تكنولوجيا الواقع الغامر: كيف تغير مستقبل التدريب والتواصل في بيئات العمل؟

6 دقيقة
ما الجديد الذي أضافته نظارات الواقع المعزز الجديدة من أكسريال إلى الحوسبة؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/Tero Vesalainen

شهدت السنوات القليلة الماضية اهتماماً متزايداً بتكنولوجيا الواقع الافتراضي والواقع المعزز، إذ أصبحت تستخدم الآن في مختلف القطاعات، ويعزز هذا المشهد النمو السريع لها، حيث من المتوقع أن ترتفع قيمتها السوقية في بيئات العمل إلى أكثر من 451 مليار دولار بحلول عام 2030، وفقاً لشركة أكيومن للأبحاث والاستشارات.

ويشير هذا النمو السريع إلى أن التقنيتين تنتقلان من تطبيقات متخصصة في الألعاب والترفيه لتصبحا أدوات أساسية للأعمال والوظائف المهنية، مدفوعة بانخفاض تكلفة الأجهزة وانتشار شبكات الجيل الخامس والحوسبة الطرفية والبرمجيات المصاحبة لها، وحالات الاستخدام الجديدة في مجال التواصل والتدريب.

علاوة على ذلك، تكتسب التقنيتان أهمية كبرى لدورهما في تعزيز التدريب المهني الذي يسهم بدوره في الاحتفاظ بالموظفين، إذ وجد تقرير التعلم في مكان العمل 2023 الذي أصدرته منصة التوظيف لينكدإن أن 93% من المؤسسات كانت قلقة بشأن الاحتفاظ بموظفيها، وأن توفير فرص التعلم كان أفضل استراتيجية لتحسينها. بالإضافة إلى ذلك، يسلط بحث حالة تحسين المهارات وإعادتها 2024، الذي أجرته شركتا تالنت إل إم إس وواركبلي، الضوء على أن معدلات المشاركة والاحتفاظ تكون أعلى بنسبة 30% إلى 50% في المؤسسات ذات ثقافة التدريب القوية.

هذه العوامل كلها من شأنها أن تشكل تحدياً أمام الشركات وتجعلها في حاجة ماسة إلى طرق تدريب وتواصل جديدة ثورية ومبتكرة الآن أكثر من أي وقت مضى لأسباب عدة، أهمها تقليل معدل دوران الموظفين، وتطوير مهاراتهم وصقلها، ما قد ينعكس إيجاباً على أداء الشركة ويعطيها ميزة تنافسية لجذب المواهب.

الواقع الافتراضي والواقع المعزز: نقلة نوعية في التدريب المهني

يمثل ظهور الواقع المعزز والواقع الافتراضي نقلة نوعية كبيرة من أساليب التعلم السلبي مثل قراءة الكتيبات أو مشاهدة مقاطع الفيديو التعليمية إلى نهج تفاعلي وعملي وتجريبي. 

ويعد هذا التحول بالغ الأهمية، إذ ثبت أن التعلم النشط أكثر فاعلية في حفظ المعرفة وتطبيقها عملياً، حيث تنشئ سيناريوهات تدريب غامرة وتفاعلية تجذب الموظفين، ما يجعل العملية أكثر متعة ورسوخاً ويؤدي إلى فهم أعمق للمهارات الجديدة والاحتفاظ بها.

فمن أبرز مزايا التدريب الغامر قدرته على توفير بيئات عملية وخالية من المخاطر لاكتساب المهارات، لا سيما في القطاعات عالية المخاطر مثل الرعاية الصحية والفضاء والتصنيع والبناء، حيث يمكن لهذه القطاعات محاكاة سيناريوهات خطرة أو معقدة دون تعريض الموظفين لمخاطر فعلية.

اقرأ أيضاً: تعرف على فيجن برو: نظارة آبل الجديدة للواقع المعزز والواقع الافتراضي

على سبيل المثال، في قطاع البناء بالإمارات العربية المتحدة، أظهرت دراسة أن استخدام محاكاة الواقع الافتراضي رباعية الأبعاد التي تدعمها نمذجة معلومات البناء يمكن أن يكون وسيلة فعالة للغاية لتدريب العمال على إجراءات السلامة في مواقع العمل، خصوصاً في البيئات التي تتحدث فيها فرق العمل لغات مختلفة، حيث تعتبر أدلة السلامة المكتوبة غير فعالة في مثل هذه الحالات بسبب الحواجز اللغوية.

