في مشهد تكنولوجي سريع التطور، يبرز الذكاء الاصطناعي الذي يَعِد بإحراز تقدم وكفاءة غير مسبوقين في مختلف المجالات. وفي حين تواجه العديد من الوظائف إمكانية استبدالها بالذكاء الاصطناعي، إلّا أن هناك بعض الوظائف ستظل بمثابة معاقل للإبداع البشري، حيث تظل اللمسة الإنسانية وعمليات صُنع القرار المعقدة مطلوبة فيها بشدة.
يُسلّط هذا المقال الضوء على سبب بقاء بعض المهن خارج نطاق سيطرة الذكاء الاصطناعي، ما يوفّر الطمأنينة للأفراد الذين يريدون التوجه إليها أو يشغلونها بالفعل.
اقرأ أيضاً: كيف تربح مع الذكاء الاصطناعي: 5 نصائح لتحافظ على وظيفتك
الذكاء الاصطناعي وُجِد ليبقى.. ولكن!
في الوقت الحالي نجد أن الذكاء الاصطناعي قد دخل بالفعل في العديد من المهن بهدف تقليل عبء المهام المتكررة والمملة التي لا يجيدها البشر بشكلٍ عام والتي تتفوق فيها أجهزة الكمبيوتر، فنحن في خضم ثورة عاملة عنوانها استبدال العديد من المهن بالآلات والروبوتات في المستقبل القريب، والبداية ستكون بشكلٍ كبير بصناعة النقل، حيث بدأت السيارات والشاحنات الذاتية القيادة بالانتشار بالفعل على الطرقات.
ومع ذلك، من المهم ملاحظة أنه من المستحيل استبدال عاملي المهن والوظائف جميعهم بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، ففي دولة السويد المعروفة بتقدمها التكنولوجي مثلاً، تعتمد الشركات فيها بشكلٍ كبير على توظيف الأشخاص بناءً على العلاقات الشخصية والمعرفة بسوق العمل وملاءمة المرشح لثقافة الشركة، وكلها أدوار قد لا يتمكن الذكاء الاصطناعي من إعادة إنشائها بالكامل.
بالإضافة إلى ذلك ووفقاً لتقرير مستقبل الوظائف لعام 2023 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، والذي يُبرز كيفية تطور الوظائف والمهارات على مدى السنوات الخمس المقبلة، فإن أعلى نمو للوظائف للفترة ما بين 2023-2027 سيكون لمشغلي المعدات الزراعية وسائقي الشاحنات الثقيلة والحافلات ومعلمي التعليم المهني ثم الميكانيكيين ومصلحي الآلات.
ومع ذلك ينبغي ألاّ ينظر إلى الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا بشكلٍ عام على أنهما أعداء، فعلى غرار الطريقة التي توجد بها غسالة الملابس وغسالة الصحون بشكلٍ أساسي لتوفير الوقت، من المحتمل أن يسمح لنا الذكاء الاصطناعي بالتركيز على أجزاء من وظائفنا، ما يُتيح لنا إضافة قيمة أكبر لعملنا وأن نكون أكثر إبداعاً.
اقرأ أيضاً: 4 أنواع من الوظائف لن تختفي بسبب الذكاء الاصطناعي
ما المهن التي ستتحدى ثورة الذكاء الاصطناعي؟ ولماذا؟
في حين يتفوق الذكاء الاصطناعي في معالجة كميات هائلة من البيانات وتنفيذ المهام المحددة مسبقاً بسرعة ودقة ملحوظة، إلّا أن هناك جوانب دقيقة في بعض المهن لا تزال تتحدى الأتمتة، وبالتحديد المهن والوظائف التي يسود فيها الحدس البشري والإبداع والتعاطف والحكم الأخلاقي والتي تحافظ على تفرد الخبرة الإنسانية، ومن ضمنها:
المعلمون
يُعدُّ التعلم من أهم الجوانب المهمة في حياتنا، ففي المتوسط يقضي الشخص ما بين 15 و20 عاماً من سنين حياته الأولى في التعلم واكتساب المعرفة، وهو ما يبرزه كالتزام اجتماعي هائل ويشكّل العديد من الجوانب المختلفة لما نحن عليه مستقبلاً. ونتيجة لذلك يتحمل المعلمون مسؤولية حاسمة في نقل القيم المركزية والمفاهيم الأساسية إلينا بين سطور المواد التي يدرسونها على وجه التحديد.
علاوة على ذلك، غالباً ما يمثّل المعلمون نقطة مرجعية للكثيرين منا، وفي كثيرٍ من الأحيان تستند قراراتنا الأكاديمية جزئياً إلى مدى إلهام معلم معين في السنوات السابقة، لهذه الأسباب كلها يكاد يكون من المستحيل أن تكون لدينا تجربة تدريس رقمية بالكامل في المستقبل.
