نشرة خاصة
استطاعت التطورات التي شهدتها التكنولوجيا تمكينَ قطاع الطاقة من الوصول إلى مصادر جديدة للغاز الطبيعي والنفط لتلبية الطلب المتزايد في جميع أنحاء العالم. كما ساعد الابتكار أيضاً على التخفيف من الأثر البيئي لإنتاج الطاقة من خلال السماح بإنتاج المزيد من الغاز والنفط باستخدام عددٍ أقل من الآبار. وفي خضم مرحلة التطور، تصبح كيفية مواكبة شركات النفط والغاز للتحول السريع الذي يشهده هذا القطاع مصدراً للقلق. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا في حال كانت الشركات قادرة على التصدي لمسألة التحول بحزم وانتهاج التغيير.
بالنظر إلى أن المنحى الذي تتخذه التكنولوجيا يعيد صياغة الكيفية التي يتم فيها تقديم القيمة للعملاء، يمكن لشركات النفط والغاز أن تصمد في وجه المنافسة من خلال قبول التحولات العملياتية والإستراتيجية، وإعادة النظر فيما يعنيه العمل ضمن اقتصاد مقود بالتقنيات الرقمية.
بالنسبة لكثير من الناس، يمثل الانكماش الذي بدأ يشهده قطاع النفط والغاز منذ العام 2014 تجربةً مؤلمة؛ فكل مَن له علاقة بهذا القطاع يصف الأمر بأنه أسوأ انكماش يضرب هذه الصناعة على الإطلاق.
وعلى الرغم من العمل في بيئة تتسم بانضباط رأس المال وانخفاض التكاليف (حيث تتعرض المشاريع إما للتأجيل أو للإلغاء بالكامل)، فإنه من المثير للاهتمام كيف تمكّنت شركة بترول أبوظبي الوطنية "أدنوك" من مواجهة هذا الوضع.
حيث تعمل الشركة على إحداث ثورة في الأعمال من خلال ما لديها من مجموعة المشاريع الرقمية التي تشمل تحديد مواقع التنقيب عن الغاز والنفط، مما يساعدها على تحديد المواقع التي ستبيع فيها المنتجات. وقد ساعدت أدنوك في دفع الاقتصاد الإماراتي إلى مستوى جديد. واليوم، تعتبر أدنوك واحدة من أكبر شركات النفط والغاز في العالم التي تعالج ملايين الأمتار المكعبة من الغاز، وتنتج أكثر من 3 ملايين برميل من النفط كل يوم.
إن استخراج كميات بهذا الحجم يُعد أمراً يتعذر تحقيقه، خاصةً بعد الانكماش عام 2014. عندما اندلعت الأزمة، كانت أدنوك واحدة من الشركات القليلة التي تتبنى عدداً متنامياً من الحلول الرقمية؛ سعياً منها لخفض التكاليف من خلال التكنولوجيات والابتكارات الجديدة. وقد بدأت الشركة باستخدام كل من الصيانة التنبؤية، والذكاء الاصطناعي، والتعلم الآلي، والأتمتة الروبوتية، وحقول النفط الرقمية، والحوسبة السحابية، وتحليل البيانات في مجال عملها اليومي.
ووفقاً للمقابلة التي أجراها السيد عبد الناصر بشير المغيربي، الرئيس التقني في أدنوك مع المجلة الرقمية ComputerWeekly، فإن المغيريبي يتعامل مع الناس بكثرة، حيث يساعدهم على التكيف مع التقنيات الجديدة، كما يقول إن الشركة تمكنت من الاستعانة بالكميات الضخمة من البيانات التي تجمعها ضمن مجموعتها. وبما أن هناك ثورة يشهدها قطاع النفط الغاز، فإن التقنيات -مثل إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي- تشق طريقها إلى هذه الصناعة.
وهناك 14 منظمة مختلفة تعمل تحت جناح أدنوك تضم شركات تتعامل في إنتاج النفط عند المنابع وصناعات الغاز وتكرير النفط عند المصبات.
وكما ورد في مقال يعود لعدد من شركات الاستشارات التكنولوجية، فلا شك في أن شركات النفط والغاز التي تستخدم حلولاً رقمية متقدمة لتنفيذ عملياتها، ستنمو في المستقبل.
وعلى الرغم من أن قطاع الطاقة كان المجال الذي شهد عمليات الرقمنة بوتيرة أبطأ، إلا أن التحول والتغير الجذري الرقميين قد أصبحا يحتلان الآن صدارة ومحور كل ما يتم انعقاده من معارض ومؤتمرات وندوات تخص صناعة النفط والغاز في أي مكان من العالم.
وقد أطلقت أدنوك -مستشهدة بالثورة الصناعية الرابعة- إستراتيجيتها لتطبيق مفهوم "النفط والغاز 4.0"، فقد أنشأت مركز بانوراما الذكي للتحكم الرقمي، حيث تركز الشركة على آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا والابتكارات لتطبيقه في أعمالها.
