نظرية التحكم الآلي: كيف يمكن لمبدأ هندسي مساعدتنا في مكافحة جائحة كورونا؟

9 دقائق
مصدر الصورة: شاترستوك

يبدو أن الأمور قد بدأت تأخذ شكلاً مستقراً أكثر فيما يتعلق بجائحة فيروس كورونا المستجد؛ حيث تُظهر معدلات الإصابة في الكثير من البلدان أن إستراتيجية تسطيح المنحنى عبر إجراءات الابتعاد الاجتماعي والحجر الصحي يمكنها تخفيض نسب الإصابة بشكلٍ كبير، وتخفيف الأعباء الصحية التي تنتج عن تفشي المرض بين السكان، خصوصاً أن عامل التكاثر الأساسيّ الخاص بالفيروس قد تناقص بالفعل في الكثير من البلدان.

وفي ظل هذا الوضع، بدأت الكثير من البلدان بتخفيف قيود الحجر الصحيّ والإجراءات الصارمة الهادفة لمنع الاحتكاك بين السكان؛ وذلك من أجل تنشيط عجلة الاقتصاد من جديد وتلافي سيناريوهات كارثية مرتبطة بركود الاقتصاد واضطرار الشركات لتسريح عشرات آلاف الموظفين. تشير الأرقام في بعض البلدان مثل الولايات المتحدة الأميركية إلى أمورٍ سيئةٍ جداً، فقد أصبح عدد الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم أكثر من 30 مليون شخص، وفي ألمانيا تم تطبيق إجراءات تخفيض عدد ساعات العمل للعديد من الموظفين.

ما بين الحاجة لحماية الاقتصاد والحاجة لحماية صحة السكان وعدم تحوّل جائحة فيروس كورونا لكارثةٍ متعددة الجوانب، يبرز السؤال الهام: كيف يمكن لنا أن نتعايش مع الوضع الحاليّ؟ كيف يمكن لنا أن نضمن عدم تهديد الفيروس لصحة الأفراد وبنفس الوقت عدم تهديد مصدر دخلهم ورزقهم؟ الأمر يحتاج لوضع إستراتيجية طويلة الأمد تضمن للدول والمجتمعات آليةً مرنة تكفل التحكم بهذه العوامل جميعها.

يمكننا إذن تلخيص المشكلة بضرورة وجود آلية تحكم فعالة يمكن عبرها ضبط الوضع على أفضل نحوٍ ممكن، ولحسن الحظ، فإن هنالك مجالاً هندسياً كاملاً يعرف باسم نظرية التحكم الآلي Control Theory، التي يدرسها طلاب الهندسة التقنية ويستخدمها المطورون من أجل معرفة كيفية استجابة الأنظمة والأجهزة التي يقومون بتصميمها. لماذا لا نستفيد من الدروس التي توفرها لنا نظرية التحكم الآلي ونحاول تطبيقها على المجال الصحيّ؟

حول نظرية التحكم الآلي 

يستخدم مصطلح التحكم الآلي وأنظمة التحكم في الهندسة للإشارة إلى المجال العلمي المعني بكيفية التحكم في العمليات الديناميكية التي يتغير سلوكها مع الزمن. عندما نمتلك آلة أو جهازاً أو حتى عملية معينة تتصف بأنها ذات سلوك متغير، فإن هذا يستوجب وجود آلية لضبط سلوك هذه العملية بما يضمن لنا الحصول على الخرج المطلوب، وبما يضمن أيضاً أن يكون هذا الخرج مستقراً. لهذا السبب، فإن أبسط طريقة لتمثيل نظام تحكم هي عبر توصيفه باستخدام مخططٍ بسيط يمتلك دخلاً يمثل الاستجابة أو الخرج الذي نريد الحصول عليه، ومن متحكمٍ وظيفته توليد إشارة (أو إجرائية) تتحكم في العملية التي نهدف إلى ضبط سلوكها، وأخيراً هناك الخرج، أي النتيجة النهائية لعمل نظام التحكم الخاص بنا. هذا الأمر يمكن تمثيله ببساطة باستخدام المخطط البسيط التالي:

يمكننا فهم النظام السابق ببساطة عبر مثال التحكم في درجة حرارة الغرفة: لنقل إننا نريد ضبط درجة الحرارة على 25 مئوية؛ سنكون في حاجة إلى متحكمٍ إلكترونيّ نقوم عبره بإدخال القيمة المطلوبة، ومن ثم سيقوم بتوليد أمر لجهاز التكييف (أي العملية المطلوب التحكم فيها)، الذي بدوره سيقوم بتوليد هواء بدرجة حرارة 25 مئوية، وبهذه الحاجة فإن خرج نظام التحكم هو الهواء الخارج من جهاز التكييف. هذا المخطط السابق (والمثال المرفق به حول التحكم في الحرارة) يمثل نموذجاً لما يُعرف بأنظمة الحلقة المفتوحة (Open-loop System)، التي تأخذ فيها الإشارات اتجاهاً واحداً بدءاً من الدخل وحتى الخرج.

