ما هي نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر التي طبقتها ديب سيك؟ وكيف سيكون تأثيرها؟

5 دقيقة
ما هي نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر التي طبقتها ديب سيك؟ وكيف سيكون تأثيرها؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/Pixels Hunter

أحدثت شركة الذكاء الاصطناعي الصينية ديب سيك موجات من الصدمة في صناعة الذكاء الاصطناعي بإصدار نموذجها اللغوي الذي عُدّ بشكلٍ فوري منافساً قوياً للنماذج التي تطوّرها الشركات الأميركية مثل أوبن أيه آي وأنثروبيك. وعلى الرغم من حداثة تأسيسها، فإن الشركة الصينية حققت نتائج باهرة بقوة بشرية وإمكانات حوسبة ومالية بسيطة للغاية مقارنة بنماذج الشركات الأميركية.

حيث لفت نموذج آر 1 (R1) المنطقي الذي تُشابه قدراته نموذج أو 1 (o1) الذي تطوّره شركة أوبن أيه آي انتباه باحثي الذكاء الاصطناعي، وأثار موجات من التساؤل بين المستثمرين، وهزَّ أسواق الأسهم، كما لفت انتباه أحد أبرز الرؤساء التنفيذيين لأبرز شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة، ولكن ما يجعل الأمر أكثر إثارة للانتباه هو أن النموذج مفتوح المصدر، ما يجعله متاحاً للجميع. فما هي نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر؟ وكيف تختلف عن النماذج المغلقة وهل يمكنك استخدامها؟

ما هي نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر؟

إن إثبات أن برنامجاً ما مفتوح المصدر غالباً ما يواجه بالكثير من التشكيك والجدل، وفيما يخصُّ نماذج الذكاء الاصطناعي فإن الأمر سيان. ولكن مع ذلك يمكن أن يكون لتعريف مبادرة المصدر المفتوح (Open Source Initiative، اختصاراً أو إس آي OSI)، وهي مؤسسة غير ربحية أُنشئت عام 1998، تأثير كبير في توحيد مفهوم الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر.

وفقاً للمبادرة، لكي يكون الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر بالفعل ينبغي أن تنطبق عليه المعايير التالية:

  • يمكن استخدامه لأي غرض دون الحاجة إلى طلب الإذن.
  • يتوفر مصدره البرمجي لدراسة كيفية عمله وفحص مكوناته.
  • يمكن لأي شخص تعديله لأي غرض بما في ذلك تغيير مخرجاته.
  • يكون متاحاً للمشاركة والاستخدام من قِبل أي شخص مع تعديله لأي غرض أو دون التعديل.

بالعموم، لكي يكون نموذج الذكاء الاصطناعي مفتوحَ المصدر، ينبغي أن يُتاح مجاناً وأن تكون هناك شفافية حول بيانات التدريب والتصميم الخاصة به، ما يمكّن المستخدمين من إعادة تطويره وتكييفه واستخدامه بحرية، كل حسب هدفه وتفضيلاته.

اقرأ أيضاً: لماذا جعل إيلون ماسك نموذج اللغة الكبير غروك (Grok) مفتوح المصدر؟

فهم الترخيص في نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر

تصدر نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر بموجب تراخيص تحدد شروط الاستخدام والتعديل والمشاركة، وفي حين أن بعض التراخيص تتوافق مع المعايير التقليدية وتُعرف بشكلٍ رسمي على أنها مفتوحة المصدر، فإن بعضها الآخر يتضمن قيوداً أو إرشادات أخلاقية تمنع الامتثال الكامل لمبادرة المصدر المفتوح.

لهذا السبب من المهم معرفة ما هي التراخيص الرئيسية التي تندرج تحتها نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر، وتتضمن بعض التراخيص الرئيسية ما يلي:

