الاستقلابية، في حين أن استهلاك الألياف يرتبط سلباً بها. كما أن وزن الغرض -الذي يعبِّر عن استهلاك السعرات الحرارية- يرتبط إيجاباً مع الأمراض الاستقلابية، في حين أن ارتباطها سلبي مع التنوع الغذائي.

وهناك أيضاً اختلافات هامة بين أحياء لندن المختلفة؛ حيث إن السكان الأثرياء والمتعلمين في مدينة لندن وتشلسي يستهلكون كميات أكبر من الألياف ويتمتعون بتنوع غذائي أكبر. وعلى العكس، فإن سكان نيوهام -وهو حي فقير نسبياً- يستهلكون كمية أكبر من السعرات الحرارية ويتمتعون بتنوع غذائي أقل، ولديهم مستويات أعلى من السكري.

غير أن المناطق الثرية ليست بالضرورة أفضل حالاً، حيث يقول الباحثون: "يتمتع سكان حي هاكني -وهو حي فقير في شرق لندن، ولكن سكانه متعلمون إلى درجة عالية- بعادات غذائية صحية، ولا يعانون من السكري بقدر سكان نيوهام".

وقد قام الفريق أيضاً بتوقع نسب الإصابة بارتفاع ضغط الدم ومستويات الكولسترول والسكر في الأحياء فقط، عن طريق معرفة الاستهلاك المحلي للسعرات الحرارية والمغذيات. ويقول الفريق إن برنامج التصنيف قد تمكن من تحديد المناطق التي لا تتمتع بصحة جيدة بدقة 91%.

وتمثل هذه الدراسة عملاً مثيراً للاهتمام بنتائج هامة بالنسبة لطريقة تقييم الصحة لمزودي الرعاية الصحية، وصانعي السياسات، وحتى شركات التأمين. يقول الباحثون: "تُبين دراستنا أن تحليل السجلات الرقمية لمشتريات البقالة يمثل أداة زهيدة الثمن وقابلة للاستخدام على مستوى واسع لمراقبة الصحة". ولا شك في أن بريلانت سافارين كان سيشعر بالذهول.

مرجع: arxiv.org/abs/1905.00140:
تحليل عالي الدقة وواسع النطاق للمشتريات الغذائية ونتائجها الصحية

المحتوى محمي