اتسمت منظومة الشركات الناشئة في دولة الإمارات والمنطقة بمرونة ملحوظة خلال السنوات القليلة الماضية، فمثلاً جاءت منظومة الشركات الناشئة في دولة الإمارات في المركز الأول إقليمياً والـ 27 عالمياً بحسب المؤشر العالمي لمنظومة الشركات الناشئة 2023، ما يؤكد تطورها لتصبح مركزاً رئيسياً لريادة الأعمال. وجاءت العاصمة السعودية الرياض بين أفضل خمس منظومات في المنطقة، بينما برزت أبوظبي بكونها المنظومة الناشئة الأسرع نمواً بزيادة في القيمة بلغت 28% خلال عام 2024. وأشارت أحدث التقارير إلى أن معظم هذا النمو جاء مدفوعاً بالذكاء الاصطناعي، ومن المتوقع أن تحقق منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نمواً اقتصادياً بقيمة 320 مليار دولار أميركي بحلول عام 2030.
ويؤدي الذكاء الاصطناعي دوراً محورياً في رسم ملامح القطاعات ونماذج الأعمال عالمياً، ليفرض تساؤلاً حول قدرة منظومة الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على الاستمرار بوتيرة النمو التصاعدية، أو أنها ستواجه تحديات جديدة بسبب اعتماد الذكاء الاصطناعي.
اقرأ أيضاً: الإمارات تكشف عن نماذج وبوتات ذكاء اصطناعي مبتكرة: «فالكون 2» و«جيس تشات»
مدى خطورة الذكاء الاصطناعي
لا يزال الذكاء الاصطناعي جديداً نسبياً على عالم ريادة الأعمال، ويعتبره البعض تهديداً وجودياً للمهارات الإنسانية والقدرة على الإبداع والتخيل والأسلوب الفردي لرائد الأعمال، حتى إن فئة من الأفراد يعتبرونه البديل النهائي للقدرات البشرية، وبخاصة الريادية.
وقد ارتفعت نسبة الشركات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لزيادة أرباحها، ما أحدث أثراً ملحوظاً في سوق الأسهم خلال السنوات القليلة الماضية، وتفتقر منتجات الذكاء الاصطناعي، مثل بوتات الدردشة وأنظمة البحث المتقدمة وخدمات توليد الصور، إلى وجود استراتيجيات فعّالة لتحقيق العوائد، ما أدّى إلى انخفاض تقييمات سوق الأسهم العالمية لشركات الذكاء الاصطناعي خلال هذا الصيف، وبالتالي تزايد النظرة العامة بأن فقاعة الذكاء الاصطناعي قد بلغت ذروتها.
وتشهد دولة الإمارات زيادة في اعتماد الذكاء الاصطناعي، لا سيما أن الحكومة تهدف إلى ترسيخ مكانة الدولة لريادة مجال الذكاء الاصطناعي عالمياً بحلول عام 2031. ومن المتوقع أن تسهم تقنيات الذكاء الاصطناعي في زيادة 96 مليار دولار أميركي في الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات بحلول عام 2030، وفقاً لتقرير برايس ووترهاوس كوبرز. وتحظى هذه المنهجية الاستباقية بدعم مجموعة من المبادرات مثل البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي، حيث تساهم في ترسيخ مكانة الدولة للاستفادة من الذكاء الاصطناعي في تحقيق النمو في مجال ريادة الأعمال.
وبعيداً عن ذلك، لا بُدّ من النظر إلى مدى قدرة الذكاء الاصطناعي على تحقيق نقلة نوعية في الاستراتيجيات التي يطوّرها ويعتمدها رواد الأعمال في نمو أعمالهم وضمان نجاحها وازدهارها. وتشير الدراسات إلى أن الذكاء الاصطناعي يؤدي دوراً فعّالاً في تسهيل الابتكار من خلال أتمتة المهام الروتينية، وبالتالي تمكين رواد الأعمال من التركيز على الحلول الإبداعية للمشكلات وتعزيز التفكير الاستراتيجي لديهم. ونظراً للاعتماد المفرط على هذه التقنية، تنامت المخاوف القائلة إن الذكاء الاصطناعي سيحل مكان الحدس والإبداع البشري في صُنع القرارات الخاصة بالمشاريع الريادية.
ولا شك في أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يمنح رواد الأعمال أداة فعّالة لمساعدتهم على البحث عن الأفكار المميزة وإنتاج المواد التسويقية وإنشاء المواقع الإلكترونية وغيرها الكثير، ولكن لا يفترض أن يتجاوز دوره هذا المتمثل في تعزيز المهارات البشرية. ويستحيل قطعاً أن يحل الذكاء الاصطناعي مكان الإبداع والشغف والجرأة البشرية، والتي تمثّل الأركان الأساسية لرائد الأعمال الناجح. فمهما بلغ تطور الخوارزميات ستبقى قاصرة عن مجابهة المهارات والقدرات البشرية غير المحدودة، إنما يمكن أن يمثّل الذكاء الاصطناعي أداة تمكين قوية لرواد الأعمال.
اقرأ أيضاً: آي بي إم تُطلق منصة واتسون إكس لنشر حلول الذكاء الاصطناعي لرواد الأعمال
الإمكانات الفريدة للذكاء الاصطناعي
وأوكد من خلال هذا المقال أن الإمكانات البشرية قادرة على تقويض سطوة التكنولوجيا وهيمنتها، إذ أستبعد تماماً أن نصل إلى مرحلة تتولى فيها التقنيات القائمة على الذكاء الاصطناعي إدارة شؤوننا بالكامل.
ومن المرجّح حتى أن يسهم الذكاء الاصطناعي في مساعدة رواد الأعمال على بلوغ أهدافهم وإدارة مشاريعهم الصغيرة، في المراحل الأولية على الأقل. وفي دولة الإمارات، من المتوقع أن تصبح الشركات الناشئة في القطاعات القائمة على الذكاء الاصطناعي مساهمة رئيسية في خلق فرص العمل المستقبلية، حيث تتوقع مؤسسة دبي للمستقبل أن الذكاء الاصطناعي والروبوتات ستولّد 10% من فرص العمل في دبي بحلول عام 2030. وقد تتوفر أيضاً معظم فرص العمل الجديدة نتيجة ازدهار المشاريع التي تتمتّع بإمكانات نمو سريعة لتصبح شركات أكبر، وتعتمد في نموها على الذكاء الاصطناعي، شأنها في ذلك شأن بقية شركات ريادة الأعمال سريعة النمو. واستناداً إلى قانون مور والتقدم الكبير في التقنيات الرقمية، ستُدير هذه الشركات أعمالها على نطاقٍ عالمي، معتمدة على الواقع الافتراضي ونموه المتسارع.
إننا مقبلون على مستقبلٍ مشرق، هذا ما يؤكده التقدم الكبير الذي يشهده العالم حالياً والإمكانات الواعدة التي تحملها الآفاق المقبلة. وتعكس رؤية مئوية الإمارات 2071 هذه الجهود من خلال التركيز على ريادة الأعمال والذكاء الاصطناعي في استراتيجية الدولة الاقتصادية طويلة الأمد. كما أن التوجه الكبير نحو ريادة الأعمال والقدرة الجوهرية على التكيُّف لدى البشر ستبقى دائماً أمراً إيجابياً يبعث على الإلهام ويدفع للتفاؤل.
تحقيق أقصى استفادة من الذكاء الاصطناعي
التسويق والمبيعات: يرتقي الذكاء الاصطناعي بجهود التسويق في دولة الإمارات من خلال تعزيز التخصيص، حيث يستخدم رواد الأعمال أدوات التسويق القائمة على الذكاء الاصطناعي لتقسيم السوق وتقديم محتوى مخصص.
تسريع تطوير المنتجات: يساعد الذكاء الاصطناعي الشركات الناشئة على تحديد مدى جدوى المنتج من خلال تحليل مراجعات المستهلك وتحديد توجهات السوق بشكلٍ أسرع من الطرق التقليدية. ويستفيد رواد الأعمال في دولة الإمارات من الاستثمارات الحكومية الضخمة في عمليات أبحاث الذكاء الاصطناعي وتطويره، حيث يستخدمون هذه الأدوات للحفاظ على التنافسية وتسريع ابتكار المنتجات.
الكفاءة التشغيلية وخفض التكاليف: تساعد الحلول القائمة على الذكاء الاصطناعي في دولة الإمارات الشركات على تحديث عملياتها، بما يشمل مسارات العمل المؤتمتة والصيانة الاستباقية. وتهدف دولة الإمارات إلى خفض تكاليف الأعمال وجذب الاستثمارات الدولية، بينما يزداد اعتماد الشركات الناشئة المحلية لتقنيات الذكاء الاصطناعي من أجل تسهيل العمليات وتحسين سلاسل التوريد وخفض النفقات التشغيلية. وتبرز الشركة الفائزة بمسابقة الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من كلية لندن لإدارة الأعمال عام 2023 كمثالٍ على هذه الجهود، حيث تستخدم شركة ذا سربلس التعلم الآلي لمساعدة الشركات على التعاون ومشاركة الموارد من أجل تعزيز الاستدامة.
التحليلات الاستباقية: توفّر التحليلات الاستباقية أداة قوية لمواجهة حالات عدم اليقين والاستفادة من الفرص الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي يمكن أن تشهد تغيرات سريعة في الاقتصاد وسلوكيات المستهلكين. ويستخدم رواد الأعمال في الدولة التحليلات التنبؤية المدعومة بالذكاء الاصطناعي لفهم التوجهات الناشئة في السوق، فمثلاً تستخدم قطاعات البيع بالتجزئة والتجارة الإلكترونية والتكنولوجيا المالية الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بسلوكيات المستهلك، ما يُتيح للشركات اتخاذ قرارات مدروسة حول عروض المنتجات وإدارة المخزون والحملات التسويقية.
اقرأ أيضاً: ما أبرز التهديدات السيبرانية التي تواجهها الشركات الناشئة وكيف تتصدى لها؟
يقوم مفهوم الذكاء الاصطناعي -في جوهره- على جانبي الذكاء والاستخدام العملي، حيث لرواد الأعمال التركيز على المزايا التي يوفّرها الذكاء الاصطناعي بدلاً من تعقيداته، إلى جانب تحديد السُبل التي يمكن من خلالها تسريع عمليات طرح الحلول في السوق، وتحليل آراء المستخدمين بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي للاستفادة من هذه التحليلات في زيادة قيمة المنتج وتعزيز مستويات التميز.