الدكتورة نجوى الأعرج من معهد الابتكار التكنولوجي تلقي الضوء على مُسيّرة ذاتية القيادة جاهزة للمهام الحرجة

10 دقيقة
الدكتورة نجوى الأعرج من معهد الابتكار التكنولوجي تلقي الضوء على مُسيّرة ذاتية القيادة جاهزة للمهام الحرجة
حقوق الصورة: معهد الابتكار التكنولوجي

 طوّر معهد الابتكار التكنولوجي (TII) في أبوظبي، وهو جزء من مجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة (ATRC) التابع لحكومة أبوظبي، نوعاً جديداً من الطائرات المسيّرة المستقلة، التي تتميز بقدرتها على التنقل في بيئات غير مألوفة بسرعات تصل إلى 80 كم/ساعة، باستخدام الذكاء الاصطناعي القائم على الرؤية (vision-based AI)، ما يلغي الحاجة إلى الطيارين البشريين أو أنظمة تحديد المواقع الخارجية.

يُعتبر هذا التطور مهماً لأنه يُتيح التنقل في الوقت الحقيقي وتجنب العقبات، ما يعزّز الكفاءة التشغيلية والسلامة. التطبيقات المحتملة لهذه التقنية واسعة النطاق، خاصة في المجالات الحيوية مثل عمليات البحث والإنقاذ، إذ يمكن أن تزيد بشكلٍ كبير من السلامة وتقلل المخاطر على حياة البشر.

للتعمق في هذه الابتكارات وآثارها، التقت أم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية الرئيسة التنفيذية لمعهد الابتكار التكنولوجي نجوى الأعرج، وتناولت المقابلة مهمة المعهد، والتحديات التي واجهها في تطوير مثل هذه التقنيات، ومستقبل الأنظمة الذاتية في مختلف القطاعات.

ما هي التحديات التي واجهها معهد الابتكار التكنولوجي (TII) عند تطوير الطائرات بدون طيار الذاتية القيادة التي تعمل فقط باستخدام الذكاء الاصطناعي القائم على الرؤية؟ وكيف عالج هذه التحديات؟

نسمع كثيراً في الوقت الحاضر عن الطائرات بدون طيار المجهزة بالذكاء الاصطناعي، إذ تُتيح لها التكنولوجيا اتخاذ قرارات معينة بشكلٍ مستقل. ومع ذلك، هناك تمييز كبير بين مجرد تضمين شبكة في الطائرة وضمان أن هذه الشبكة تعمل كما هو مرجو. تعتبر الطائرات الحديثة أنظمة معقدة، إذ تشمل مكوناً للتوجيه يمكّن الطائرة من السفر بشكلٍ مستقل من النقطة أ إلى النقطة ب بسرعة معينة. ومع زيادة السرعة، تزداد التحديات، خصوصاً فيما يتعلق بالجوانب مثل الرؤية أو الإدراك، وتحديد المواقع (إذ تحدد الطائرة موقعها للانتقال إلى النقطة التالية) والتحكم. 

ويُعدّ نظام التحكم أساسياً للحفاظ على الاستقرار، خاصة عند السرعات العالية. بالإضافة إلى ذلك، من الضروري أن تعمل شبكة التعلم الآلي بدقة كما هو مطلوب للمهام المقصودة للطائرة.

تعتمد الطائرة بدون طيار التي تتنقل عبر مسارات السباق، وتحتوي على عوائق ثابتة ومتحركة، بشكلٍ كامل على كاميرا مزودة بوحدة قياس بالقصور الذاتي (IMU). تلتقط هذه الكاميرا الصور بتردد محدد، يجب أن يكون مرتفعاً بما يكفي لتمكين الطائرة من تحديد موقعها بدقة. وتعتمد عملية تحديد الموقع على قدرة الذكاء الاصطناعي الموجود في الطائرة على التعرف إلى البوابات، ما يساعد على تقدير موقع الطائرة. في الوقت نفسه، توفّر وحدة قياس بالقصور الذاتي بيانات حول حركة الطائرة. 

