أصبحت الهواتف الذكية في الفترة الأخيرة أكثر من مجرد وسيلة للاتصال، حيث تحولت إلى منصات قوية قادرة على تشغيل نماذج ذكاء اصطناعي توليدي، ما يُمثّل تحولاً جذرياً في آلية عملها من الاعتماد التقليدي على معالجة مهام الذكاء الاصطناعي التوليدي في السحابة إلى استخدام الهاتف نفسه، فوفقاً لتقرير توقعات شركة الخدمات المهنية ديلويت غلوبال (Deloitte Global)، فإنه من المتوقع أن تكون أكثر من 30% من الهواتف الذكية كلّها التي شُحِنت بحلول نهاية عام 2025 مُجهزة بقدرات الذكاء الاصطناعي التوليدي.
علاوة على ذلك، فإن اتجاه المستهلك إلى شراء أحدث الهواتف الذكية وأكثرها تطوراً من المتوقع أن يؤدي إلى تحفيز دورة جديدة من ترقيات الهواتف الذكية، حيث من المتوقع أن تتجاوز شحنات الهواتف الذكية التي تدعم نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي 400 مليون وحدة بنهاية هذا العام، وهو ما يمثّل نحو ثُلث (30%) من إجمالي سوق الهواتف الذكية الذي يُعدّ زيادة كبيرة مقارنة بعام 2024 الذي بلغت فيه نسبتها 20% فقط وفقاً لتقرير شركة الأبحاث كاونتر بوينت (Counterpoint Research).
ماذا يعني تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي على الهواتف الذكية؟
تفتح القدرة المتزايدة على تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي محلياً على الهواتف الذكية فرصاً واسعة لتحسين الإنتاجية وتعزيزها، ما يشير إلى مستقبل لا تكون فيه الهواتف الذكية ذكية فحسب، بل أكثر ذكاءً وقادرة على فهم احتياجات المستخدم والاستجابة لها بطرق أكثر سهولة وشخصية.
فمن خلال دمج نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي المدعومة بتكنولوجيا معالجة اللغة الطبيعية مباشرة في مكونات الهاتف الذكي بدلاً من الاعتماد على تشغيلها عبر الخوادم السحابية، يمكن للمستخدم أن يحصل على الكثير من الفوائد، أهمها الانخفاض الكبير في معدل زمن الوصول من خلال معالجة البيانات محلياً، ما يُؤدي إلى استجابة شبه فورية، وهو أمر بالغ الأهمية لتطبيقات مثل أجراس الأبواب الذكية التي تحتاج إلى التعرف الفوري إلى الزوار.
بالإضافة إلى ضمان حماية الخصوصية، فعند معالجة البيانات الحساسة الشخصية مباشرة على الهاتف، يتم تجنب المخاطر المرتبطة باحتمالية اختراق البيانات. علاوة على ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي المدمج في الهاتف أن يؤدي إلى توفير التكاليف، من خلال تحويل عبء المعالجة إلى الهاتف بدلاً من السحابة، خاصة للتطبيقات التي تنطوي على حجم كبير من معالجة الذكاء الاصطناعي، حيث يمكن أن تصبح التكاليف التراكمية للاشتراك في السحابة كبيرة.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن لنماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي المدمجة في الهواتف الذكية أن تعزّز بشكلٍ كبير إمكانية الوصول للمستخدمين أصحاب الإعاقة. على سبيل المثال، يمكن أن توفّر ميزة نسخ الصوت والتلخيص مساعدة قيمة للمستخدمين الذين يعانون ضعف السمع، كما قد تجعل ميزة التحكم الصوتي والتشغيل دون استخدام اليدين الهواتف الذكية أكثر قابلية للاستخدام للأفراد أصحاب الإعاقات الحركية.
اقرأ أيضاً: هل يحل الذكاء الاصطناعي التوليدي محل محركات البحث في توجيه المستخدمين إلى الأخبار؟
كيفية تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي على الهواتف الذكية
يمكن تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي عبر الهواتف الذكاء الاصطناعي بطريقتين أساسيتين هما:
أولاً: النماذج المدمجة مسبقاً في أنظمة تشغيل الهواتف الذكية
بالنسبة لمستخدمي نظام التشغيل أندرويد، فإن المتاح حالياً نموذج واحد وهو نموذج جيميناي نانو (Gemini Nano)، ويتوفر في عدد محدود من الهواتف الرائدة هي هاتف بيكسل 8 (Pixel 8) والإصدارات الأحدث وسلسلة هواتف جالاكسي إس 24 (Galaxy S24)، بالإضافة إلى سلسلة هواتف شاومي 14 تي (Xiaomi 14T) وهاتف موتورولا إيدج 50 ألترا (Motorola Edge 50 Ultra) وهاتف ريلمي جي تي 6 (Realme GT 6).
وبالنسبة لمستخدمي نظام التشغيل آي أو إس (iOS) فإن ميزات الذكاء الاصطناعي التوليدي متوفرة في نظام ذكاء آبل (Apple Intelligence) الذي يعمل فقط في إصدارات هواتف آيفون 15 برو (iPhone 15 Pro) وآيفون 15 برو ماكس (iPhone 15 Pro Max) وسلسلة هواتف آيفون 16 (iPhone 16).
