هل تشكّل منظمة مؤتمر الإنترنت العالمي الصينية الجديدة تهديداً للإنترنت؟

4 دقائق
هل تشكّل منظمة مؤتمر الإنترنت العالمي الصينية الجديدة تهديداً للإنترنت؟
إس تي آر/ غيتي إيميدجيز.

منذ عام 2014، عقدت إدارة الفضاء السيبراني الصينية، وهي الجهة الرقابية الصينية المتخصصة في رقابة الإنترنت، مؤتمراً سنوياً بخصوص الإنترنت، حيث يجتمع ممثلو الشركات التكنولوجيّة والجهات الحكومية من جميع أنحاء العالم لمناقشة المواضع المتعلقة بالإنترنت، وحيث طرحت الصين رؤيتها الجديدة حول التحكّم الحكومي بالإنترنت.

تحوّل هذا الحدث الصيني إلى تعاون رسمي يهتم بمستقبل الإنترنت. مؤخراً، أعلنت وكالة أنباء صينية حكومية أن بكين تخطط لتحويل هذا المؤتمر العالمي إلى منظمة دولية جديدة تعنى بشؤون الإنترنت.

معايير عالمية 

على الرغم من أنه ليس هناك الكثير من المعلومات حول هذه المنظّمة الجديدة، فإنها قد تؤثّر سلباً على شبكة الإنترنت العالمية. أفادت وكالة الأنباء الصينية، شينوا (Xinhua)، بأن مجموعة الأعضاء المؤسسين للمنظمة الجديدة تتضمن "مؤسسات ومنظمات وشركات وأفراد" من نحو 20 دولة لم تذكر أسماءها، وأن رئيس إدارة الفضاء السيبراني الصينية سيقودها. أشارت عدة وسائل إعلام صينية أخرى إلى أن أفغانستان وكوريا الشمالية وكمبوديا كلها أعضاء في المنظمة، وادّعت أن "شركات الإنترنت الرائدة والهيئات الرسمية في قطاع الإنترنت وبعض أعضاء لوائح الشرف في مجال الإنترنت وغيرهم" كلهم انضموا إلى المنظمة. إذا استطاعت بكين إنشاء هذا التعاون وتمكينه بنجاح، فقد تهدد المنظمة الجديدة معايير التكنولوجيا العالمية وشبكة الإنترنت العالمية نفسها.

تشمل معايير التكنولوجيا وبروتوكولاتها الإرشادات والقواعد المتّفق عليها والتي تحكم كيفية تفاعل الأجهزة حول العالم مع بعضها. وهي تمكّنك من إرسال رسائل البريد الإلكتروني دولياً، وتتيح لك وصل هاتفك الجديد بالشبكات الخلويّة القديمة وتتيح أيضاً وصل أكبال أتش دي إم آي بأي تلفاز. مع ذلك، على الرغم من أن معايير التكنولوجيا معتمدة عالمياً، فإن العديد من معايير الإنترنت تعمل بالاعتماد على الانضمام الطوعي.

لا توجد هيئة عالمية تنظيمية تجبر كل شركة على أن تضمن أن الحواسيب المحمولة والهواتف وأجهزة التوجيه التي تصنعها متوافقة. وبالمثل، لا توجد هيئة تنظيميّة واحدة فوق وطنية تحدد طبيعة هذا التوافق. بدلاً من ذلك، يتم وضع المعايير المتعلقة بالإنترنت بشكل أساسي من قبل منظمة فريق عمل هندسة الإنترنت غير الربحية (آي إي تي إف)، حيث يجتمع خبراء القطاع والباحثون والأكاديميون وممثلو الحكومات التابعون للمنظمة وغيرهم لتحديد هذه القواعد التقنية. بعد ذلك، تختار الشركات من جميع أنحاء العالم تطبيق هذه القواعد لتوافق بين أجهزتها وتساعد في تمكين قابلية الاتصال العالمي. على الرغم من أن الشركات قد لا تتّبع المعايير نفسها في تطوير كل التكنولوجيات (مثل أجهزة شركة أبل (Apple) التي تتطلب استخدام كابلات خاصة)، إلا أنها تملك حوافز كافية لاعتماد معايير الإنترنت التي وضعها الخبراء.

اقرأ أيضاً: ما هي أهم معايير وضوابط الأمن السيبراني التي تحمي الشركات من الهجمات السيبرانية؟

اعتراض صيني على البروتوكولات المتبعة

منذ عقود، اعترضت بكين على هذه العملية. إذ إنها حاولت نزع مسؤولية وضع معايير قطاع الإنترنت من المنظّمات التي تقوم بصياغة المعايير بنفسها من خلال المشاورات واسعة النطاق، ومنحها للمنظمات التي تتحكّم بها الحكومات، مثل الأمم المتحدة. الهدف من ذلك واضح نسبياً. إذا رغبت الحكومية الصينية بتطبيق معايير التكنولوجيا التي تفيد شركاتها وتمنحها المزيد من الفرص للتحكّم الهرمي بالإنترنت، فستسعى لجعل الحكومات هي المسؤولة عن وضع معايير قطاع التكنولوجيا بدلاً من الشركات ومنظّمات المجتمع المدني. يعكس هذا الموقف رؤية "السيادة السيبرانية" الخاصة بالحكومة الصينية، والتي تنص على أن الحكومات تستطيع التحكّم بالإنترنت ضمن حدودها، بل ويجب عليها ذلك.

