نظرة شاملة إلى الحكومة الرقمية: التفكير بشكل رقمي في كافة مكونات وأقسام الحكومات

4 دقائق
مصدر الصورة: شاترستوك

نشرة خاصة

لقد تغير الناس، فمتى تتغير الحكومات؟

انتقل العالم اليوم إلى حقبة رقمية غيرت من طريقة حياة وعمل الناس والشركات. يعيش مواليد الحقبة الرقمية المتآلفون مع هذه التقنيات (والذين يُطلق عليهم اسم البشر الرقميين) في عالم شديد الاتصال، وقد أصبح هناك معيار جديد لما يُعتبر طبيعياً لمن وُلدوا بعد العام 2000، وهذا المعيار مختلف جذرياً عن معايير الأجيال السابقة؛ حيث إن الأشياء التي كانت تعد ابتكارات جديدة منذ بضع سنوات أصبحت عادية حالياً، مثل تطبيقات الطلب الإلكتروني للسيارات، وإمكانية الوصول إلى المحتوى الرقمي عند الطلب، والوصول الفوري إلى الخدمات البنكية. يحمل البشر الرقميون مكتبة كاملة في أجهزة القراءة الرقمية، ويستخدمون محركات البحث للعثور على الإجابات. إن مواليد هذا العصر الجديد لا يفهمون الأساليب القديمة لفعل الأشياء، ويتصفون بقلة الصبر وسعيهم إلى الكمال.

لماذا يُعتبر هذا الأمر هاماً؟

إن الانعكاسات التي واجهتها الشركات التي فشلت في فهم تغيرات سلوك المستخدمين وقوة التكنولوجيا على مدى السنوات العشرين الماضية تقدم لنا بعض الإجابات. وسواء كنا نتحدث عن شركات كانت تتصدر الأسواق مثل موتورولا وبلاك بيري ونوكيا وكوداك، أو شركات إقليمية مثل بلوك باستر، فإننا سنجد نفس العبرة في المصير الأسود الذي انتهت إليه كل من هذه الشركات.

لقد فشلت هذه الشركات في مواكبة تغير زبائنها

من ناحية أخرى، فإن التركيز على الزبائن والابتكار كان الميزة الأهم للمنظمات التي حققت أداء مالياً ممتازاً. ووفقاً لفورستر، فإن المنظمات التي تُعتبر في صدارة تجربة المستهلك حققت معدل نمو مركب وسطي يساوي 17% بين 2010 و2015، في حين أن الشركات المتأخرة لم تحقق سوى 3% خلال نفس الفترة.

غالباً ما تُعتبر الحكومات في مصاف الجهات البطيئة فيما يتعلق بتحقيق توقعات الزبائن والتطور مع التوجهات الجديدة. ووفقاً لتقرير حديث من المنتدى الاقتصادي العالمي، فإن الحكومات هي "ديناصورات العصر الرقمي: بطيئة، ومتثاقلة، وعتيقة".

وفي استبيان أجرته شركة جارتنر، قال 91% من المشاركين من ستة بلدان أنهم ينتمون إلى المراحل الثلاثة الأولى من التحويل الرقمي (على مقياس من خمس مراحل)، يركز على التطوير وتقديم الخدمات الرقمية. كما وجد الاستبيان أيضاً أن 58% من المشاركين ليس لديهم مبادرات لتطوير الإمكانات من أجل المهارات المطلوبة للنجاح في العالم الرقمي.

إذا اعتمدنا على سياق الزمن المطلوب للشركات الناجحة حتى تنهار بعد تغيرات كبيرة في توجهات المستهلكين، فإن الحكومة التي تعمل بنفس أسلوب هذه الشركات ستقترب من الإفلاس بعد حوالي 10 - 12 سنة.

ما الذي يمنع الحكومات من تحقيق النجاح في التحول الرقمي؟

تبدأ الصعوبات بالظهور عند طرح السؤال "كيف"، وذلك بسبب تصميم وهيكلية الحكومات، التي تؤدي إلى عدة نتائج وتأثيرات. ففي الكثير من الحالات، اعتمدت الحكومات مقاربات مفككة وجزئية لتحقيق التحول الرقمي. ولهذا لم تستطع تحقيق النتائج المطلوبة بشكل مستدام على الرغم من الاستثمارات الكبيرة.

