لماذا أُفرغت مناطيد “جوجل” لبثّ الإنترنت من الهواء؟

5 دقائق

وفرت تكنولوجيا "لون" الاتصال بالشبكة العنكبوتية في مناطق لم تتصل بها من قبل، لكن ذلك لم يكن كافياً، فماذا عن مناطيد "جوجل" لبثّ الإنترنت؟

أعلنت "ألفابت"، الشركة الأم لشركة "جوجل"، في شهر يناير/كانون الثاني من عام 2021 أنها ستغلق شركة "لون" (Loon)، وهي مشروع يستخدم مناطيد الهيليوم لبثّ الإنترنت إلى المناطق النائية من طبقات الجو العليا (الستراتوسفير). كانت شركة "لون" التي أسست في عام 2011 واحدة من أهم الأعمال التي أثارت ضجة في شركة "إكس" (X) التي تمثل حاضنة أعمال التكنولوجيا السامية الطموحة في شركة "ألفابت". لكن باء المشروع بالفشل بسبب التمويل غير المستقر والتوقعات المتزايدة في شركة "ألفابت" بأن تتوصل هذه التكنولوجيا الطموحة إلى طريقة لجني المال. كتب الرئيس التنفيذي في شركة "لون" آلاستر ويستغارث مقالة على الإنترنت لإعلان إنهاء المشروع، قال فيها: "على الرغم من عثورنا على عدد من الشركاء العازمين على تنفيذ هذا المشروع، فإننا لم نتوصل إلى طريقة لتخفيض التكاليف بما يكفي لبناء عمل تجاري مستدام طويل الأجل". لقد أفرغ منطاد هذا الحلم من الهواء تماماً.

إنجازات شركة "لون"

حققت شركة "لون" عدة نجاحات باهرة على مدى الأعوام القليلة الماضية. ففي أعقاب إعصار ماريا الذي دمر البنى التحتية في مدينة بورتو ريكو في عام 2017، عملت شركة "لون" مع شركتي "أيه تي آند تي" و "تي موبايل" على تزويد 100,000 شخص في المنطقة بخدمة الإنترنت الأساسية. كما تمكنت من تجربة مناطيدها في دول مثل البرازيل ونيوزيلندا وجنوب إفريقيا وسريلانكا. وفي شهر يوليو/تموز من عام 2020، أطلقت شركة "لون" أول خدمة تجارية لاتصال الجيل الرابع بتقنية "إل تي إي" (4G LTE) في كينيا باستخدام قرابة 35 منطاداً تغطي مساحة 50,000 كيلومتر مربع تشمل العاصمة نيروبي بعد عقد اتفاق مع شركة الاتصالات "تيلكوم كينيا" (Telkom Kenya). تسعى عدة مؤسسات غير ربحية إلى توفير خدمة الاتصال بالإنترنت في العالم أجمع، وكانت تعلق آمالاً كبيرة على شركة "لون" نظراً للتقدم الذي أحرزته. إذ التقى روبرت أندرسون، الرئيس التنفيذي للمؤسسة غير الربحية "تيليكوم فور غود" (Telecom4Good) مع مهندس من شركة "لون" في السنغال منذ عدة أعوام وكان يرى أن فكرة بثّ الإنترنت من طبقات الجو العليا ستكون مفيدة لتوفير خدمة الاتصال بالإنترنت في المناطق التي يكون تمديد كابلات الألياف الضوئية إليها مكلفاً للغاية. قال لي أندرسون: "فلنفترض أنك في منطقة جبلية أو في المناطق الريفية النائية في الجزء الشرقي من كينيا، كيف ستتمكن من توفير الاتصال بالإنترنت هناك؟ يمكنك أخذ منطاد وتوصيل الإنترنت إلى تلك المناطق أو إلى مخيمات اللاجئين التي تقع بين دولتين... سيكون توفير الاتصال بالإنترنت للأفراد في هذه المناطق إنجازاً مهماً". كانت مناطيد شركة "لون" تعمل بصورة أساسية كأبراج اتصالات عائمة توفر الاتصال بالإنترنت للهواتف الخلوية التي تعمل بتقنية الجيل الرابع "إل تي إي" على الأرض.

لكن طوال هذه المدة لم يكن طريق شركة "لون" لتحقيق الأرباح واضحاً، فبعد أن أصبحت رسمياً شركة مستقلة تابعة لشركة "ألفابت" في عام 2018، أفادت تقارير شهر نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2019 أن شركة "لون" أنفقت جميع الأموال التي تلقتها من مستثمر خارجي، وباتت تعتمد جزئياً على الشركة الأم منذ شهر أغسطس/آب كي تتمكن من الاستمرار في العمل. وكانت شركة "لون" تسعى بخطى حثيثة إلى الحصول على جولة ثانية من التمويل قبل أن تتخذ قرارها بالتوقف عن العمل تماماً. وفي حين اشتهرت شركة "جوجل" بتقديم أموال طائلة لمشاريع ذات طموحات كبيرة ولا تتمتع بقدرة مؤكدة على توليد الإيرادات، مثل مشروع الطائرات الورقية المولدة للطاقة "مكاني" (Makani) ومشروع توليد الوقود من مياه البحر "فوغهورن" (Foghorn)، تشير التقارير إلى أنها أصبحت أكثر تقشفاً بقيادة الرئيس التنفيذي للشؤون المالية روث بورات. وفي حالة مشروع "لون"، قد تكون حساسية شركة "ألفابت" تجاه اللون الأحمر مفهومة، فالمشروع كان يستهلك ما يقدّر بنحو 100 مليون دولار سنوياً.