مدراء الموارد البشرية
يغطي مدراء الموارد البشرية مجموعة متنوعة من المهام المهمة جداً داخل كل شركة، كما أنه منصب رئيسي داخل أي شركة للحفاظ على تحفيز الموظفين وتحديد المسؤوليات وإدارتها إن أمكن. وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي أصبح يتغلغل بقوة في عمليات الموارد البشرية مؤخراً؛ مثل المساعدة على تصفية عدد كبير من المتقدمين للوظائف الشاغرة وقراءة السير الذاتية وغيرها، فإنه من الصعب للغاية برمجة كمية المهارات البشرية المطلوبة لوظيفة ما وتركها للذكاء الاصطناعي لتحديد المرشح المثالي للوظيفة الشاغرة.
الرعاية الصحية
في مجالات مثل الطب والتمريض وعلم النفس، يمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة على التشخيص وتوصيات العلاج، لكنه لا يمكن أن يحل محل التعاطف والحدس والأسلوب الذي يتعامل به متخصصو الرعاية الصحية، حيث إن العلاقة الإنسانية بين المرضى ومقدمي الرعاية، إلى جانب القدرة على فهم ومعالجة الاحتياجات العاطفية والنفسية المعقدة، لا تزال بعيدة عن متناول الذكاء الاصطناعي.
المدراء والرؤساء التنفيذيون
بلا شك يستطيع الذكاء الاصطناعي تحليل البيانات واقتراح الاستراتيجيات المثلى، لكنه لا يستطيع أن يحل محل القيادة الحكيمة والحدس والفطنة الأخلاقية المطلوبة في المواقف المعقدة والغامضة؛ فوجود قائد بشري في الشركة من شأنه أن يجلب مزيجاً فريداً من الذكاء العاطفي والبصيرة الاستراتيجية والمسؤولية الأخلاقية في عمليات صُنع القرار والتعامل مع حالات عدم اليقين بحكمة وتعاطف.
الفنون الإبداعية
في حين أن الذكاء الاصطناعي قادر على توليد الصور والموسيقى وحتى قيادة أوركسترا موسيقية أعضاؤها روبوتات، إلّا أنه غالباً ما يفتقر إلى عمق المشاعر الإنسانية والقدرة على إضفاء التجارب الشخصية والسياق المجتمعي على الفنون الإبداعية؛ مثل الكتابة والغناء والأداء المسرحي وغيرها، فهذه المهن تعتمد على وجهات نظر وعواطف وقصص فريدة، ما يجعلها شخصية وذات أهمية ثقافية عميقة.
المهن القانونية
من المستحيل استبدال الوظائف التي تتطلب الحس السليم بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، خاصة تلك المتعلقة بالقانون، على سبيل المثال لا يمكن تكيُّف الخوارزميات بسهولة للالتزام بسياقات ومواقف محددة في عمل الشرطة، وبالمثل بالنسبة للمحامين، حيث يتطلب الأمر مجموعة معينة من المهارات ليكون المحامي قادراً على التنقل في النظم القانونية المعقدة والدفاع عن العميل في المحكمة.
المهن الحرفية اليدوية
نظراً إلى أن الذكاء الاصطناعي يُستخدم لأتمتة المزيد من الأنشطة التي لا يستمتع البشر القيام بها، فمن المستحيل أن يختفي أصحاب المهن الحرفية اليدوية مثل السباكين والكهربائيين والطهاة، حيث تتطلب هذه المهن إجراء تعديلات في الوقت الفعلي بناءً على التعليقات المرئية واللمسية واستكشاف المشكلات وإصلاحها وضمان السلامة والتفاعل مع العملاء، وهي مهارات لم يصل إليها الذكاء الاصطناعي بعد، ومن المستبعد أن يصل إليها في يوم من الأيام.
محللو أنظمة الحاسوب
أحد المبادئ في أخلاقيات الذكاء الاصطناعي التي أصبحت محور العديد من النقاشات هو أنه ينبغي ألاّ ندع الآلات تقود بعضها بعضاً أبداً، ومن ثَمَّ بغض النظر عن مدى مستوى الأتمتة في الوقت الحالي، ستكون الحاجة إلى وجود عامل بشري يمكنه تشغيل أعمال الصيانة والتحديث والتحسين والتصحيح وإعداد أنظمة البرامج والأجهزة المعقدة من أجل العمل بشكل صحيح مطلباً ضرورياً ومهماً للغاية.
اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي لا يهدد وظيفتك بالضرورة لكنه سيغيرها
حيث إن مراجعة قدرات أنظمة الذكاء الاصطناعي والتحكم في سير عملها ليست سوى جزء من مهام وظيفة محلل نظم الحاسوب التي تعتبر مهنة مطلوبة بشدة في السنوات الأخيرة، خاصة مع دخول المزيد من أجهزة إنترنت الأشياء إلى حياتنا، لذا فإن هذه الفئة المهنية المحددة ستكون الحاجة إليها مستقبلاً على قمة قوائم الوظائف.