ليست مشرحة مستشفى جامعة لوساكا التعليمي (UTH)، وهو منشأة واسعة المساحة ومبنية من القرميد قرب مركز عاصمة زامبيا، بالمكان البهيج لإجراء الدراسات السريرية. فداخل هذا المكان الشبيه بالكهف، تقبع الجثث التي وصلت حديثاً لوحدها ملفوفة بالبطانيات على طاولات معدنية مدولبة أو على الأرضية الإسمنتية. وتتكدس جثث أخرى على منصات مكشوفة، حيث يبقى بعضها لأشهر دون أن يطالب به أحد. إن الرائحة الكريهة لا تُحتَمل.
ولكن هنا، وبين الجثث في أكبر مستشفى في زامبيا، يقترب الباحثون أخيراً من حل أحد ألغاز الوباء الذي بقي فترة طويلة مستعصياً على الجميع، وهو السبب الذي سمح لإفريقيا، على ما يبدو، بتجنب أسوأ آثار وفيات كوفيد التي تعرض لها باقي العالم. ولكن الحقيقة، كما بدأ يتضح بالتدريج، هي أن هذا ليس ما حدث.
اقرأ أيضاً: من التعريف وحتى الأعراض والتأثيرات: جدل متصاعد حول كوفيد طويل الأمد لدى الأطفال
آثار الوباء على إفريقيا كانت أكبر بكثير مما اعتُقد سابقاً
هذه هي المعلومة التي أطلقتها دراسة جديدة، لم تخضع للتحكيم العلمي حتى الآن، وذلك بناء على اختبارات الجثث التي أجراها طاقم مسلح بالمسحات الأنفية وقدرة عالية على تحمل البقاء بجوار الجثث. ومن المحتمل أن هذه الدراسة تمثل أقوى دليل سريري حتى الآن على أن وفيات كوفيد-19 في لوساكا، وأغلب مناطق إفريقيا أيضاً على الأرجح، كانت أكثر بكثير مما تم إحصاؤه.
وبين يناير/ كانون الثاني ويونيو/ حزيران 2021، وجد الباحثون أن 32% من الموتى في المشرحة حققوا نتيجة إيجابية في اختبار سارس-كوف-2. وقد ارتفعت نسبة النتائج الإيجابية في الاختبارات إلى 82% خلال أسبوع واحد خلال أعتى موجة إصابات قاتلة ضربت زامبيا خلال يونيو/ حزيران. وقد مات معظم المصابين في المنزل دون محاولة الحصول على علاج، كما أن أقل من 10% أجروا الاختبار وحصلوا على نتيجة إيجابية وهم على قيد الحياة، وهو معيار فرضته السلطات الصحية لاحتسابهم ضمن إحصاءات إصابات كوفيد-19 الرسمية.
وعلى الرغم من أن بعض المتوفين من المصابين بالفيروس ماتوا على الأرجح لأسباب أخرى غير ذات صلة، فإن المقابلات مع الأقارب، وسجلات من حاولوا الحصول على علاج لأعراض شبيهة بكوفيد قبل الوفاة، تشير إلى أن نحو 70% من المتوفين البالغين ممن حققوا نتائج إيجابية كانوا "من المحتمل" أو "على الأرجح" من ضحايا كوفيد-19.
وعلى حين أن لوساكا، وهي مدينة تعداد سكانها 3.5 مليون نسمة، تقع على تقاطع الطرقات لشرق وجنوب إفريقيا، قد لا تكون نموذجاً مثالياً لقارة تحتوي تقريباً على 1.4 مليار نسمة، فإن المؤلفين يؤكدون على أن نتائج دراستهم متوافقة مع مجموعة متزايدة من التقديرات من بلدان أخرى في المنطقة، وجميعها تشير إلى أن العالم قلل على الأرجح من تأثير كوفيد الحقيقي على إفريقيا.
