يُعد جسم الإنسان إنجازاً هندسيّاً فائق الدقة لعملية التطور التي بدأت بالخروج من الحساء الجيني الأرضي (الذي أنتجته عدة مصادفات كونية) ثم التمايز، فالاصطفاء الطبيعي، الذي نص على بقاء الأصلح، وصولاً إلى الإنسان العاقل الذي جاب المعمورة مشياً على الأقدام خارجاً من القارة الإفريقية إلى كل أصقاع الأرض.
لكن عملية التطور بطيئة للغاية، ونحن في زمن لم نعد نمتلك ترف الانتظار، إننا مكبلون بقيود هندسية، وتحكم علينا جيناتنا بالتقدم بالعمر. لقد استغرق ظهور الإنسان العاقل ملايين السنين، ومئات الآلاف منها لابتكار أبسط التقنيات التي تسعفه بالبقاء.
لكنّ التكنولوجيا الحالية تعدنا بالكثير، فهي تعدنا بإنسان ستتعزَز قدراته المعرفية والحركية بواسطتها، وغالباً سينتهي بنا المطاف مع كائن بيو-تيك هجين بين البيولوجيا والتكنولوجيا. وهذا الاتجاه ليس عبثاً بشريّاً في أغلبه، فله ضرورات طبية، وعسكرية، لا سيما ما يتعلق بحلم الجندي السايبورغ، ورغبة لدى الناس لتعزيز أجسادهم بالتكنولوجيا.
من حيث انطلقنا: البيولوجيا مقابل التكنولوجيا
زود التطور الإنسان العاقل بالعديد من الحساسات التي تستجيب للمحفزات الحسية المختلفة، وكانت استجابات الإنسان للمحفزات تكفل له الحماية من شتى العوامل. وتعد قدرات أدمغتنا وخاصة القشرة الدماغية واحدة من التعديلات التطورية الرئيسية للإنسان مقارنة بالأنواع الأخرى؛ إذ يمتلك الدماغ البشري ما يقدر في المتوسط بنحو 85-100 مليار خلية عصبية، ويحتوي على العديد من الخلايا الدبقية التي تعمل على دعم وحماية الخلايا العصبية. قد يتم توصيل كل خلية عصبية بما يصل إلى 10,000-12,500 خلية عصبية أخرى، وتمرر إشارات إلى بعضها بعضاً عبر ما يصل إلى 100 تريليون اتصال متشابك، وهو ما يعادل حسب بعض التقديرات جهاز كمبيوتر مزود بمعالج بقدرة 1 تريليون بت في الثانية.
بمقارنة الدماغ (الكهروكيميائي) بأجهزة الكمبيوتر (الرقمية)، تشبه الترانزستورات المشابك العصبية، من حيث أنها ثنائية، مفتوحة أو مغلقة، ما يسمح بمرور الإشارة أو يحجبها. لذلك، بالنظر إلى تقدير متوسط لـ 12,500 نقطة تشابك عصبية لكل خلية عصبية وعدد 22 مليار خلية عصبية قشرية، نجد أن دماغنا على مستوى القشرة المخية، بروابطه التي تبلغ التريليونات، يكافئ 270 تريليون ترانزستور تقريباً، يعمل على معالجة المعلومات وتخزين الذاكرة واسترجاعها. أي يعمل دماغنا بما يشبه إنترنت دماغ. لكن يبقى المثير للاهتمام مع كل الأرقام المذكورة، أن لا رقم يمكنه فعلاً أن يعطي تقديراً دقيقاً لقدرات الحوسبة لدى الدماغ البشري.
اقرأ أيضاً: كيف ستؤثر الأتمتة على حياتنا؟
التطور والتكنولوجيا وتعزيز قدرات الإنسان
نعم، إن قدرات الدماغ رائعة، لكن القدرات الحسابية الفطرية له ثابتة نسبياً؛ فعلى الرغم من استمرار التطور الذي يؤثر على جسم الإنسان، لكننا اليوم لا نزال متشابهين جداً تشريحياً وفيزيولوجياً وكمعالجي معلومات مع أسلافنا الأوائل منذ بضع مئات الآلاف من السنين. أي أن عملية التطور خلقت كائناً واعياً لديه القدرة على البقاء في البيئة التي تطور الإنسان العاقل للمنافسة فيها بنجاح.
