لو كان موزارت على قيد الحياة اليوم (وإن كان يشعر بأنه يفتقد للإلهام بعض الشيء) فمن المحتمل جداً أنه سيجلس ويؤلف مقطوعة موسيقية مثل هذه:
مقطوعة موسيقية، تحمل أسلوب موزارت، تم تأليفها بواسطة ميوزنت MuseNet.
هذا اللحن في الواقع (لا شك أنك خمنت ذلك) هو من تأليف خوارزمية للتعلم الآلي تم تلقيمها بآلاف المقاطع الموسيقية بصيغة MIDI (ملفات إلكترونية يتم تسجيلها من الآلات الموسيقية باستخدام واجهة بينية رقمية) كبيانات تدريبية.
وقد تم تطوير الخوارزمية التي تسمى ميوزنت على يد باحثين في أوبن إيه آي، وهي شركة غير ربحية في سان فرانسيسكو يركز عملها على الأبحاث في مجال الذكاء، ودراسة تأثيراته المحتملة.
وقد قام الباحثون بتدريب شبكة عصبونية كبيرة للغاية تُعرف باسم "المحوّلة transformer". حيث يتعلم هذا النوع من الشبكات كيفية التنبؤ بالعلامات الموسيقية القليلة التالية ضمن مقطوعة موسيقية معينة. ويمكنك بعد ذلك أن تلقم الشبكة ببضع علامات موسيقية، وتجعلها تستحضر شيئاً جديداً. هذا الأمر يتيح مزج أنواع وأساليب مختلفة، وحتى إضافة وإزالة أدوات موسيقية معينة.
يوضح هذا العمل مدى فعالية مثل هذا النموذج في التقاط الأنماط الإحصائية وإعادة إنتاجها، وهي التي تعكس الطابع الخاص بشيء ما مثل مقطوعة من الموسيقى.
وقد سبق لهؤلاء الباحثين أنفسهم أن استخدموا تكنولوجيا مشابهة لإنشاء النصوص بأسلوب آلي انطلاقاً من جمل ابتدائية. وقد جاءت النتائج في بعض الأحيان واقعية بشكل ملحوظ، مما دفع الباحثين إلى القلق (بشكل كبير بعض الشيء) من خطر الاستخدام المحتمل لمثل هذه الأداة في إنتاج أعداد كبيرة من الأخبار المزيفة.
ولا شك في أن مشروع ميوزنت مثير للاهتمام من منظور تاريخ الموسيقى، حيث إنه يشير إلى وجود بعض الارتباط المثير للاهتمام (من الناحية الإحصائية) بين مختلف الفنانين في جميع الأساليب وعلى مر القرون. من كان ليظن بأن ريتشارد فاجنر وبريتني سبيرز لديهما الكثير من الأذواق الموسيقية المشتركة؟
كما أن التلاعب بهذه الأداة يمثل مدعاةً لقدر كبير من المتعة أيضاً، فإذا كنت قد تساءلت يوماً كيف ستكون النتيجة إذا ما تم الجمع بين فرقة البيتلز والليدي جاجا، فإن الخوارزمية تقدم لك إجابة من النوع التالي:
هكذا يمكن للبيتلز أن يرتجلوا أغنية "بوكر فيس" لليدي جاجا، وذلك وفقاً لميوزنت.
يرى بعض الأشخاص أن هذا النوع من التكنولوجيا لديه إمكانات كبيرة ليشكل مصدر إلهام لنوع جديد من الموسيقى. حتى أن ساجيف أويري، الباحث في مجال التعلم الآلي في جامعة تورونتو والذي يهتم بالموسيقى التي يؤلفها الذكاء الاصطناعي، قد انبهر بقدرة الأداة على الارتجال في التأليف اعتماداً على قطعة موسيقية شهيرة من مؤلفات موزارت.
This variation on a well-known theme is by @OpenAI @mcleavey ‘s new model. Very cool. https://t.co/7LDhClKnBd pic.twitter.com/yxGFJRCk8g
— sageev oore (@osageev) ٢٦ أبريل ٢٠١٩
صحيحٌ أن أدوات مثل ميوزنت قد تشكل مصدر إلهام لظهور أساليب جديدة في صناعة الموسيقى، ولكن كيف يمكن وصفها بالمقارنة مع الإبداع الموسيقي عند البشر؟ وقد سألت زاك ليبتون، الأستاذ المساعد في جامعة كارنيجي ميلون وعازف الجاز البارع، عن رأيه بشأن مقطوعات الجاز التي ارتجلها ميوزنت:
It is uninteresting in precisely the same way as every generic “we trained an LSTM to generate ____”. I don’t think there is anything here that a musician should find interesting.
— Zachary Lipton (@zacharylipton) ٢٥ أبريل ٢٠١٩
وشبكة الذاكرة طويلة المدى "LSTM" هذه هي نوع من الشبكات العصبونية، تم تطويرها في البداية على يد يورجن شميدهوبر، وهي يمكنها التقاط الخصائص المميزة لقطعة موسيقية بشكل فعال للغاية.
وإن الشكوك التي يثيرها ليبتون ليست مجرد غرور موسيقي فحسب، فميوزنت -مثل أيٍّ من أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تؤلف الموسيقى، أو ترسم اللوحات الفنية، أو تؤلف النصوص- ليست مبدعة أو خلَّاقة بنفس الطريقة التي يبدع بها الموسيقي البشري، فهي تتعلم الأنماط الكامنة في المقطوعات الموسيقية المتوفرة، ثم تردِّد ما تعلمته باستخدام بعض التباين الإحصائي.
وكما لاحظنا من قبل، فإنه من غير الواضح على الإطلاق ما هي الميزات والخصائص التي تحدد للذكاء الاصطناعي الذي يتمتع بالإبداع الفني. فخلافاً للأعمال الموسيقية التي يؤلفها ميوزنت، فإن الموسيقى البشرية متجذرة في الثقافة، والتاريخ، واللغة. كما أن لديها قدرة رائعة على إثارة الدهشة، وتحريك المشاعر بقوة، ومنح الإلهام لمن يستمع لها؛ لذا فإن الخوارزميات لا يزال أمامها طريق طويل قبل أن تحقق كل ذلك.