هل ستتصدر الهواتف القابلة للطي مشهد الهواتف الذكية في 2021؟

5 دقائق
مستقبل الهواتف القابلة للطي في 2021
الصورة الأصلية: دانييل روميرو عبر أنسبلاش | تعديل: إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية

رأي غير محبب: نحن نستخدم أيفون الذي أطلقته آبل سنة 2007

يمكن القول وبدرجةٍ كبيرة من الثقة أنه ومنذ إطلاق شركة آبل لأول هاتف ذكي من نمط أيفون سنة 2007، لم يحصل تغيير جذري في بنية وشكل الهواتف الذكية، وبدلاً من ذلك، استندت كل الشركات المصنعة للهواتف الذكية على نفس الفلسفة التصميمية: شاشة لمسية كبيرة في منتصف الهاتف، كاميرا (أو مجموعة كاميرات) خلفية، كاميرا أمامية، عدد قليل من الأزرار والكثير من التطبيقات والخصائص البرمجية.

قد لا يتفق الكثيرون مع الفكرة السابقة، ولكننا لو نظرنا بشكلٍ عام لوجدنا أن ما تغير فعلياً على الهواتف الذكية هو تحسينات على الخصائص الموجودة سلفاً: تحسين جودة التصوير، زيادة عدد الكاميرات، إضافة مكبرات صوتية، تغيير مكان حساس البصمة من الأمام إلى الخلف، إلى الجوانب وحتى تضمينه داخل الشاشة. ينسحب هذا الأمر على الشاشة اللمسية التي تم تحسينها بشكلٍ كبير وزيادة دقتها وجمالية ألوانها بفضل تطور تقنية الثنائيات العضوية الباعثة للضوء OLED. ولكن الشكل العام للهاتف الذكيّ ظل كما هو، أو لنقل كيفية تفاعلنا مع الهاتف الذكيّ ظلت -من حيث المبدأ- كما هي: شاشة في المنتصف نشاهد عبرها كل شيء وننفذ عبرها كل شيء.

حتى مع تطور المساعدات الرقمية الذكية التي تتيح التحكم في الهاتف عبر الأوامر الصوتية (مثل سيري من آبل ومساعد جوجل الذكي من جوجل وبيكسبي من سامسونج)، ظل شكل الهاتف الذكيّ كما هو، وظلت التحسينات والتطويرات مرتبطة بالشاشة والكاميرات وقدرة العتاد. وبالتالي، وبالرّغم من كون المساعدات الرقمية تمثل قفزة تقنية كبيرة إلا أنها ميزة برمجية لن تؤثر كثيراً على شكل الهاتف وتصميمه.

كل هذا تغير منذ أواخر سنة 2018 عندما ظهر أول هاتف ذكي بشاشةٍ لمسية قابلة للطي عبر الشركة الصينية الناشئة رويوليه (Royole)، التي أطلقت هاتفها الذكيّ فليكس باي (Flexpai) بشاشة مرنة تغطي معظم هيكل الهاتف يمكن طيها من المنتصف. بالرغم من أن الهاتف نفسه لم يحقق انتشاراً واسع النطاق وبقي محصوراً بين فئة المهووسين بالتقنية، شكَّل هذا الحدث أول بارقة لتحول مقبل في شكل الهواتف الذكية وكيفية تفاعلنا معها، أو لنقل إن هذا الحدث مثَّل شرارة تحول تقني من شأنه تغيير وظيفة الهاتف الذكيّ ونقله لبعدٍ جديد.

الهواتف الذكية القابلة للطي في 2021

لو أردنا أن نتّسمَ بالدقة، فإن فكرة الهواتف القابلة للطي ليست جديدة بحد ذاتها، ويستطيع الكثيرون تذكرَ الكثير من الهواتف التي سبقت عصر الهواتف الذكية التي كان يمكن طيها من المنتصف. الاختلاف هنا أن هذه الهواتف كانت تمتلك لوحة مفاتيح ذات أزرار ميكانيكية وشاشة صغيرة. أما بحالة الهواتف الذكية فإن الشاشة هي أداة التحكم والإظهار في آنٍ واحد معاً، ولذلك فإن حديثنا عن الهواتف الذكية القابلة للطي يعني بالتحديد الهواتف التي تم إطلاقها بعد هاتف فليكس باي سنة 2018.