ما اختلف فيه القرن الحادي والعشرين، هو ظهور التكنولوجيا المتقدمة التي نستخدمها اليوم وتطورها المتسارع. حيث تعد التقنيات الناشئة التي بدأت في شكل الهياكل الخارجية والأجهزة التعويضية للأطراف التي يتحكم فيها الدماغ والأجهزة التعويضية العصبية المزروعة داخل الدماغ بتكوين أشخاص معززين تقنياً يتمتعون بقدرات تتجاوز تلك المقدمة للبشر من خلال قوى التطور. بيد أن ظهور التعزيزات التكنولوجية للبشر إلى جانب قدرات جسم الإنسان المقدمة من خلال عملية التطور يثير نقطة مفادها أن بيولوجيتنا والتكنولوجيا المدمجة في الجسم تتطور في ظل نطاقات زمنية مختلفة إلى حد كبير، بكلمات أخرى، سبقتنا التكنولوجيا على السلم التطوري بمراحل، وهذا له آثار على الاتجاه المستقبلي لجنسنا ويثير قضايا معنوية وأخلاقية مرتبطة بتغيير سرعة العمليات التطورية التي أدت في النهاية لظهور الإنسان العاقل.
لنأخذ مثالاً بسيطاً يوضح الأمر: يعتبر البروتين أوبسين opsin الحساس للضوء بالغ الأهمية للحس البصري. من مقياس زمني تطوري، نشأت سلالة opsin منذ أكثر من 700 مليون سنة. وأول أحافير مسجلة للعيون من العصر الكمبري السفلي كانت منذ نحو 540 مليون سنة. ويُعتقد أن الحيوانات ربما شعرت بالضوء قبل ذلك، لكنها لم تستخدمه أو تعتمد عليه في مناحي حياتها.
قارن هذه الأطر الزمنية لتطوير النظام البصري البشري، بتطوير تكنولوجيا "من صنع الإنسان" للمساعدة في الرؤية. ففي نحو عام 1284، اخترع سالفينو دارمات أول نظارة للعين يمكن ارتداؤها، وبعد 500 عام فقط، في منتصف ثمانينيات القرن الثامن عشر، اخترع بنجامين فرانكلين النظارات ثنائية البؤرة. قرون أخرى مرت، ولكن خلال العشر إلى الخمسة عشر عاماً الماضية، تسارع التقدم في إنشاء تقنية لتعزيز أو حتى استبدال النظام البصري البشري. مثلاً، يعمل جراحو العيون في مستوصف ماساتشوستس للعين والأذن على تلسكوب مصغر ليتم زرعه في عين مصممة لمساعدة الأشخاص الذين يعانون من فقدان البصر في المرحلة النهائية من التنكس البقعي.
ما تم تصميمه بناءً على الضرورة الطبية اليوم قد يأخذ يوماً ما تطبيقاً مختلفاً تماماً، وهو تحسين النظام البصري للأشخاص ذوي البصر العادي للسماح لهم باكتشاف الطيف الكهرومغناطيسي خارج نطاق قدرات أعيننا التطورية، أو لتكبير أو تصغير مشهد باستخدام عدسة تليفوتوغرافيّة، وحتى لربط الإحساس المرئي لشخص ما بشخص آخر لاسلكياً.
اقرأ أيضاً: علماء الكمبيوتر يرغبون في محاكاة أداء الدماغ البشري باستخدام الشبكات العصبونية
هل سنصل إلى التفرد التكنولوجي؟ أو سيصل إلينا؟
نظراً للمعدل الذي تتحسن به التكنولوجيا وخاصة الذكاء الاصطناعي، فإنه بمجرد الوصول إلى التفرد التكنولوجي الذي يكون فيه الذكاء الاصطناعي أكثر ذكاءً من البشر، لن يبقى البشر أكثر الكائنات ذكاءً على هذا الكوكب. والحل للتعامل مع النمو الهائل في التكنولوجيا، وخاصة تكنولوجيا الحوسبة، هو أن نسلح أنفسنا بالتكنولوجيا.
يقدم المعدل الذي يحدث عنده التطور التكنولوجي حجة قوية لتسريع التطور البيولوجي من خلال استخدام التكنولوجيا، ما يعني تعزيز الجسم إلى ما هو أبعد من مستويات الأداء العادية، أو حتى لخلق حواس جديدة؛ ولكن بشكل أساسي، من خلال التكنولوجيا المزروعة داخل الجسم، لتزويد البشر بموارد حسابية أكبر بكثير مما يوفره دماغ لديه 100 تريليون تشابك عصبي (كثير منها لا يشارك بشكل مباشر في الإدراك). والأهم من ذلك، تكمن أهمية قانون تسريع العوائد لتعزيز قدرات الإنسان في أنه يصف أسيّة التغيير التكنولوجي، ما يعني أن التقدم في إحدى مراحل التطور التكنولوجي يساعد على تحفيز قدرة تكنولوجية أسرع وأكبر في المرحلة التالية من تطوير التكنولوجيا.
