أينما نظرت عبر منصات التواصل الاجتماعي، أرى مستنسخات الذكاء الاصطناعي. على منصتي إكس ولينكد إن، يقدم "قادة الفكر" والشخصيات المؤثرة لمتابعيهم فرصة لطرح أسئلة على نسخهم الرقمية. يتيح صانعو المحتوى على منصة أونلي فانز (OnlyFans) لنماذج ذكاء اصطناعي من أنفسهم الدردشة مع المتابعين مقابل مبلغ من المال. وتفيد التقارير بأن مندوبي المبيعات من "البشر الافتراضيين" في الصين يتفوقون في مبيعاتهم على المندوبين من البشر الحقيقيين.
تجمع النسخ الرقمية -نماذج الذكاء الاصطناعي التي تحاكي شخصاً معيناً- في جنباتها بعض التقنيات التي كانت موجودة منذ فترة: نماذج فيديو فائقة الواقعية لتتناسب مع مظهرك، وأصوات نابضة بالحياة تعتمد على دقيقتين فقط من تسجيلات الكلام، وبوتات الدردشة التي نشهد قدراتها المتزايدة على جذب انتباهنا. ولكنها تقدم أيضاً شيئاً لا تستطيع بوتات الدردشة التفاعلية في العالم تقديمه: ذكاء اصطناعي ليس ذكياً بالمعنى العام، ولكنه "يفكر" مثلك.
اقرأ أيضاً: هل يمكن بناء نسخة رقمية منك من مقابلة مدتها ساعتان مع نظام ذكاء اصطناعي؟
لمن هذه النسخ الرقمية؟
تساعد شركة ديلفي الناشئة، التي جمعت مؤخراً 16 مليون دولار من ممولين من بينهم شركة أنثروبيك وشركة رأس المال المغامر بروكسيميتي فينتشر لصاحبتها الممثلة والمخرجة أوليفيا وايلد، المشاهير على إنشاء نسخ طبق الأصل منهم يمكنها التحدث إلى معجبيهم عبر الدردشة والمكالمات الصوتية. يبدو الأمر كما لو أن منصة ماستر كلاس (MasterClass) -وهي منصة للندوات التعليمية التي يقودها المشاهير- دخلت عصر الذكاء الاصطناعي. تذكر شركة ديلفي على موقعها الإلكتروني أن القادة المعاصرين "يمتلكون من المعرفة والحكمة ما قد يغير حياة الناس، لكن وقتهم محدود وإمكانية الوصول إليهم محدودة".
يضم موقع الشركة مكتبة من النسخ الرسمية التي أنشأتها شخصيات مشهورة يمكنك التحدث إليها. على سبيل المثال، قال لي آرنولد شوارزنيغر: "أنا هنا لأتحدث بجدية وأساعدك على أن تصبح أقوى وأكثر سعادة"، قبل أن يخبرني مبتهجاً أنني سجلت اشتراكي الآن لتلقي النشرة الإخبارية من منصة آرنولدز بامب كلاب (arnoldspumpclub.com). حتى لو كانت نسخه الرقمية أو نسخ المشاهير الآخرين الرقمية لا ترقى إلى رؤية ديلفي النبيلة في نشر "الحكمة الشخصية على نطاق واسع"، يبدو أنها على الأقل تمثل وسيلة للعثور على المعجبين أو بناء قوائم بريدية أو بيع المكملات الغذائية.
هل يمكننا أن نقتني نسختنا الرقمية الخاصة بنا؟
ولكن ماذا عن بقيتنا؟ هل يمكن للنسخ الرقمية المصممة بإتقان أن تكون بمثابة بديل لنا؟ من المؤكد أنني أشعر بالإرهاق خلال العمل أحياناً، وأتمنى لو كنت في مكانين في آن واحد، وأراهن أنك تشعر بذلك أيضاً. يمكنني أن أتخيل نسخة طبق الأصل تظهر في اجتماع افتراضي مع ممثل العلاقات العامة، ليس بهدف خداعه بأنه يتحدث إلي فعلاً، بل ببساطة لإجراء مكالمة قصيرة نيابة عني. وبهذا يمكنني العودة لاحقاً إلى النسخة المسجلة لهذه المكالمة لمعرفة كيف سارت الأمور.