يقول كريستوفر غيل، وهو مختص بالأمراض المعدية في مدرسة الصحة العامة في جامعة بوسطن، وأحد المؤلفين الأساسيين للدراسة: "إن دراستنا تدحض التصور الواهم الذي يقول إن كوفيد-19 تخطى إفريقيا".
اقرأ أيضاً: كيف يبدو الوضع عندما لا تملك دولتك ما يكفي من لقاحات “كوفيد-19″؟
المفارقة الإفريقية
في الأشهر الأولى من الوباء، كانت هناك مخاوف من انهيار أنظمة الصحة ضعيفة التمويل في إفريقيا، فقد توقع تقرير للأمم المتحدة من أبريل/ نيسان لسنة 2020 وفاة 300,000 إلى 3.3 مليون إفريقي في تلك السنة لوحدها.
ولكن، ومع انتشار سارس-كوف-2 ومتحوراته عبر الكوكب، بدت إفريقيا -حيث يموت أكثر من مليون شخص كل سنة بسبب الإيدز (أو "إتش آي في")، والملاريا، والسل- مقاومة لهذا الوباء بصورة مفاجئة. وفي البداية، ووفقاً لأوليفر واتسون، وهو أخصائي بالأوبئة في كلية لندن الإمبراطورية، فإن انتشار الفيروس في المنطقة بقي محدوداً بسبب العدد الصغير نسبياً من الرحلات الدولية، وسلسلة من إجراءات الحجر الصارمة.
ولكن، وحتى بعد التخفيف من معظم إجراءات الحجر، ودراسات الأجسام المضادة التي بدأت بإظهار انتشار سارس-كوف-2 على نطاق واسع، بقي معدل الوفيات أقل من المتوقع بكثير. وحتى 7 أبريل/ نيسان، سجلت بلدان إفريقيا البالغ عددها 54 بلداً 251,516 حالة وفاة بسبب كوفيد وحسب، أي 4.1% من الإجمالي العالمي، وذلك في قارة تتضمن 18% من سكان العالم.
ومنذ البداية، أطلقت ما بدت أنها "مفارقة إفريقيا" موجة من التوقعات. وأشار من يسعون إلى تفسيرها إلى أن إفريقيا هي أقل قارات العالم من حيث نسبة المناطق الحضرية، مع مناخ يسمح بالتجمعات الخارجية على مدار السنة. كما لاحظوا أيضاً أن سكان إفريقيا المؤلفين بنسبة كبيرة من الشباب، الوسط العمري لسكان إفريقيا أقل من 20، يمتلكون على الأرجح مقاومة أكبر لمرض يؤثر بشدة على كبار السن أكثر من غيرهم.
كما يعتقد البعض، مثل بروس كيرينغا، وهو طبيب مختص بأمراض الجهاز التنفسي، وأحد المساهمين للاستجابة لكوفيد-19 في أوغندا، أن بعض التجمعات السكانية الإفريقية أقل عرضة للإصابة بالمرض بفضل جيناتها. ويفترض البعض الآخر أن التعرض للعديد من العوامل المسببة للمرض على مدى فترة طويلة من الزمن، بما في ذلك فيروسات أخرى أو طفيليات مستوطنة في مناطق إفريقيا الاستوائية، قد يقوي المناعة بشكل يحمي من الإصابة الشديدة.
ما زالت الكثير من هذه التفسيرات محتملة ومنطقية، كما أن معظم أخصائيي الأوبئة يعتقدون أن الشباب النسبي للأفارقة هو عامل مهم بالفعل. وعلى الرغم من هذا، فإن الفكرة العامة القائلة بأن الوباء "تجاوز" إفريقيا كانت مبنية على افتراض مستبعد، وهو أن إحصائيات الوفيات الرسمية على مستوى الدول كانت صحيحة إلى حد بعيد. ويقول الخبراء إن فقر الموارد يؤدي عادة إلى نقص كبير في الإحصائيات، حتى بالنسبة للأمراض التي كانت موجودة على مدى قرون كاملة. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن أقل من ربع العدد التقديري لوفيات الملاريا يتم تسجيله في الإحصائيات الحكومية، ويعود هذا في بعض الحالات إلى عدم وجود تشخيص، وفي البعض الآخر إلى عدم الإبلاغ عن حالات الوفاة نفسها في المقام الأول.
