هاتف هواوي ميت 60 برو: هل نجحت الصين في الاعتماد على نفسها في صناعة الرقائق؟

4 دقائق
هاتف هواوي ميت 60 برو: هل نجحت الصين في الاعتماد على نفسها في صناعة الرقائق؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/HJBC

كشفت شركة التكنولوجيا الصينية هواوي عن أحدث هواتفها الداعمة لشبكة إنترنت الجيل الخامس، وهو هاتف ميت 60 برو (Mate 60 Pro)، الذي يتميز بشريحة مصنوعة من قِبل شركة صينية هي الشركة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات (SMIC).

هذه هي المرة الأولى التي تُطلق فيها هواوي هاتفاً يدعم شبكة الجيل الخامس بشريحة لا تعتمد على التكنولوجيا الأميركية، وهو ما اعتبره كثيرون تحدياً للعقوبات الصارمة التي فرضتها الحكومة الأميركية على وصول هواوي إلى إمدادات الرقائق العالمية.

أثار هاتف ميت 60 برو جدلاً واسعاً في الولايات المتحدة وفي أنحاء العالم كافة حول تأثير وفاعلية العقوبات الأميركية على شركة هواوي وقدرة الصين على صناعة الرقائق محلياً.

اقرأ أيضاً: الفساد يحدث هزات كبيرة في صناعة الرقائق الإلكترونية الصينية

تاريخ العقوبات الأميركية على هواوي

تفرض الحكومة الأميركية قيوداً مختلفة على شركة هواوي منذ عام 2019، متهمة إياها بتهديد الأمن القومي وانتهاك العقوبات التجارية المفروضة على إيران، كما ضغطت الولايات المتحدة أيضاً على الدول الحليفة لها لاستبعاد شركة هواوي من إنشاء البنية التحتية لشبكات الجيل الخامس، مشيرة إلى مخاوف بشأن خصوصية البيانات واحتمال استخدام الصين هذه الشبكات من أجل التجسس.

كان من أبرز الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة ضد هواوي هو منع وصولها إلى رقائق أشباه الموصلات المتقدمة ومعدات صناعة الرقائق التي تعتبر ضرورية لإنتاج الهواتف الداعمة لشبكة الجيل الخامس

وأضافت الولايات المتحدة شركة هواوي والشركات التابعة لها إلى قائمة الكيانات، هذا يعني أن الشركات الأميركية تحتاج إلى الحصول على ترخيص قبل تصدير أي تكنولوجيا أو برامج إليها. وشددت الولايات المتحدة أيضاً القواعد لمنع شركة هواوي من الحصول على الرقائق التي تصنعها الشركات الأجنبية التي تستخدم التكنولوجيا أو المعدات الأميركية.

اقرأ أيضاً: كيف سينعكس الدعم الألماني لصناعة الرقائق الإلكترونية على مستقبلها؟

العقوبات منعت هواوي من الحصول على رقائق الجيل الخامس

أثّرت العقوبات بشدة في قدرة هواوي على توفير الرقائق لأجهزتها من الجيل الخامس، وخاصة تلك المصنوعة بمعمارية 7 نانومتر أو أقل، والتي توفّر سرعة أداء عالية واستهلاكاً أقل للطاقة.

اعتمدت هواوي قبل العقوبات على شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات (TSMC)، وهي أكبر شركة لتصنيع الرقائق في العالم، لإنتاج شرائح كيرين (Kirin) الخاصة بها بمعمارية 7 نانومتر. وبعد أن شددت الولايات المتحدة قواعد التصدير في شهر مايو/ أيار 2020، توقفت شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات عن تلقي طلبات جديدة من هواوي وأوقفت الشحنات لها بحلول سبتمبر/ أيلول 2020.

واجهت هواوي أيضاً صعوبات في شراء الرقائق من موردين آخرين، مثل شركة كوالكوم (Qualcomm) الأميركية وسامسونج (Samsung) الكورية الجنوبية، فهذه الشركات كانت ملزمة بالامتثال للقيود الأميركية أيضاً.

لكن شركة هواوي كانت قد حضّرت نفسها لذلك وقامت بتخزين كميات كبيرة من الرقائق قبل دخول العقوبات حيز التنفيذ، إلّا أن هذه الكميات لم تكن كافية لتلبية الطلب على هواتفها الداعمة للجيل الخامس. نتيجة لذلك، توقفت الشركة عن إنتاج هذه الهواتف وتراجعت مبيعاتها في السنوات الأخيرة، وفقدت مكانتها كواحدة من أكبر الشركات المصنّعة للهواتف الذكية في العالم.

اقرأ أيضاً: تفاصيل خطة الصين للسيطرة على سوق صادرات أشباه الموصلات

ما نوع الشريحة الموجودة في هاتف هواوي ميت 60 برو؟

فاجأت هواوي السوق بإطلاق هاتف جديد يدعم شبكة الجيل الخامس، وهو هاتف ميت 60 برو، والذي يقال إنه يحتوي على شريحة صنعتها أكبر شركة لتصنيع الرقائق في الصين، وهي شركة تصنيع أشباه الموصلات الدولية (SMIC). وفقاً لموقع تك إنسايت (TechInsight)، وهو موقع تقني كندي، قامت شركة تصنيع أشباه الموصلات الدولية باستخدام معمارية 7 نانومتر لتصنيع هذه الشريحة.

