عندما يتعلق الأمر بتغير المناخ، فإن الأخبار خلال السنوات الأخيرة كانت سلبية غالباً؛ حيث توجد مؤشرات مستمرة حول تزايد انبعاث غازات الدفيئة، خصوصاً غاز ثاني أكسيد الكربون، التي تلعب دوراً في رفع درجة حرارة الكوكب وتعزيز ظاهرة الاحتباس الحراري وما ينتج عنها من آثارٍ قد تكون كارثية على التوازن البيئيّ على الكوكب.
وفيما يتعلق بالاحتباس الحراري، فإن أكثر الظواهر المثيرة للقلق التي يقوم العلماء بتسجيلها هي ذوبان الصفائح الجليدية في القطبين الشمالي والجنوبي. وبالرّغم من أن الصفائح الجليدية تذوب بشكلٍ مستمر في المحيطات، إلا أن الهطول الثلجي في الفصول اللاحقة يعوّض الخسارة الحاصلة نتيجة الذوبان في المحيط. مع الأسف، لم تعد هذه هي الحال مع الأنهار الجليدية في جزيرة جرينلاند القريبة من منطقة القطب الشمالي؛ إذ يبدو أن الذوبان قد وصل لنقطة اللاعودة.
في دراسة جديدة لمجموعة من الباحثين في جامعة ولاية أوهايو بالولايات المتحدة الأمريكية، ظهرت لنا نتائج مقلقة للغاية فيما يتعلق بالأنهار الجليدية في جرينلاند: وهي أنه حتى لو توقف الاحتباس الحراريّ في هذه اللحظة، فلن تتوقف الأنهار الجليدية في جرينلاند عن الانكماش والذوبان، وقد تصل إلى النقطة التي تذوب فيها بالكامل.
تم التوصل لهذه النتائج اعتماداً على البيانات التي وفرتها صور الأقمار الصناعية لحوالي 200 نهر جليدي في جرينلاند تصب جميعها في المحيط الأطلسي، وقد تبين للباحثين بعد تحليل البيانات أنه خلال فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي بلغت نسبة خسارة الثلج السنوية حوالي 450 مليار طن، إلا أن هذه الخسارة كانت تعوّض عبر الهطولات الثلجية، وبذلك فإن هذه الأنهار الجليدية بقيت بحالة توازن واستقرار، إلا أن الأمر أصبح مختلفاً بشكلٍ كبير ابتداءً من سنة 2000؛ حيث أصبحت خسارة الأنهار الجليدية السنوية تعادل حوالي 500 مليار طن من الثلج، ودون أن يحدث تزايد في مستوى الهطول الثلجي، أي أن هنالك كمية من الثلج يتم خسارتها وتذوب كلياً في مياه المحيط دون أن يتم تعويضها. بهذه الصورة، بيّنت الدراسة الجديدة أنه قبل سنة 2000 كانت نسبة خسارة أو اكتساب ثلج إضافي في الصفيحة الجليدية في جرينلاند متساوية، أما الآن -وبالنظر للاتجاه المناخي الحالي- فإن التقديرات تشير إلى أن الصفيحة الجليدية في جرينلاند ستكتسب ثلجاً أكثر من الذي تخسره مرة كل 100 عام.
ما يجعل الوضع الحاليّ سيئاً بشكلٍ كبير هو أن التقديرات التي توصل إليها العلماء تشير إلى أن ذوبان الأنهار الجليدية قد وصل إلى النقطة التي أصبح عندها يهدد استقرار كامل الصفيحة الجليدية في جرينلاند، ومن المرجح أن يستمر ذوبان الأنهار الجليدية وتراجعها حتى تصبح مياهاً بالكامل، وذلك حتى لو توقفت انبعاثات غازات الدفيئة كلها الآن. ومع الأسف، هذه ليست الحال؛ إذ لا يبدو أن انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري في طريقها إلى الزوال قبل عشرات السنين.
يعتبر تراجع وذوبان الغطاء الثلجيّ في جرينلاند أزمةً كبيرة من شأنها تهديد الاستقرار البيئيّ، فضلاً عن مساهمة الثلج الذائب من جرينلاند في رفع مستوى المحيطات بشكلٍ مستمر. ومع تسارع ذوبان الأنهار الجليدية وتهديد استقرار الصفيحة الجليدية في جرينلاند، فإن هذا يعني أن مستوى مياه المحيطات سيرتفع بمعدلٍ أعلى، وهو الأمر الذي من شأنه تهديد مدن ومناطق ساحلية كثيرة حول العالم.
تم نشر نتائج الدراسة الجديدة ضمن ورقة بحثية في مجلة نيتشر تحت عنوان: خسارة ديناميكية للثلج في الصفيحة الجليدية في جرينلاند نتيجة الانكماش المستمر للأنهار الجليدية (Dynamic Ice loss from Greenland Ice Sheet by sustained glacier retreat).