من أين أتى المذنب الذي قتل الديناصورات وكيف وصل إلى الأرض؟

4 دقائق
المذنب الذي قتل الديناصورات
الصورة الأصلية: شاترستوك | تعديل: إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية

في يوم ما، قبل 66 مليون عام تقريباً، سقط على الأرض جسم عملاق غريب قادم من حافة مجموعتنا الشمسية. وقد تسبب هذا الجرم السماوي -الذي يبلغ عرضه عشرات الكيلومترات- في تغيير تاريخ الكوكب إلى الأبد، بعدما قضى على ما يقرب من ثلاثة أرباع الأنواع النباتية والحيوانية التي كانت تعيش على الأرض في ذلك الوقت، وأنهى عصر الديناصورات بطريقة مفاجئة، ممهداً الطريق إلى عصر الثدييات وتطور البشر.

شظية مذنب وليس كويكباً

خلَّفَ تشيكسولوب (Chicxulub) -الذي ساد اعتقاد بأنه كويكب وليس مذنب- وراءه حفرة عملاقة تمتد على مسافة 93 ميلاً (حوالي 150 كيلومتراً) وعمق 12 ميلاً (حوالي 19 كيلومتراً) تمتد قبالة سواحل دولة المكسيك الحالية. وقد أدى اصطدامه القوى بالأرض في نهاية العصر الطباشيري إلى تسخين مواد الهيدروكربونات والكبريت الموجودة داخل الصخور الرسوبية، ما تسبب في تكوُّن ما يُعرف بالسناج (السخام) الستراتوسفيري (stratospheric soot) والهباء الكبريتي (sulfate aerosols) في الغلاف الجوي، الذي كوّن بعد ذلك ضباباً من حمض الكبريتيك حجب ضوء الشمس، وبدأت سنوات التبريد العالمي التي سببت تغيرات كبرى في المناخ، نتج عنها انقراض الديناصورات وغيرها من الحيوانات، وحدوث طفرة للثدييات اللاحقة وظهور الإنسان.

السؤالان الرئيسيان اللذان حيرا العلماء لفترة طويلة فيما يتعلق بهذا الجرم السماوي هما: هل كان كويكباً أم مذنباً؟ وأين نشأ وكيف وصل إلينا؟ ظهرت عدة نظريات تحاول الإجابة على هذا اللغز، إلا أن باحثَيْن من جامعة هارفارد الأميركية يعتقدان أنهما توصلا إلى التفسير الأقرب للصواب، وقدما نظرية جديدة ترجح أن تشيكسولوب كان شظية مذنب وليس كويكباً، كما تشرح النظرية كيف وصل هذا المذنب إلى الأرض.

ولابد هنا من الإشارة إلى أن الفارق الرئيس بين المذنبات والكويكبات هو المكون؛ إذ تتكون الكويكبات من الصخور والمعادن، بينما تتكون المذنبات من مواد متجمدة وغبار وتذوب عند اقترابها من الشمس.

… وجاء من سحابة أورت

في دراسة نُشرت في دورية ساينتفك ريبورتس (Scientific Reports)، الأسبوع الماضي، ذكر كل من آفي لوب أستاذ العلوم في جامعة هارفارد، وأمير سراج طالب الفيزياء الفلكية بالجامعة، أنهما استخدما التحليل الإحصائي وعمليات محاكاة للجاذبية، واكتشفا أن جزءاً مهماً من مذنب تشيكسولوب قد نشأ في سحابة أورت (Oort cloud).

المذنب 67P تشوريوموف-جيراسيمنكو
صورة التقطتها مركبة روزيتا التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية بعد اقترابها لمسافة 31 كم من المذنب (67P/تشوريوموف-جيراسيمنكو) عام 2014.
مصدر الصورة: وكالة ناسا

وسحابة أورت هي فقاعة هائلة الحجم من الجسيمات الثلجية تحيط بالمجموعة الشمسية، ويقول العلماء إن المسافة بينها وبين الشمس كبيرة لدرجة أنها لا تُقاس بالأميال أو الكيلومترات، وإنما بالوحدات الفلكية (AU) التي تعني متوسط المسافة بين الأرض والشمس. ويُعتقد أن الحافة الداخلية لسحابة أورت تبعد ما بين 2,000 إلى 5,000 وحدة فلكية عن الشمس، أما حافتها الخارجية فتبعد عنها بما بين 10,000 إلى 100,000 وحدة فلكية.