صراع شركة "لون" لتحقيق الاستدامة المالية

كان أحد أهم أسباب صراع شركة "لون" لتحقيق الاستدامة المالية هو التكاليف التي تبين أنها أعلى من المتوقع بكثير والتي كانت ضرورية لتشغيل المناطيد، إلى جانب حقيقة أن المستهلكين في المناطق النائية لا يستطيعون تحمل ثمن باهظ لخدمة الاتصال بالإنترنت؛ كلّ منطاد يكلف عشرات آلاف الدولارات ويجب استبداله كل 5 أشهر. التكاليف العالية هي التحدي الدائم الذي تواجهه المؤسسات غير الربحية والشركات التي تسعى إلى توصيل خدمة الإنترنت إلى سكان المناطق النائية؛ كانت الاستثمارات الهائلة التي تتطلب غالباً إعداد بنية تحتية وتشغيلها في المناطق النائية تشكل عبئاً على مزودي الخدمة والعملاء على حدّ سواء. قالت أونيكا ماكواكوا منسقة "التحالف من أجل الإنترنت ميسورة التكلفة" (Alliance for Affordable Internet) في إفريقيا: "نحن حريصون ومنفتحون وتواقون دائماً لرؤية التكنولوجيا الجديدة في هذا المجال، لاسيما إذا كانت تعالج مشكلات قدرة الناس على تحمل تكاليف خدمات الإنترنت، فهي تشكل أزمة كبيرة بالنسبة لنا". نوهت ماكواكوا إلى أن تنظيم إمكانية الحصول على خدمة الإنترنت على اعتبارها خدمة نفع عام وتكييف التوقعات حول إمكانية تحقيق الأرباح بما يتناسب مع ذلك سيساعد مشاريع مثل مشروع "لون" على ترسيخ موطئ قدم لها في القارة الإفريقية. قالت: "يجب أن يزداد عدد الناس الذين يستخدمون الإنترنت كي تتمكن الخدمة من تحقيق الربح. آمل أن نتمكن من البدء بتنظيم إمكانية الحصول على خدمة الإنترنت بنفس طريقة تنظيم خدمات الكهرباء والماء كي نعمل من منطلق الإيمان بضرورة حصول الجميع على خدمة الإنترنت".

شكلت العراقيل التنظيمية مشكلة بالنسبة لشركة "لون" أيضاً. ففي إندونيسيا، تسببت شائعات تقول إن المناطيد تحمل كاميرات بإعاقة موافقة السلطات التي شعرت بضرورة التحقق من أن المناطيد لا تحمل أجهزة سرية. كما واجهت السلطات في سريلانكا صعوبات في توفير موجة تردد الراديو لشركة "لون" حين عارضت الأمم المتحدة السماح للشركة باستخدام نفس الموجة التي تستخدمها جهات البثّ العامة في البلاد. وقالت جين كوفين نائبة الرئيس الأولى في مؤسسة "إنترنت سوسايتي" (Internet Society): "يميل البعض إلى تجنب المخاطر فيما يتعلق بتجربة أشياء جديدة، وثمة عقلية قديمة سائدة حول الهواتف وطريقة عمل الاتصالات". زادت جائحة فيروس كورونا الأمر سوءاً وضاعفت الصعوبات التي واجهتها الشركات في التعامل مع الجهات التنظيمية، تقول كوفين: "إذا كنت تحاول القيام بعمل تجاري، فبإمكانك حضور بعض أهم المؤتمرات الدولية التي تجمع كلّ الوزراء والمشرعين في مكان واحد. حينها يصبح من السهل الحصول على موافقاتهم وجذب انتباههم".

في بعض المناطق التي حاولت شركة "لون" تزويدها باتصال الإنترنت، ذكرت التقارير أن كثيراً من الناس لا يملكون أجهزة قابلة للاتصال بالإنترنت. إذ يتطلب الاتصال بخدمة الإنترنت التي توفرها مناطيد "لون" هواتف ذكية تعمل بتقنية الجيل الرابع، وهي غالباً ما تكون باهظة الثمن بالنسبة للسكان الذين لا تصل إليهم خدمة الإنترنت أساساً. لطالما واجهت المنظمات غير الحكومية صعوبات كبيرة في جعل الهواتف وأجهزة الكمبيوتر وغيرها من الأجهزة الإلكترونية يسيرة التكلفة لسكان المناطق النائية، وتنوه ماكواكوا إلى أن رسوم الاستيراد تشكل عقبة أساسية في وجه قدرة السكان على اقتناء هذه الأجهزة. وعدا عن تخفيض رسوم الاستيراد ببساطة، تدعو ماكواكوا الشركات المصنعة إلى نقل بعض من عمليات التجميع التي تقوم بها إلى إفريقيا، تقول: "أولاً، سيؤدي ذلك إلى التخلص من مشكلة رسوم الاستيراد تماماً. ثانياً، سيخلق فرص عمل في قارة نصف سكانها من الشباب".

لكن لا يزال لدينا أمل في تطوير تكنولوجيا قادرة على بثّ الإنترنت من السماء إلى المناطق النائية مثل مناطيد "جوجل" لبثّ الإنترنت، فقد خمّن البعض أن أحد أسباب إيقاف عمل شركة "لون" هو الزخم وراء مشروع "ستارلينك" (Starlink) التابع لشركة "سبيس إكس" التي تحاول إطلاق آلاف الأقمار الصناعية لتوفير الاتصال بالإنترنت في المناطق التي يصعب الوصول إليها، ومن الجدير بالذكر أن "سبيس إكس" أطلقت 10 أقمار صناعية جديدة في الفضاء ضمن مشروع "ستارلينك" في 24 يناير/كانون الثاني، 2021.

المحتوى محمي