أدى انتشار شبكة الإنترنت إلى جعل العالم مكاناً أصغر، وأصبح الوصول إلى المعلومات أسهل مما مضى. ولكن على الرغم من أن هذا الانتشار جاء بالعديد من التغييرات الإيجابية، إلا أن خصوصية المستخدم أصبحت مصدر قلق كبير مع انتقال المزيد من بياناته عبر الإنترنت.
والآن مع ظهور المؤشرات لانتشار الجيل الثالث من شبكة الإنترنت أو ما يسمى "الويب 3"، فإن كل المؤشرات تقول إن هذا الجيل التالي في طريقه لجلب الكثير من التحسينات فيما يخص أمان المستخدم وخصوصيته، دون الحاجة إلى أطراف ثالثة.
ما هي أبرز الوعود المتوقعة من شبكة الويب 3؟
إن جوهر ما تقدمه شبكة الويب 3 هو ما يمكن تعريفه باسم "الإنترنت الذكي"، وهو أن هذه الشبكة ستكون قادرة على فهم احتياجات المستخدم والتفاعل وفقاً لذلك، حيث ستستخدم مواقع الويب والتطبيقات عبر الإنترنت المعلومات المتاحة على الويب لتخصيص تجربة المستخدم.
على سبيل المثال يمكن الحصول على نتائج بحث مختلفة بناءً على التجارب السابقة وعمليات البحث والتفضيلات، وسيتم تطبيق ما يسمى بـ "الويب الدلالي" (Semantic Web) الذي يقوم على تسخير إمكانات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي ودمجها مع تقنيات استخراج البيانات الفعالة.
سيتم أيضاً توسيع شبكة الويب لتشمل المزيد من الأدوات نظراً إلى أن التطبيقات ستزيل الحاجة إلى التطبيقات الخاصة بنظام التشغيل، حيث ستكون قادرة على العمل على جميع أنواع الأجهزة وأجهزة المنزل الذكية.
بالإضافة إلى ذلك، ستصبح الإعلانات أكثر ذكاءً ودقة وسيتم دمجها تماماً في تجربة المستخدم. بمعنى آخر ستكون شبكة الويب 3 ذكية بدرجة كافية لفهم ما يريده المستخدم وستدمج بسلاسة فقط اللافتات الإعلانية ذات الصلة بطريقة أكثر تخصيصاً، ما يجعل تجربة التصفح والتسوق أكثر متعة وفائدة.
اقرأ أيضاً: عش تجربة الويب 3: أهم 9 تطبيقات قائمة حالياً على هذه التكنولوجيا
وللسماح لشبكة الويب 3 بالحصول على البيانات لتخصيص تجربة استخدام الإنترنت، فإن هذا يتطلب الاستناد بصورة أساسية على تكنولوجيا البلوك تشين التي ستسمح بربط معلومات المستخدمين وتخزينها من خلال "التطبيقات اللامركزية" (dApps)، ما يجعل كل مستخدم مالكاً لمعلوماته الخاصة.
وتعتبر اللامركزية في الواقع مفهوماً أساسياً في شبكة الويب 3، حيث سيتمكن جميع الأفراد من التواصل بشكل مباشر، إذ أن البيانات ستكون لامركزية بدلاً من تخزينها في مراكز البيانات الكبيرة المركزية التابعة لشركات مثل فيسبوك و أمازون وجوجل، وهذا يجعل قابلية التوسع موجودة ولن تصبح مشكلة عند تخزين هذه الكمية الهائلة من المعلومات.
اقرأ أيضاً: ما هي تكنولوجيا الحوسبة الطرفية؟ وهل ستؤثر على طريقة معالجة البيانات وتحليلها في المستقبل؟
وقد ظهرت بالفعل التكنولوجيات الأساسية لشبكة الويب 3 وبدأت بالانتشار مثل تكنولوجيا "الواقع المعزز" (AR) و"الواقع الافتراضي" (VR) و"شبكات الجيل الخامس" (5G) وأجهزة "إنترنت الأشياء" (IoT) والذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي.
كيف سيغير الويب 3 خصوصية الإنترنت نحو الأفضل؟
من المتوقع أن تأخذ شبكة الويب 3 منظور خصوصية الإنترنت إلى المستوى التالي، من خلال إجراء بعض التغييرات المتفائلة والبناءة في طريقة إدراك المستخدم للجوانب المختلفة المتعلقة بخصوصيته الرقمية عبر الإنترنت.
حيث أن ظهور وانتشار التكنولوجيات الداعمة لها، مثل التخزين على منصات البلوك تشين، سيسمح للامركزية البيانات بإنشاء بيئة شفافة وآمنة، ولكن الأهم هو القضاء على مركزية شبكة الويب 2 وقضايا المراقبة والإعلانات الاستغلالية.
وهذا يعني أنه لن نعتمد بعد الآن على منصات التكنولوجيا الكبيرة-أو سوف نتفاعل على الأقل بشروطنا الخاصة، وسيقوم المستخدمون بامتلاك بياناتهم الخاصة والبصمة الرقمية عبر تقنيات الهوية اللامركزية، ما سيؤدي إلى تغيير اقتصاد البيانات كما نعرفه.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن لشبكة الويب 3.0 أن تغير طريقة تفاعلنا عبر الإنترنت؟
وتشمل أبرز التغييرات المتوقعة التي ستطرأ على خصوصية الإنترنت مع شبكة الويب 3 ما يلي:
-
لا مجال للوسطاء
تعتبر الترقية الأكثر إثارة فيما يخص الويب 3 هي إزالة الأطراف الثالثة المركزية من المعادلة عند استخدام الإنترنت، حيث يتفاعل المستخدمون مباشرة بدلاً من الاعتماد على شركات مثل فيسبوك وجوجل ومايكروسوفت لتسهيل التبادل.