كيف يمكننا حل المفارقة؟
ومن المرجح أن شيئاً مماثلاً حدث مع كوفيد-19، فقد كانت الاختبارات مكلفة ونادرة، وبعد مرور أكثر من سنتين على الوباء، ووفقاً للمراكز الإفريقية للسيطرة على الأوبئة والوقاية منها، فإن إفريقيّاً واحداً فقط من أصل 13 خضع للاختبار. وفي نيجيريا، إحدى أكثر دول إفريقيا ازدحاماً بالسكان، فإن هذا الرقم أقل من واحد من أصل 40.
وفي الكثير من الدول متوسطة الدخل أو عالية الدخل، تم استخدام تقديرات الوفيات الزائدة -الوفيات المسجلة فوق المستويات التاريخية- لتقدير أثر الوباء في حال وجود ثغرات في مراقبة المرض. ولكن، وفي معظم أنحاء إفريقيا، فإن إحصائيات الوفيات المحدثة ليست متوافرة أيضاً. ووفقاً لستيفاني هيلينغر، وهي أخصائية ديموغرافية في جامعة نيويورك، وتدرس معدلات الوفيات، فإن بضعة بلدان وحسب في القارة "تمتلك الهيكلية الإدارية شبه الكافية" لقياس معدلات الوفيات بشكل موثوق وسريع.
أخذ المسحات من الموتى
في زامبيا، حيث تملأ الثغرات والنواقص سجلات الوفيات، وحيث تعرضت اختبارات كوفيد-19 إلى الكثير من العوائق بسبب نقص المواد والوصمة المرافقة للنتيجة الإيجابية، اشتبه غيل وزميله المؤلف الأساسي لورنس موانانيانادا بأن سبب هذه "المفارقة" هو ببساطة نقص البيانات. وشاءت الظروف أن يكونا في موقع فريد يسمح لهما بالتأكد من صحة هذه الفرضية. فمنذ 2017، كان فريقهما يجري اختبارات الأمراض التنفسية على الأطفال في مشرحة مستشفى جامعة لوساكا التعليمي (UTH)، حيث تُجلب نسبة 80% من الجثث في لوساكا، بما فيها جثث المتوفين في المؤسسات الصحية وفي المنزل، للحصول على إذن بالدفن. وكان الفريق مزوداً بآلات اختبارات "بي سي آر" (PCR)، والتي أعاقت أسعارها المرتفعة استخدامها في جميع الأماكن الأخرى، إضافة إلى أفراد مخضرمين وخبراء في التعامل مع الأقارب المفجوعين والحصول على إذنهم بالمشاركة في الدراسات الأكاديمية.
كما كان الفريق يعتمد على جهة ممولة، وهي مؤسسة بيل وميليندا غيتس، والتي قدمت الدعم اللازم لتوسيع المشروع لإجراء اختبار كوفيد-19 على الجثث من جميع الأعمار. وفي يونيو/ حزيران من العام 2020، وبعد استجلاب المركبات الكيميائية الضرورية لمعالجة العينات، بدأ الفريق بالعمل انطلاقاً من مكتب صغير قرب المدخل الخلفي للمشرحة. وعند بدء العمل، كان في زامبيا حالة وفاة رسمية واحدة بسبب كوفيد-19. وبعد الجولة الأولى من الدراسة، والتي شملت اختباراتها 364 جثة بين يونيو/ حزيران وسبتمبر/ كانون الأول من العام 2020، وجميعها خلال 48 ساعة من الوفاة، تم اكتشاف سارس-كوف-2 في جثة واحدة من أصل كل ست جثث تقريباً. ولم يخضع للاختبار قبل الوفاة من بين كل المتوفين سوى عدد صغير للغاية.