اليوم وبعد حوالي 3 سنوات من إطلاق فليكس باي، أصبح هنالك تشكيلة متنوعة نسبياً من الهواتف الذكية القابلة للطي ومن شركات عدة مثل سامسونج وهواوي وموتورولا وحتى مايكروسوفت. على اختلاف التصاميم تبقى الفكرة الأساسية من كل هذه الهواتف هو امتلاك الشاشة لجزءٍ مرن يمكن طيُّه بما يؤدي لزيادة مساحة الإظهار. بعض الهواتف القابلة للطي صغيرة الحجم بما يجعلها قابلة للوضع في الجيب بسهولة ودون إزعاج (مثل هاتف رازر من موتورولا أو هاتف زد فولد من سامسونج)، وبعضها الآخر كبير الحجم وبعد طي الشاشة بالكامل تصبح أشبه الحواسيب اللوحية الصغيرة (مثل جلاكسي فولد من سامسونج أو مايت إكس من هواوي).

لو تحدثنا قليلاً عن الوثوقية وإمكانية الاستخدام، يمكن القول بأن الجيل الأول من الهواتف القابلة للطي الذي صدر في 2019 احتوى على العديد من المشاكل التقنية، ومن المنصف القول بأن هذه المرحلة شهدت تنافساً متسارعاً بين الشركات التقنية لجذب الانتباه لهذا المنحى الجديد، ما أدى لتسرعٍ في إطلاق هذه الهواتف قبل أن تكون قادرة بالفعل على تنفيذ مهامها بشكلٍ فعال. تغير هذا الوضع بشكلٍ كبير في 2020؛ إذ أصبحت هذه الهواتف أكثر “نضجاً” وأصبحت آلية طي الشاشة أكثر وثوقية، ولو أخذنا الجيل الثاني من هاتف سامسونج فولد كمثال، فإن التحسينات الكبيرة على الشاشة الخارجية المنفصلة وعلى آلية طي الشاشة وتصميمها الداخليّ جعلت منه بالفعل هاتفاً قد يرغب الكثيرون في اقتنائه.

الهواتف القابلة للطي: التطور الطبيعي للهواتف الذكية؟

من حيث المبدأ، لم يقم أحد بطلب الهواتف الذكية القابلة للطي، إلا أن عدم إنتاجها يعني توقف عجلة التطوير والابتكار في مجال الهواتف الذكية، خصوصاً أن تحسين القدرات العتادية (تحديداً أداء المعالج والذواكر) قد يصل لحائطٍ مسدود في المدى القريب إن لم يتم تطوير تقنية تصنيع الشرائح الإلكترونية بشكلٍ جذريّ (هنالك حديثٌ مطوّل أيضاً بهذا الخصوص، ويُمكن النظر للهواتف الذكية القابلة للطي على أنها محاولة لإخفاء المشكلة الحقيقية المتمثلة في إمكانية توقف تطور وتحسن قدرات عتاد الهاتف الذكيّ).

بغض النظر عن ذلك، وبالعودة لعلاقتنا كمستخدمين مع الهواتف الذكية، يطرح إطلاق الهواتف القابلة للطي الكثير من التساؤلات: هل يحتاج أسلوب حياتنا اليوميّ لمثل هكذا هواتف ولمثل هكذا قدرات؟ أم أنه يتوجب علينا التكيف مع الآلية التي تتطور عبرها التقنية؟ إن أصبح بالإمكان طي الهاتف وجعل شاشته كبيرة لهذه الدرجة بما يوفر لنا إمكانياتٍ أكبر، فما الفرق بين الهاتف الذكيّ والحاسوب اللوحي؟ ما الفرق بين الهاتف الذكيّ بهذه الحالة وبين أجهزة القراءة الإلكترونية؟ بمعنى آخر: هل سيؤدي هذا النمط من الهواتف إلى قتل أجهزةٍ ذكيةٍ أخرى؟

من الصعب جداً الإجابة عن التساؤلات السابقة لسببٍ بسيط: لا يمكن التنبؤ بسلوك المستخدمين بدقة وفي كل الأوقات. لو أخذنا تحولاً تقنياً بسيطاً مثل إلغاء منفذ السماعات التقليديّ من الهواتف الذكية، لوجدنا أن الدوافع والمبررات التي أطلقتها الشركات لهذا الإجراء لم تكن مقنعة، وعادت الكثير منها بعد عدة سنوات لإطلاق هواتف ذكية بمنفذ سماعات تقليدي. هذا يعني أن ما روجت له الكثير من الشركات على أنه “التطور الطبيعي” للتقنية لم يتناسب مع تطور سلوك حياتنا وأولوياتنا كمستخدمين: ببساطة أسلوب حياتنا لم يتغير كثيراً، ولم ينشأ لدينا حاجة حقيقية لاستبدال منفذ السماعات التقليديّ.