  • Apache 2.0: ترخيص يسمح بالاستخدام المجاني والتعديل والتوزيع مع منح براءة الاختراع، وشائع للمشاريع مفتوحة المصدر، ما يوفّر المرونة والحماية القانونية.
  • MIT: ترخيص لا يتطلب سوى الإسناد لإعادة الاستخدام ويوفّر البساطة والحد الأدنى من القيود.
  • Creative ML OpenRAIL-M: ترخيص مصمم لتطبيقات الذكاء الاصطناعي يسمح بالاستخدام الواسع، ولكنه يفرض إرشادات أخلاقية لمنع الاستخدام الضار. ومع ذلك يتمتّع بشعبية بين المطورين الذين يهدفون إلى إعطاء الأولوية للاستخدام الأخلاقي في الذكاء الاصطناعي.
  • CC BY-SA: يسمح بالاستخدام الحر ويتطلب أن تظل الأعمال المشتقة مفتوحة المصدر، ويُستخدم بشكلٍ أكثر شيوعاً للمحتوى بدلاً من التعليمات البرمجية، لأنه يفتقر إلى بعض المرونة لتطبيقات البرامج.
  • CC BY-NC 4.0: يسمح بالاستخدام المجاني مع الإسناد، ولكنه يقيّد التطبيقات التجارية ويحدُّ من قابلية استخدام النماذج في البيئات التجارية.
  • التراخيص المخصصة: نماذج الذكاء الاصطناعي التي تأتي بموجب تراخيص خاصة غالباً ما تفرض شروطاً محددة للاستخدام لتتماشى مع الأهداف التجارية، ومن أشهر النماذج التي تندرج تحت هذا الترخيص نموذج غرانيت (Granite) من شركة آي بي إم ونموذج نيمو (NeMo) من شركة إنفيديا.
  • تراخيص البحث فقط: تأتي بعض نماذج الذكاء الاصطناعي مرخصة بغرض استخدامها في البحث فقط، وتقيّد استخدامها للأغراض الأكاديمية أو التجارية، ومن ضمنها سلسلة نماذج لاما (LLaMA) التي تطوّرها شركة ميتا.

اقرأ أيضاً: كيف تمكنت شركة «ديب سيك» من تحدي عمالقة الذكاء الاصطناعي بأقل الموارد؟

ما هي أبرز نقاط الاختلاف بين نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر ومغلقة المصدر؟

يرجع التمييز بين نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر ومغلقة المصدر إلى عدة اعتبارات أهمها:

1- إمكانية الوصول والشفافية

النماذج مفتوحة المصدر: تحتوي على كود مصدر متاح للجمهور، ما يسمح لأي شخص بالوصول إلى الخوارزميات الأساسية وتعديلها ومشاركتها وفحص وظائفها والتحقق منها.

النماذج مغلقة المصدر: تحتفظ بكود المصدر الخاص بها ولا يمكن إلّا للمطورين الأصليين تغييره أو توزيعه، ما يؤدي إلى تأثير الصندوق الأسود (Black Box)، حيث لا يمكن للمستخدمين رؤية كيفية اتخاذ القرارات أو كيفية معالجة البيانات.

التخصيص والمرونة

النماذج مفتوحة المصدر: يمكن تخصيصها من خلال تعديل بنية النموذج وبيانات التدريب والمعلمات لتُناسب احتياجات محددة.

النماذج مغلقة المصدر: في حين تسمح بعض النماذج المغلقة بتخصيص محدود من خلال واجهات برمجة التطبيقات، إلّا أن الكود الأساسي يظل غير قابل للوصول.

2- التكلفة التشغيلية

النماذج مفتوحة المصدر: غالباً ما تكون أكثر فاعلية من حيث التكلفة على المدى الطويل لأنها لا تنطوي على رسوم ترخيص.

النماذج مغلقة المصدر: تأتي برسوم اشتراك للمستخدم، وقد تكون التكلفة الإجمالية أقل للشركات التي تفضّل عدم الاستثمار بشكلٍ منفرد.

3- التحكم في البيانات

النماذج مفتوحة المصدر: تُتيح التحكم الكامل في البيانات المستضافة محلياً.

النماذج مغلقة المصدر: تُعالج البيانات بواسطة الخوادم السحابية للشركة المطورة أو المستضيفة.

4- دعم المجتمع والابتكار

النماذج مفتوحة المصدر: تعزّز الابتكار الذي يقوده المجتمع، حيث يمكن للمطورين التعاون ومشاركة التحسينات والبناء على عمل بعضها بعضاً، ما يؤدي إلى التقدم السريع.

النماذج مغلقة المصدر: يميلُ الابتكار إلى أن يكون مدفوعاً بالشركة المطورة، ما قد يحدُّ من التنوع في أساليب التطوير والحلول، ومع ذلك يمكن للدعم الذي توفرّه الشركة ضمان الاستقرار والتحديثات المستمرة.

اقرأ أيضاً: جوجل وأوبن أيه آي في سباق محموم لرسم ملامح مستقبل الذكاء الاصطناعي

ما هي متطلبات تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر؟

يتطلب تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر أجهزة وبيئات برامج ومجموعات أدوات محددة للتدريب على النماذج والضبط الدقيق ومهام النشر، وتختلف باختلاف النموذج نفسه وحجمه. علاوة على ذلك يعتمد اختياره على عدة عوامل بما في ذلك متطلبات الترخيص والأداء المطلوب والوظائف المحددة.