وفي البحث الأولي الذي تم نشره في مجلة "بي إم جيه" (BMJ) في فبراير/ شباط 2021، قدم الباحثون عدة أدلة قوية تدعم فرضية التعداد الناقص. غير أنها كانت ما تزال مبنية على عدد صغير نسبياً من المتوفين، لهذا، قرر الفريق استئناف العمل في 2021 لإجراء دراسة متابعة لفترة أطول. وهذه المرة، تصادف عملهم مع الموجة الثانية والثالثة من الوباء، والتي كانت أسوأ من أي شيء في 2020.
وبحلول يونيو/ حزيران من العام 2021، ومع اكتساح المتحور دلتا للوساكا، ارتفع عدد الجثث المسلمة يومياً إلى المشرحة من نحو دزينة إلى ما يقارب المئة. وكان الزقاق المحاط بالأشجار، والموصل إلى مدخل المشرحة، مسدوداً بحركة السيارات. وحتى المحلات المجاورة التي تبيع التوابيت، أوشكت بضاعتها على النفاد. يقول بينارد إنغوما، وهو مسؤول بحثي سريري بعمر 55 سنة، وقائد عملية أخذ المسحات الأنفية من الجثث: "لقد كانت الكآبة تعم المكان"، وأضاف أن هذه الأجواء أعادت إلى الأذهان ذكريات ذروة أزمة الإيدز (أو "إتش آي في") في بدايات العقد الأول من هذا القرن. ويقول: "لقد كانت تلك الفترة من 2021 شديدة الوطأة".
اقرأ أيضاً: تكنولوجيا الوباء تتجاهل خبراء الصحة العامة ويجب أن يتغير هذا الوضع فوراً
كوفيد-19 هو سبب ارتفاع الوفيات في إفريقيا تلك الفترة
وبفضل جهود إنغوما، بينت الدراسة أن كوفيد-19 كان فعلاً سبب هذه الوفيات. ففي الجولة الثانية، قام إنغوما وزملاؤه بأخذ المسحات من أكثر من 1,100 جثة، مختارين خمس أو ست جثث عشوائياً كل يوم، ووجدوا نتائج إيجابية بنسبة تزيد عن ضعف ما اكتُشف سابقاً. وفي هذه المرة، كان نصف من ماتوا بسبب كوفيد-19 في المستشفيات قد خضعوا للاختبار قبل الوفاة. ولكن نحو 80% من الجثث التي حققت نتيجة إيجابية كانت عائدة لأشخاص توفوا في المنزل، ولم يتلقَّ أي منهم تقريباً تشخيصاً رسمياً بالإصابة بكوفيد-19.
ومقارنة مع ضحايا كوفيد-19 في كل مكان آخر في العالم، كما وجد الفريق، فإن الزامبيين المصابين بالمرض كانوا يموتون يافعين أيضاً، حيث يبلغ العمر الوسطي للجثث التي حققت نتيجة إيجابية 48 سنة، و58% منها تعود لأشخاص أصغر من 60 سنة، و15% لأطفال أو مراهقين. أيضاً، وجدت كلتا جولتي الدراسة أن نسبة كبيرة بشكل واضح من وفيات المصابين بكوفيد-19 تعود إلى سكان الأحياء الأكثر فقراً وازدحاماً في المدينة. ووفقاً لإنغوما، فهذا يتناقض مع التصورات السابقة للكثيرين ممن يعيشون هناك، والذين كانوا يصرون على أن الوباء كان يؤثر فقط على "الأشخاص الأغنياء".
ولكن هذه النتائج الجديدة، وعلى غرار النتائج المنشورة في العام الماضي، مرفقة ببعض الملاحظات. فعلى الرغم من أن الدراسة تقدم لمحة عن تأثير كوفيد-19 على مدينة إفريقية واحدة، فهي لا تقدم معلومات تُذكر حول تأثيره على المناطق الريفية، حيث توجد أكبر الثغرات والنواقص في مراقبة المرض وتسجيل الوفيات. وكما يعترف المؤلفون، فإن طريقة فحص كل حالة وفاة لشخص يحمل فيروس سارس-كوف-2 لتحديد ما إذا كانت الوفاة ناجمة عن المرض نفسه ليست مؤكدة النتائج، فأفراد العائلات الذين يجلبون الجثث إلى المشرحة ليسوا عادة من خبراء الطب، كما أن "عملية التشريح الشفهية" التي اعتمدتها الدراسة بناء على تذكر أفراد العائلة للأعراض قد تكون عرضة لأخطاء في التصنيف.
