تقدم موجة الحر غير المسبوقة التي ضربت شمال غرب الولايات المتحدة أحدثَ مثال على مدى ضعف استعدادنا للتعامل مع التحديات المميتة الناجمة عن تغير المناخ.
فقد أدى ارتفاع درجة الحرارة في العديد من المناطق إلى تزايد كبير في الطلب على الكهرباء وتسبب في إجهاد الشبكة نتيجة لجوء السكان إلى تشغيل المراوح ومكيفات الهواء، التي تم استخدام الكثير منها في مناطق نادراً ما كانت تتطلب تشغيلها سابقاً. في الأيام القليلة الماضية، انقطع التيار الكهربائي عن آلاف المنازل على الأقل في محيط بورتلاند وسياتل وأماكن أخرى؛ ما تسبب في أوضاع مهددة للحياة مع بلوغ درجات حرارة مستويات قد تؤدي للإصابة بضربة شمس أو حالات أسوأ.
يشعر المراقبون بالقلق من احتمال حدوث مزيد من انقطاعات واسعة النطاق للكهرباء مع ارتفاع درجات الحرارة هذا الأسبوع ووصول موجة الحر إلى مناطق أخرى.
يرصد علماء المناخ بصورة مستمرة أن التغير المناخي يتسبب في موجات حر متكررة وشديدة ولفترات أطول حول العالم. وفي حالة الموجة الأخيرة، تسببت سلسلة من الكتل الهوائية ذات الضغط العالي والمتجمعة على طول الحدود الكندية في تشكُّل ما يُعرف باسم القبة الحرارية؛ حيث تم حبس الهواء الساخن فوق منطقة تمتد جنوباً إلى شمال كاليفورنيا وإلى أقصى الشرق حتى ولاية أوهايو.
أعلن مشغلو شبكة الكهرباء في كاليفورنيا أنهم على الأرجح سيدعون السكان إلى تخفيضات طوعية في استخدام الكهرباء يوم الإثنين الماضي. ومن المتوقع حدوث نقص في الإمدادات مع توقع بلوغ درجة الحرارة حوالي 65 درجة مئوية في الجزء الداخلي من الولاية.
ورغم أن منبع القلق الأساسي يكمن في زيادة الطلب على الكهرباء عندما يقوم السكان بتشغيل مكيفات الهواء، فإن الحرارة نفسها يمكن أن تقوض الشبكة بطرق أخرى أيضاً، كما يقول آرن أولسون، الشريك الرئيسي في شركة الاستشارات "الطاقة والاقتصاد البيئي"؛ إذ يمكن أن تؤدي الحرارة إلى تراجع كفاءة محطات الطاقة، وارتفاع حرارة المحولات، وتمدد خطوط الكهرباء وتدليها لتصطدم بالأشجار وتتسبب في انقطاع التيار الكهربائي، بالإضافة إلى مشاكل أخرى.
تواجه كاليفورنيا تحدياً إضافياً ناجماً عن ظروف الجفاف القاسية مؤخراً، التي أدت إلى تراجع إنتاج الطاقة الكهرومائية إلى مستوى أقل من المعتاد. ويضيف أولسون أنه علاوة على ذلك، قد لا يتمكن مشغلو الشبكات المترابطة مع بعضها في الغرب من الاعتماد على توريدات فائض الكهرباء من مناطق أخرى لأن موجة الحرارة تؤثر على مساحة كبيرة من البلاد.
تقول جين لونج، المديرة المشاركة السابقة في مختبر لورانس ليفرمور الوطني، إن ما نشهده هو -من عدة نواحٍ- عبارة عن نظام كهربائي مبني إلى حد كبير ليعمل في مناخ الماضي ويواجه صعوبات في الاستمرار بعمله في مناخ اليوم.
إن تعزيز أنظمتنا الكهربائية لتصمد في وجه طقس قاسٍ يتزايد تكراره أو شدته -سواء كانت موجات الحرارة هذا الصيف أو عواصف الشتاء الماضي- سوف يتطلب إجراء تحديثات كبرى لشبكات الكهرباء في الولايات المتحدة، بما في ذلك الانتقال إلى استخدام أنظمة النقل والتوزيع الحديثة، ومصادر التوليد "المقاومة للعوامل الجوية"، مثل توربينات الرياح أو محطات الغاز الطبيعي، وإضافة المزيد من قدرات تخزين الطاقة.
كما سيتطلب ذلك، وفقاً للونج، إنشاءَ مجموعة متنوعة من محطات الطاقة القادرة على توفير إمداد مستقر بالطاقة في أي سيناريو طقس وفي أي وقت من اليوم. لكن سيغدو من الصعب الحفاظ على استقرار الإمدادات في ظل تزايد اعتماد المناطق على حصص أكبر من طاقة الرياح والطاقة الشمسية، التي تتسم بتقلبها المستمر. لقد وجدت الدراسات التي أجرتها لونج وآخرون أنه ينبغي على الولايات دمج مصادر إضافية خالية من الكربون قادرة على توليد الطاقة عند الحاجة -مثل محطات الطاقة الحرارية الأرضية أو الطاقة النووية أو الهيدروجين أو الغاز الطبيعي- مع أنظمة قادرة على التقاط الانبعاثات المناخية.
سنحتاج أيضاً إلى تطوير أجهزة تكييف هواء أكثر كفاءة وصداقة للبيئة.
وفوق كل ذلك، تؤدي درجات الحرارة المرتفعة وظروف الجفاف الشديدة إلى تزايد مخاطر نشوب الحرائق، ما يستدعي إجراء تغييرات إضافية في النظام الكهربائي، بما في ذلك دفن خطوط الكهرباء في الأرض، وتركيب خطوط حديثة تتوقف تلقائياً عن نقل الكهرباء عند اكتشاف وجود انقطاع، وبناء أنظمة موزعة لتوليد وتخزين الكهرباء.
في خضم موجات الحرارة، لا يمثل انقطاع التيار الكهربائي مجرد إزعاج بسيط، بل قد يتحول إلى عامل مميت؛ حيث يتحول إرهاق الحرارة إلى ضربة شمس، كما تقول ستايسي تشامبيون، أحد النشطاء الاجتماعيين والتي تقوم بتتبع الوفيات الناجمة عن الحرارة في الأماكن المغلقة في ولاية أريزونا ودفعت المرافق المحلية إلى إيقاف سياسة قطع التيار الكهربائي أثناء فترات ارتفاع درجات الحرارة. وتقول شامبيون: "تعرف هذه الحالة باسم القاتل الصامت".
وهي محقة فعلاً؛ حيث إن موجات الحر تقتل من الأميركيين أكثر مما تقتله الأعاصير والزلازل مجتمعة. ويعد الأطفال وكبار السن والنساء الحوامل هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الخطر.
وقد وجدت الدراسات أن تسارع وتيرة التغير المناخي ستؤدي إلى تزايد الوفيات والأمراض الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة.