في إطار برنامج في كاليفورنيا يهدف إلى التخفيف من التلوث المناخي، تلقى مُلّاك الأراضي في الولايات المتحدة عدة مئات من الملايين من الدولارات لقاء تخفيضات موعودة قد لا تحدث في مستويات ثنائي أكسيد الكربون.
أصدرت الولاية شهادات تخفيض كربون لمشاريع يُحتمل أنها بالغت في التصريح عن تخفيضات الانبعاثات لديها بما يصل إلى 80 مليون طن من ثنائي أكسيد الكربون، أي ثلث التخفيضات الكلية التي يُتوقع أن يحققها برنامج المتاجرة بالانبعاثات خلال العقد المقبل، وذلك وفقاً لملخص سياسات ستنشره جامعة كاليفورنيا بيركلي قريباً.
وتثير النتائج أسئلة مقلقة حول فعالية برنامج كاليفورنيا للمتاجرة بالانبعاثات، وهو واحد من أشهر الاختبارات على مستوى العالم لهذه الآلية المبنية على السوق لمحاربة المخاطر المناخية. وقد تم تطبيق النظام في 2013، وهو محور الجهود الطموحة في الولاية لتخفيض انبعاثات غازات الدفيئة، ويُتوقع أن يحقق 40% تقريباً من إجمالي تخفيضات الانبعاثات في كاليفورنيا.
يقول داني كولينوارد (باحث مساعد في معهد كارنيجي وعضو في لجنة لتحليل تأثيرات نظام المتاجرة بالانبعاثات في وكالة حماية البيئة في كاليفورنيا) في رسالة بالبريد الإلكتروني: "إذا كانت هذه النتائج صحيحة، فهذا يعني أن جزءاً كبيراً من برنامج المتاجرة بالانبعاثات لا يؤدي إلى تخفيضات كربونية حقيقية".
يسمح برنامج التخفيضات في كاليفورنيا لشركات الأخشاب والقبائل الأميركية الأصلية وغيرهم من ملاك الأراضي الخاصة ببيع نقاط لملوثي المناخ مقابل زرع الأشجار أو اتخاذ خطوات أخرى لتخفيض الانبعاثات الكربونية أو امتصاصها. وحتى اليوم، تلقت مشاريع التحريج هذه أكثر من 122 مليون نقطة بقيمة تتجاوز المليار دولار.
ولكن يبدو أن أكثر من 80% من النقاط التي أصدرها مجلس الموارد الهوائية في كاليفورنيا لأكثر من 30 مشروعاً للتحريج قيد التحليل لا تمثل على الأرجح "تخفيضات حقيقية في الانبعاثات"، وفقاً لتحليل جديد لباربارا هايا، وهي باحثة زميلة في مركز السياسات البيئية العامة، وكانت تدرس نظام التخفيضات في الولاية وتثير التساؤلات عنه لسنوات.
وتضع الحكومة -ضمن نظام المتاجرة بالانبعاثات- حداً للكمية الكلية لغازات الدفيئة التي تستطيع النشاطات الصناعية الخاضعة لهذا البرنامج إصدارها، وهو حد يتناقص مع مرور الوقت. ويمكن للشركات أن تشتري أو تبيع الكميات المسموحة لها من الغازات التي يتم إصدارها، مما يؤدي إلى ظهور سوق وسعر للتلوث.
ولكن يوجد خيار آخر أمام مصدري الكربون أيضاً: شراء النقاط من مشاريع تخفيض الكربون التي تزعم -عبر واحدة من عدة وسائل متاحة- أنها تخفيض من انبعاثات غازات الدفيئة. وتوجد عدة معايير لقبول المشاريع في هذا النوع من البرامج وقياس آثارها والمصادقة عليها.
تُعزى نسبة تتجاوز 80% من النقاط الصادرة حتى اليوم إلى بروتوكول مشاريع التحريج الأميركية لمجلس الموارد الهوائية، وهو موضوع تحليل جامعة كاليفورنيا بيركلي. وهو يتيح لملاك الأراضي الحراجية بيع النقاط إذا أوقفوا عمليات قطع الأشجار، أو وافقوا على زراعة المزيد منها، أو أداروا الغابات بطريقة تزيد من فعاليتها في تخزين الكربون. كما يستطيعون –وهي ناحية هامة للغاية- الحصول على نقاط مقابل "إدارة الأرض الفعالة" إذا كانت غاباتهم تخزن الكربون بنسبة أعلى من النسبة الطبيعية في تلك المنطقة ولذلك النوع من الأشجار، بشرط الالتزام بهذه المستويات لمائة سنة مقبلة.
ومن أهم الحجج التي تدعم هذه المشاريع أنها تسمح للسوق بإيجاد أساليب رخيصة للتقليل من الانبعاثات، ودفع القطاعات الصناعية إلى تحسين أثرها الكربوني بشكل يتجاوز الحد الذي وضعه برنامج المتاجرة بالانبعاثات.
إلا أن هناك تحديات كبيرة تتعلق بتقدير التخفيضات بشكل صحيح.
