مع تجاوز عدد حالات الإصابات المؤكدة بفيروس كورونا حاجز المليون خلال الأيام القليلة الماضية، يزداد عدد حالات الشفاء المسجّلة ليتجاوز 200 ألف. وعلى الرغم من أن معظم هذه الحالات تماثلت للشفاء الكامل دون أية مشاكل، إلا أن بعض الحالات أظهرت أن فيروس كورونا يمكنه أن يسبب أضراراً طويلة الأمد في كلٍّ من الرئتين والقلب والدماغ وغيرها من الأعضاء، وقد تكون هذه المضاعفات دائمة بالنسبة لبعض الأشخاص.
وفي حين أن الأعراض والمضاعفات قصيرة المدى لمرض كوفيد-19 أصبحت معروفة إلى حدّ ما، تبقى المعلومات المتوافرة حول المضاعفات طويلة المدى أقل؛ وذلك لأن الفيروس ما يزال جديداً، إذ لم يمضِ على شفاء أقدم حالاته سوى ثلاثة أشهر تقريباً. ومع ذلك، يمكننا معرفة بعض هذه المضاعفات من خلال البيانات الأولية المتوافرة، بالإضافة إلى التأثيرات طويلة المدى للأمراض التنفسية الأخرى المعروفة.
مضاعفات في الرئتين
يشير الأطباء إلى أن بعض مرضى كوفيد-19 يمكنهم أن يعانوا من حالة تنفسية شديدة تُدعى متلازمة الضائقة التنفسية الحادة. وكانت مجلة لانست الطبية المرموقة من أوائل من أشار إلى ذلك بنشرها تقريراً في شهر فبراير يُظهر أن 29% من المرضى في مدينة ووهان الصينية الذين قام الباحثون بتتبّعهم من منتصف ديسمبر حتى أوائل يناير عانوا من تلك المتلازمة.
كما وجد تقرير مشابه، نشرته الكلية البريطانية لطبّ العناية المركّزة في مجلة صنداي تايمز في 15 مارس، أن حوالي 17% من مرضى العناية المركّزة الذي قاموا بتحليل بياناتهم أصيبوا بالمتلازمة. وقبل ذلك ببضعة أيام، وجد باحثون في هونج كونج في دراسة صغيرة أجريت على 12 مريضاً غادروا المستشفى بعد تعافيهم من المرض أن اثنين أو ثلاثة مرضى من بينهم ما زالوا يعانون من تراجع في وظائف الرئتين، الذي قد يصل عند بعض الأشخاص إلى 20-30% بعد الشفاء من المرض.
لا تعدّ متلازمة الضائقة التنفسية الحادة حالةً جديدةً؛ إذ تم وصفها لأول مرة في عام 1967، وتتضمّن أعراضها ضيقاً شديداً في النفَس وشعوراً بالإرهاق والإعياء، ويمكنها أن تؤدي إلى حدوث تلف في الأعضاء الحيوية لأنها تمنع الرئتين من تزويدها بالأكسجين اللازم.
في حالة فيروس كورونا، يمكن لبعض المرضى أن يعانوا من الالتهاب وتراكم السوائل في جزء كبير من الرئتين، مما يحدّ من قدرتهما على تزويد الدم بالأكسجين حتى تقوم الأعضاء بوظيفتها. تتطلب الحالات الشديدة الخضوع للتنفس الاصطناعي للحفاظ على تغذية الأنسجة والأعضاء بالأكسجين حتى زوال الالتهاب. يمكن لذلك أن يؤدي إلى إلحاق الضرر بالأنسجة الحسّاسة المعنيّة بنقل الأكسجين في الرئتين، مما قد يؤثر على قيامهما بوظائفهما الطبيعية حتى بعد الشفاء من مرض كوفيد-19.
تعتبر هذه المضاعفات الرئوية مماثلة لتلك التي تحدث في حالات الالتهاب الرئوي الشديدة الأخرى التي تتطلب العناية المركّزة. من المرجّح في هذه الحالات أن تستعيد الرئتان وظيفتهما الكاملة خلال فترة تتراوح من عدة أشهر إلى عام، ولكن قد لا يتمكّن بعض المرضى من استعادتها بشكل كامل مدى الحياة. وبناءً على المعلومات الموجودة من متلازمتي السارس والشرق الأوسط التنفسية، يمكن أن يُصاب بعض المرضى بالتليّف الرئوي، الذي يتميّز بحدوث تندّبات في الرئتين، رغم أن ذلك لم تتم ملاحظته في الدراسات المحدودة التي أجريت على مرض كوفيد-19 حتى الآن، مما يشير إلى أنه يلزم إجراء المزيد من الأبحاث للتوصّل إلى استنتاجات شاملة.
مضاعفات خارج الرئتين
قد تحدث عند مرضى فيروس كورونا مضاعفات أخرى، أهمها التراجع في الوظائف الجسدية والمعرفية والنفسية، والتي يكون الجزء الأكبر منها نتيجةً للتأثيرات الجانبية للخضوع للعلاج في العناية المركّزة؛ إذ يتم التركيز في تلك المرحلة على عمل القلب والرئتين وحمايتهما، مما يُحدث تأثيرات على الأعضاء الأخرى.
فعلى سبيل المثال، تبدأ الكلى بالتخرّب الذاتي، لذا من الشائع أن يحتاج المرضى الذين يخضعون للتنفس الصناعي لعلاج متلازمة الضائقة التنفسية الحادة إلى غسيل الكلى. كما أن أخذ الكثير من الأدوية التي تؤثر على الدماغ لإحداث غيبوبة مُثارة دوائياً من شأنه أن يُسبّب نوعاً من الهذيان يصعب التخلّص منه.
قد تزول هذه المضاعفات خلال أشهر عند بعض المرضى، ولكنها قد تستمر مدى الحياة عند البعض الآخر.
العوامل المؤثرة على المضاعفات
تعتمد شدة ومدة هذه المضاعفات على عدة عوامل، أهمها صحة الرئتين وسلامتهما؛ فإذا كانت الرئتان سليمتين وتستنشقان الهواء النظيف طوال حياة المريض، فمن المحتمل أن يحدث الشفاء سريعاً. كما تلعب شدة متلازمة الضائقة التنفسية الحادة وحاجة المريض إلى التنفس الاصطناعي دوراً في ذلك أيضاً.
ما زال الوقت مبكراً للحكم على النتائج طويلة المدى عند مرضى فيروس كورونا، ولكن المعلومات المتوافرة حالياً تشير إلى أن الحالات الشديدة من المرض يمكن أن تعاني من مشاكل طبية في المستقبل، حتى بعد أن يتخلّص المرضى من الفيروس بحدّ ذاته.