تُعرف الشريحة الموجودة في هاتف ميت 60 برو باسم كيرين 9000 إس (Kirin 9000s)، وهي تشبه شريحة كيرين 9000 (Kirin 9000) التي صنعتها شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات لصالح شركة هواوي قبل فرض العقوبات عليها، وكانت موجودة في سلسلة هواتف هواوي ميت 40 (Mate 40).

هل ستتمكن هواوي من إنتاج الكثير من هذه الرقائق؟

أثار إطلاق هاتف ميت 60 برو جدلاً حول ما إذا كانت شركة هواوي قد تغلبت على العقوبات الأميركية أو ما إذا كانت الصين قد حققت تقدماً كبيراً في صناعة الرقائق محلياً. لكن الخبراء شككوا في قابلية التوسع والقدرة الدائمة على إنتاج رقائق بمعمارية 7 نانومتر. هؤلاء الخبراء يجادلون بأن شركة تصنيع أشباه الموصلات الدولية الصينية تفتقر إلى المعدات والمواد اللازمة لإنتاج رقائق بهذا المستوى من التطور بكميات كبيرة، وأنها تواجه تحديات تقنية تحد من قدرة إنتاجها. 

يشير الخبراء إلى أن هذه الشركة تخضع أيضاً لعقوبات أميركية تمنعها من الحصول على آلات طباعة حجرية متقدمة من شركة إيه إس إم إل (ASML)، وهي شركة هولندية تهيمن على سوق آلات الطباعة الحجرية.

وقد صرّحت وزيرة التجارة الأميركية جينا ريموندو، بأن شركة هواوي لا يمكنها إنتاج ما يكفي من الرقائق لهواتف الجيل الخامس بالاعتماد على معمارية 7 نانومتر، وأنها ستظل بحاجة إلى استيراد الرقائق من مصادر أخرى. وحذّرت الوزيرة من أن هاتف هواوي الجديد قد لا يكون متوافقاً مع معايير وترددات بعض مشغلي الشبكات، وأنه قد يواجه مخاطر قانونية مثل دعاوى انتهاك براءات الاختراع التي قد ترفعها الشركات الأجنبية.

اقرأ أيضاً: معيار تصميم جديد قد يقلب صناعة الرقائق الإلكترونية رأساً على عقب

هواوي قد تُطلق هاتفاً آخرَ يدعم شبكات الجيل الخامس

على الرغم من هذه التحديات والشكوك، لم تتخلَّ هواوي عن طموحها في سوق الهواتف. وفقاً لبعض التقارير الإعلامية، تخطط الشركة لإطلاق هاتف آخر داعم لشبكات الجيل الخامس بحلول نهاية هذا العام، سيحتوي على شريحة مصنوعة من قِبل شركة شنغهاي لمعدات الإلكترونيات الدقيقة (SMEE)، وهي شركة صينية أخرى تدّعي أنها تمكنت من تصنيع رقائق بمعمارية 7 نانومتر، ويقال إنها تلقت طلبات من شركة هواوي وغيرها من شركات تصنيع الهواتف الذكية الصينية.

ومع ذلك، يشكك المحللون في قدرات ومصداقية شركة شنغهاي لمعدات الإلكترونيات الدقيقة، فهي لم تعرض رقائقها بعد ولم تقدّم أي تفاصيل عنها. كما تساءل البعض عما إذا كانت شركة مثل هذه الشركة قادرة على تلبية طلب شركة هواوي ومعايير الجودة، وما إذا كانت مستعدة للتعامل مع شركة هواوي والتعرض للعقوبات الأميركية نتيجةً لذلك.

اقرأ أيضاً: كيف أثّرت أزمة الرقائق الإلكترونية في صناعة السيارات؟

هل نجحت الصين في تحقيق الاستقلال بصناعة الرقائق؟

ينظر البعض إلى هاتف ميت 60 برو باعتباره رمزاً لمرونة الصين وقدرتها على مواجهة الضغوط الأميركية، وعلامة فارقة في سعيها إلى الاعتماد على نفسها في صناعة الرقائق. ومع ذلك، يرى آخرون أنها محاولة يائسة وغير ناجحة لمواجهة العقوبات الأميركية، وتذكيراً بالفجوة الهائلة التي لا تزال تفصل بين الصين والولايات المتحدة في تكنولوجيا الرقائق وتصنيعها.

الحقيقة التي لا يمكن أن ينكرها أحد أن صناعة الرقائق في أنحاء العالم كافة وفي الصين تعتمد على التكنولوجيا والمعدات الأميركية، وقد كشفت العقوبات الأميركية ذلك، حيث أجبرت الصين على استثمار الكثير من الموارد. وعلى الرغم من ذلك، فإن تحقيق استقلالية الرقائق ليس بالمهمة السهلة أو البسيطة، ولا يتطلب الدعم المالي فحسب، بل يتطلب أيضاً الخبرة والابتكار والكثير من الوقت.

المحتوى محمي