لمعرفة ذلك، حاولت إنشاء نسخة رقمية. تتولى شركة تافوس، وهي خريجة برنامج تسريع الأعمال الذي تقدمه شركة واي كومبينيتور ونجحت العام الماضي في جمع 18 مليون دولار، بناء شخصية رمزية متحركة لك -مخصصة للفيديو- (تبدأ باقات الاشتراك من 59 دولاراً شهرياً) يمكن تدريبها لتعكس شخصيتك ويمكنها الانضمام إلى مكالمات الفيديو. تتمتع هذه النسخ الرقمية بـ "الذكاء العاطفي البشري، إلى جانب القدرات التي تتمتع بها الآلات"، وفقاً للشركة. لا يظهر "مساعد المراسل" على موقع الشركة على أنه إحدى حالات الاستخدام، ولكنه يذكر المعالجين ومساعدي الأطباء وغير ذلك من الأدوار التي يمكن أن تستفيد من نسخ الذكاء الاصطناعي.
فيما يخص عملية التهيئة التي أجرتها شركة تافوس، شغلت الكاميرا الخاصة بي، وقرأت نصاً لمساعدتها على تعلم صوتي (والذي كان بمثابة تنازل، حيث وافقت على إعارة صوري إلى الشركة)، وسجلت دقيقة واحدة لي وأنا جالس في صمت. وفي غضون ساعات قليلة، انتهت عملية إعداد شخصيتي الرمزية المتحركة. عندما التقيت بشخصيتي الرقمية، وجدت أنها تشبهني في المظهر وتتحدث مثلي (مع أنني كرهت أسنانها). لكن تزييف مظهري كان الجزء السهل، فقد تساءلت: هل يمكنها أن تتعلم ما يكفي عني وعن الموضوعات التي أتناولها لتكون بمثابة بديل لي بأقل قدر من المخاطرة بإحراجي؟
من خلال واجهة دردشة روبوتية مفيدة، شرحت لي تافوس كيفية بناء الشخصية التي امتلكتها نسختي الرقمية، وسألتني عما أريد من النسخة المطابقة لي أن تفعله. ثم ساعدتني على صياغة التعليمات التي أصبحت دليل تشغيلها، ورفعت عبر الواجهة ملفات لثلاثين مقالاً من مقالاتي التي يمكن أن توفر لها مرجعاً بشأن الموضوعات التي أغطيها. ربما كانت ستستفيد من الحصول على المزيد من المحتوى الخاص بي -مقابلات وملاحظات التقارير وما شابه- لكنني لن أشارك تلك البيانات أبداً لمجموعة من الأسباب، لعل أبرزها أن الأشخاص الآخرين الذين يظهرون فيها لم يوافقوا على استخدام جوانبهم من محادثاتنا لتدريب نسخة رقمية تعمل بالذكاء الاصطناعي.
لذا، في عالم الذكاء الاصطناعي -حيث تتعلم النماذج من مكتبات كاملة من البيانات- لم أقدم لنسختي الرقمية الكثير لتتعلم منه، لكنني ظللت متفائلاً بأن لديها ما يكفي لتكون مفيدة.
خيبة أمل
للأسف، كان حديث نسختي الرقمية غير متوقع. فقد تصرفت بحماسة مفرطة بشأن اقتراحات لمقالات لم أكن لأهتم بها أبداً. كانت تكرر نفسها، وظلت تقول إنها تتفقد جدول أعمالي لتحديد موعد مع شخصيتي الحقيقية، وهو ما لم تستطع فعله لأنني لم أمنحها إمكانية الوصول إلى جدول مواعيدي. كان حديثها يتكرر باستمرار، دون أن يتمكن الطرف الآخر من إنهاء المحادثة.
