لاحظ الكثيرون أن التقنيات المستخدمة للمساعدة على مواصلة التعليم والتجارة أثناء العزل الذاتي والحجر الصحي هي تكنولوجيات تم إنتاجها قبل سنوات عديدة، فمؤتمرات الفيديو ومشاركة الملفات والعمل من المنزل كلها مفاهيم كانت موضوعة بالفعل، إلا أن قلة من الناس اختارت تطبيقها والإخلال بالوضع القائم، حتى جاءت جائحة كوفيد-19، ففعلت هذا.
وكان من بين الأشد تضرراً أولئك الذين أُغلقت معاملهم ولم يعد بوسعهم الاستمرار في إجراء تجاربهم، الأمر الذي أدى إلى تعطيل التعليم والأبحاث في حرم الجامعات في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، وعلى غرار عالم الأعمال، جرى البحث عن حل لهذه المعضلة، وتم تطويره قبل سنوات.
في عام 2016، واجه كلٌّ من خديجة البدويهي وعصام السعدي، طالبي العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (يُشار إليها عادةً باسم الحزمة المعرفية الأساسية STEM) تحدياً مماثلاً بسبب تعذر الوصول إلى المعامل التقليدية، والأثر الشديد الذي خلفه هذا الأمر على تعليمهما. وبالنظر حولهما، لاحظا أن أقرانهما في أوساط الطلاب وأعضاء هيئة التدريس -على حد سواء- يعانون من صعوبات في الوصول، والقدرة على تحمل التكاليف، وضمان السلامة، وتحقيق الاتساق، عند محاولتهم استخدام نموذج المعمل التقليدي. ووفقاً لأبحاثهما، فقد أدى ذلك إلى معدل تناقص يبلغ 60%؛ إذ ترك الطلاب تخصصات STEM لدراسة المواد التي لا تتطلب تحمل عبء الدراسة المعملية، وذلك في وقت نشهد فيه نقصاً كبيراً في شغل وظائف STEM، فيما سيواصل عدد العاملين في هذا المجال النموَّ.
وأوضحت البدويهي في مقابلة مع إم آي تي تكنولوجي ريفيو، قائلةً: "لمعالجة هذا الوضع، أسَّسنا براكسيلابس PraxiLabs في مصر عام 2016؛ بهدف توفير معامل افتراضية بأسعار معقولة وسهلة المنال وآمنة للطلاب في الجامعات"، مضيفة: "أردنا أن يختبر الطلاب عالماً افتراضياً من العلوم لا يُقيدهم فيه الوقت ولا احتياطات السلامة ولا الخوف من الفشل".
ومن خلال إيجاد مساحة يُمكن للطلاب استخدامها للوصول إلى معامل افتراضية لمواد تشمل الكيمياء والبيولوجيا والفيزياء والهندسة، عمل كل من البدويهي والسعدي على معالجة جميع الأعباء التي يتحملها الطلاب والأساتذة والجامعات عند استخدام المعامل التقليدية. وتابعت البدويهي قائلة: "إن تكلفة إنشاء وصيانة معمل تقليدي تفرض أعباءً ثقيلة على الجامعات، وضغوطاً كبيرة على الأساتذة المشرفين. وبفضل تقنية براكسيلابس، يُمكن للطلاب إجراء تجارب مختلفة باستخدام أساليب متعددة دون تكبد نفس مشقة العمل في المعامل التقليدية، كما ترفع هذه العملية من أداء الطلاب وتُسرّع حوافز التعلم وجمع المعلومات لديهم".