استفادت الدراسة من الواقع الافتراضي كأداة بصرية وتجريبية تتيح للعمال فهم المخاطر وإرشادات السلامة بشكل أفضل، ما يحسن تدفق المعلومات وتبادل المعرفة، فبدلاً من مجرد قراءة التعليمات يتمكن العمال من ممارسة المخاطر المحتملة وتحديدها في بيئة آمنة تماماً. هذا النوع من التدريب يعزز لدى العمال فهماً أعمق لخطورة المخاطر التي قد يواجهونها في الواقع.

بالإضافة إلى توفير بيئة تدريب آمنة، أظهرت دراسة أجرتها شركة بي دبليو سي، أن تقنيات الواقع الافتراضي تعزز بشكل كبير فاعلية التدريب، خاصة في مجال المهارات الشخصية، فالموظفون الذين يستخدمونها يكتسبون المعرفة والمهارات أسرع بأربع مرات من نظرائهم الذين يستخدمون الأساليب التقليدية، كما أنهم يظهرون تحسناً بنسبة 40% في الثقة بتطبيق ما تعلموه.

وبالمثل، يوفر الواقع المعزز نهجاً مختلفاً ولكنه بالقدر نفسه من الأهمية للتدريب، إذ يعد أداة فعالة للتدريب العملي، خاصة في المهام المعقدة، إذ يمكن استخدامه لتوجيه الفنيين خلال إجراءات الصيانة والإصلاح المعقدة، من خلال تراكب تعليمات بصرية مفصلة وبيانات آنية مباشرة على الآلات أو المعدات التي يعملون عليها.

يلغي هذا النهج العملي حاجة الفنيين إلى الرجوع إلى الأدلة المطبوعة أو مواقع الويب، ما يبسط سير العمل ويقلل احتمالية حدوث الأخطاء، حيث توفر محاكاة الواقع المعزز تدفقاً سلساً للمعلومات مدمجاً مباشرة مع المهمة الفعلية، ما يعزز الإنتاجية والدقة.

هذه النتائج الإيجابية تعود إلى الطبيعة الغامرة والتفاعلية للتكنولوجيا التي تقلل عوامل التشتيت وتعزز التركيز، ما يؤدي إلى ارتباط عاطفي أعمق بالمواد التعليمية، وتعد هذه العلاقة المباشرة بين الانغماس والتركيز والاتصال العاطفي مفتاح فاعلية هاتين التقنيتين في تعزيز اكتساب المعرفة والمهارات بشكل أسرع وأعمق.

اقرأ أيضاً: الرؤية سبيل اليقين: إطلاق الطاقات الاقتصادية الكامنة في تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز في الإمارات

الواقع المعزز و الواقع الافتراضي في التواصل: كيف يعيدان تعريف التعاون في بيئات العمل؟

أصبحت أدوات التواصل التقليدية مثل مؤتمرات الفيديو منتشرة في كل مكان، ولكنها غالباً ما تؤدي إلى تفاعلات مشتتة وظاهرة تعرف باسم "إجهاد زووم"، حيث يشعر المشاركون بالانفصال والإرهاق من التحديق في الشاشات ثنائية الأبعاد، ولكن يوفر كل من الواقع المعزز والافتراضي حلاً فعالاً من خلال سد الفجوات الجغرافية وخلق شعور بالوجود المشترك الذي يعزز التفاعلات الطبيعية والعفوية.

على سبيل المثال، بخلاف مكالمات الفيديو التي تحصر الأشخاص في صناديق صغيرة على الشاشة، ينشئ الواقع الافتراضي بيئة ثلاثية الأبعاد، حيث يمكن للمستخدمين التحرك والتفاعل مع الأشياء والتواصل مع بعضهم بعضاً  في الوقت الفعلي، ما يقلل بشكل كبير الشعور بالمسافة والتعب ويؤدي إلى اجتماعات أكثر إنتاجية ومتعة.