حقوق الصورة: معهد الابتكار التكنولوجي

يتطلب هذا النظام المعقد تشغيلاً متزامناً، ويستلزم دمج المعلومات من الكاميرا ووحدة القياس بالقصور الذاتي، إذ إن كل نقطة بيانات بمفردها لا توفّر سياقاً كافياً. يتحقق دمج البيانات من خلال خوارزمية تقدير الحالة (estimation algorithm) التي تجمع البيانات في صورة متكاملة وتعدّل أي انحراف، ما يوفّر موقعاً نسبياً دقيقاً بالنسبة للبوابات. يمكّن ذلك الطائرة من حساب "المسار" الأمثل لها.

لتطوير طائرة مسيّرة قوية قادرة على التنقل بسرعات عالية جداً، من الضروري إجراء تدريب مكثّف، ما يتطلب أيضاً إعداد مجموعة بيانات. في الماضي، أنشأنا مجموعة بيانات شاملة تُعرف باسم مجموعة بيانات سباق الطائرات المسيّرة في معهد الابتكار التكنولوجي (TII Drone Racing Data Set)، وهي مورد مُعَلم ومعالج مسبقاً لبوابات ومسارات السباق، وقد شاركناها مع المجتمع في عام 2023. يعتمد النموذج الأساسي المدرب على هذه المجموعة على نسخة مخصصة من نموذج يولو (YOLO) مفتوح المصدر. يكشف هذا النموذج عن زوايا البوابات الأربع، والتي يتم معالجتها بعد ذلك من خلال خوارزمية PnP لتقدير الموقع الدقيق للطائرة المسيّرة.

اقرأ أيضاً: ما الذي قد تتمكن الطائرات المسيّرة من فعله في السنوات القادمة؟

كيف تختلف تكنولوجيا الطائرات المسيّرة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي المبني على الرؤية في معهد الابتكار التكنولوجي عن تقنيات الطائرات المسيّرة المستقلة الأخرى التي تعتمد على أنظمة تحديد المواقع الخارجية؟

ما يُميّز نهجنا هو أنه ما من أنظمة خارجية، مثل أنظمة التتبع، تساعد على تحديد المواقع، فكل شيء يتم حسابه على متن الطائرة. هذا يعني أنه لا يتم استخدام أنظمة التقاط الحركة خلال الرحلة أو التدريب. بدلاً من ذلك، يعتمد تخطيط حركة الطائرة المسيّرة والتحكم عليها على خوارزمية موجودة على متن الطائرة. في هذه الحالة، يتم التعامل مع التحكم في الحركة من خلال التعلم المعزز (reinforcement learning)، الذي يجري تدريبه في محاكاة للتنقل بين العقبات المتحركة. هذا النهج مفيد بشكلٍ خاص في البيئات التي تحتوي على بوابات أو حيث لا توجد عقبات ثابتة. نحن نستخدم التعلم المعزز بسبب الطبيعة الديناميكية للبيئة. عندما يكتشف نظام الرؤية عقبة متحركة، يحسب نموذج التعلم المعزز مساراً جديداً بشكلٍ ديناميكي في الوقت الفعلي، ما يسمح للطائرة المسيّرة بتعديل مسارها لتجنب التصادمات.

وحدة التحكم نفسها تعتمد على التحكم الاستشرافي (MPC)، وهو خوارزمية معروفة في مجال الروبوتات. نستخدم مجموعة أدوات التحكم الأمثل المعتمدة على التحكم الاستشرافي، والتي ضبطناها بعناية لتعمل بشكل مثالي في إعداد سباقات الطائرات المسيّرة لدينا. ثم تستخدم وحدة التحكم تقدير الحالة القائم على الكاميرا لتتبع المسار الناتج عن المخطط بدقة. تُتيح هذه المنظومة المعقدة للطائرة المسيّرة التعرف إلى موقعها الذاتي، وحساب مسارها، وتجنب العقبات، والوصول إلى سرعات عالية.