وبقياس عدد الوفيات دون معلومات حول معدلات الإصابة، فإن الدراسة لا تحاول حساب احتمال تعرض شخص من سكان لوكاسا ويحمل سارس-كوف-2 لإصابة شديدة، أو احتمال وفاته. (أجرت منظمة الصحة العالمية تحليلاً لاحقاً لدراسات الأجسام المضادة من 14 بلد إفريقي، ولم يخضع للتحكيم العلمي حتى الآن، وتشير تقديرات هذا التحليل إلى أن نحو ثلثي الإصابات في القارة كانت دون أعراض).
وعلى الرغم من هذا، يمثل عمل فريق جامعة بوسطن محاولة نادرة لسبر الوفيات في إفريقيا اعتماداً على البيانات السريرية، ولهذا يعتبر الخبراء أنه عمل مؤثر ومهم. فقبل البحث الأول، كما يقول واتسون، والذي عمل على عدة دراسات متعلقة بكوفيد-19 في البيئات منخفضة الدخل، كان هناك "توازن شبه متكافئ" في الأوساط الأكاديمية بين من يعتقدون بوجود "شيء مختلف جذرياً في إفريقيا بمفعول يؤدي إلى تخفيض عدد الوفيات" وبين من يؤكدون وجود نقص في البيانات.
ويقول إن دراسة زامبيا لعبت دوراً مهماً في "تغيير التصور" لصالح الفكرة الثانية. ويقول كيرينغا من أوغندا إن الدراسة تتوافق مع ملاحظاته في النقص المرجح في التعداد هناك. ولكن روما تشيلينغي، وهو مستشار كوفيد-19 الخاص للرئيس الزامبي هاكايندي هيتشيليما، والذي يترأس أيضاً المنظمة التي تجمع معلومات المراقبة الرسمية في زامبيا، يقول إنه ما زال يعتقد أن الوباء لم يكن قاتلاً في بلاده بقدر المتوقع، وقد قال لي إن المخاوف الأولية بأن الوباء "سيكتسح البلاد مثل الحريق البري" لم تتحقق. وعلى الرغم من هذا، فإنه يتفق مع استنتاجات فريق جامعة بوسطن بشكل عام. ويقول: "كملاحظة استقصائية، لا يوجد شك في وفاة الكثيرين بسبب كوفيد دون تشخيص".
اقرأ أيضاً: هل يمكن أن تصاب بكوفيد طويل الأمد رغم تلقي اللقاح؟
الناجون والخوارزميات يدعمون الفرضية
إضافة إلى الدراسة التي أجريت على جثث مشرحة مستشفى الجامعة التعليمي، فهناك عدد متزايد من الدراسات غير السريرية التي تعزز فرضية وجود الكثير من الوفيات غير المسجلة في إفريقيا. فقد نُشر بحث في مجلة "ذا لانسيت" (The Lancet) في مايو/ أيار المنصرم يتضمن عملية تتبع لما يصل إلى 6800 مريضاً مصاباً بشكل مؤكد أو مشتبه بإصابته بكوفيد-19 ومُحَوّل إلى عيادات العناية المشددة في 10 دول إفريقية، ووجد البحث أن أقل من النصف تم إدخالهم إلى هذه المنشآت، وأن 48% منهم توفوا خلال شهر واحد. ووفقاً لمؤلفي الدراسة، فإن هذا يمثل زيادة في حالات الوفاة في المستشفيات من 11 إلى 23 وفاة لكل 100 مريض مقارنة مع الوسطي العالمي، وهو رقم يعتقدون أنه يُعزى إلى الضعف في الطواقم والغياب المتكرر لتجهيزات إنقاذ الحياة، مثل تجهيزات الأوكسجين وغسيل الكلى.