ولكن هل يكفي ضبط درجة حرارة الغرفة عبر الهواء الخارج فقط من جهاز التكييف؟ لنفرض أننا نفتح النوافذ بشكلٍ متكرر للتهوية وكانت درجة الحرارة الخارجية مرتفعة أكثر، فهذا سيؤدي لنشوء تبادل حراري ورفع درجة حرارة الغرفة لأكثر من 25 مئوية، بالرغم من عمل جهاز التكييف. كيف سنضمن أن درجة الحرارة -بحالة فتح النافذة- ستبقى مضبوطة على القيمة التي نريدها؟

ببساطة نستطيع استخدام حساس حرارة (أو شبكة حساسات) موجودة ضمن الغرفة، نستطيع عبرها معرفة درجة الحرارة الفعلية في كل الظروف، وبناءً على هذه القيمة نقوم بتوليف (ضبط) عمل المتحكم الذي سيرسل إشارات مختلفة لجهاز التكييف (العملية) بحسب قيمة درجة الحرارة الحالية في الغرفة؛ فعندما ترتفع درجة الحرارة نتيجة مؤثرٍ خارجيّ سيتم تخفيض درجة حرارة هواء جهاز التكييف، وهكذا حتى تصل درجة حرارة الغرفة للقيمة المطلوبة، ومن ثم يتم إعادة ضبطها. نفس الأمر يمكن تطبيقه إذا انخفضت درجة حرارة الغرفة دون القيمة المطلوبة. هكذا ستؤمن لنا الحساسات وسيلةً لمراقبة الأداء الحقيقي لجهاز التكييف وقدرته الفعلية على ضبط درجة الحرارة عند 25 مئوية، وبدلاً من توليده هواء بدرجة حرارة ثابتة طوال الوقت، فإن عمل جهاز التكييف سيكون "ديناميكياً" ويستجيب للمتغيرات المختلفة التي تحدث في الغرفة.

نظام مثل هذا يمكن تمثيله ببساطة عبر مخططٍ صندوقيّ كما يلي:

ما الجديد في المخطط السابق؟ أولاً سنجد أن هنالك إشارة جديدة تدعى "خطأ الاستجابة"، التي تمثل الفرق بين الخرج المُقاس عبر الحساس (أي إشارة التغذية الراجعة) وبين الدخل، أي درجة الحرارة المطلوب الوصول إليها.

لنفترض أن درجة حرارة الغرفة كانت 27 مئوية عند بدء عمل نظام التكييف، بينما يشير الدخل إلى أننا نريد الوصول إلى 25 درجة مئوية، هكذا عبر استخدام الحساس وإشارة التغذية الراجعة التي يقوم بتوليدها سنستطيع حساب الفرق بين الدخل المطلوب والخرج الفعليّ، أي الخطأ، وهو بحالتنا هذه درجتين مئويتين. هذه الإشارة ستخبر المتحكم بأنه يجب خفض درجة حرارة هواء جهاز التكييف أو زيادة كثافة الهواء الخارج منه أو حتى إنجاز العمليتين سويةً، وبعد ذلك سيتم مرة أخرى قياس درجة حرارة الغرفة ومقارنتها مع القيمة المطلوب تحقيقها، وبناءً على ذلك يتم توليد إشارة التحكم في نظام التكييف. هكذا وبهذه الصورة، سنمتلك وسيلة فعالة من أجل ضبط درجة الحرارة في الغرفة بحيث تكون قادرة على التفاعل مع المتغيرات المختلفة التي قد تحدث.

تُدعى الأنظمة السابقة بأنظمة الحلقة المغلقة (Closed-Loop Systems)، ومبدأ عملها هو القياس المستمر لخرج نظام التحكم عبر إشارة التغذية الراجعة (أو الخلفية) (Feedback Signal) التي تتيح لنا معرفة أداء النظام وضبط عمله باستمرار حتى الوصول للخرج المطلوب. 