ما هي التطبيقات الواقعية المحددة التي يمكن أن تستفيد من التقدم في السرعة والتخصيص وخوارزميات التحكم التي تم تطويرها من خلال تكنولوجيا الطائرات المسيّرة للسباقات؟

عملُنا اليوم مع الطائرات بدون طيار الخاصة بالسباقات يُثير الحماس، إذ ندفع قدماً من خلال تمكين خوارزميات الذكاء الاصطناعي من تحقيق سرعات عالية دون توجيه بشري أو دعم من أي أنظمة خارجية لتحديد الموقع أو التوطين. كما نجري سباقات بين الطائرات بدون طيار التي تعمل بالذكاء الاصطناعي وبين الطيارين البشريين. ومن المثير للاهتمام أن أداء الذكاء الاصطناعي ثابت، بينما يميلُ البشر إلى ارتكاب الأخطاء والإصابة بالإجهاد بمرور الوقت، ما يجعل الطائرة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي تتفوق غالباً على الطيارين البشر، خاصة عند المنعطفات المعقدة. هذا السعي ليس مجرد سباق، بل هو تطور في قدرات السرعة وخوارزميات التوطين (Localization algorithms) والتحكم، والتي لها تطبيقات قيمة خارج مسار السباق وفي سيناريوهات العالم الواقعي.

يمكن للطائرات بدون طيار العمل بطريقتين: كوحدات فردية أو كجزء من نظام متعدد الطائرات، يُعرف بالسرب (swarm). وتتعاون فيه الطائرات معاً، وتتشارك في اتخاذ القرارات بشكلٍ فوري عبر الوحدات جميعها في أثناء الطيران.

ولجهة التطبيقات، تُستخدم الطائرات بدون طيار على نطاقٍ واسع اليوم في الزراعة، إذ يساعد الذكاء الاصطناعي في مجالات مثل استعادة غابات المانغروف، والزراعة الدقيقة، وتوصيف التربة، إلى جانب مهام أخرى، كما أنها تؤدي دوراً مهماً في عمليات البحث والإنقاذ ومكافحة الحرائق. فعلى سبيل المثال، في حالات الحرائق الخطيرة التي يكون الوصول البشري فيها محدوداً، يمكن لأسراب الطائرات بدون طيار الطيران بأنماطٍ منسقة، ما يعزّز فاعلية مسارات البحث لتحديد مواقع الحرائق والاستجابة لها. وإذا كان هناك اتصال متاح، يمكنها نقل المعلومات إلى مركز التحكم الأرضي لدعم اتخاذ القرارات الإضافية. وفي هذه السيناريوهات، يمكن للطائرات أن تعمل بشكلٍ مستقل أو أن يكون هناك مشغل بشري مشارك في العملية.

في مكافحة الحرائق، يمكن لبعض الطائرات بدون طيار حمل حمولات كبيرة، إذ تستطيع بعض النماذج نقل 40-50 كيلوغراماً أو أكثر، ما يسمح لها بإسقاط الماء أو المواد المثبطة للحرائق. وتكون هذه الطائرات مجهزة بذكاء اصطناعي مدمج يُتيح لها اكتشاف الحرائق وتنفيذ إجراءات مثل إطلاق المياه عند الحاجة، كما أن للأسراب ميزة تعددية المهام، إذ ليس من الملزم أن تحمل الطائرات جميعها الحمولة نفسها؛ إذ يمكن تعيين مهام مختلفة لكل منها بناءً على قدراتها واستراتيجية السرب الشاملة.