أخبرني المؤسس المشارك لترافوس، كوين فافريت، أن هذه هي العيوب الشائعة في البداية. ويقول إن النسخ الرقمية تعتمد عادة على نموذج لاما من شركة ميتا، الذي "غالباً ما يهدف إلى أن يكون أكثر فائدة مما هو عليه في الواقع"، وغالباً ما يكون مطورو البرمجيات الذين يعتمدون في عملهم على منصة تافوس هم من يضعون التعليمات لكيفية إنهاء النسخ الرقمية للمحادثات أو الوصول إلى جداول المواعيد.
بالنسبة لي، لم يكن الأمر مجدياً. ولتحقيق مستوى مجد، كان على نسختي الرقمية العاملة بالذكاء الاصطناعي أن تظهر على الأقل بعض الغرائز الأساسية لفهم الموضوعات التي أغطيها، وعلى الأقل ألا يخيف الطرف الآخر المشارك في المحادثة. لقد أخفقت نسختي الرقمية في تحقيق ذلك.
اقرأ أيضاً: لماذا يبقى فهم العقل البشري أصعب من تدريب أكبر نماذج الذكاء الاصطناعي؟
نسخ مفيدة أحياناً
ومع ذلك، يمكن أن تكون هذه النسخة الرقمية مفيدة في وظائف أخرى. إذا كنت من المؤثرين الذين يبحثون عن طرق للتفاعل مع المزيد من المعجبين، أو كنت مندوب مبيعات يعتمد عمله على الأرقام وقد يمنحك وجود نسخة رقمية منك ميزة، فقد يكون هذا الخيار مناسباً. أنت تخاطر بأن تخرج نسختك الرقمية عن المسار الصحيح أو تتسبب لك بالإحراج، ولكن المكاسب المقابلة لهذه المخاطر تبدو معقولة.
أخبرني فافريت أن بعض أكبر عملاء شركة تافوس هم شركات تستخدم نسخاً رقمية في مجال الرعاية الصحية ومقابلات التوظيف. كما تستخدم النسخ الرقمية أيضاً في تأدية الأدوار في الشركات، كالتدرب على عروض المبيعات أو إجراء محادثات مع الموظفين متعلقة بالموارد البشرية، على سبيل المثال.
لكن الشركات التي تصنع النسخ الرقمية تعد بأنها ستكون أكثر بكثير من مجرد آلات تؤدي دور مندوبي المبيعات أو دور المسوقين عبر الهاتف. تقول شركة ديلفي إن نسخها الرقمية ستتيح "تفاعلات شخصية هادفة على نطاق غير محدود"، وتقول شركة تافوس إن نسخها الرقمية لديها "وجه وعقل وذكريات" ما يتيح لها إجراء "محادثات ذات مغزى وجهاً لوجه". كما أخبرني فافريت أيضاً أن عدداً متزايداً من عملاء تافوس يطورون نسخاً رقمية لأغراض الإرشاد والتوجيه وحتى لاتخاذ القرارات، مثل موظفي القروض العاملين بالذكاء الاصطناعي الذين يستخدمون النسخ الرقمية لتأهيل المتقدمين للقروض وتصفيتهم.
هذا هو جوهر الأمر نوعاً ما. ما يزال تعليم النسخة الرقمية العاملة بالذكاء الاصطناعي التمييز والتفكير النقدي والذوق -بغض النظر عن طباع شخص معين- ضرباً من الخيال العلمي. كل هذا لا بأس به عندما يكون الشخص الذي يحاور النسخة الرقمية مدركاً للأمر (معظمنا يعلم أن النسخة الرقمية من شوارزنيغر، على سبيل المثال، لن تدربني لأكون رياضياً أفضل).
ولكن مع صقل الشركات للنسخ الرقمية بملامح "بشرية" والمبالغة في قدراتها، أخشى أن يبدأ من يسعون وراء الكفاءة في استخدام نسخهم الرقمية في أحسن الأحوال لتؤدي أدواراً محرجة، وفي أسوأ الأحوال في اتخاذ قرارات ينبغي ألا يعهد بها إليها. في النهاية، جرى تصميم هذه النماذج من أجل توسيع نطاق الإمكانات، لا من أجل الدقة. قد تغرينا، وتقدم صورة مضخمة عنا، وحتى تبيع نيابة عنا، لكنها لا تستطيع أن تصبح بديلاً عنا تماماً.