مكون آخر “مفقود” قد يحدث ثورة في عالم الإلكترونيات

2 دقائق

في عام 1971، بدأ ليون تشوا، مهندس الإلكترونيات الشاب في جامعة كاليفورنيا بمدينة بيركلي، العمل على إطار رياضي أساسي للإلكترونيات، وقد استندت نظريته على العلاقات القائمة بين الشحنة والتيار والتدفق المغناطيسي والجهد ومدى اختلاف هذه الكميات الكهرومغناطيسية حين تمر عبر عناصر الدارة الأساسية من مقاومات ومكثفات محثات.

يحدث التيار المار عبر المقاومة جهدًا، وعند الوصول لجهد معين، يخزّن المكثف كمية معينة من الشحنة، أما التيار المار عبر المحث فيولد تدفقًا مغناطيسيًا، لكن تشوا رأى أن هناك حلقة مفقودة تكمن في العلاقة بين الشحنة والتدفق المغناطيسي.

وافترض وجود جهاز يربط بين هاتين الكميتين، أطلق عليه اسم مقاومة ذاكرية، لكنه لم يعطها الاهتمام اللازم لأكثر من 30 عامًا، وبعد ذلك في عام 2004، أعلن الباحثون في مختبرات شركة هوليت-باكارد  عن تصنيع مقاومة ذاكرية ذات قدرة استثنائية على تخزين المعلومات دون استخدام الطاقة، وهو بمثابة مقاوم مزود بذاكرة.

ومنذ ذلك الحين، جمع هذا الفريق وغيره مقاومات ذاكرية في رقاقات لعدة أغراض من بينها محاكاة طريقة معالجة الدماغ البشري للمعلومات، وقد بدأ باحثون آخرون البحث عن المكثفات الذاكرية والمحثات الذاكرية، ونسخ مماثلة من المكونات الإلكترونية السالبة الأخرى.

ويطرح هذا الأمر سؤالًا مثيرًا للاهتمام، مضمونه: هل هناك عناصر إلكترونية أخرى لم تكتشف بعد، وإذا كان الأمر كذلك، فماذا ستفعل؟

وها هي الإجابة تأتينا بفضل العمل البحثي الذي يجريه سونجسيك لي في جامعة بوسان الوطنية في كوريا الجنوبية، ففي حين ركز تشوا على المكونات الإلكترونية السالبة مثل المقاومات والمكثفات، درس لي خصائص المكونات الإلكترونية النشطة مثل الترانزستورات، وقال أنه حدد فجوة أخرى وإذا صنع هذا الجهاز المفقود فستكون له تبعيات كبيرة على مستقبل الإلكترونيات.

ويتمحور تفكير لي على أبرز الأجهزة الإلكترونية النشطة ألا وهو الترانزستور، إذ أن له مخرج يمكن تحويله عن طريق مدخل التيار أو الجهد، أو بمعنى آخر، يعمل الترانزستور على تشغيل التيار وإيقاف تشغيله.

ولكن لا يوجد جهاز مقارَن لتبديل الجهد، فاختار لي أن يصف مثل هذا الجهاز.

تأخذ الترانزستورات إشارة دخل وتنقلها إلى مخرج التيار، مثل مقاوم متغير، ومن هنا جاء الاسم يجمع بين (transfer)"النقل" و(resistor) "المقاوم"، وعلى النقيض من ذلك، فإن الجهاز الذي يدور في مخيلة لي سينقل إشارة دخل إلى خرج جهد، مثل مكثف متغير، ولذلك أطلق عليه لي مسمى مكثف النقل "trancitor".

كما اقترح لي كيفية استخدام هذا الجهاز، ومن التطبيقات الواضحة هو ربط مكثف النقل بالترانزستور لتكوين دوائر أبسط بكثير وأكثر كفاءة في استخدام الطاقة من التصميمات الموجودة، فعلى سبيل المثال، عرض لي إمكانية إنشاء مضخم جهد بسيط باستخدام مكثف نقل واحد وترانزستور واحد، فيما تتطلب الدائرة التقليدية أربعة ترانزيستورات.

ويسعى لي لمحاكاة هذه الدائرة ويقول إن ثمرة ذلك ستتمثل في دوائر أصغر وأقل احتياجًا للطاقة وأسرع من الدوائر التقليدية التي تحتوي على ترانزستورات فقط.

ويترتب على ذلك أشياء كثيرة على الأجهزة الإلكترونية، إذ أن الدوائر المكونة من الترانزيستور ومكثف النقل ستستهلك مساحة أقل بكثير، وتستخدم قدرًا أقل من الطاقة، وستعمل بسرعات أعلى من الدوائر التقليدية، وفي هذا يقول لي: "إن مكثفات النقل ستوجد نموذجًا جديدًا في عالم الإلكترونيات".

ولكن ثمة سؤال مهم لم يجب عنه بعد، ألا وهو: كيف يمكن عمل مكثف نقل؟

يقول لي أن جهازه الجديد يمكن أن يعمل باستخدام تأثير هول المعروف، والذي ينتج جهدًا عبر موصل عند توجيه حقل مغناطيسي في اتجاه عمودي على التيار، لكن يبقى غير واضح كيف يمكن استغلال هذا على مقياس نانومتر في الدوائر المتوافقة مع أشباه الموصلات المكملة المعدنية المؤكسدة (CMOS).

وإن الدوائر الإلكترونية الموجودة في الوقت الحالي ليست قد شهدت تحسينات على مدى عقود، ولذلك فإن أي جهاز جديد لابد وأن يسعى لمواكبة التطورات.

ويتمثل أحد الأسباب التي أخرت ظهور المقاومة الذاكرية التي ابتدع فكرتها تشوا كون في أن الخواص المادية التي تسمح لها بالعمل لا يمكن التلاعب بها إلا على مقياس ذري، ومن ثم لم تكن هناك طريقة لإنتاج مثل هذه المقاومات بكفاءة حتى وقت قريب نسبيًا.

إن تأثير هول يعمل بالتأكيد على نطاق حاملات الشحنات دون الذرية، ولذلك فإن كل ما نحتاجه في الوقت الحالي هو مهندس إلكترونيات مغامر يبتكر طريقة لتصميم مكثف نقل وتهيئته للاستخدام.

المرجع: arxiv.org/abs/1805.05842 : A Missing Active Device—Trancitor for a New Paradigm of Electronics

المحتوى محمي