إلى جانب مكافحة الحرائق، تُستخدم الطائرات بدون طيار أيضاً في المراقبة، وحماية الحدود، وقطاع الضيافة، والنقل، واللوجستيات، وتشمل كذلك التطبيقات عمليات التوصيل للميل الأخير. يتضمن أحد المشاريع في معهد الابتكار التكنولوجي، تطوير طائرة بدون طيار قادرة على الطيران والتدحرج على الأرض. وتُعَدُّ هذه القدرة الفريدة مفيدة بشكلٍ خاص في سيناريوهات مثل وقوع حادث مروري على طريق سريع مزدحم، حيث يمكن للطائرة السريعة توفير المساعدة الطبية بشكلٍ سريع وفعّال.

ما هي معايير السلامة والقوانين المُعتَمدة حالياً بالنسبة لتكنولوجيا الطائرات بدون طيار؟ وكيف تعالج الشركات الفجوات الموجودة في هذه المعايير؟

في الوقت الحالي، هناك عددٌ قليلٌ من القوانين أو المعايير الخاصة بتكنولوجيا الطائرات بدون طيار. بينما توجد اعتبارات سلامة للعمليات في بيئات معينة مثل الموانئ أو مناطق المركبات، فإن المعايير العامة للطائرات بدون طيار تقتصر بشكلٍ رئيسي على القوانين العامة، مثل تحديد مناطق الطيران والمناطق المحظورة. لا توجد متطلبات موحدة، مثل درجة أمان محددة للخوارزميات، أو معايير الشفافية، أو معايير أمان أخرى. وفي هذا السياق، نتخذ تدابير سلامة استباقية تشمل تدريباً صارماً للخوارزميات، واختبارات تحمُّل مكثّفة عبر سيناريوهات تشغيل متعددة، واستخدام أجهزة مؤهّلة وعالية الجودة. يتضمن نهجنا هندسة نُظم قوية وعملية ديف أوبس (DevOps) موثوقة، ما يضمن اختبار الأجهزة وتقييمها لظروف مثل درجات الحرارة العالية عند تشغيل الطائرة بالقرب من الحرائق. من منظور هندسة النظام وهندسة البرمجيات، نركّز على تدريب الذكاء الاصطناعي بشكلٍ مسؤول وتخفيف أي تحيزات محتملة.

وفي حين أننا نلتزم بمعايير سلامة (ISO) مرتبطة بحالات استخدام معينة، مثل الامتثال لمعايير الصناعة النووية إذا ما استُخدِمَت الطائرة في هذا القطاع مثلاً، فإنه لا يوجد حالياَ معيار سلامة مستقل يعالج الأنظمة الذاتية للاستخدام العام، وهذا مجال يحتاج إلى مزيدٍ من التطوير.

ما هي التحديات التنظيمية الرئيسية التي تواجه اعتماد أنظمة النقل الجوي ذاتية القيادة بالكامل مثل التاكسي الجوي؟ وكيف تتعامل الإمارات مع هذه التحديات؟

في مجال النقل الجوي، تتطور التكنولوجيا بوتيرة سريعة، ويمكن استخدام التطورات في الذكاء الاصطناعي وخوارزميات التوطين والتحكم لتحديث الطائرات المروحية وإضافة خاصية القيادة الذاتية، ما يمكّنها من نقل الأشخاص من نقطة "أ" إلى نقطة "ب". ولكن، تبقى العقبة الرئيسية أمام اعتماد الأنظمة الذاتية القيادة بالكامل للنقل، سواء للتاكسي الجوي أو المركبات البرية أو التاكسي المائي، الامتثال للقوانين التنظيمية. 

هناك أسئلة رئيسية تُطرح هنا: ما هو المقصود بالانتقال من نقطة "أ" إلى نقطة "ب"؟ وما هي القوانين التي يجب الامتثال لها؟ بالإضافة إلى ذلك، ستحتاج هذه الطائرات المروحية الذاتية أو التاكسي الجوي إلى ممرات جوية خاصة. هذا هو المجال الذي يجب أن نركّز عليه جهودنا؛ أي تحديد القوانين اللازمة لضمان نشر هذه التقنيات بأمان في الأجواء. 