مقاربة شاملة للحكومة الرقمية

ولكن، إذا أردنا أن نستثمر التطورات التكنولوجية إلى أكبر درجة ممكنة لمساعدة الحكومات على تحقيق الغرض منها، يجب أن نتبنى مقاربة شاملة لرقمنة الحكومة. ولمساعدة الحكومة على تحقيق هذه المقاربة الشاملة، قمنا بتحديد ثلاث وجهات نظر، سنصطلح على تسميتها بالعدسات، بحيث ندرس الحكومات من عدة نواحي مختلفة.

تطبيق العدسات الثلاث من أجل المقاربة الشاملة.

العدسة الأولى: التفكير بشكل رقمي في مختلف ركائز الحكومة

تستكشف هذه العدسة كيف توزع الحكومات مواردها لأداء وظائفها الأساسية. وبغض النظر عن نوعية الحكومة، فإن أغلب البلدان توجد فيها ثلاث ركائز أو أفرع رئيسية، وهي التشريعي والتنفيذي والقضائي، وذلك لضمان حياة آمنة ومزدهرة وصحية وتلبي الطموحات للناس. 

إن تعزيز أحد هذه الأفرع بالتحول الرقمي من دون الأفرع الأخرى سيحد من الفوائد بالنسبة للجهات المؤثرة والمستفيدين. وعلى سبيل المثال، إذا استثمر الفرع التنفيذي في التحول الرقمي لكيفية تقديم الخدمات للزبائن، فقد توضع خطة رائعة لتحسين الخدمات باستخدام الهوية الرقمية للأفراد والشركات، ولكن إذا لم يقم الفرع التشريعي للحكومة بتعديل القوانين الموجودة مسبقاً لدعم التواقيع والمصادقة الإلكترونية، فسوف تفشل استثمارات الفرع التنفيذي في تحقيق وعودها.

 العدسة الثانية: التفكير بشكل رقمي في جميع تفاعلات الحكومة

تدرس العدسة الثانية الحكومة من وجهة نظر التفاعلات والتعاملات. وتهدف هذه المقاربة إلى ضمان التفكير في كل تفاعلات الحكومة وتصميمها بشكل رقمي، سواء مع الزبائن أو ضمن نظام الحكومة نفسها، مع الأخذ بعين الاعتبار وجود من لا يستطيعون استخدام التكنولوجيا الرقمية لسبب أو لآخر، والحرص على تأمين وسائل بديلة للتواصل والتفاعل والتعامل لهم، وتجنب الاستبعاد الرقمي.

العدسة الثالثة: التفكير بشكل رقمي في كامل التنظيم الحكومي

تدرس العدسة الثالثة المنظمة بأكملها، سواء من ناحية القنوات أو الخدمات أو العمليات الأساسية والداعمة أو طريقة إدارة وحوكمة المنظمة. ويهدف هذا إلى إحداث تحول رقمي شامل ومتزامن في جميع أجزاء الحكومة التي تعمل معاً لتقديم النتائج، سواء الخدمات المقدمة للمواطنين أو الشركات أو المنظمات الحكومية الأخرى، بدلاً من إحداث هذا التحول في كل جزء على حدة. إن تفكيك التنظيم الحكومي إلى كتل أساسية يمكن الحكومات من وضع خطة شاملة ومتماسكة فعلاً للتحول الرقمي. 

أفضل طريق نحو الأمام

ما أن يتم تطوير نظرة شاملة، يجب على متخذي القرار أن ينظروا إلى كل كتلة أساسية ويفكروا في بعض الأسئلة، مثل:

  • كيف يمكن أن نعيد صياغة نماذج التشغيل والعمليات والإجراءات ونقاط التفاعل عبر هذه الكتل بحيث تصبح جميعها مناسبة للحقبة الرقمية؟
  • ما التكنولوجيات التي يمكن تطبيقها على هذه الكتل؟
  • هل البنية والقدرات الحالية كافية لدعم التحول الرقمي؟

ستساعد هذه الأسئلة الحكومات على ضمان توافق الإستراتيجيات الرقمية مع أهدافها بشكل كامل، والحصول على نتائج ملموسة منها.

يجب على الحكومات أيضاً أن تقوم بتطوير بعض الأنظمة التمكينية الأساسية التي يمكن أن تساعد الناس والكيانات المسؤولة عن التغيير على تسريع تطبيق التحول الرقمي. وتتضمن هذه النظم تجهيزات تكنولوجية ملموسة ومعايير رقمية، إضافة إلى المهارات والهيكليات الرقمية الضرورية. أيضاً، يجب على الحكومات أن تقوم بوضع معايير وأنظمة حوكمة لمساعدة جميع الكيانات الحكومية على العمل بشكل متوافق، بحيث تتجنب الحاجة إلى إعادة العمل بالكامل في كل تحول رقمي.

المحتوى محمي