وعلى الرغم من أن الدراسة لم تشمل زامبيا، فقد أخبرني السكان المحليون بوجود ثغرات ونواقص كبيرة في العلاج هناك أيضاً. ويقول سكاي باندا، وهو يبلغ من العمر 58 عاماً، وأحد سكان مجمع ساحة كاوندا الذي يحمل اسم أول رئيس زامبي، إن الكثير من أفراد التجمعات السكانية ممن أصيبوا بالمرض في ذروة الوباء كانوا ينظرون إلى الدخول إلى المستشفى على أنه "تذكرة مباشرة إلى المشرحة". وقد لجأت الأغلبية العظمى إلى العلاجات بالأعشاب في المنزل بدلاً من ذلك.
أما أونيتشي لوينجي، وهو مخرج أفلام بعمر 36 سنة، وأمضى أسبوعاً في جناح كوفيد-19 في مستشفى الجامعة التعليمي خلال الموجة الثانية في زامبيا في بدايات 2021، فيقول إن طاقم العمل كان يرزح تحت ضغوطات هائلة، لدرجة أن بعض المرضى كانوا يموتون دون أن يدري أحد بوفاتهم قبل مرور عدة ساعات. ويقول: "معظم من دخلوا هذا الجناح لم يخرجوا منه أحياء".
نقص حاد في تسجيل الوفيات
وعلى الرغم من أن سجلات الوفيات في إفريقيا ما زالت ناقصة، فإن محاولات تقدير زيادة الوفيات عبر الأساليب الإحصائية كانت أيضاً متوافقة مع النظرية التي تقول بوجود نقص حاد في تسجيل الوفيات، فقد قامت مجلة "ذا إيكونوميست" (The Economist) بتطوير نموذج تعلم آلي مبني على أكثر من 100 مؤشر يرتبط مع زيادة الوفيات في البلدان التي تتوافر فيها البيانات، ويشير هذه النموذج إلى أن إفريقيا شهدت زيادة في الوفيات بين 1.1 مليون و3 مليون منذ بدء الوباء. كما قام معهد مقاييس وتقييم الصحة في جامعة واشنطن بتصميم نموذج استُخدم في بحث منشور في "ذا لانسيت" في مارس/ آذار، ووفقاً لهذا النموذج، فإن هذا الرقم وصل حتى ديسمبر/ كانون الأول من العام 2021 إلى 2.1 مليوناً لمناطق إفريقيا تحت الصحراء الكبرى لوحدها، مع تقدير وسطي لزامبيا يبلغ 81000، أي نحو عشرين ضعفاً من الرقم الرسمي البالغ 3967.
ويشير الخبراء إلى وجوب التعامل مع هذه النماذج بحذر، فقد تم بناؤها على خوارزميات تم تدريبها بنسبة كبيرة باستخدام بيانات من الدول الثرية. وعلى الرغم من هذا، فإن تقديرات زيادة الوفيات من جنوب إفريقيا، والمبنية على سجلات وفيات فعلية، ترسم صورة مشابهة بشكل عام. حيث يبلغ معدل الوفيات الرسمي بسبب كوفيد-19 في ذلك البلد نحو 8 أضعاف معدل الوفيات في زامبيا، ويُعزى هذا جزئياً إلى وجود مراقبة أفضل، وعلى الرغم من هذا، ووفقاً لتقديرات مركز الأبحاث الاستشاري الطبي المرتبط بالحكومة، يوجد نقص بمقدار ثلاثة أضعاف في تسجيل الوفيات.
ويعتقد موانانياندا، وهو باحث سريري سابق، وأحد كبار مستشاري هيتشيليما حالياً، بوجود عوامل مشتركة بين الدولتين بما يكفي لافتراض تقارب معدلات الوفيات الحقيقية بسبب كوفيد-19 فيهما على الأرجح.