وبهذه الطريقة فإن القلق بشأن حصول مثل هذه الشركات على بياناتنا أو محادثتنا الخاصة سيصبح أمراً من الماضي، وتجعل بعض التكنولوجيات الرئيسية هذا ممكناً، مثل الأنظمة التي تكافئ وتحفز المستخدمين على المشاركة للحفاظ على تشغيل المنصات الاجتماعية دون سلطة مركزية.
بالإضافة إلى ذلك تضمن تكنولوجيا البلوك تشين أن يبقى التواصل غير مركزي، كما تتيح أيضاً للمستخدمين التحقق من هوياتهم بأنفسهم، ما يقلل من عدد الأشخاص الذين يمكنهم الوصول إلى المعلومات الحساسة والشخصية.
-
الشفافية
مع سيطرة شركات عملاقة محدودة على شبكة الإنترنت وتحكمها بها بالكامل، فإن معظم المستخدمين في كثير من الأحيان لا يعرفون كيف تقوم مواقع الويب المختلفة بجمع معلوماتهم وتخزينها واستخدامها، ما يؤدي إلى انتهاكات الخصوصية غير المتوقعة.
ولكن من المتوقع أن يتغير هذا مستقبلاً مع صعود شبكة الويب 3 والتكنولوجيات المعتمدة عليها مثل البلوك تشين التي ستكون سجلاتها مرئية لأي شخص تقريباً، وبهذه الطريقة عندما تعمل تطبيقات الويب على هذه التكنولوجيا يمكن للمستخدمين معرفة كيفية استخدام هذه التطبيقات لبياناتهم، وهذا يعني أن المستخدمين يمكنهم اتخاذ قرارات أكثر استنارة عند استخدام الإنترنت.
-
تخزين البيانات لا مركزياً
نظرًا إلى أن عدداً قليلاً فقط من الشركات تدير شبكة الإنترنت اليوم، فإن الكثير من بيانات المستخدم ومعلوماته يتم تخزينه في مراكز بيانات مركزية موزعة عبر دول مختلفة. هذا يؤدي إلى تعرضه لخطر الاختراق أو سوء الاستخدام من هذه الشركات نفسها.
فقد قدّرت شركة "آي بي أم" (IBM) أن سوء إدارة البيانات يكلف الشركات 3 تريليونات دولار كل عام، وهو ما لا يوحي بالكثير من الثقة في خصوصية هذه المراكز، ومن ثم فأن تعرض أي مركز بيانات لخطر الاختراق من شأنه أن يؤثر على خصوصية الملايين من المستخدمين.
تعتبر مراكز البيانات المركزية مناجم ذهب وأكثر جاذبية للقراصنة والمخترقين، من خلال القدرة على الوصول إلى عشرات الملايين من الحسابات ومعلومات التعريف الشخصية بضربة واحدة. كما توفر مراكز البيانات قوة حوسبة كبيرة وعرض نطاق ترددي للإنترنت يوفر للمهاجمين العديد من فرص إنشاء الهجمات، مثل هجمات الحرمان من الخدمة باستخدام موارد المؤسسات المخترقة.
ومن أجل تلافي هذه الأخطار تعمل شبكة الويب 3 بشكل مختلف تماماً من خلال توزيع المعلومات وتخزينها عبر مراكز بيانات آمنة ولا مركزية تعتمد على مشاركة المستخدمين أنفسهم، والذين يوفرون سعة تخزين بدلاً من الوحدات المركزية الكبيرة. وبهذه الطريقة من غير المرجح أن يؤثر اختراق موقع ويب على خصوصية المستخدم بشكل كبير.
اقرأ أيضاً: إليك أهم ميزات اعتماد الحوسبة السحابية في الرعاية الصحية ومعوقات تطبيقها
-
الحد من مخاطر الاختراق
ستعمل شبكة الويب 3 على جعل عمليات الاختراق أكثر صعوبة نظراً لتوزيع عمليات تكنولوجيا البلوك تشين عبر شبكة واسعة، وهذا يعني أن يتعين على المتسللين اقتحام ما لا يقل عن 51% من أجهزة الكمبيوتر الموجودة على النظام للتسلل إليها.
وهذا النوع من الهجمات نادر، لأنها تتطلب إمكانات لوجستية ضخمة وأكثر تكلفة مادياً. ومع أنه لا يزال هذا ممكناً لكنه أقل احتمالاً بكثير. ونظراً إلى أن شبكات البلوك تشين هذه سوف تكبر وستكون أكثر تعقيداً، لذا فإن فرصة حدوث هجوم على شبكة الويب 3 ستنخفض أكثر.
وأخيراً، يمكن لشبكة الويب 3 أن تأتي بعصر جديد من الخصوصية على الإنترنت، حيث تنطوي على إمكانات هائلة عندما يتعلق الأمر بخصوصية المستخدم وأمانه الرقمي، وإذا تم تنفيذها بالفعالية المتوقعة، فيمكنها إحداث ثورة في أمن الإنترنت مستقبلاً.