على الرغم من محدودية قدرات الأجهزة المتاحة حالياّ، فإن معدل التحسينات في قدرتها على التعلم يشير إلى أن أجهزة الكمبيوتر التي ستتمتع بقدرات حوسبة تشبه الدماغ البشري، ستكون نتاج هذا القرن، وغالباً ستشكل جزءاً من رقاقة عصبية مزروعة داخل الدماغ. إذا حدث ذلك، من المتوقع أن يربط البشر القشرة المخية الحديثة الخاصة بهم بالسحابة (باستخدام رقاقة عصبية مثلاً)، وبالتالي سيتمكنون من الوصول إلى تريليونات البتات من المعلومات المتاحة عبر السحابة والاستفادة من قدرة الخوارزميات على التعلم وحل المشكلات الحالية التي تتجاوز فهم الإنسان.
اقرأ أيضاً: زرعة جديدة للمكفوفين تتصل مباشرة بالدماغ
بشر تعزز التكنولوجيا أدمغتهم
القشرة المخية كنتاج للتطور البيولوجي، مهمة بشكل خاص لأنها تشكل تفاعلاتنا وتفسيراتنا للعالم الذي نعيش فيه. بالنسبة للإنسان العاقل، تُظهر الدراسات التشريحية بالمقارنة بين الرئيسيات الحية وسجل أحافير الرئيسيات أن حجم الدماغ ازداد بسرعة أثناء تطور الرئيسيات. وقد صاحب هذه الزيادة توسع في القشرة المخية الحديثة، ولا سيما مناطق "ارتباطها". بالإضافة إلى ذلك، فإن القشرة الدماغية لدينا تشتمل على مناطق "قديمة" مثل الحُصين ومناطق "جديدة" مثل "القشرة المخية الحديثة" ذات الطبقات الست، والتي توجد فقط في الثدييات وبشكل بارز عند البشر.
حدث التوسع السريع في القشرة، وخاصة القشرة الأمامية، خلال النصف مليون سنة الماضية. ومع ذلك، فإن تطور القشرة المخية قد بُني على ما يقرب من خمسة ملايين سنة من تطور البشر، 100 مليون سنة من تطور الثدييات؛ ونحو أربعة مليارات سنة من التطور الجزيئي والخلوي.
قارن الأطر الزمنية المذكورة أعلاه بالإطار الزمني للتطورات الرئيسية في تكنولوجيا الحوسبة. ضع في اعتبارك أن تقنيات الحوسبة الحديثة تهدف إلى تعزيز وظائف القشرة الدماغية نفسها.
بعد مسيرة الحساب التي بدأت منذ آلاف السنين في الصين، قدم آلان تورينج فكرة آلة تورينج العالمية، التي سميت لاحقاً بآلة تورينج، وهي قادرة نظرياً على حساب أي شيء يمكن حسابه. في عام 1943-1946، تم بناء المكامل الرقمي والحاسبة الإلكترونية "إينياك" (ENIAC) والذي يعتبر مقدمة لأجهزة الكمبيوتر الرقمية، وكان قادراً على إجراء 5000 عملية حساب بسيطة في الثانية. وفي عام 1958، كُشف النقاب عن الدائرة المتكاملة، أو شريحة الكمبيوتر. ومؤخراً، وبناءً على الجهود التي بذلها مختبر أوك ريدج الوطني التابع لوزارة الطاقة الأميركية، يعمل الكمبيوتر العملاق Summit بأعلى أداء يبلغ 200 بيتافلوب، وهو ما يعادل 200 مليون عملية حسابية في الثانية.
تعتبر الضرورة الطبية عاملاً يحفز الحاجة إلى تطوير التكنولوجيا للجسم. مثلاً، لاستعادة الدماغ التالف إلى حالته الطبيعية، يمول برنامج استعادة الذاكرة النشطة (RAM) التابع لـ "داربا" (DARPA) الأبحاث لبناء غرسات للمحاربين القدامى الذين يعانون من إصابات دماغية مؤلمة تؤدي إلى ضعف الذاكرة. في إطار البرنامج، يبحث الباحثون في مختبر الذاكرة الحاسوبية بجامعة بنسلفانيا عن علامات بيولوجية لتكوين الذاكرة واسترجاعها. تتكون موضوعات الاختبار من مرضى الصرع في المستشفى والذين لديهم أقطاب كهربائية مزروعة بعمق في أدمغتهم للسماح للأطباء بدراسة نوباتهم. يجري تسجيل النشاط الكهربائي في أدمغة هؤلاء المرضى أثناء إجراء اختبارات الذاكرة من أجل الكشف عن الإشارات الكهربائية المرتبطة بعمليات الذاكرة. بمجرد العثور على الإشارات، سيقوم الباحثون بتضخيمها باستخدام أجهزة تحفيز عصبي متطورة. يمكن أن يؤدي هذا النهج إلى تقنية مزروعة داخل الدماغ يمكن أن تزيد في النهاية من سعة ذاكرة البشر. بالإضافة إلى أبحاث أخرى تسعى إلى توسيع مدى الذاكرة.
اقرأ أيضاً: أهم العبر من قصة تطور الذكاء الاصطناعي منذ هزيمة كاسباروف حتى التعلم العميق
الإطار الزمني والأدوات اللازمة لإنتاج كائن بشري هجين من التكنولوجيا والبيولوجيا
يتنبأ راي كورزويل، مدير الهندسة في جوجل، وأحد المتنبئين الرئيسيين للاتجاه المستقبلي للتكنولوجيا وخاصة الذكاء الاصطناعي، بأن التفرد التكنولوجي سيحل نحو عام 2045. كما يدعي كورزويل أننا سنضاعف ذكاءنا الفعال مليار مرة من خلال الاندماج مع الذكاء الاصطناعي الذي أنشأناه. يتوافق الجدول الزمني الذي وضعه كورزويل بشأن التفرد مع تنبؤات أخرى، لا سيما تلك الخاصة بماسايوشي سون، رائد الأعمال الكوري الجنوبي والمستثمر في قطاع التكنولوجيا المتقدمة، الذي يجادل بأن عصر الآلات فائقة الذكاء سيحل مع عام 2047. بالإضافة إلى ذلك، أجاب استطلاع لخبراء الذكاء الاصطناعي الذين حضروا مؤتمرَين بارزين للذكاء الاصطناعي في عام 2015 بأن هناك فرصة بنسبة 50٪ لتجاوز الذكاء الاصطناعي القدرات البشرية بحلول عام 2060.
هناك ثلاث فترات زمنية ذات أهمية لتطوير تكنولوجيا التعزيز البشري والاندماج النهائي بين البشر والتكنولوجيا. وهي تشير إلى أن اندماج البشر مع التكنولوجيا يحدث في مراحل رئيسية (مع العديد من المحطات الفرعية):
المرحلة الأولى: التكنولوجيا خارج الجسم، ولكن بينما نتحرك نحو كائن حي أكثر اعتماداً على التكنولوجيا، فإننا سندخل مرحلة وسيطة.
المرحلة الثانية: التعزيز البشري التكنولوجي يحصل حاليّاً، وستستمر حتى التوصل إلى التفرد التكنولوجي. في هذه الفترة الزمنية القصيرة، سيستمر استخدام التكنولوجيا في المقام الأول كأداة لا تعتبر جزءاً من الإنسان، وبالتالي سيستمر البشر في أن يكونوا بيولوجيين أكثر من كونهم تكنولوجيين (ولكن ستظهر كائنات التكنولوجيا الحيوية بشكل متزايد). ومنذ الآن وحتى نهاية القرن، سنرى تطوير المزيد من التكنولوجيا لتحل محل الأجزاء البيولوجية، وربما لخلق ميزات جديدة في علم التشريح البشري ووظائف الدماغ. كذلك، وخلال هذه الفترة الزمنية، سيعتمد الأشخاص بشكل متزايد على الذكاء الاصطناعي كأداة للمساعدة في حل المشكلات، وسيؤدي الذكاء الاصطناعي بشكل متكرر مهاماً مستقلة عن الإشراف البشري.