ثانياً: استخدام تطبيقات مخصصة مصممة لتشغيل النماذج محلياً
توجد عدة طرق يمكن استخدامها لتنزيل نموذج ذكاء اصطناعي توليدي على هاتفك، حيث يمكنك تنزيل تطبيق إم إل سي تشات (MLCChat) أو تطبيق بوكيت بال أيه آي (PocketPal AI) من متاجر التطبيقات، ثم استخدامها لتنزيل أحد نماذج الذكاء الاصطناعي على هاتفك، مثل سلسلة نماذج لاما (Llama) أو كوين-2.5 (Qwen-2.5).
تجدر الإشارة إلى أن معظم نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي التي يمكن تشغيلها في الهواتف الذكية هي نماذج مفتوحة المصدر وتُنشر في منصة هاغينغ فيس (Hugging Face) وتوفّر طرقاً متنوعة للاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعي التوليدي مباشرة على هاتفك الذكي والقيام بالوظائف دون الاتصال بالإنترنت.
اقرأ أيضاً: استكشف أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي وطريقة استخدامها
هل ينبغي لك شراء أحد الهواتف الذكية الداعمة للذكاء الاصطناعي التوليدي؟
بالنظر إلى العدد المحدود من أنواع الهواتف الذكية التي تدعم تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي محلياً، فإن خيارات المستخدم على الأقل في المستقبل القريب ستكون محدودة للعديد من العوامل أهمها:
- التكلفة المالية المبدئية العالية المطلوبة لشرائها، حيث يبدأ سعرها من ألف دولار فأعلى، بالإضافة إلى عدم وضوح الرؤية حتى الآن في إمكانية الاستمرار في استخدام الوظائف، فقد تفرض العديد من الشركات لاحقاً رسوماً للوصول إلى الميزات الأكثر تقدماً.
- العلامات التجارية البارزة التي توفّر هواتف داعمة لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي ما زالت تستكشف هذا التوجه الجديد وتحاول إيجاد حلول أكثر كفاءة لبعض التحديات، مثل استنزاف طاقة البطارية وتحسين أنظمة إدارة الحرارة.
- بالنسبة لمستخدمي هواتف آيفون، فإن وظائف نظام ذكاء آبل لا تزال تواجه العديد من الانتقادات، إذ لا تزال شركة آبل غير مستعدة بالكامل لإطلاق الوظائف الكاملة لنظامها، ومن ثَمَّ فإن خيار شراء أحد الهواتف الداعمة للذكاء الاصطناعي التوليدي قد يكون خياراً غير جيد لبعض المستخدمين.
- لا تزال إصدارات الويب المجانية من نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي تتطور بشكلٍ سريع وتوفّر خيارات أكثر فاعلية، ما قد يجعل إنفاق مبلغ كبير على هاتف ذكي يدعم التكنولوجيا خياراً أقل جاذبية لبعض المستخدمين في الوقت الراهن.
اقرأ أيضاً: الإمارات تُطلق دليل استخدامات الذكاء الاصطناعي التوليدي
ومع ذلك، لا يزال شراء أحد هواتف الذكاء الاصطناعي التوليدي قراراً ذكياً، خاصة إذا كان بإمكانك تحمل تكلفة السعر وتُقدِر التكنولوجيا المتطورة، حيث ستحصل على العديد الفوائد منها:
- التخصيص المحسن: توفّر هواتف الذكاء الاصطناعي التوليدي ميزات أكثر تقدماً وتجارب مستخدم مُخصصة، مثل الأدوات المُخصصة والجدولة التنبؤية والواجهات التكيفية القائمة على التفضيلات والسلوكيات الفردية، ما يجعل الهاتف أكثر فهماً لاحتياجاتك.
- تعزيز الإنتاجية: إذا كنت تستخدم هاتفك في بعض المهام المهنية، فإن وظائف أتمتة المهام المدمجة مثل تدوين الملاحظات وكتابة رسائل البريد الإلكتروني قد تحسّن إنتاجيتك بشكلٍ كبير وتقلّل العبء المعرفي اللازم للقيام بهذه المهام.
- الحصول على أدوات إبداعية: يُتيح الذكاء الاصطناعي التوليدي المدمج في الهاتف الذكي العديد من الأدوات الإبداعية التي كانت متوفرة حصرياً عبر الويب، مثل وظائف متقدمة لإنشاء الصور والفيديو وتحريرها وتأليف الموسيقى مباشرة والترجمة الفورية وغيرها.
- الحفاظ على الخصوصية: من خلال معالجة المهام على الهاتف يمكنك الحفاظ على خصوصيتك، خاصة عند القيام بتحميل بعض المعلومات الشخصية الحساسة، مثل تحرير الصور العائلية، ما يقلل التعرض لمخاطر أمنية محتملة مرتبطة بالأنظمة السحابية.
- تحسين الأداء والاستجابة: تُلغي المعالجة على الهاتف الحاجة إلى إرسال البيانات إلى السحابة، ما يقلّل زمن الوصول ويُمكّن من استجابات أسرع للوظائف، مثل تحرير الصور ونسخ الصوت والترجمة الفورية.
- تقليل الاعتماد على الاتصال بالإنترنت: تُتيح الإمكانات في وضع عدم الاتصال بالإنترنت للمستخدمين الاستفادة من ميزات الذكاء الاصطناعي التوليدي دون الحاجة إلى اتصال إنترنت مستقر، ما يحسّن إمكانية الوصول في المناطق ذات الاتصال المحدود.