نظرية التحكم وفيروس كورونا

لنعد لواقعنا الحاليّ والمشاكل المرتبطة بفيروس كورونا. نحتاج الآن إلى وسيلةً فعالة تضمن لنا التحكم في العديد من المتغيرات الديناميكية المرتبطة بالمرحلة المقبلة، أي مرحلة عودة دوران عجلة الاقتصاد ومرحلة ما بعد استيعاب التفشي الأولي للمرض. من المتفق عليه أن من المستحيل عودة الحياة لشكلها كما كانت عليه قبل تفشي الفيروس، طالما أننا لا نمتلك وسائل علاجية فعالة تقي ضده، وهنا نعني إما لقاحاً أو دواءً، وأفضل التقديرات تشير إلى أننا سنضطر للانتظار حتى نهاية العام الحاليّ أو بداية العام المقبل قبل توفر لقاح، وقد نضطر للانتظار سنوات طويلة، وقد لا نحصل على أي لقاح على الإطلاق.

على ضوء هذه المعطيات، أي عدم توفر وسائل علاجية دوائية تسمح بمكافحة الفيروس بالوقت الحاليّ وحتى نهاية العام الحاليّ، فإن الوسيلة الوحيدة التي نستطيع استخدامها بشكلٍ فعال هي الابتعاد الاجتماعي، بما يؤدي لإبقاء عامل التكاثر الأساسيّ أقل من الواحد، والذي سينعكس بدوره على ضبط سعة المستشفيات ونظام الرعاية الصحية، بحيث لا يحدث تفشٍّ كبير ويرتفع معدل الإصابات مرة أخرى بشكلٍ أسيّ، مما قد يؤدي إلى انهيار نظام الرعاية الصحية وحصول وفيات كثيرة. ماذا عن عودة النشاط الاقتصادي؟ هذا الأمر يتطلب تخفيف قيود الابتعاد الاجتماعي وتواصلاً أكثر بين الأفراد، وبالتالي فإن هذا الأمر ينطوي على خطورة تتمثل في عودة تفشي المرض. 

لو نظرنا للوضع الحاليّ بصورةٍ أوسع لوجدنا أننا أمام مشكلة يمكن استخدام مبادئ نظرية التحكم الهندسية لمعالجتها؛ فهنالك هدف نريد تحقيقه قد يختلف عن الواقع الفعليّ، وهنالك الوسائل المُتاحة لدينا حالياً مثل الابتعاد الاجتماعيّ وقيود الحجر الصحيّ على أنواعها ودرجاتها وأشكالها، وهنالك طرق تتيح لنا معرفة مدى ابتعاد الواقع الحاليّ عن الهدف المنشود. هنا نجد أنفسنا مرةً أخرى أمام مُصطلحات نظرية التحكم، ولنحاول تمثيل الهدف السابق باستخدامها: الهدف المطلوب تحقيقه هو عودة النشاط الاقتصادي بشكلٍ لا يؤدي لتفشي المرض على نطاقٍ واسع بما يُرهق نظام الرعاية الصحية، وهو يمثل دخل نظام التحكم (الاستجابة). الواقع الفعليّ من عدد الإصابات وواقع الاقتصاد يمثل خرج نظام التحكم.

كل هذا لا يكفي؛ فمن دون وجود إشارة تغذية راجعة تخبرنا عن الفرق بين الواقع الفعليّ وبين الهدف المطلوب إنجازه لن يكون بإمكان نظام التحكم أن يوفر استجابة ديناميكية. علينا تذكر أمر هام: الوضع الحالي متغير بشكلٍ كبير جداً تبعاً للعديد من العوامل، سواء كان الحديث هو عن الضرر الاقتصاديّ الناتج عن الفيروس أو عن تفشي الفيروس نفسه، ومن وجهة نظر التحكم الآلي فإننا أمام نظام معقد يتطلب وجود طرق قياس تخبرنا عن حالته الحالية بشكلٍ دقيق لنكون قادرين على التخطيط للخطوات المستقبلية بأعلى دقةٍ ممكنة. بمعنى آخر، وجود طريقة مستمرة تخبرنا عن حالة المجتمع ككل (اقتصادياً وصحياً) هو أمرٌ ضروريّ ولا غنى عنه بالمرحلة الحالية، ولا غنى عنه بأي خطة إستراتيجية تهدف لضبط الوضع من النواحي الاقتصادية والصحية بأعلى كفاءة ممكنة.