يمكن استخدام نفس المقاربة على الهواتف الذكية القابلة للطي: هل طرأ تحول جذريّ على أسلوب حياتنا وعملنا يتطلب منا التكيف مع الشكل الجديد للهواتف الذكية؟ ربما، وشاءت الصدفة أن سنة 2020 التي شهدت إطلاق الكثير من الهواتف القابلة للطي كانت السنة التي شهدت جائحة كورونا الوبائية، والتي أجبرت الكوكب بأكمله على زيادة اعتماده على التقنية لمختلف الأسباب: إنجاز العمل، التواصل مع الأصدقاء والعائلة وحتى التسلية. بمثل هكذا سيناريو، يبدو الهاتف الذكيّ القابل للطي خياراً ممتازاً؛ مهما كان سبب الاستخدام سيتفوق الهاتف الذي يمتلك شاشة كبيرة ومرنة على أي هاتف آخر؛ لأنه سيتيح لنا مكالمة فيديو أكبر، وسيتيح لنا مشاهدة المسلسلات والأفلام المفضلة بشكلٍ أفضل من الهاتف الذكي العادي وبنفس جودة الحواسيب اللوحية، وسيتيح لنا إنتاجية أكبر بفضل المساحة الكبيرة على الشاشة التي ستسمح بإجراء تعدد مهام ممتاز.

ولكن جائحة كورونا أمرٌ مؤقت، وفي حال سارت خطط التلقيح وإجراءات مكافحة انتشار الفيروس كما هو مخططٌ لها، فإننا قد نعود لحياتنا الطبيعية في منتصف 2021، وهكذا قد تتلاشى الكثير من الحاجات والدوافع التي حثتنا على تغيير نمط تفاعلنا مع الهواتف الذكية والتقنية بشكلٍ عام. ومع سيناريو كهذا، قد تُصبح الهواتف الذكية القابلة للطي طفرة مؤقتة على مسيرة تطور الهواتف الذكية، وكونها لم تتمكن من التفاعل مع تغيرات البيئة المحيطة على المدى الطويل، فإنها قد تتلاشى.

ولكن هل نحن نحتاج بالفعل كل التقنيات التي نستخدمها؟

افترضت في النقاش السابق أن كل التقنيات التي نستخدمها ظهرت أساساً بسبب حاجتنا لها، أو لنقل إنها استمرت وبقيت بسبب تناسب هذه التقنيات الجديدة مع حاجاتنا اليومية. هذا افتراضٌ يصعب الحكم على دقته: هل تحتاج حياتنا لكل ما هو موجود حولنا من تقنيات، أم أننا غيرنا من شكل وأسلوب حياتنا لتتكيف مع التقنيات الجديدة؟ هنالك جدلٌ كبير حول هذه النقطة، ويجادل البعض لصالح وجهة نظر معينة بينما يجادل البعض الآخر لصالح وجهة النظر المضادة.

يمكن النظر لهذا الأمر من زاويةٍ أخرى: لا يمكن الفصل بين التطور التقني وبين أسلوب حياتنا، بمعنى أن هنالك تأثيراً متبادلاً بينهما، ولو سألنا دوماً: من طلب هذا الجهاز؟ ومن أراد هذا الابتكار؟ لَمَا وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم. سيسهل علينا تقبل وفهم ظهور الهواتف الذكية القابلة للطي من هذا المنظور، بدلاً من النظر لها على أنها “خزعبلات” لا تحمل أي فائدة حقيقية.

إذن، هل ستتصدر الهواتف القابلة للطي مشهد الهواتف الذكية في 2021؟

كلا، وليس لأنها تقنية لا يوجد حاجة لها، بل لأن كيفية تفاعلنا مع الهواتف الذكية لا تزال قديمة نسبياً. من المرجح تزايد انتشار الهواتف الذكية القابلة للطي هذا العام، ولكن انتشارها الواسع سيتطلب أكثر من الحملات الإعلامية والتسويقية والعروض المغرية التي تقوم بها الشركات: لا يزال مفهوم الهاتف الذكيّ بالنسبة للكثيرين مرتبطاً بصورة ستيف جوبز سنة 2007 عندما أطلق أول أيفون. الهواتف الذكية القابلة للطي تحمل فلسفة تفاعل جديدة مع التقنية وتختصر الكثير من الأجهزة والتقنيات في آنٍ واحد معاً. هذا يعني أن هذه الهواتف لن تتصدر المشهد هذا العام ليس لأنها سيئة، أو دون فائدة، بل لأننا على الأرجح غير مستعدين لها.

المحتوى محمي