تتميز الإمارات بنهجها المستقبلي تجاه القوانين، إذ تدرك أهمية تطوير معايير وإرشادات أخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي والأنظمة الذاتية. وتسبق الإمارات دولاً عديدة في فهم الحاجة إلى وضع قوانين تتناسب مع مستويات مختلفة من الاستقلالية، وتكون محددة لمجالات متعددة.

ما هي الاعتبارات الأمنية الرئيسية لنشر الأنظمة الذاتية خاصة لجهة سلامة البشر؟ وكيف يتعامل معهد الابتكار التكنولوجي مع هذه التحديات؟

أود أن أؤكد الأهمية الحاسمة للأمن في الأنظمة الذاتية، وهو موضوع لم أتناوله بعد ولكنه ضروري للغاية. تتصدر الإمارات قائمة الدول التي تدرك أن نشر هذه الأنظمة يتطلب تدابير أمنية قوية على متنها.

يشمل الأمن جانبين رئيسيين:

  1. أمن البيانات والخصوصية: يتعلق هذا بالبيانات المُستَخدمة لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي، التي يجب التعامل معها بعناية لضمان السلامة والأخلاق والحفاظ على الخصوصية.
  2. أمن النظام: يُعَدُّ أمن الأنظمة الذاتية بالغ الأهمية؛ فعند نقل البشر باستخدام أنظمة ذاتية القيادة بالكامل، من الضروري ضمان أن تكون معايير الأمان عالية للغاية. وبالتالي، لا بُدّ من وضع معايير وبروتوكولات للتحقق من هذا الأمان.

في معهد الابتكار التكنولوجي، نعمل بنشاط على معالجة هذه القضايا. على سبيل المثال، تعمل فرق الأنظمة الآمنة والتشفير على تطوير خوارزميات تشفير ليتم دمجها في هذه الأنظمة. لقد حققنا تقدماً كبيراً في تأمين وحدات التحكم في الطيران، والشبكات التي تعمل عليها الطائرات بدون طيار، والروابط بين محطات التحكم الأرضية وأنظمة القيادة والتحكم.

تعتبر هذه القضية مُلحّة بشكلٍ خاص نظراً لزيادة عدد خروقات الأمن التي تم رصدها في شبكات إنترنت الأشياء (IoT) والشبكات بين الآلات (M2M)، والتي يمكن أن تمتد بسهولة إلى الأنظمة الذاتية بسبب اعتمادها على البرمجيات والأجهزة المعقدة. بالإضافة إلى ذلك، تُلِحّ تعقيدات العمليات، وزيادة الاتصال، واستخدام الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرارات بدلاً من البشر في الحاجة إلى اتخاذ تدابير أمان صارمة في هذه الأنظمة.

اقرأ أيضاً: كيف تساعد الطائرات المسيّرة المدعومة بالذكاء الاصطناعي في العثور على المفقودين؟

كيف تخططون للعمل على توسيع هذه التكنولوجيا بشكلٍ استراتيجي؟

يركّز معهد الابتكار التكنولوجي على التقنيات التطبيقية، ويدفعها من حيث مستوى جاهزية التكنولوجيا (Technology Readiness Level (TRL) 3) إلى مستوى TRL6. غالباً ما نبدأ عملنا في مستويات جاهزية التكنولوجيا الأدنى، ونطوّر مفاهيم جديدة يمكن تنفيذها في البيئات التشغيلية في النهاية. تضمن شراكتنا الوثيقة مع العملاء أن تكون تطوراتنا ذات صلة ويمكن دمجها بسلاسة في أنظمتهم الحالية وشبكاتهم وبنيتهم التحتية.