لو نظرنا للخطوات التي تم تنفيذها في بعض الدول قبل البدء بمرحلة تخفيف قيود الابتعاد الاجتماعي، لوجدنا مثالاً جيداً عن نظام تحكم يتم فيه الاعتماد على القياس المستمر للوضع الحاليّ بهدف اتخاذ قرار يتعلق بالإجراء المقبل. فمن دون إجراء تحاليل وفحوصات بشكلٍ مستمر ومن دون تحديد قيمة عامل التكاثر الأساسيّ لن يكون بالإمكان معرفة جدوى الإجراءات التي تم تطبيقها، وبالتالي فإن أي إجراء مستقبليّ سيتم اتخاذه يتطلب أيضاً إجراءً مستمراً للفحوصات والتحاليل (أي توليد إشارة تغذية راجعة) لنكون قادرين على معرفة الوضع الحالي باستمرار وضبط الإجراءات المجتمعية بما يتناسب مع هذا الوضع الجديد.

للتدليل أكثر على أهمية الاستعانة واللجوء لإجراءات ومفاهيم التحكم الآليّ في الإستراتيجيات المستقبلية الهادفة لإيجاد أفضل صيغة تضمن الحفاظ على صحة أفراد المجتمع من دون تهديد الاقتصاد، قام مجموعة من الباحثين هم جريج ستيوارت Greg Stewart وكلاسكه فان هويسدن Klaske van Heusden وجاي دومونت Guy Dumont من جامعة بريتيش كولومبيا في كندا بإجراء محاكاة للعديد من السيناريوهات المستقبلية التي تظهر أثر السياسات المختلفة وانعكاساتها على الوضع الصحيّ العام. تم إجراء المحاكاة بالاعتماد على نموذجٍ قام بتطويره جيفري كانتور، وهو أستاذ الهندسة الكيميائية في جامعة نوتردام (النموذج متوفر على منصة جيت هاب GitHub)، وتم نشر تقرير مطول على مجلة IEEE Spectrum يعرض المحاكاة وتفاصيلها ونتائجها. خلال هذه المحاكاة، تم دراسة العلاقة بين الإجراءات المختلفة التي يتم تطبيقها وأثرها ليس على عدد الإصابات، وإنما على عدد المرضى الذين يحتاجون لعنايةٍ مشددة وأثر ذلك على عدد أسِرّة العناية المشددة المتوفرة في المستشفيات، وتم مناقشة عدة حالات مختلفة بناءً على ذلك:

  • عدم تطبيق أي شيء:

    أي ترك الفيروس ينتشر بين أفراد المجتمع بكل حرية وإبقاء كل النشاطات الاقتصادية والحياتية كما هي. من المنصف القول بأننا نتفق اليوم على أن هذا السيناريو كان ليمثل كارثة على مختلف المقاييس؛ إذ إن عدد المرضى الذين سيحتاجون عنايةً مشددة سيفوق بكثير الطاقة الاستيعابية لدى المستشفيات.

    عدم تطبيق أي إجراءات سيرفع عدد مرضى العناية المشددة بشكلٍ يفوق طاقة المستشفيات.
    مصدر الصورة: جريج ستيوارت، وكلاسكه فان هويسدن وجاي دومونت من جامعة بريتيش كولومبيا، نقلاً عن موقع IEEE Spectrum
  • تطبيق قيود الحجر الصحي ورفعها:

    أظهرت النتائج أن رفع قيود الحجر الصحيّ بشكلٍ مفاجئ وعلى نطاقٍ واسع سيؤدي لموجة تفشٍّ ثانية للفيروس وبارتفاعٍ أسيّ ضخم في عدد مرضى العناية المشددة الذي قد يكون أكبر بكثير من موجة التفشي الأولى.

    رفع القيود الصحية بشكلٍ كامل قد يؤدي لموجة تفشي ثانية للفيروس أسوأ من الموجة الأولى.
    مصدر الصورة: جريج ستيوارت، وكلاسكه فان هويسدن وجاي دومونت من جامعة بريتيش كولومبيا، نقلاً عن موقع IEEE Spectrum
  • التطبيق والإلغاء المتكرر لقيود الحجر الصحي:

    من الأفكار التي يتم مناقشتها حالياً هي عودة تطبيق قيود الحجر الصحيّ عندما ترتفع أعداد الإصابات من جديد، وهو أمرٌ منطقيّ ولكنه خطرٌ إن لم يتم تطبيقه بشكلٍ فعال. أولاً، تظهر نتائج المحاكاة أن هذه السياسة ستؤدي لقيم حدية متباينة لعامل التكاثر الأساسيّ، ما يعني ارتفاع أعداد الإصابات وانخفاضها بشكلٍ كبير خلال فترةٍ قصيرة وبشكلٍ متكرر، وهو ما بدوره سيؤدي إلى نشوء حالة من التململ لدى أفراد الاجتماع من التغيرات الكبيرة التي يضطرون لإجرائها على حياتهم.