فإذا قررت شركة أخشاب، على سبيل المثال، أن تخفض من قطع الأشجار في قطعة ما من الأرض، وقامت في نفس الوقت بتعويض الطلب بزيادة القطع في مكان آخر، فإن البرنامج لا يحقق أي شيء فعلي من حيث إجمالي الانبعاثات، وهو ما يعرف باسم "التسريب".
ويفترض بروتوكول كاليفورنيا وجود نسبة 20% من التسريب، ولكن تحليل هايا يلحظ أن عدة دراسات سابقة وجدت أن هذه النسبة قد تصل إلى حوالي 80%. كما توجد مشكلة أكبر ذات صلة، وهي أن ملاك الأراضي يكسبون نقاط تخفيضات الانبعاثات "التي تسمح لمصدري الانبعاثات في كاليفورنيا بإصدار ما يفوق حد الانبعاثات الذي وضعته الولاية حالياً مقابل وعود بتخفيض الكربون على مدى مائة عام". وتمثل هذه المسألة مشكلة واضحة، لأن النسبة العظمى من تخفيضات الانبعاثات يجب أن تحدث في العقود الثلاثة المقبلة لتجنب أشد الأخطار الناتجة عن التغير المناخي.
ولكن هايا تقول أيضاً إن الكثير من التخفيضات الموعودة قد لا تحدث على الإطلاق. فمن جهة، سيصبح تخزين الكربون أكثر صعوبة على الأشجار مع تقدمها في العمر واشتداد الآثار المناخية وحدوث الحرائق البرية. ومن جهة أخرى، تشير هايا إلى عدد من تعقيدات البروتوكول التي تشير إلى أنه لا يأخذ بالحسبان -وبشكل صحيح- تزايد مستويات قطع الأشجار التي يمكن أن تحدث بسبب البرنامج في العقود المقبلة.
وتوجد مشكلة أخرى منفصلة تتعلق بالتخفيضات، وتسمى مشكلة "الإضافة"؛ فإذا لم يكن لدى المالك رغبة في قطع الأشجار في قطعة من الأرض، فهو يطلب أن يحصل على المال مقابل الحفاظ على الوضع الحالي، وهو ما لا يؤثر فعلياً على الانبعاثات.
وحتى ينجح نظام التخفيضات، يجب أن يقع الفعل أو الامتناع عنه بسبب البرنامج. ولكن تقييم هذا الأمر مسألة صعبة للغاية، لأنه يستحيل تحديد نوايا الشخص أو الشركة بدقة.
يقول ديفيد فيكتور -وهو باحث في سياسات الطاقة في جامعة كاليفورنيا سان دييجو، وقد درس أنظمة سابقة عن كثب- في رسالة بالبريد الإلكتروني: "من وجهة نظر فنية وإدارية، فإن إنشاء نظام تخفيضات فعال مهمة بالغة الصعوبة؛ لأن قياس المقادير الأساسية بشكل موثوق ليس بالأمر السهل على الإطلاق".
ويضيف: "كما أن سياسات التخفيضات أحادية الجانب إلى حد ما. فهناك ضغوط هائلة لإصدار المزيد من النقاط، وهي ضغوط ناتجة عن الأشخاص الذين يريدون إظهار مرونة الأسواق، ومن مطوري المشاريع الذين يريدون أقصى عدد من النقاط، ومن مشتري السماحيات الإضافية أيضاً".
وقد نشر باحثو ستانفورد في 2017 بحثاً استنتج أن برنامج التخفيضات في كاليفورنيا كان يساعد إجمالاً على تخفيض الانبعاثات، وبدا البحث بهذا أشبه بشهادة تدل على مصداقية البرنامج. وتلخصت النتيجة الأساسية بأن 64% من المشاريع التي تحصل على نقاط من أجل "تحسين إدارة الغابات" كانت "تقوم بقطع الأشجار خلال إطلاق المشروع أو قبله".
غير أن آخرين اعتبروا أن امتلاك منظمات محافظة لا ربحية لحوالي ربع المشاريع كان أمراً يدعو إلى الشك، وهو ما أثار بعض التساؤلات حول مستويات الانبعاثات الإضافية التي يحتمل أنها نتجت؛ لأن هذه المجموعات -كما تلحظ نفس الدراسة- "يرجح بأنها غير مهتمة لقطع أشجار غاباتها بهدف الربح، وأن أسلوبهم في الإدارة يؤدي إلى عزل الكربون في الغابة".
وتؤكد هايا على أنها لا تقول إن ملاك الأراضي ينتهكون أية قوانين، بل إن الحكومة وضعت "قواعد تشجع على التزييف" وإن "ملاك الأراضي يجارونها وحسب".
ومن جهته، دافع مجلس الموارد الهوائية عن بروتوكول التحريج، وقال إنه يأخذ بالحسبان التسريب والإضافة وفق أفضل الأساليب العلمية. تقول راجندر ساهوتا، المدير المساعد في المجلس، إن البرنامج صُمم لخلق حوافز اقتصادية لملاك الأراضي للحفاظ على الأشجار، وتضيف أن مجلس الموارد الهوائية سيراجع بروتوكول التحريج في وقت لاحق من هذه السنة عبر عملية علنية ستأخذ بعين الاعتبار الدراسات الجديدة، وتسعى إلى الحصول على استشارات من خبراء أكاديميين، وإدارة التحريج الأميركية، وغيرهم.