بمجرد أن نكون واثقين من أن تقنيتنا مناسبة لعميل معين، وحالة استخدام، وقطاع معين، نسعى إلى اتخاذ أحد المسارين: أولاً، قد نتعاون مع الجهات الفاعلة الراسخة في الإمارات أو في الخارج التي لديها سجل مثبت في التصنيع. تمتلك هذه الشركاء القدرات اللازمة، بما في ذلك خطوط إنتاج قوية، ومصانع، وفرق هندسة أنظمة، وعمليات ضمان الجودة (QA)، ما يمكّنهم من توسيع نطاق تقنيتنا بسرعة. وثانياً، إذا حددنا فجوة في السوق لا يمكن للاعبين الحاليين ملؤها بكفاءة أو بسرعة، نستفيد من مبادرة فنتشر ون (Venture One) ومركز بحوث التكنولوجيا المتقدمة (ATRC) لتشكيل شركة ناشئة. وهذا يُتيح لنا العمل بشكلٍ مستقل وتسريع عملية تسويق تقنيتنا.

كيف تعتبرين أن التطوّر الذي حققه معهد الابتكار التكنولوجي في مجال الطائرات بدون طيار الذاتية القيادة يسهم في رؤية أبوظبي للابتكار والاستدامة في قطاع النقل؟

تتمثل المهمة الأساسية لمعهد الابتكار التكنولوجي في دعم رؤية أبوظبي للابتكار، وتنويع الناتج المحلي الإجمالي، وتسهيل الانتقال إلى اقتصاد قائم على المعرفة. إن تقدمنا في تكنولوجيا الطائرات بدون طيار الذاتية القيادة يُعدُّ جزءاً أساسياً من تعزيز استراتيجية الابتكار في أبوظبي، إذ ننشر هذه الطائرات عبر تطبيقات لوجستية متعددة.

في الوقت الحالي، نتعاون مع الموانئ والمطارات وغيرها من أصحاب المصلحة في مجال اللوجستيات لتحديد كيفية تحسين الطائرات بدون طيار للكفاءات التشغيلية، وتعزيز سلامة الموظفين، وتبسيط العمليات. إن استخدام الطائرات بدون طيار بدلاً من وسائل النقل التقليدية لا يزيد فقط الفاعلية التشغيلية، بل يتماشى أيضاً مع أهداف الاستدامة البيئية؛ إذ توفّر هذه الطائرات بديلاً أكثر صداقة للبيئة يدعم الجهود المبذولة للحد من البصمة الكربونية.

حقوق الصورة: معهد الابتكار التكنولوجي

في سياق الاستدامة، نركّز على مبادرات مثل احتجاز الكربون والطاقة الخضراء، مع مراعاة النظام البيئي الأوسع، بما في ذلك غابات المانغروف والشعب المرجانية. من خلال نشر الأنظمة الذاتية لاستعادة النُظم البيئية، نحقق كفاءة ودرجة عالية من الدقة في جهودنا.

باختصار، إن عملَنا لا يوفّر فقط بديلاً لتقنية اللوجستيات التقليدية، بل يعزّز أيضاً الكفاءات التشغيلية في العمليات اليومية. نحن نتعاون مع مختلف الجهات الحكومية وأصحاب المصلحة الرئيسيين، بما في ذلك وزارة البنية التحتية، وشرطة أبوظبي، وموانئ أبوظبي، وأبوظبي البحرية، وشركات قطاع الطاقة، لدفع هذه المبادرات إلى الأمام.

بصفتكِ الرئيس التنفيذي لمعهد الابتكار التكنولوجي، ما مدى أهمية تحقيق التوازن بين هذا الابتكار في مجال الطائرات بدون طيار وإمكانية تطبيقه في العالم الحقيقي؟ وكيف تحفّزين فريقك والباحثين للبقاء على اطلاع دائم في هذا المجال؟