ولكن في هذه المرحلة الثانية من التعزيز البشري، سيكون الذكاء الاصطناعي موجوداً بشكل أساسي على أجهزة خارج الجسم البشري. سيتم زرع الذكاء الاصطناعي في الجسم نفسه لاحقاً. ومستقبلاً، ستزيد التكنولوجيا التي يتم زرعها مباشرة في الدماغ من سعة الحوسبة والتخزين في الدماغ، وتفتح آفاقاً جديدة لمشاهدة العالم، تتجاوز قدرات الدماغ التي يوفرها التطور البيولوجي، ما يؤدي إلى توسيع نطاق عملنا.
المرحلة الثالثة: هذه المرحلة من التطور التكنولوجي التي تؤثر على تعزيز الإنسان ومستقبلنا للاندماج مع التكنولوجيا تتمثل في الفترة الزمنية التي تحدث بعد الوصول إلى التفرد التكنولوجي. عند نقطة الانعطاف هذه، سيتجاوز الذكاء الاصطناعي البشر في الذكاء العام وستتقدم التكنولوجيا إلى النقطة التي يصبح فيها الإنسان مجهزاً بتكنولوجيا تتفوق على أجزائنا البيولوجية التي تنتجها قوى التطور؛ وهكذا، سيصبح الإنسان أساساً شكلاً من أشكال تطور التكنولوجيا غير البيولوجية.
اقرأ أيضاً: إليك أهم ميزات اعتماد الحوسبة السحابية في الرعاية الصحية ومعوقات تطبيقها
قضايا أخلاقية للنظر فيها: من أين يجب أن نمسك العصا؟
عندما نفكر في المستقبل الذي يمكن أن تتعزز فيه الوظائف الإدراكية البشرية والأجسام البشرية بشكل كبير بالتكنولوجيا، من المهم أن نذكر القضايا الأخلاقية والمعنوية التي قد تنتج عندما يتفوق البشر المجهزون بتقنيات التعزيز على الآخرين في القدرات، وعندما تتفوق فئات مختلفة من البشر توجد بطبيعتها التكنولوجيا التي تتبناها. أحد المجالات التي تمت مناقشتها هي الرياضيين ذوي الأطراف الاصطناعية عالية التقنية الذين يسعون إلى التنافس مع الرياضيين الأصحاء. كذلك يمكن للإنسان المعزز تكنولوجياً أن يثير قضايا أخلاقية وقانونية متعلقة بإمكانيات العمل.
ففي عصر الأشخاص المعززين تكنولوجيا، هل ينبغي إعطاء الأفضلية لمن لديهم تحسينات تؤثر على جودة العمل، أو لديهم معايير عمل مختلفة عن أولئك الذين لم يتم تعزيزهم؟ ومن حيث الحقوق القانونية وحقوق الإنسان الأخرى، هل ينبغي أن يُعتبر الأشخاص ذوو الإعاقة، ولكنهم يتلقون تحسينات تكنولوجية، "أكثر قدرة" من أولئك الذين ليست لديهم تحسينات، أو أنهم فئة خاصة تحتاج إلى حماية قانونية إضافية، أو يجب أن يُعتبر الأشخاص الأصحاء بالمقارنة بمن تم تعزيزهم هم من ينبغي أن يتلقوا مثل هذه الحماية؟ كما يطرح سؤال مهم حول كيفية تعامل المجتمع مع "كائن اصطناعي جزئيًا". وهل سيتلقى جميع أشكال الحماية المقدمة بموجب القوانين والتشريعات والدساتير. وهل سيتم السماح لبعض الأشخاص فقط بالاندماج مع التكنولوجيا لإنشاء فئة من البشر يتمتعون بقدرات فائقة، أم أن تكنولوجيا التعزيز ستكون متاحة لجميع الأشخاص؟ وما دور الحكومات في ذلك؟
إذا فحصنا توقيت وتسلسل هذه الخطوات، نلاحظ أن العملية قد تسارعت باستمرار. تطلب تطور أشكال الحياة مليارات السنين للخطوات البسيطة الأولى، وهي تطور الخلايا البدائية؛ فيما بعد، تسارع التقدم، وأثناء الانفجار الكمبري، استغرقت التحولات النموذجية الرئيسية عشرات الملايين من السنين فقط. لاحقاً تطور أشباه البشر على مدى ملايين السنين، وتطور الإنسان العاقل على مدى مئات الآلاف من السنين فقط. نحن الآن فصيلة تصنع الأدوات وقد تندمج مع التكنولوجيا التي تصنعها. قد يحدث هذا بنهاية هذا القرن أو ما يليه، وبسرعة خاضعة لقانون تسريع العوائد في التكنولوجيا.