ففي حين أن النماذج الأكبر التي لديها عدد معلمات أكثر تميلُ إلى تقديم دقة ومرونة أعلى، إلّا أنها تتطلب موارد حسابية كبيرة، بينما تُعدّ النماذج الأصغر أكثر ملاءمة للتطبيقات والأجهزة ذات الموارد المحدودة.

ما هي أبرز نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر الموجودة الآن؟

وفقاً لتقرير مؤشر الذكاء الاصطناعي الصادر عن جامعة ستانفورد، أُصدِر نحو 149 نموذجاً أساسياً عام 2023، ثُلثاها مفتوحة المصدر، ومن أبرز هذه النماذج:

نماذج اللغة الكبيرة مفتوحة المصدر

تُعدّ نماذج اللغة الكبيرة ضرورية في التطبيقات المستندة إلى النص مثل بوتات الدردشة وإنشاء المحتوى والترجمة والتلخيص، حيث تُعدّ أساسية لمعالجة اللغة الطبيعية وتعمل باستمرار على تحسين فهمها لبنية اللغة وسياقها. ومن أبرزها سلسلة نماذج لاما (LLaMA) من شركة ميتا وجي بي تي-نيو إكس (GPT-NeoX) من شركة إلوثر أيه آي (EleutherAI) وسلسلة نماذج إن في إل إم (NVLM) من شركة انفيديا.

نماذج إنشاء الصور

تُنشئ نماذج إنشاء الصور صوراً أو أعمالاً فنية عالية الجودة من مطالبات النص. ومن أشهر نماذجها مفتوحة المصدر نموذج ديفيوجن 3.5 (Diffusion 3.5) من شركة ستابيليتي أيه آي (Stability.AI).

نماذج الرؤية الحاسوبية

تحلل نماذج الرؤية الحاسوبية الصور ومقاطع الفيديو وتدعم اكتشاف الكائنات والتجزئة والتوليد المرئي من المطالبات النصية. ومن أبرز نماذجها مفتوحة المصدر سام 2 (SAM 2) من شركة ميتا ونموذج فلورنس (Florence) من شركة مايكروسوفت.

اقرأ أيضاً: ما هو هدف جوجل من إتاحة إمكانية تمييز النصوص المولّدة بالذكاء الاصطناعي للجميع؟

نماذج الصوت

تُعالج النماذج الصوتية البيانات الصوتية وتولّدها، ما يُتيح التعرف إلى الكلام وتحويل النص إلى كلام وتأليف الموسيقى وتحسين الصوت، وأبرز نماذجها مفتوحة المصدر ويف 2 فيك 2.0 (wav2vec 2.0) من شركة ميتا.

نماذج متعددة الوسائط

تجمع بين النص والصور والصوت وأنواع البيانات الأخرى لإنشاء محتوى من مدخلات مختلفة، ومن أبرز نماذجها مفتوحة المصدر نموذج مولمو (Molmo) من معهد آلين ونموذج فيلا (VILA) من شركة إنفيديا.

هل تحتاج إلى استخدام نموذج ذكاء اصطناعي مفتوح المصدر؟ وما هي قيود استخدامه؟

تقدّم نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر مجموعة من الفوائد والتحديات مقارنة بالنماذج المغلقة. ومن أبرز فوائدها:

  • معظمها لا تتطلب رسوم ترخيص، وإن وُجِدت ستكون بمبالغ قليل للغاية، ما يجعلها مناسبة للشركات التي تتطلع إلى تنفيذ حلول الذكاء الاصطناعي دون تكبد تكاليف عالية.
  • تسمح للمستخدمين بالوصول إلى الكود المصدر وتعديله وتكييفه لتلبية احتياجات محددة، ما يُمكّن الشركات من تخصيصها بحسب متطلباتها التشغيلية.
  • تُتيح الشفافية في كيفية عملها ما يمكن المستخدمين من فهم الخوارزميات والبيانات الأساسية التي تضمن تحديد التحيزات والثقة في المخرجات.

اقرأ أيضاً: ما هو جديد الذكاء الاصطناعي في 2025؟

ومع ذلك لديها تحديات أبرزها:

  • تتطلب كميات هائلة من البيانات لتدريبها والتي غالباً لا تكون متاحة بسهولة.
  • يختلف أداؤها بشكلٍ كبير اعتماداً على جودة المساهمات من المجتمع والموارد المتاحة للتطوير والتدريب.
  • يعتمد تحديثها على مساهمات المجتمع، ما قد يؤدي إلى تحديات في استكشاف الأخطاء وإصلاحها أو تنفيذ الحلول دون وجود موارد مخصصة.

المحتوى محمي