ويقول: "أعتقد أن ما حدث في جنوب إفريقيا مطابق تماماً لما حدث هنا، والفرق الوحيد هو أنه يوجد لديهم طريقة لجمع المعلومات ودراستها، على عكسنا".
اقرأ أيضاً: كيف نتعامل مع أخبار كوفيد دون أن نسمح لها بتضليلنا؟
أسئلة معلقة
على الرغم من أن فريق جامعة بوسطن حقق تقدماً ملموساً في تعويض نقص البيانات، فإن الدراسة التي أجراها كشفت أيضاً عن بعض الأسئلة المعلقة. ومن أهم المجاهيل المتعلقة بهذه المسألة هو موضوع دراسة سابقة لغيل وموانانياندا: وفيات الأطفال. وعلى حين كان معظم البالغين المتوفين المصابين بكوفيد-19 ممن شملتهم الدراسة يعانون من الأعراض التنفسية المعتادة لهذا المرض، فإن كلتا جولتي الدراسة كشفتا أن أغلبية الأطفال الصغار المصابين بكوفيد-19 لم يعانوا منها.
ووفقاً لغيل، يمكن أن يُعزى هذا إلى أن وفياتهم كانت غير متعلقة بالفيروس. ويشتبه بدلاً من هذا أن تأثير سارس-كوف-2 على الأطفال قد يكون أعلى ضمن ظروف يعاني فيها الأطفال من سوء التغذية والإصابة بأمراض أخرى بالمقارنة مع الغرب، حيث كانت وفيات الأطفال قليلة. وسيحاول الباحثون في المرحلة الثالثة من المشروع، والتي بدأت في فبراير/شباط، حل هذا اللغز بإجراء التشريح على جثث الأطفال التي حققت نتيجة إيجابية. يقول غيل: "إنها نظرية معقولة تماماً، ولكن يجب أن نثبتها".
ولكن، ونظراً للمسار الحالي للوباء، فإن غيل ليس متأكداً تماماً من أن الفريق سيحصل على الفرصة اللازمة. فعلى غرار ما يحدث في باقي أنحاء العالم، أدى وصول متحور أوميكرون إلى زامبيا في ديسمبر/ كانون الأول المنصرم إلى ارتفاع حاد في عدد الإصابات. ولكن، وعندما زرت مشرحة مستشفى جامعة لوساكا التعليمي في مارس/ آذار، قال الجميع هناك، بدءاً من العاملين في المشروع وصولاً إلى أصحاب محلات بيع التوابيت قرب المدخل، إن أحدث موجة أدت إلى وفيات أقل بكثير من ذي قبل. وعلى الرغم من أن نسبة التطعيم الكامل في زامبيا لا تتجاوز 12% -تمتلك السلطات الصحية ما يكفي من المواد، ولكنها واجهت صعوبة كبيرة في مكافحة التردد لدى السكان والتعامل مع الاختناقات اللوجستية- فإن الكثيرين يعتقدون أن أسوأ مراحل الوباء قد مرت.
اقرأ أيضاً: هل تدعم بيانات التجارب إعطاء لقاحات كوفيد-19 للأطفال؟
ومهما سيحدث، يتوقع غيل وموانانياندا أنه من الممكن مواصلة العمل على تعميق استيعاب أثره، فقد أمضى أعضاء المشروع مؤخراً عدة أشهر وهم يدرسون بيانات الدفن في لوكاسا لجمع البيانات لدعم عملية تحليل زيادة الوفيات الهادفة إلى توفير تصور أوضح حول مدى التقصير في تسجيل الوفيات في المدينة.
ولكن النتائج اللاحقة لن تؤدي، على الأرجح، إلى تغيير الاستنتاجات التي توصل إليها الفريق بسبب عمل إنغوما وزملائه عدة أشهر بين الجثث في مستشفى جامعة لوساكا التعليمي، والتي تقول إن كوفيد-19 ضرب إفريقيا بشدة، وأن العاملين على متابعته كانوا ببساطة عاجزين عن مجاراة ما كان يحدث.