وفي مقال نشرته المنصة الإخبارية الرقمية المتخصصة في مجال النفط والغاز والطاقات المتجددة، أشار الرئيس التنفيذي لأدنوك، الدكتور سلطان الجابر، إلى أن أدنوك تعمل على تطبيق إستراتيجيات مبتكرة وتبني نماذج أعمال أكثر مرونة، وذلك لمواكبة متغيرات مشهد الطاقة العالمي؛ ففي حين أن التحكم في أسعار النفط أمر مستحيل، إلا أن التحكم في مستقبل الشركة ممكنٌ عن طريق الابتكار وتغيير أساليب وطرق العمل.
وبوجود مركز بانوراما للتحكم، يمكن لأدنوك إجراء التحليلات، وبالتالي يمكنها تقديم المساعدة لأعمالها، وتحسين الإجراءات، ودعم عملية اتخاذ القرار.
يستخدم مركز التحكم الجديد مزيجاً من التعلم الآلي والتحليلات لاسترجاع المعلومات في الزمن الحقيقي، ويغطي مركز بانوراما 64 موقعاً تتضمن نصف مليون نقطة بيانات تتدفق ضمن لوحات كشف الأداء والتحكم، مما يسمح للفنيين برؤية ما يحدث في كل منشأة من المنشآت، وذلك في الوقت الحقيقي أيضاً.
لقد أدركت أدنوك الحاجة إلى التعلم الآلي واسترجاع ملايين البيانات؛ حيث يقوم مركز التحكم بتتبع تحليل مجموعات البيانات، وهو ما يسمح بتحسين التنبؤ بالمستقبل.
إنها معلومات لا تستطيع الكثير من شركات النفط والغاز استخراجها؛ حيث أدى هذا إلى تبسيط الحياة بالنسبة للفنيين والمشغلين العاملين في أدنوك. عندما يريدون إجراء تحليل معين، فإنهم لا يضطرون للذهاب إلى الموقع المعني. وانطلاقاً من الاختبار وانتهاء بالتجارب، يمكن تنفيذ كل شيء من مركز التحكم نفسه، إنه واحد من أكبر المنصات المُعدّة للصيانة التنبؤية.
فبمجرد إضافة كافة المحطات والمكابس إلى نظام أدنوك، فسيخبرك عندئذ بنقاط الضعف المستقبلية قبل ظهور مشاكل فيها بعدة أشهر، مما يسمح لها بتجنب حالات التوقف عن العمل بشكل مفاجئ، وبالتالي يحد في النهاية من احتمالات حدوث أي إخفاقات كارثية.
وبصرف النظر عن تحليلات البيانات، هناك جانب آخر قامت أدنوك بدراسته، وهو تكنولوجيا البلوك تشين؛ حيث تستخدم أدنوك هذه التكنولوجيا لتتبع عمليات المحاسبة داخل الشركة. فالبلوك تشين تستخدم العقود الذكية، مما أدى إلى تحسين مستوى الشفافية والوضوح فيما يجري.
ونظراً لأن أدنوك عبارة عن شبكة تضم 14 شركة، فقد تم إنشاء أنظمة محاسبة داخلية؛ حيث تمر العملية عبر أنظمة متعددة، ولضمان تنفيذها بشكل آمن، يتم استخدام تكنولوجيا البلوك تشين. لا يوفر هذا الأمر الشفافية عبر هذه الأنظمة المتعددة فحسب، بل إنه يضمن أيضاً عدم ارتكاب أي خطأ.
يتعلق الأمر كله بتطويع التكنولوجيا الجديدة التي تفيد الصناعة، ومع ذلك فإن هذا النهج له عيوبه أيضاً. فعلى الرغم من أن التغيير يبدو أمراً جيداً، إلا أن من الصعب تغيير الأشخاص بدلاً من تغيير الأنظمة؛ حيث يتعين على الشركات اتخاذ إجراءات تنظيمية تتعلق بتثقيف موظفيها، وتشجيعهم على رفع مستوى مهاراتهم.
وتمثل أدنوك علامة واضحة على أن قطاع النفط والغاز قد بدأ يحرز تقدماً نحو مزيد من عمليات الرقمنة. إن فوائد الأمان وتحسين الأداء وتوفير التكاليف وزيادة الكفاءة قد أصبحت واضحة للعيان، والشركات مثل أدنوك -التي تستثمر بكثافة في هذه الأدوات والتقنيات- سوف تجني المكاسب بكل تأكيد.
فإن كنت تعمل في قطاع النفط والغاز، فهذا هو الوقت المثالي للّحاق بركب التكنولوجيا الرقمية قبل فوات الأوان.