توفر براكسيلابس للطلاب تجربة سلسة مع ميزات ثلاثية الأبعاد تُحاكي المعامل الواقعية، كما تقدم إرشادات حول الأهداف التعليمية وأفضل الممارسات والإجراءات الأساسية الخاصة بالتجارب. وحتى عند استخدام أدوات المعمل الافتراضي المعقدة لإجراء التجارب المتطورة، تظل المنصة سهلة الاستخدام ويمكن تصفحها بسهولة؛ إذ يوفر بوت "شريك المعمل" تلميحات للطلاب حول الحلول والخطوات التالية. ويُعد شريك المعمل عنصراً ضرورياً في بناء ثقة الطلاب، كما يوفر لهم مساحة للفشل وإعادة التجربة عدة مرات. علاوة على ذلك، تم دمج العديد من الميزات لمساعدة الجامعات على تتبع أداء الطلاب، باستخدام الاختبارات والتقييمات التي يُمكنها اختبار مهارات إجراء التجارب العملية.
وعلى الرغم من أن تطوير التقنية شكَّل أحد التحديات، إلا أن التغلب على الجمود -الذي تتسم به المواقف الراسخة حول التعليم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا- قد شكَّل تحدياً آخر. وفي مواجهة افتقار شبه تام للوعي بإمكانيات التعليم الافتراضي، عمل فريق براكسيلابس جاهداً ليُقدم للجامعات المزايا التي توفرها المعامل الافتراضية مقارنة بالمعامل التقليدية التي تم الاعتماد عليها لعقود. ومع ذلك، ومن خلال جهود الاتصال والتواصل الحثيثة، تمكنت البدويهي والسعدي من إنشاء شبكة تتألف من عشرات الجامعات التي آمنت بمهمة الشركة الناشئة ورؤيتها، وساعدتها على التطور والنمو.
مثّل ظهور كوفيد-19 سبباً هاماً في إشعال الاهتمام المتزايد بالفعل بهذه التقنية التعليمية، وبالرغم من أن الأزمة تسببت في الكثير من الصعوبات في مجال التعليم، إلا أنها أثبتت أهمية وجود مساحات تعلم افتراضية مستدامة وموثوقة. وقالت البدويهي: "مع إغلاق حرم الجامعات، وحرمان طلاب STEM من استخدام المعامل لإجراء تجاربهم، شكلت براكسيلابس إضافة في الوقت المناسب إلى مجال تقنيات التعليم". وأضافت: "لقد بدأنا نكتسب اعترافاً عالمياً بالمنصة، كما أن الزخم الذي يولده الحل الخاص بنا يدفعنا للوصول إلى موقع قيادي في قطاع تكنولوجيا التعليم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فضلاً عن اهتمام متزايد في بلدان أخرى مثل الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية".
ويترافق تزايد الاهتمام بالحاجة إلى التحسين، لذا تركز الجهود التي تبذلها براكسيلابس حالياً على تعزيز تجربة المستخدم، وإضافة عناصر تلعيب إلى المساحات الافتراضية، وكذلك إضافة العديد من الميزات المرتبطة بالمعامل الواقعية. كما تعمل المنصة أيضاً على السماح بالمزيد من الحرية وعدم إمكانية التنبؤ بالبرنامج الأساسي، ما سيترك للطلاب مساحة أكبر للتجربة والخطأ أثناء إجراء تجاربهم، وهو أمر أساسي للتعليم المعملي.
ورغم أن الشركة الناشئة هي مشروع هادف للربح، إلا أن المبدأ الأساسي الذي ترتكز عليه براكسيلابس هو توفير فرصة متساوية للطلاب من شتى الخلفيات للتعلم والنمو. وبالإضافة إلى خطط التوسع التي تتخطى البلدان والحلول المتاحة بأسعار معقولة، فقد وفرت الشركة 22 من تجاربها الأكثر شعبية للأوساط التعليمية بالمجان أثناء جائحة كوفيد-19. وأوضحت البدويهي: "خصصنا أيضاً مساحات للطلاب الذين لا يستطيعون تحمل رسوم الاشتراك، وللجامعات التي تحتاج إلى مساعدة إضافية دون فرض رسوم إضافية. إن تطوير نظام تعليم STEM هو هدفنا الرئيسي، وسنبحث دائماً عن طرق جديدة لضم أكبر عدد ممكن من الطلاب إلى خطط الخدمات التي نقدمها".