وأضاف الباحثان -في تقرير نشرته الجامعة على موقعها الإلكتروني– أن المذنب خرج بعد ذلك عن مساره بفعل جاذبية كوكب المشتري، التي أرسلته إلى مدار قريب من الشمس، التي حطمته بدورها عن طريق قوى المد والجزر إلى قطع أصغر من الصخور.

وتشير الدراسة إلى أن هذه الطريقة تزيد معدل المذنبات التي قد تُحدث نفس التأثير الذي أحدثه تشيكسولوب؛ لأن هذه الأجزاء تعبر مدار الأرض وتضرب كوكبنا مرة كل 250 إلى 730 مليون عام.

ويقول سراج إن كوكب المشتري يركل المذنبات طويلة الأمد -أي التي تستغرق أكثر من 200 عام للدوران حول الشمس- القادمة من خارج المجموعة الشمسية، إلى مدارات تجعلها قريبة للغاية من الشمس، موضحاً أن هذا هو السبب في إطلاق اسم راعي الشمس (Sun Grazer) على هذا النوع من المذنبات.

استبعاد فرضية حزام الكويكبات الرئيسي

تشير حسابات الباحثين إلى زيادة تقدر بعشرة أضعاف في فرص ارتطام المذنبات طويلة الأمد بالأرض عما كان يعتقد سابقاً، وتُظهر أن حوالي 20% من هذه المذنبات تصبح راعية للشمس. كما يقولان إن حساباتهما تتوافق مع عمر المذنب وتوفر تفسيراً مرضياً لمكان نشأته هو وغيره من المذنبات المشابهة له.

وترجح الفرضية الجديدة أن تكون الفوهات الأخرى الموجودة على الأرض -التي تماثل فوهة تشيكسولوب من حيث الحجم- قد نشأت بسبب نيازك بدائية التكوين (نيازك كوندريت كربوني) أكثر من احتمالية نشأتها بسبب كويكبات الحزام الرئيسي.

ويشير مصطلح حزام الكويكبات الرئيسي إلى مجموعة من الكويكبات التي تقع في بين مداري كوكب المريخ وكوكب المشتري.

صورة توضيحية لكويكب سيريس
صورة توضيحية لكويكب سيريس، أكبر كوكب قزم في حزام الكويكبات الرئيسي الواقع بين مدار كوكب المريخ ومدار كوكب المشتري.
مصدر الصورة: وكالة ناسا

وترجع أهمية هذه النقطة إلى أنها تنفى النظرية الشائعة حول تشيكسولوب، التي تقول بأنه كان جزءاً من كويكب أكبر بكثير جاء من الحزام الرئيسي، لأن الكوندريت الكربوني لا يوجد سوى في حوالي عُشر الكويكبات الموجودة في الحزام الرئيسي، بينما يُفترض أن معظم المذنبات طويلة الأمد تمتلك هذا المكون.

وقد تم العثور على أدلة في فوهة تشيكسولوب وفي غيرها من الفوهات المماثلة تشير إلى احتوائها على كوندريت كربوني. ومن الأمثلة على ذلك فوهة فريديفورت في جنوب أفريقيا التي تُعد أكبر فوهة نيزكية على الأرض؛ حيث يبلغ قطرها حوالي 300 كيلومتر وعمرها ملياري عام، وفوهة زامانشين في كازاخستان.

الاصطدام ضاعف معدل اندلاع براكين ديكان

ربما تسبب اصطدام تشيكسولوب بالأرض في التدهور البيئي المفاجئ الذي كان كافياً ليسبب الانقراض الجماعي للكائنات الحية، إلا أن الكثير من الأدلة تشير إلى أن هذا الحدث قد سبقته ثورات بركانية ضخمة تركزت في غرب الهند في منطقة تعرف حالياً باسم: مصاطب ديكان (Deccan Traps).

وتشير بعض الدراسات الحديثة إلى أن حادثة التصادم والثوران البركاني ربما كانا مرتبطين ببعضهما البعض، وأن الموجات الزلزالية الناتجة عن ارتطام النيزك بالأرض قبالة المكسيك أدَت إلى مضاعفة معدل اندلاع الحِمَم البركانية على الجانب الآخر من الكوكب، ما سبَّب في النهاية هذا الانقراضَ الجماعي.

وأخيراً، يرى لوب أن فهم التأثير الذي أحدثه هذا النيزك لا يُعد أمراً حاسماً فقط لحل لغز تاريخ الأرض، وإنما قد يكون عاملاً مهماً في معرفة ما إذا كان مثل هذا الحدث سيهدد كوكبنا مرة أخرى. ويختتم بالقول: “لا بد أنه كان مشهداً مذهلاً، لكننا لا نريد أن نرى هذا الجانب”.

 

المحتوى محمي