علاوة على ذلك، بينما ينشئ الواقع الافتراضي سياقاً مشتركاً جديداً تماماً، يتفوق الواقع المعزز في تعزيز السياق الحالي وتحسينه، إذ يسمح للمشاركين بدمج المحتوى الرقمي مع العالم الحقيقي، ما يسهل تجربة اجتماع أكثر ثراء وجاذبية. وتعد هذه الإمكانية مفيدة بشكل خاص في الصناعات التي تعتمد بشكل كبير على المعلومات المرئية والمكانية.

على سبيل المثال، في قطاع الرعاية الصحية استخدم جراحون في مدينة برجيل الطبية في أبوظبي تكنولوجيا الواقع المعزز والافتراضي لإجراء عملية تقويم عظام مباشرة عن بعد بمشاركة 15 جراحاً من 13 دولة مختلفة، إذ تمكن الجراحون في كل بلد من تصور الجراحة وتشغيلها ومشاركة رؤيتهم مع الجراحين في غرفة العمليات في الوقت الفعلي.

وفي مجال الهندسة المعمارية والتصميم يمكن للفرق استخدام الواقع المعزز لعرض نماذج ثلاثية الأبعاد في مساحتهم المادية، ما يمكنهم من استكشاف التصاميم وتعديلها بشكل تعاوني في الوقت الفعلي، كما لو أنهم جميعاً يقفون حول نموذج مادي.

أما بالنسبة للتعاون الجماعي، فإن ميزات مثل السبورة البيضاء الافتراضية ومساحات العمل الرقمية المشتركة تمكن من تبادل الأفكار والتعليقات التوضيحية كما لو كان المشاركون في الغرفة نفسها، ما يوفر ملاحظات بصرية بالغة الأهمية لتطوير المنتجات والابتكار، وهذا من شأنه أن يغير طبيعة التواصل بشكل جذري من تفاعل ثنائي الأبعاد قائم على الأدوار إلى تفاعل طبيعي.

اقرأ أيضاً: ما هو دور الواقع الافتراضي في بناء مدن المستقبل؟

ما هي النتائج التي يمكن للمؤسسات توقعها عند تطبيق الواقع الافتراضي والواقع المعزز؟

يمكن للمؤسسات التي تطبق الواقع الافتراضي والواقع المعزز في التدريب والاتصال أن تتوقع رؤية تحسينات كبيرة وهي:

أولاً: التدريب والتطوير 

تعد تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز فعالة بشكل خاص في تدريب موظفي الشركات، من خلال توفير تجارب عملية غامرة لا تستطيع الأساليب التقليدية إجراءها، ومن أهم النتائج:

- زيادة الاحتفاظ بالمعرفة: لأنها أكثر فاعلية من الأساليب السلبية مثل المحاضرات أو مقاطع الفيديو، إذ أظهرت دراسة أن التدريب باستخدام الواقع الافتراضي يمكن أن ينتج عنه معدل احتفاظ بالمعرفة بمعدل يصل إلى 80% بعد عام واحد من التدريب مقارنة بالتدريب التقليدي، حيث قد ينسى الموظفون 70% مما تعلموه في غضون يوم واحد و90% في غضون شهر.

- تحسين الكفاءة وتوفير التكاليف: إذ يلغي النفقات المتعلقة بالسفر ومواد التدريب المادية والإنتاجية المفقودة، بالإضافة الى سرعته، إذ يمكن للموظفين إكمال التدريب بسرعة، ما يسمح لهم بأن يصبحوا بارعين بسرعة أكبر.

- محاكاة آمنة وواقعية: توفر بيئة خالية من المخاطر للتدريب في سيناريوهات عالية الخطورة أو المعقدة، ما يتيح للموظفين التدرب وارتكاب الأخطاء في مكان آمن، ما يؤدي إلى تحسين السلامة ويقلل احتمالية وقوع الحوادث.

- تدريب موحد وقابل للتطوير: من خلال تلقي كل موظف تجربة التدريب عالية الجودة نفسها، ما يؤدي إلى تطوير المهارات بشكل متسق عبر المؤسسة بغض النظر عن الموقع.