بصفتنا معهداً بحثياَ، تُعدُّ من أبرز اهتماماتنا تطوير التكنولوجيا، وهو ما تدعمه بشكلٍ كبير البيئة التي نعمل فيها. الإمارات دولة ملتزمة بالتقدم التكنولوجي ومفتوحة لاعتماد واختبار الابتكارات من خلال معاهدها القائمة. وهذا يخلق أجواءً ملائمة لعملنا في معهد الابتكار التكنولوجي. تركّز مهمتنا على تقديم التكنولوجيا وبناء قدرات سيادية للدولة. عندما نتحدث عن القدرات السيادية، نبدأ غالباً بالاستفادة من التقنيات الحالية، ونبتكر انطلاقاً منها، ونتناول التحديات التكنولوجية بالتعاون مع عملائنا. من المهم أن نلاحظ أن التقنيات التي نعمل عليها ليست معزولة؛ إذ تتم معالجة تحديات مماثلة في دول مثل فرنسا والولايات المتحدة. بينما تُصمم مشاريعنا لتلبية احتياجات عملائنا المحددة، نواجه باستمرار مشكلات لم تُحلّ بعد تتطلب حلولاً مبتكرة. إن هذا السعي نحو الابتكار هو جوهر مهمتنا. فكل تحدٍ تكنولوجي نتعامل معه يمثّل فرصة للابتكار، ما يجعل عملنا مثيراً ومؤثراً.

اقرأ أيضاً: باحثون من جامعة أبوظبي يطوّرون نظاماً لاستشعار حرائق الغابات وإخمادها في غضون بضع دقائق

ماذا يعني نجاح معهد الابتكار التكنولوجي في تتبع الطائرات بدون طيار المدعومة بالذكاء الاصطناعي بالنسبة لمكانة أبوظبي قائدةً في الابتكار التكنولوجي على الساحة العالمية؟

تتصدّر الإمارات جهود الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي على الصعيد العالمي. ويتجلى هذا التقدم من خلال مجموعة من التطورات التكنولوجية، والإسهامات البحثية الكبيرة، والجهود التنظيمية. يسهم معهد الابتكار التكنولوجي بنشاط في هذا الزخم، وخاصة من خلال مبادرات مثل سلسلة فالكون وتطبيقاتنا للذكاء الاصطناعي، بما في ذلك نماذج اللغة الكبيرة (LLMs)، ونماذج اللغة المرئية (VLMs)، والذكاء الاصطناعي التقليدي في الأنظمة الذاتية والرعاية الصحية.

تتوافق مهمتنا مع التزام أبوظبي بتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي والمُركّبات الذاتية القيادة، والتي تُعدُّ ضرورية لنمو نظام النقل الجوي، كما أن الإمارات تتمتّع بموقع قوي في مجال الأنظمة الذاتية، بما في ذلك الطائرات بدون طيار، والمركبات البحرية، والروبوتات الذكية، والروبوتات البشرية. تحتضن الدولة عدداً كبيراً من الشركات المخصصة لتقنيات المركبات الذاتية القيادة، بما في ذلك تطوير الأجهزة وإنشاء خوارزميات متقدمة تعتبر "عقول" هذه الروبوتات. ويُعدُّ معهد الابتكار التكنولوجي من بين أفضل المعاهد في هذا المجال.

تستضيف أبوظبي بانتظام أحداثاً مهمة، مثل مؤتمر آيروس (IROS)، وهناك تركيز بارز على الأنظمة الذاتية في مؤتمر جيتكس (GITEX). تبرز هذه التجمعات التزام الإمارات بالابتكار. وعلى عكس العديد من الدول التي تستثمر في التقنيات الذاتية القيادة دون تنفيذ ملموس، تشهد الإمارات نشر التاكسيات الذاتية القيادة وتاكسيات الجو. إن هذا النهج المزدوج -إنتاج هذه الأنظمة واستخدامها- يُميّز الإمارات عن غيرها.

يعتبر التزام العملاء باختبار هذه التقنيات واعتمادها في العمليات الحقيقية في أثناء نضوجها أمراً بالغ الأهمية. فهو يُظهر نهجاً استباقياً، ما يبرز أهمية الإنتاج ولكن أيضاً التطبيق العملي الذي يعزز الكفاءة التشغيلية ويسهم في تقدم الصناعة والدولة.

المحتوى محمي