استعاد رجل مصاب بمرض باركنسون قدرته على المشي بعد أن زرع الأطباء جهازاً صغيراً في نخاعه الشوكي لإرسال إشارات إلى ساقيه.
وفي مؤتمر صحفي، قال المريض مارك، البالغ من العمر 62 سنة: "أصبحت قادراً على المشي بثقة أكبر بكثير، وقد تحسنت حياتي اليومية بصورة جذرية".
أول جهاز تعويضي عصبي يتعلق بالنخاع الشوكي
مارك هو الشخص الأول والوحيد الذي يحصل على جهاز تعويضي عصبي جديد يتعلق بالنخاع الشوكي، وهو جهاز صغير مزود بأقطاب موضوع تحت الجلد فوق نخاعه الشوكي. تعمل هذه الزرعة من خلال إرسال نبضات من الإشارات الكهربائية على تحفيز الأعصاب في نخاعه الشوكي، والتي تعمل بدورها على تفعيل عضلات الساقين. وقد وُصِفت الزرعة في دراسة جديدة نُشِرت مؤخراً في مجلة "نيتشر ميديسين" (Nature Medicine).
عانى مارك من مرض باركنسون على مدى ثلاثة عقود تقريباً. ومنذ عشرين سنة، حصل على زرعة لتوليد تحفيز عميق للدماغ، وهي طريقة شائعة لمعالجة هذا المرض. وعلى الرغم من هذا، أصيب بمشاكل عصبية تفاقمت بالتدريج إلى حد أصبح معه عاجزاً عن المشي. يقول مارك: "وجدت نفسي منذ ثلاث سنوات مضطراً إلى التوقف عن المشي، وأصبحت بهذا معاقاً".
اقرأ أيضاً: قطب كهربائي داخل الدماغ لإصلاح الذاكرة يفتح آفاقاً جديدة لعلاج ألزهايمر
بعد ذلك، في عام 2022، شارك مارك في تجربة سريرية لمجموعة من الباحثين من المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيوريخ ومستشفى جامعة لوزان لاختبار إمكانية استخدام الزرعة العصبية التي طوروها في إعادة قدرته على المشي.
وكان الفريق قد اختبر الجهاز على ثلاثة قردة تعاني من صعوبات في المشي والتوازن على نحو مماثل لما يعاني منه البشر المصابون بمرض باركنسون. زرع الباحثون الأجهزة ضمن النخاع الشوكي لهذه القردة، وزودوا كلاً منها أيضاً بواجهة تخاطبية بين الحاسوب والدماغ حتى يستطيع الباحثون تحديد وجود رغبة لدى القرد بالمشي. بعد ذلك، بدأ الباحثون بإطلاق نبضات قصيرة من الإشارات الكهربائية من خلال الزرعات النخاعية، ما أدى في نهاية المطاف إلى إعادة القدرة على المشي إلى القردة الثلاثة جميعها.
اقرأ أيضاً: قهوتك الصباحية قد تقلل من احتمال إصابتك بمرضي ألزهايمر وباركنسون
تحفيز عصبي لتحريك الساقين
أما في حالة مارك، فقد زرع الباحثون الأقطاب فوق نخاعه الشوكي، وربطوها مع محفز عصبي وُضِع تحت الجلد في منطقة البطن. وعندما يرغب مارك في المشي، يضغط على زر في جهاز تحكم خارجي لإرسال إشارة لاسلكية إلى المحفز العصبي.
وعندها، ترسل الزرعة العصبية نبضات من الإشارات الكهربائية لتحفيز المنطقة القطنية العجزية في النخاع الشوكي، أي المنطقة السفلى من النخاع الشوكي التي تحرك عضلات الساقين.
يقول مهندس الأعصاب في مستشفى جامعة لوزان، إدواردو مورود، وهو أحد أعضاء الفريق الذي بنى الجهاز: "توجد في هذه المناطق جميعها العصبونات الحركية التي تتحكم في تقلص العضلات، ما يعني التحكم في حركة الساقين".
اقرأ أيضاً: شركة تكنولوجيا حيوية تدّعي أنها نجحت في زرع الخلايا المفرزة للدوبامين في الدماغ
يؤدي مرض باركنسون إلى تراجع جودة الحياة لدى المرضى، فمع تفاقم المرض، يعاني أغلب المصابين من صعوبة في المشي أو التوازن، ويمكن أن يتعرضوا إلى "التجمد"، وهو فقدان مؤقت للقدرة على الحركة. على مدى أكثر من 20 سنة، كان مرضى باركنسون المصابون بمشاكل حركية يتلقون العلاج من خلال التحفيز العميق للدماغ. لكن الكثيرين، مثل مارك، كانوا يجدون أن أعراضهم لم تختفِ، وفقاً لعالمة الأعصاب في مستشفى جامعة لوزان، جوسلين بلوك، وهي من مؤلفي الدراسة. ولهذا، بدأت تبحث مع فريقها عن طرائق جديدة للعلاج. وقد عمل الباحثون سابقاً على علاج أعاد القدرة على المشي إلى شخص أصيب بالشلل إثر إصابة في النخاع الشوكي.
يقول مهندس الأعصاب في جامعة كاليفورنيا في مدينة ديفيس، سيرغي ستافيسكي: "تمثل الدراسة الجديدة إنجازاً مهماً جديداً لهذه المجموعة". لم يشارك ستافيسكي في الدراسة، ويقول إنه مسرور لرؤية نجاح هذه التكنولوجيا في تحفيز النخاع الشوكي: "إنه إنجاز رائع ومثير للحماسة".
اقرأ أيضاً: ما القيود التي أخّرت الباحثين عن تطوير العلاجات المعتمدة على الخلايا الجذعية؟
لكن، ما زالت إمكانية استخدام هذه الطريقة مع جميع المصابين بمرض باركنسون غير مؤكدة. يقول سترافيسكي: "إنه سؤال في غاية الأهمية، وعلينا أن نجيب عنه". حصل مارك على زرعته منذ سنتين تقريباً. ويخطط الفريق البحثي السويسري في خطوته المقبلة لاختبار الزرعة على ستة أشخاص آخرين.