تعزيز تنمية المهارات: يمكن استخدامه لتدريب ممثلي خدمة العملاء على كيفية تخفيف حدة المحادثات الصعبة، من خلال السماح لهم بتجربة الحالة العاطفية للعميل، وهو أمر بالغ الأهمية للتعلم وتصحيح الأخطاء في الوقت الفعلي.

اقرأ أيضاً: لماذا يتعين على الشركات الاهتمام بالواقع الافتراضي ثلاثي الأبعاد «ميتافيرس»؟

ثانياً: التواصل التنظيمي

في حين أن التدريب هو حالة استخدام أساسية، فإن الواقع الافتراضي والواقع المعزز يوفران أيضاً مزايا فريدة للتواصل التنظيمي منها:

- رسائل أكثر جاذبية ولا تنسى: يمكن للواقع المعزز أن يراكب المعلومات الرقمية على العالم المادي، ما ينشئ تجربة أكثر ثراءً وتفاعلية لتوصيل المعلومات، ومن المرجح أن يتم تذكر هذا النوع من التواصل ومشاركته.

- التعاون المعزز: يمكن أن يسهل الواقع المعزز المساعدة والتعاون عن بعد في الوقت الفعلي، ما يؤدي إلى حل المشكلات واستكشاف الأخطاء وإصلاحها بشكل أكثر كفاءة.

- تحسين تصور المنتج: يمكن استخدام الواقع المعزز لعرض المنتجات بطريقة تسمح للعملاء والموظفين بالتفاعل معها رقميا، ما يعد مفيداً لفرق التصميم للتعاون في النماذج الأولية ولفرق المبيعات لعرض المنتجات على العملاء. 

التحديات التي تواجه استخدام الواقع الافتراضي والواقع المعزز

على الرغم من الإمكانات التحويلية لتكنولوجيا الواقع المعزز والافتراضي في تحسين عمليات التدريب والتواصل، فإنه ينبغي لمؤسسات خوض غمار عدد من التحديات ومعالجتها. وتعد التكلفة الأولية المرتفعة لتطوير المحتوى وإنشائه من أبرز هذه التحديات، إذ غالباً ما يتطلب مواهب متخصصة مثل مصممي النماذج ثلاثية الأبعاد ومطوري محركات الألعاب ومصممي البرامج التعليمية.

بالإضافة إلى ذلك، مع تزايد دمجهما في بيئات العمل المهنية يثيران مجموعة من الاعتبارات الأخلاقية والخصوصية الحاسمة التي ينبغي للمؤسسات معالجتها بشكل استباقي، مثل جمعهما كميات غير مسبوقة من البيانات البيومترية الحساسة في الوقت الفعلي، التي يمكن استخدامها لاستنتاج المشاعر وردود الفعل.

اقرأ أيضاً: الواقع الافتراضي يمكنك من التدرب على فصل موظف ويعطيك نتيجة لأدائك‎

مستقبل التكامل الحتمي للتقنيات الغامرة في التدريب والتواصل

من المتوقع أن تحسن تكنولوجيا الواقع المعزز والواقع الافتراضي بشكل جذري كيفية تدريب الموظفين وتواصلهم، فالمؤسسات التي تتبنى هذه التقنيات مبكراً تكتسب الخبرة والثقة، خاصة وأن وحدات التدريب الجاهزة قد بدأت بالظهور في السوق، كما أن الأجهزة نفسها أصبحت تشهد تحسناً ملحوظاً من حيث الخفة والوزن والراحة في الاستخدام.

بالإضافة إلى ذلك، تشير العديد من التوجهات إلى أن الواقع المعزز والواقع الافتراضي سيصبحان أكثر اندماجاً في بيئات العمل، حيث ستتيح شبكات الجيل الخامس تجارب أكثر ثراءً من خلال تقليل زمن الوصول، كما سيعزز الذكاء الاصطناعي هذه التقنيات من خلال توفير تدريب وتواصل أكثر استجابة وتكيفاً. ومع التنفيذ المدروس، من المتوقع أن تواصل هذه التكنولوجيا النمو لتصبح أداة أساسية في بيئات العمل المهنية.

المحتوى محمي