    تطبيق وإلغاء قيود الحجر الصحيّ بشكلٍ متكرر واسع النطاق سيؤدي لإرهاق الأفراد وأنظمة الرعاية الصحية.
    مصدر الصورة: جريج ستيوارت، وكلاسكه فان هويسدن وجاي دومونت من جامعة بريتيش كولومبيا، نقلاً عن موقع IEEE Spectrum
  • التطبيق المتحكم فيه لقيود الحجر الصحي:

    بدلاً من تطبيق وإلغاء قيود الحجر الصحيّ الصارمة بشكلٍ دوريّ، يمكن البدء بتطبيق صارم وشامل حتى الوصول لحالة يكون فيها عامل التكاثر الأساسيّ منخفضاً بالتوازي مع سعة جيدة لنظام الرعاية الصحية، وبعد ذلك يتم البدء بإجراءات تخفيف قيود الحجر الصحيّ بشكلٍ تدريجيّ وعلى شكل خطوات، مع القياس المستمر لنتيجة كل إجراء والتأكد من أنه لن يؤدي لتفشي المرض من جديد، وإذا أدى تطبيق خطوة ما إلى رفع معدلات الإصابة من جديد يمكن التراجع عنها؛ وذلك من حتى تصل معدلات الإصابة إلى قيمةٍ تتوازى مع سعة جيدة للمستشفيات.
    بمعنى آخر، هذا السيناريو يماثل نظام تحكم آلي يتم عبره استخدام التغذية الراجعة على نطاقٍ واسع لمعرفة الوضع الحاليّ بشكلٍ دقيق والذي يعمل على ضبط الوضع عبر إجراءاتٍ صغيرة بدلاً من خطواتٍ راديكالية ستحدث اهتزازات كبيرة في المجتمع ككل وتؤثر على استقراره. أظهرت نتائج المحاكاة لهذه الحالة أن عدد مرضى العناية المشددة سيرتفع بشكلٍ كبير في بداية تفشي الفيروس ولكنه سينخفض بشكلٍ ملحوظ مع مرور الوقت، ولا يتجاوز بعد ذلك الحد الأعظمي لسعة نظام الرعاية الصحية.

    تطبيق مبدأ التغذية الراجعة عبر فرض قيود الحجر الصحيّ بشكلٍ خطوي ومتدرج سيؤدي للحفاظ على طاقة المستشفيات الاستيعابية حتى لو لم ينخفض عامل التكاثر الأساسيّ.
    مصدر الصورة: جريج ستيوارت، وكلاسكه فان هويسدن وجاي دومونت من جامعة بريتيش كولومبيا، نقلاً عن موقع IEEE Spectrum

بهذه الصورة، فإن أفضل إستراتيجية يمكن اللجوء لها حالياً هي الاعتماد على إجراءات يمكن قياس أثرها باستمرار، بما يضمن عدم حدوث تغيرات جذرية وراديكالية قد تعيدنا لنقطة الصفر، وهذا الأمر بدوره ينعكس على تعافي الاقتصاد من الركود الذي أصابه في ظل أشهر الحجر الصحي؛ فإنْ عاد النشاط الاقتصادي بشكلٍ مفاجئ وحدثت موجة انتشار ثانية، فإن الآثار السلبية الناجمة عن ذلك قد تكون أسوأ من الآثار التي سبق وأن سببتها موجة الانتشار الأولى.

النمو الاقتصاديّ حساس جداً لأحداثٍ مفاجئة ذات أثر كبير مثل تفشي فيروس كورونا، ولذلك يجب ضمان عدم حدوث هزات اقتصادية جديدة، وهذا قابل للتطبيق عبر التحكم الدقيق في سلوك المجتمع وقياس حالته بشكلٍ مستمر والاعتماد على إجرائيات مدروسة يمكن التحكم في أثرها (السلبي والإيجابي).

المحتوى محمي