لا يعتبر كل اقتراح صيني للمعايير وسيلة بيد الحكومة الصينية. ولدى الشركات الصينية العديد من الأسباب التي تدفعها لاقتراح معايير جديدة في قطاع التكنولوجيا خاصّة بالحواسيب والهواتف الخلوية والأجهزة الأخرى، من تعزيز مزاياها التنافسية إلى الحصول على المحفّزات النقديّة لصياغة وثائق المعايير. مع ذلك، ترغب بكين بنشر رؤيتها المتمثلة في التحكّم الحكومي بالإنترنت عالمياً. كما أنها عملت بتنسيق مباشر مع الشركات الصينية لتحقيق ذلك، مثل ما حدث عندما وقّعت شركة هواوي (Huawei) وشركتا اتصالات حكوميّتان ووزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينية على اقتراح حول "بروتوكول الإنترنت الجديد" ليستبدل بروتوكول الإنترنت (آي بي) المعتمد عالمياً بآخر يتيح الرقابة والتحكّم الحكومي الهرمي بالإنترنت.

اقرأ أيضاً: لماذا علينا إيلاء اهتمام أكبر بشأن قطع الإنترنت؟

بماذا تهدد المنظمة الصينية الجديدة الإنترنت؟

في هذا السياق، تشكّل منظّمة الإنترنت الصينية الجديدة تهديدين على شبكة الإنترنت العالمية على الأقل. حتى الآن، فشلت الحكومة الصينية إلى حد كبير في تحويل آلية وضع معايير قطاع الإنترنت من عملية إجماع مفتوحة وتطوعية إلى نموذج حكومي هرمي. والذي تحدد فيه الحكومات مثل الحكومة الصينية القواعد (مثل الطريقة التي تُرسَل فيها رسائل البريد الإلكتروني وطرق تشفير البيانات على الإنترنت) بدلاً من الباحثين.

إذا انضمّت المزيد من الجهات إلى مؤتمر الإنترنت العالمي، قد تبدأ بكين بنشر معايير التكنولوجيا الخاصة بها ضمن تلك الكتلة. على سبيل المثال، من المحتمل أن تحظى المعايير الصينية التي تواجه الرفض حالياً في الأمم المتحدة، مثل اقتراح بروتوكول الإنترنت الجديد الخاص بشركة هواوي، بالمزيد من الدعم من الدول الصديقة للصين والمقتنعة برؤية السيادة السيبرانية. حتى ولو رفضت العديد من الدول والشركات اتباع هذه المعايير، قد تحظى الحكومة الصينية بالمزيد من التقبّل من الدول الأعضاء في مؤتمر الإنترنت العالمي. وعندها، من المحتمل أن تنتشر المعايير الهرمية الصينية في الدول التي كان من الممكن أن تفشّلها فيها منظمات الإنترنت الأخرى.

على نطاق أوسع، يمكن أن تستغل الحكومة الصينية منظمة مؤتمر الإنترنت العالمي الجديدة لإنشاء تحالفات تعارض سياسة الإنترنت العالمي. على سبيل المثال، هناك انتخابات خريفية قادمة في الاتحاد الدولي للاتصالات (وكالة الأمم المتحدة للتكنولوجيا) حيث يتنافس مرشّح روسي مع آخر أميركي. تستطيع السلطات الصينية استخدام الهيئة الجديدة للضغط على الحكومات بهدف دعم المرشح الروسي (رشيد إسماعيلوف) لمنح روسيا والصين سلطات أوسع في الأمم المتحدة. تستطيع بكين أيضاً استخدام منظّمتها الجديدة للحصول على الدعم لمقترحاتها ضمن هيئات أخرى مثل تلك التي تدعو في الأمم المتحدة لزيادة التحكّم الحكومي بالإنترنت بهدف محاربة الجرائم السيبرانية. وتستطيع الحكومة الصينية تكرار ما فعلته عندما استخدمت منظمة شانغهاي التعاونية و"المنظمات الدولية" الأخرى لتعزيز مصالحها.

هناك الكثير من المعلومات التي نجهلها حالياً، ومن المستحيل معرفة الطريقة التي ستتطور بها المنظمة الجديدة.

اقرأ أيضاً: مخاوف غربية من اقتراح صيني لإعادة بناء الإنترنت

يمكن أن تكون مشاركة الحكومات والشركات الغربية وغيرها من عدمها عاملاً حاسماً. وكذلك الأمر بالنسبة لما إذا كانت "الدول المتأرجحة" في سياستها حول الإنترنت، مثل الهند وجنوب إفريقيا والمكسيك وإندونيسيا والبرازيل وغيرها، ستنخرط في المنظّمة ولأي درجة ستفعل ذلك.

بالنسبة لصنّاع القرار الأميركيين القلقين بشأن جهود بكين التي تهدف لزيادة التحكم الحكومي بالإنترنت حول العالم، فلا يكمن الحل في تقليد نهج بكين ودفع حكومة الولايات المتحدة إلى إدارة عملية وضع المعايير الخاصة بالقطاع الخاص بهدف "محاربة الصين". كما أنه لا يكمن في تعزيز نهج "نادي الدول الديموقراطية" الخاص بالرئيس جو بايدن (Joe Biden) والذي يستهدف في معظمه الدول الغربية الثرية ذات السكان البيض دون منح فرصة حقيقية لدول الجنوب العالمي وغيرها. بدلاً من ذلك، إن تتبّع نشاط منظّمة مؤتمر الإنترنت العالمي هو عامل حاسم. بالإضافة إلى إنشاء تحالف لحماية شبكة الإنترنت العالمية التي تضم مختلف الدول حول العالم.

المحتوى محمي